ألبان دي روشبرون
كشفت “ديسكلوز“، وهي منظمة فرنسية غير حكومية متخصصة في الصحافة الاستقصائية، مؤخراً عن أدلة دامغة تفضح كيف تعاونت فرنسا بشكل كامل مع نظام السيسي من حيث الدعم العسكري والسياسي، وذلك لحدٍ يصل إلى درجة التواطؤ الفعلي النشط في إطار الجرائم التي ترتكبها الدولة. ويعتمد هذا على شهادة قدمها مصدر رئيسي في القضية وتسريبات لمئات الوثائق السرية المسماة بـ أوراق مصر.
لقد دمّرت هذه المعلومات التي كشفتها “ديسكلوز” تماماً القشرة الرقيقة التي كانت تحيط بسمعة مصر، كشريك استراتيجي ضد الإرهاب. إذ يبدو الآن للجميع أن النظام المصري غير جدير بالثقة، وأنه غير أمين مع شركائه، وأنه غير راغب من الأساس في محاربة الإرهاب. وكما أوضح رئيس المخابرات العسكرية الفرنسية في وثيقة سرية نُشرت بتاريخ 1 يونيو 2017، فإن “ترتيب أولويات مصر يكون على النحو التالي: 1- التهريب، 2- الهجرة غير الشرعية، 3- الإرهاب”.
إن الكشف عن المعلومات السرية محظور بموجب القانون الفرنسي، حتى بالنسبة للمُبلّغين عن المخالفات والانتهاكات. وهذا يعني أن كلاً من صحفيي “ديسكلوز” والمصدر الذي أمدهم بالمعلومات يواجهون جميعاً عقوبة السجن لمدة 5 سنوات. لكن الأمر كما يقول المصدر، أنه “لو أن البرلمان استطاع القيام بدوره بالفعل، لما كنا نقف في هذا الموقف اليوم. فقد أدى الخلل الموجود في نظامنا إلى قيام مجموعات من الأفراد مثلنا بخرق القواعد التي تم وضعها للحفاظ على مثل هذا النظام، لأنه ببساطة لا ينبغي استمراره بهذا الشكل نهائياً”. وفي الواقع، فإنه يتم إصدار تراخيص تصدير الأسلحة في فرنسا من خلال نظام يحيطه الغموض بحيث لا يوجد دور للبرلمان فيه؛ بحيث يبدو أن للعبة السياسة ودورة رأس المال لصناعة الأسلحة الفرنسية وزن يفوق وزن وأهمية القانون الدولي. هذه هي طبيعة الإجراءات التي تم تمرير إجراءات بيع أنظمة المراقبة والتعقب الجماعي والمدرعات الفرنسية الصنع من خلالها، لصالح أنظمة استبدادية، مثل نظام السيسي، على الرغم من حقيقة أنها تُستخدم في الأساس ضد الشعب المصري نفسه.
وفيما يلي نورد تذكيراً بأهم النقاط التي كشفت عنها “ديسكلوز” هذا الأسبوع:
– قدمت فرنسا لمصر خدمات رصد ومراقبة استخبارية في عملية عسكرية سرية مشتركة تحت اسم “سيرلي” في الصحراء الغربية بمصر منذ فبراير 2016. ومنذ ذلك الحين، قام فريق فرنسي برفقة أحد الضباط المصريين بالتحليق فوق عدة أجزاء من غرب مصر على متن طائرة استطلاع “ستكون بمثابة آذان وعيون الفريق”.
– وبحسب منظمة “ديسكلوز”، فإن عملية “سيرلي” تهدف إلى جمع معلومات استخبارية عن التهديدات الإرهابية المحتملة القادمة من ليبيا. ومع ذلك، ففي مناسبات عديدة، أعرب العسكريون الفرنسيون المشاركون في العملية عن قلقهم بأن المعلومات الاستخباراتية التي تم إرسالها إلى نظرائهم المصريين قد تم استخدامها بالفعل من قبل القوات الجوية المصرية في قصف المدنيين الذين يُزعم تورطهم في أنشطة تهريب لا علاقة لها بالإرهاب. كما أظهر الضباط الفرنسيون أيضاً قلقهم بشأن عدم وجود تدقيق استخباراتي من قبل المصريين قبل قيامهم بالقصف. واستناداً إلى الوثائق السرية التي تمكنت “ديسكلوز” من الوصول إليها، فإن المنظمة الفرنسية كشفت أن القوات الفرنسية شاركت في ما لا يقل عن 19 قصفاً جوياً استهدف مدنيين بين عامي 2016 و 2018، وهو ما يرقى إلى عمليات قتل خارج نطاق القانون لما لا يقل عن 100 ضحية من المدنيين.
