مقدمة :
يُشكل الشباب القوة الدافعة لتحقيق التنمية والارتقاء لأي مجتمع من المجتمعات، فهم بمثابة رأس المال الحقيقي للمجتمع؛ إذ يمتلك الشباب طاقات تمكنهم من القيام بدور فاعل في عملية البناء والتغيير، وهو الأمر الذي يُسهم في بناء الأوطان، ويعزز من القدرة على تحقيق الريادة المستقبلية وضمان استدامتها، لذا تسعى حكومات دول العالم إلى الاستثمار في الشباب عبر بناء وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، وتمكينهم وإشراكهم في صياغة سياسات تنموية مستدامة؛ وذلك من أجل الدفع بعجلة التنمية والابتكار والإبداع، وإحداث التغيير الاجتماعي الإيجابي اللازم. فالشباب هم الركيزة الأساسية لصناعة حاضر ومستقبل بلادهم، وقد أكَّد الرئيس «عبد الفتاح السيسي» دورهم الفعال في تحقيق التنمية المستدامة وبناء المستقبل، وذلك عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك -بمناسبة اليوم العالمي للشباب 2019- قائلًا: «لطالما كان إيماني بالشباب يزداد يومًا بعد يوم، فكلما تأملت كيف يصيغون حاضرهم ويشيدون مستقبلهم، زاد إيماني بأن الشباب هم كلمة السر لعالم أكثر استقرارًا وسلامًا.
وللأهمية التي يشكلها الموضوع، وفي إطار اهتمام الدولة بكل مؤسساتها بالدفع تجاه تمكين الشباب في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، سنلقي الضوء في هذا المقال على مسارات تمكين الشباب المصري، ودور منتدى شباب العالم في صناعة الكوادر الشبابية، ومشاركة الشباب في صنع السياسات، وتقريب وجهات نظرهم في الموضوعات المختلفة، وذلك من خلال عدة محاور، أولها: مسارات تمكين الشباب، وثانيها: الاعتراف العالمي بدور الشباب، وثالثها: استراتيجية تمكين الشباب المصري، ورابعها: رحلة منتدى الشباب، أما الخامس والأخير: أرقام وإحصائيات عن المنتدى.
أولًا: مسارات تمكين الشباب
إن تمكين الشباب يأتي في إطار تمكين المجتمع، فهو عملية مركبة (اجتماعية تفاعلية تنموية)، حيث ترتبط بإيجاد وتوفير الخبرات والإمكانات المادية والفنية اللازمة، فضلًا عن خلق تصورات ذاتية للفرد تُسهم في تعزيز الثقة والشجاعة واتخاذ القرار الصائب، لذا فإن تمكين الشباب يستهدف الحث على تحقيق الفاعلية السياسية والعدالة الاجتماعية، ومن ثَمَّ تحسين جودة الحياة، وهناك العديد من المجالات الخاصة بتمكين الشباب، منها:
التمكين السياسي: والذي يُسهم في ترسيخ ثقافة المشاركة السياسية لدى الشباب؛ حيث تتعدد الأطر والآليات التي يمكن من خلالها تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، ومن هذه الأطر: انخراط الشباب في الأحزاب السياسية وتفعيل دورهم، وعضوية الشباب في المجالس النيابية، وإيجاد مساحات حوار مشتركة وفتح قنوات اتصال مباشرة مع الدولة ومؤسساتها، وتنفيذ نماذج محاكاة للتدريب على الممارسة السياسية.
التمكين الاقتصادي: والذي يتعلق بإيجاد وتوفير فرص عمل لائقة للشباب، وخفض معدلات البطالة، وتنفيذ مبادرات لتعزيز فرصهم في سوق العمل.
التمكين الاجتماعي: والذي يُسهم في تعزيز مشاركة الشباب في الأعمال الاجتماعية والتطوعية، وهو الأمر الذي يساعد في النهوض بالمجتمع وتحسين مستوى حياة أفراده.