– وفي تقرير لتقييم سري حول 96 مهمة تم القيام بها في عام 2016، أعرب أحد الضباط الفرنسيين عن أسفه بأن “مشكلة الإرهاب لم يتم مناقشتها على الإطلاق”. كما استنكر التقرير القيود العديدة التي يفرضها الشريك المصري، بما في ذلك منع الوصول إلى سيناء، حيث يتواجد الإرهابيون. وفي مذكرات متعددة رفعها الضباط الفرنسيون لرؤسائهم، وصف الطاقم العسكري الفرنسي عملية “سيرلي”، بكل صراحة، بأنها لا تمت بأي صلة لحرب فرنسا ضد الإرهاب.
– وتشير وثائق أخرى إلى أنه قد تم إبلاغ مكتب الرئيس هولاند، وكذلك مكتب الرئيس ماكرون، مراراً وتكراراً بخصوص العملية والمخاوف التي أعرب عنها الضباط الفرنسيون على نحو ما ذُكر أعلاه. ومع ذلك، فإنه يُعتقد بأن عملية “سيرلي” لا تزال مستمرة حتى اليوم.
خديعة مكافحة الإرهاب
لا تُعدّ هذه التسريبات مفاجئة بالنسبة لمن يتابعون الأوضاع في مصر وما يسمى بالشراكة الإستراتيجية بين مصر وفرنسا منذ انقلاب يوليو 2013. إنها تؤكد وتعزز للأسف ما كان يتحدث عنه المدافعون عن حقوق الإنسان والخبراء السياسيون طوال الوقت: بأن سردية “مكافحة الإرهاب” التي تستخدمها كلا البلدين هي مجرد ذريعة لتحقيق أهداف أدنى شرفاً من ذلك بكثير، مثل تلك التي يتم غض الطرف عنها كالقمع ومبيعات الأسلحة. في الواقع، فإن المركز الفرنسي للتحليل والتخطيط والاستراتيجية، الذي يعمل تحت إشراف وزارة الخارجية، قد أثار في مذكرة أصدرها في أغسطس 2016 مخاوف بأن “القمع الوحشي يوفر للحركات الجهادية المحلية فرصاً كبيرة للتجنيد”.
“يجب أن نبيع للحفاظ على صناعتنا… مهما كانت الكُلفة”، المصدر
لقد وصفت كل من حكومة فرانسوا هولاند وحكومة إيمانويل ماكرون العلاقة بين فرنسا ومصر بأنها شراكة استراتيجية في الحرب على الإرهاب. ومنذ عام 2015 والصدمة التي سببتها سلسلة الهجمات الإرهابية ضد فرنسا، أصبحت محاربة الإرهاب ممراً سحرياً لتدمير أي شخص ينتقد القادة السياسيين. ويتساءل مصدر “ديسكلوز”: “من يستطيع أن يعتقد بجدية بأن نظام السيسي المستبد يمكن أن يحقق الاستقرار في المنطقة؟” مضيفاً: “ومع ذلك، فهناك عدد قليل للغاية من النواب هم الذين ينتقدون العلاقة التي تربط فرنسا بمصر.
وقد أثار الضباط الفرنسيون مراراً وتكراراً في مذكراتهم عدم وجود أي صلة بين العملية العسكرية “سيرلي” ومكافحة الإرهاب. لكن القادة السياسيين تجاهلوا هذه التنبيهات. ويبدو الآن أنه من الواضح أن ذريعة الحرب على الإرهاب قد استُخدمت فقط كغطاء لتجميل بيع أسلحة بمليارات الدولارات، والتي غالباً ما يتم استخدامها ضد المدنيين والمعارضين المصريين، وكذلك استُخدمت هذه الذريعة كغطاء لتجاهل أزمة حقوق الإنسان هناك. وفي جميع الحالات، أوجدت هذه العلاقة الحميمة أيضاً السياق المناسب لتمرير عقود البنى التحتية للشركات الفرنسية في مصر، مثل توسعة مترو الأنفاق بالقاهرة.
جان إيف لودريان، وزير تصدير الأسلحة
في الواقع، فإنه قد تم حشد الجهاز الدبلوماسي-الاقتصادي-العسكري الفرنسي بأكمله لاحتضان النظام الجديد في مصر في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا، في يوليو 2013. وبهذه الطريقة فهم يتجاهلون أيضاً المخاوف التي يعرب عنها الدبلوماسيون حول هذا القمع الذي يجري هناك. ففي أعقاب المذبحة التي وقعت في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، وراح ضحيتها ما يقرب من 1,000 متظاهر على أيدي قوات الشرطة والجيش المصري، في أعقاب ذلك، شاركت فرنسا في التوقيع على البيان الذي أصدره الاتحاد الأوروبي “بالموافقة على تعليق تراخيص تصدير أي معدات يمكن أن تُستخدم في القمع الداخلي بمصر”. ومع ذلك، فقد سمحت باريس بنقل مختلف المواد التي تستخدمها مركبات شيربا المدرعة (التي تقوم بتصنيعها شركة “رينو تراكس ديفينس”)، والتي تم استخدامها بالفعل خلال الأسابيع الماضية ضد المتظاهرين هناك.
وفي نوفمبر 2013، أشارت مذكرة قدمها المستشارون العسكريون للحكومة الفرنسية إلى وزارة الخارجية إلى أن النظام المصري كان يفكر في “تحديث كل من معداته وبنيته التحتية قبل أن تأتي حكومة ديمقراطية جديدة يمكن أن تحمّله المسؤولية”. وتستطرد المذكرة بأن “وزارة الدفاع المصرية تنتظر إشارة قوية من فرنسا بهذا الخصوص” و “بالمناسبة، فقد تم استبعاد بعض الدول من بعض صفقات الأسلحة المحتملة نتيجة المواقف السياسية القوية التي اتخذوها تجاه مصر” (في أعقاب الانقلاب).
وبعد بضعة أشهر، قام جان إيف لو دريان، الذي كان وزير الدفاع آنذاك، بإبرام أول صفقة له مع البحرية المصرية لبيع أربع طرادات من طراز “جويند” وفرقاطتين من طراز “فريم”. وتبع ذلك عقد صفقات تُقدر بعشرات المليارات من اليورو منذ ذلك الحين، بما في ذلك طائرات رافال، واثنتين من حاملات الطائرات (ميسترال)، وبرامج للمراقبة الجماعية التي تنتجها شركة “نيكسا تكنولوجيز” ونظام مراقبة الاتصالات الهاتفية “إيركوم” (“تاليس” الآن)، والقمر الصناعي العسكري “إيرباص-تاليس” ومركبات مدرعة من “رينو تراك ديفينس”.
وسرعان ما أصبح لجان إيف لودريان الذي زار مصر ما لا يقل عن 16 مرة منذ يوليو 2013 دور محوري في هذه العلاقة الخاصة. فقد شغل منصب وزير الدفاع من عام 2012 حتى عام 2017 إبان حكم الرئيس الفرنسي هولاند. ثم تم تعيينه وزيرا للخارجية من قبل الرئيس المنتخب حديثا آنذاك إيمانويل ماكرون في يونيو 2017، مما عزز دوره فقط كمندوب مبيعات لصناعة الأسلحة الفرنسية. وقد نشرت “ديسكلوز” استبياناً قام بتعبئته السفير الفرنسي في القاهرة ستيفان روماتيه في أكتوبر 2017، والذي يهدف إلى فهم تقاسم السلطة بين أركان النظام بمصر. وينص الاستبيان على أن “حشد جميع شبكاتنا (العسكرية والاستخبارية والاقتصادية) هو أمر ضروري من أجل تحسين الوصول إلى قطاع الاقتصاد العسكري” (المصري).
مصر ليست شريكاً موثوقاً
وتستشهد “ديسكلوز” بـ “جاليل هارشاوي”، من “المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود”، وهي منظمة سويسرية غير حكومية، حيث يشدد على أن التهديد الإرهابي القادم من ليبيا “مبالَغ فيه إلى حد كبير من قبل الجيش المصري من أجل الحصول على الدعم على المسرح الدولي” وتشير “ديسكلوز” أيضاً إلى اجتماع دبلوماسي عُقد في عام 2017 مع ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى والمدير العام السابق لقوة حفظ السلام في سيناء من عام 2009 إلى عام 2017. وخلال الاجتماع، أعرب ديفيد ساترفيلد عن اعتقاده بأن “القوات المسلحة المصرية ليست مهتمة بالحرب على الإرهاب في سيناء، وأن الإرهاب يمثل “مصلحة أصيلة” للنظام، حيث يستخدمه من أجل تبرير الدعم الدولي المقدم له والقمع الذي يمارسه.