ثانيًا: الاعتراف العالمي بدور الشباب
نظرًا للدور الحيوي والفعال الذي يلعبه الشباب في تنمية المجتمع والتصدي للأزمات المختلفة، وبناء مستقبل الأمم، أكدت المنظمات الدولية أهمية الاعتراف بدورهم وتخصيص برامج تنموية فعالة لضمان تمكينهم وإدماجهم في عملية صنع القرار، وفي هذا الإطار، أكد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» -في كلمته في أثناء الاحتفال باليوم الدولي للشباب 2021- أن «الشباب يقف في الخطوط الأمامية للنضال من أجل بناء مستقبل أفضل للجميع»، مشيرًا إلى أن «جائحة كوفيد-19 سلَّطت الضوء على الحاجة الماسة إلى تحقيق ما يسعى إليه الشباب من تغيير مفضٍ إلى التحوّل.. ويجب أن يكون الشباب شركاء كاملين في هذه الجهود.
كما أنه أوضح خلال رسالته للشباب أن احتفالية عام 2021 سلَّطت الضوء على الحلول التي طورها المبتكرون الشباب لمواجهة التحديات التي تواجهها المنظومة الغذائية، وإسهامها في معالجة عدم المساواة في الأمن الغذائي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتهديدات التي تتعرض لها بيئتنا، وأكثر من ذلك بكثير.
والجدير بالذكر أنه يتم الاحتفال باليوم الدولي للشباب في 12 أغسطس من كل عام، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1998، بوصفه يومًا رسميًّا لشباب العالم، بهدف الاحتفال بالشباب، وإبراز أصواتهم وأعمالهم ومبادراتهم، وتعميمها للمشاركة في الحياة العامة والعملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسترشد الأمم المتحدة باستراتيجية «شباب 2030» في تنفيذ برامجها لدمجهم بالمجتمع، وهي استراتيجية تعزز عملها من أجل الشباب ومعهم في جميع أنحاء العالم.
واتساقًا مع ما سبق، يقوم برنامج اليونسكو للشباب بتسليط الضوء على الأصوات الشبابية وتشجيعهم على العمل من خلال تنفيذ استراتيجية اليونسكو التنفيذية بشأن الشباب (2014 – 2021)، والتي تؤكد أن الشباب ليسوا مجرد مستفيدين، بل هم أيضًا قادة وشركاء أساسيين في الجهود الرامية للتوصل إلى حلول للقضايا والتحديات التي تواجه شباب العالم في يومنا هذا، ويجب إشراكهم إشراكًا كاملًا في التنمية الاجتماعية، وتوفير الدعم اللازم لهم في هذا الخصوص من قِبل مجتمعاتهم.
ثالثًا: استراتيجية تمكين الشباب المصري
نظرًا لما يمثله الشباب المصري من نسبة كبيرة من إجمالي عدد السكان في مصر، تولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بتأهيل شبابها وتمكينهم؛ إذ تعول عليهم القيام بتنفيذ خططها المستقبلية، فوفقًا للبيان الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة اليوم الدولي للشباب 2021، قد بلــغ عــدد الشبــاب في الفئة العمرية (18 – 29 سنة) نحو 21.3 مليــون نسمة بنسبــة 21% من إجمالي السكان (51.5% ذكـــور، 48.5% إنـــاث)، كما يمثل الشباب المصري (أقل من 40 عامًا) نحو 60% من التعداد السكاني لمصر.
والجدير بالذكر أنه منذ تولِّي السيد الرئيس «عبد الفتاح السيسي» رئاسة الجمهورية عام 2014، احتلت قضايا الشباب صدارة أولوياته، وقد تجلّى ذلك في اتخاذ الدولة المصرية استراتيجية لضمان تحقيق قفزة نوعية ذات طبيعة تحولية للشباب في مصر تسمح بتمكينهم في جميع المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، وفي هذا الإطار حققت الدولة المصرية مجموعة من الإنجازات المرتبطة بتأهيل وتمكين شبابها، ويمكن ذكر أبرزها فيما يلي:
رابعًا: رحلة منتدى شباب العالم
يُعد منتدى شباب العالم نموذجًا يُحتذى به فيما يتعلق بتمكين الشباب المصري، فهو إحدى آليات التواصل بين الشباب وصانعي السياسات؛ حيث يتم في ضوئه مناقشة مختلف القضايا، وتطورات الأوضاع والأحداث، وطرح الرؤى والمبادرات التي تُشكل حلولًا لتلك القضايا، لذا فهو يُعد بمثابة نموذج حي لعملية مشاركة وإدماج الشباب لصياغة السياسات بالشراكة مع صانعي القرار.