وفي سيناء حيث لا يتجاوز تقدير عدد المتمردين هناك 1,200 شخص، فشل السيسي حتى الآن في إرساء الأمن. وفي مذكرة تم تسريبها عن طريق “ديسكلوز”، يتحسر ضابط فرنسي على عدم سماح النظام في مصر لهم بالتحليق فوق سيناء حيث يوجد إرهابيون بالفعل.
في الواقع، يثبت التحقيق الذي أعدته “ديسكلوز” بما لا يدع مجالا للشك مدى عدم اهتمام النظام بمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن فرنسا والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة تستمر في تسمية مصر بـ “الشريك الاستراتيجي في الحرب على الإرهاب”. ومما لا يثير الدهشة كثيراً، فقد فرضت مصر الرقابة على موقع “ديسكلوز” الإلكتروني. ومرة أخرى، تُعد مكافحة الإرهاب ركيزة أساسية للتبريرات التي يقدمها النظام.
لقد أظهر صحفيو “ديسكلوز” جانباً آخر مثيراً للقلق في نظام السيسي، وهي: افتقاره للموثوقية. فعلى الرغم من أن الدافع الذي ساق فرنسا للقيام بهذه العملية كان هو احتمالية بيع المزيد من الأسلحة لمصر، إلا أن دخولها في مشروع المراقبة ذلك كان على أساس مساعدة مصر في مكافحة التهديدات الإرهابية الآتية من ليبيا وجمع البيانات المتعلقة بالإرهاب لاستخدامها الخاص، وعلى سبيل المثال البيانات المتعلقة بالإرهابيين الفرنسيين المحتملين في مصر. ولكن، وكما ذُكر فيما سبق، فإنه مع نهاية عام 2016، عبر الضابط الفرنسي في المذكرة التي قدمها عن تأسّفه بأن “مشكلة الإرهاب لم تتم مناقشتها البتّة” مع الجانب المصري. ويمكن كذلك العثور على بيانات مماثلة في العديد من المستندات السرية الأخرى مع مرور السنين. وعلى حد قول مصدر “ديسكلوز”، فإنه “كانت مصر على مدى سنوات، شريكا ثانوياً: في ظل القليل من التبادلات (التجارية)، والقليل من الزيارات الحكومية رفيعة المستوى، وغياب الشراكة الاقتصادية أو أي شراكة عسكرية ذات بال، ولا تزال [الشراكة العسكرية] ليست هي مربط الفرس (في هذه العلاقات)”.
النظام الاستبدادي الوحشي وشريكه في الجرائم
ومن خلال التحقيقات التي أجرتها “ديسكلوز”، فإن الأنظمة الفرنسية تقدم أدلة على العشرات من عمليات القتل خارج إطار القانون التي يرتكبها النظام المصري ضد المدنيين. وعلى حد قول كريستوف جومارت، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الفرنسية، فإن هؤلاء “الأشرار” (الذين قصفهم الطيران المصري) كان معظمهم من المهربين المحليين الذين يقومون بتهريب السجائر أو الكحول أو أكياس الأرز، وبعضهم كانوا متواجدين في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. وتُذكّر أنييس كلامار، مقررة الأمم المتحدة السابقة المعنية بخصوص عمليات القتل خارج إطار القانون، المشاهدين، في فيلم وثائقي تم إعداده عن #أوراق_مصرية، بأنه بموجب القانون الدولي، لا يمكن للمرء أن يَقتل على أساس الهوية الجنائية للفرد، وتصف عمليات القتل تلك بأنها “جرائم دولة”.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر (القتل خارج إطار القانون) لم يتم تأكيده بعد، إلا أن هذه الجرائم ضد المدنيين منتشرة على نطاق واسع، وقد تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية. ومع سماح الحكومة الفرنسية باستمرار عملية “سيرلي” على الرغم من التحذيرات العديدة التي قدمها ضباطها، فهل يمكن أن تكون فرنسا شريكاً في هذه الجرائم؟ فعلى العكس من مصر، فقد صدّقت فرنسا على نظام روما الأساسي. وهذا يعني أنه يمكن إعداد شكوى وتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية. كما يمكن أيضا اتخاذ إجراءات قانونية محتملة مع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان.