وقد بدأت رحلة المنتدى عندما عرض مجموعة من الشباب المصري، خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسماعيلية في 25 أبريل 2017، مبادرتهم حول إجراء حوار مع شباب العالم. واستجابةً من الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، أعلن على الفور دعوته لجميع الشباب من مُختلَف دول العالم، ليعبِّروا عن آرائهم ورؤيتهم لمستقبل أوطانهم وللعالم أجمع، ومنذ ذلك الحين أصبح منتدى شباب العالم حدثًا عالميًّا يُعقد سنويًّا بمدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء، تحت رعاية رئيس الجمهورية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في ضوء التعبير عن فكرة المنتدى صُمِّم شعار مميز له؛ حيث يتكون الشعار من: المثلث والذي يرمز إلى الأهرامات المصرية التي تُعبِّر عن الحضارة العريقة للمصريين القدماء، والمربع الذي يعبِّر عن خريطة العالم والتقاء كل شعوب وثقافات وحضارات العالم على أرض مصر، والدائرة التي ترمز إلى شباب العالم باعتبارهم القلب النابض الذي يقود مستقبل العالم.
ويهدف المنتدى إلى جمع شباب العالم؛ من أجل تعزيز الحوار ومناقشة قضايا التنمية، وإرسال رسالة سلام وازدهار من مصر إلى العالم. كما يتناول المنتدى ثلاثة محاور رئيسة، هي: السلام والتنمية، والإبداع، ومن خلالها تُناقَش عدد كبير من الموضوعات المختلفة التي تهم الشباب؛ مما يخلق منصة للتعبير عن وجهات النظر وتقديم الأفكار وتبادل الخبرات من خلال الجلسات وورش العمل، والجدير بالذكر أن لجنة التنمية الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة قد اعتمدت نسخ منتدى شباب العالم في مصر، كمنصة دولية لمناقشة قضايا الشباب.
كما يقدم منتدى شباب العالم، مجموعة متنوعة من الجلسات والنقاشات والفاعليات وورش العمل؛ مما يسمح للشباب باكتساب خبرات كبيرة في أثناء مشاركتهم؛ إذ يمكن لأي منهم الوجود في منتدى شباب العالم ضمن الحضور، أو كمتحدث، أو مشارك حقق إنجازًا في مجال ما، أو مشارك في ورشة عمل أو في مسرح الشباب العالمي.
أرقام وإحصائـيـات عن المنتدى
شارك بالنسخة الأولى من منتدى شباب العالم في نوفمبر 2017 نحو 3000 شاب وشابة من 113 دولة، وضم المنتدى أكثر من 40 جلسة حوارية.
شارك بالنسخة الثانية من منتدى شباب العالم في نوفمبر 2018، أكثر من 5000 من شباب العالم بمختلف الثقافات ممثلين لـ 160 دولة، ونُوقِشَت 18 قضية خلال 30 جلسة.
شارك بالنسخة الثالثة من منتدى شباب العالم في ديسمبر 2019، أكثر من 7000 شاب من 197 دولة.
وعلى الرغم من اجتياح فيروس كورونا للعالم خلال العاميين السابقين، فإن إدارة المنتدى قد تلقَّت خلال النسخة الرابعة من المنتدى في يناير 2022، أكثر من 500 ألف طلب تسجيل من شباب العالم للحضور والمشاركة فيه من مختلف القارات بالترتيب الآتي: إفريقيا، أوروبا، آسيا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية.
وختامًا، يُشكل منتدى شباب العالم نموذجًا فريدًا من نوعه باعتباره أداة لتبادل الرؤى، ومنصة حوار وتواصل بين الشباب وصانعي القرار في أرجاء العالم كافة، وعليه يجب البناء لاستكمال مسيرة تمكين الشباب المصري.