القمع والإرهاب
يوضح مصدر “ديسكلوز” ذلك بالقول: “إن التجاوزات في الإجراءات السياسية والعسكرية الفرنسية هي ما تجعلني أخرج عن قاعدة الصمت. انهم يدمرون حتى النخاع الأسباب التي تجعل الرجال والنساء يخدمون بلادهم”.
في الواقع، فإن تكاليف هذه السرديات المختلقة عن “الاستقرار” و “مكافحة الإرهاب” مأساوية. فأول الضحايا هم المصريون. حيث تم قتل المئات بشكل تعسفي خارج أي إطار قانوني. وثاني الضحايا هم الـ 65,000 سجين سياسي في مصر وأقاربهم وأصدقاؤهم، بما في ذلك سيلين ليبرون شعث، زوجة رامي شعث الفرنسية، والمدافعون عن حقوق الإنسان من المصريين، وآمال الربيع العربي التي خانتها فرنسا. ولا ننسى فئة أخرى من الضحايا: وهم ضحايا الإرهاب. وكما أُثير في مناسبات عديدة من قِبل أجهزة المخابرات الفرنسية والأكاديميين الفرنسيين، فإن القمع الشديد الذي لا يرحم وازدواجية الحكومة الفرنسية تمكنان الجماعات الإرهابية من تجنيد مقاتلين جدد.
ردود أفعال وتوقعات
لقد أثار ما كشفت عنه “ديسكلوز” ردود أفعال متباينة في فرنسا. فإلى جانب المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، دعا حزبان يساريان (“لو فرانس إنسوميس” و”ليه فيرت”) رسمياً إلى إجراء تحقيق بقيادة البرلمان. أما المعارضة اليمينية التي تخوض حالياً انتخابات داخلية لاختيار المرشح الرئاسي المقبل، فلم تعلق على الأمر.
وقد أعلن النائب المستقل سيباستيان نادو، الذي اشتُهر بتنديده باستخدام الأسلحة الفرنسية في اليمن من قِبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، أنه يعتزم تقديم شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. كما دعا صناع السلاح الفرنسيين إلى تحمل مسؤولياتهم، قائلاً: “كيف يمكننا إرسال مثل هذا الأنظمة المتطورة للمراقبة إلى دولة ديكتاتورية مثل مصر، حيث ما يحتاج المرء سوى أن يفتح أي صحيفة لمعرفة ما يجري هناك؟”. وفي حديثه عن الدور الأساسي لوزير الخارجية الفرنسي في هذه الفضيحة، أضاف نادو: “إذا كان جان إيف لودريان يحترم قليلاً الجمهورية الفرنسية التي من المفترض أنه يخدمها، فإن الاستقالة هي أقل ما يمكن أن يفعله في هذا الصدد”.
وفي الوقت نفسه، أعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أنه سيتم تقديم شكوى ضد تسريب معلومات سرية وأنه سيتم إجراء تحقيق داخلي لكشف مصادر “ديسكلوز”. وصرّح الرئيس السابق فرانسوا هولاند أنه لم يكن على علم بإساءة استخدام المعلومات الاستخبارية الفرنسية من قبل الشريك المصري وقصف المدنيين بشكل تعسفي.
وقد تلقى نظام السيسي دعماً سياسياً من فرنسا وكذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا، من خلال مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية المتجددة باستمرار وقروض صندوق النقد الدولي والزيارات الحكومية التي جرت منذ 2013-2014. ورداً على الانتقادات التي أثارتها جماعات حقوق الإنسان عن ممارسات النظام في مصر، زعموا جميعاً أنهم لا يملكون خياراً سوى العمل مع مصر باعتبارها شريك رئيسي في الحرب على الإرهاب.
لقد دمرت #أوراق_مصرية هذه السردية تماماً: فمصر لا تحارب الإرهاب لكنها استخدمت هذه الذريعة كضوء أخضر لسحق المجتمع المصري وإخضاعه. لقد قتل نظام السيسي بشكل تعسفي الآلاف من شعبه. وفرنسا تعرف ذلك وهي في الواقع متواطئة معه فيه. أما تعاون فرنسا، والدول الغربية الأخرى المصدرة للأسلحة، مع النظام المصري فلا علاقة له البتّة بالإرهاب أو بالدبلوماسية، وإنما هو الجشع والأموال الملطخة بالدم.
.
رابط المصدر: