توجهات إدارة بايدن: الصفقة الإماراتية الإسرائيلية

 عادل رفيق

 

مقدمة

تضم هذه السلسلة مقالات رأي وتحليلات كان بعض أعضاء إدارة الرئيس الأميركي #بايدن قد قاموا بنشرها على فترات متفاوتة حول قضايا متعددة. وقد قام المعهد المصري بترجمة هذه المقالات والتحليلات، للوقوف على ملامح وتوجهات سياستهم الخارجية وقضاياهم الأساسية، بلينكن، العراق، سوريا، إيران ، الإمارات، إسرائيل

من هي باربارا ليف؟

تم تعيين الدبلوماسية المحنكة باربرا أ. ليف مؤخراً مديراً لشئون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي في أعقاب تولي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مهام منصبه. وكانت باربرا  ليف قد عملت سفيرة للولايات المتحدة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 2014 إلى 2018.

وخلال مسيرتها الدبلوماسية، شغلت السفيرة ليف مناصب رفيعة المستوى قبل وصولها إلى أبو ظبي في عام 2014. فقد شغلت منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشبه الجزيرة العربية في مكتب شؤون الشرق الأدنى ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق. وقادت فريق إعادة إعمار المحافظات في البصرة بالعراق؛ وعمل كأول مدير لمكتب الشؤون الإيرانية في الوزارة. وبالإضافة إلى ذلك، عملت في روما وسراييفو وباريس والقاهرة وتونس وتل أبيب وغيرها.

غادرت السفيرة ليف الحكومة كعضو في السلك الدبلوماسي الأعلى وحصلت على العديد من جوائز الشرف والاستحقاق خلال حياتها المهنية. وكانت ليف قد تخرجت من كلية وليام وماري، وحصلت على درجة الماجستير في الشؤون الخارجية من جامعة فيرجينيا. وتتحدث ليف اللغة العربية والفرنسية والإيطالية والصربية الكرواتية.

وحسب موقع فوكس الأمريكي، تنضم ليف إلى الفريق الذي يقوده بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي السابق إلى التحالف لهزيمة تنظيم الدولة، الذي تم تعيينه في البيت الأبيض منسقاً جديداً للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي. وهذا أمر منطقي، حيث أمضت ليف معظم حياتها المهنية في التعامل مع القضايا في المنطقة، بما في ذلك مهام منفصلة كمسؤول كبير في وزارة الخارجية لشبه الجزيرة العربية والعراق، وكأول مديرة للوكالة لمكتب الشؤون الإيرانية. عملت أيضاً في إسرائيل ومصر وتونس، من بين مهام أخرى.

وتأتي أهمية تعيين ليف إلى أنها تتمتع بخبرة واسعة في السياسة الأميركية تجاه الخليج، حيث شغلت سابقاً منصب المسؤول الأعلى في وزارة الخارجية لشبه الجزيرة العربية، وقبل ذلك كانت المسؤول الأعلى في الوزارة بالنسبة للعراق، في ظل إدارة أوباما. وكانت كذلك أول مديرة للشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية.

وأمضت ليف معظم حياتها المهنية في التعامل مع القضايا في المنطقة، بما في ذلك مهام منفصلة كمسؤول كبير في وزارة الخارجية لشبه الجزيرة العربية والعراق، وكأول مديرة للوكالة لمكتب الشؤون الإيرانية. وعملت أيضاً في إسرائيل ومصر وتونس، ضمن مهام أخرى.

وبعد تركها للعمل الحكومي في عام 2018، انضمت ليف إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل ومقره واشنطن العاصمة. وهناك قدمت ليف أفكاراً حول علاقة أميركا بدولة الإمارات – الحليف الرئيسي في الخليج – والعلاقات المزدهرة بينها وبين “إسرائيل”، فضلاً عن الوجود الدبلوماسي الأميركي في العراق.

وبينما كان البعض قلقاً من أن بيع طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار وقنابل متطورة للإمارات من شأنه أن يجعل الدولة الخليجية لاعباً إقليمياً أقوى، قالت ليف إنها لا تخشى هذا الاحتمال. وقالت “هذا لن يغيّر التوازن العسكري في الشرق الأوسط. إن ترسانات إيران الصاروخية وغير التقليدية هائلة ويمكن أن تلحق أضراراً جسيمة، حتى لو حصلت الإمارات على مقاتلات إف-35.. وفي هذا السياق يأتي مقال ليف عن الإمارات والصفقة الأخيرة بينها وبين إسرائيل.

ففي 19 أغسطس 2020، نشرت باربارا ليف ورقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأمريكي تحت عنوان “حساب الخليج بشأن الصفقة الإماراتية الإسرائيلية”، تتناول فيها رؤيتها حول الصفقة الإماراتية الإسرائيلية.

ومن هنا جاء اختيار باربارا ليف مديراً شئون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، لفتح المجال أمام إمكانية تطبيق رؤيتها وتوجهاتها بالمنطقة، وخاصة ما يتعلق منها بالصفقة الإماراتية الإسرائيلية، ومن هنا تأتي أهمية ترجمة هذا المقال للوقوف على توجهات إدارة بايدن، فيما يتعلق بالمنطقة ككل وبالصفقة الإماراتية الإسرائيلية على وجه الخصوص.

وفيما يلي ترجمة نص المقال:

(ملحوظة: جاءت الورقة التي نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لباربارا ليف على شكل سؤال وجواب، كما يتضح أدناه، مما يوفر وضوحاً شديداً في تناول القضية المطروحة)

لماذا قررت الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل؟ إلى أي مدى كانت إيران أحد العوامل التي أدت إلى ذلك؟

لطالما نظرت القيادة الإماراتية إلى إسرائيل على أنها نموذج لكيفية ازدهار دولة صغيرة في منطقة مليئة بالتهديدات الأمنية. لقد درس الإماراتيون كيف سخَّرت إسرائيل وسنغافورة وغيرهما القيادة القوية، والتكنولوجيا العالية، وقدراً معيناً من المخاطرة إقليمياً وعالمياً، فضلاً عن جماهيرهم المتعلمة تعليماً عالياً للنجاح دبلوماسياً واقتصادياً وأمنياً.

ومنذ الثمانينيات، يذهب الإسرائيليون إلى دبي بجوازات سفر أخرى أو يلتقون برجال أعمال إماراتيين في دول ثالثة (على أرض محايدة). وقد كان الإماراتيون والإسرائيليون يجرون اتصالات سرية، غير رسمية، وغير مباشرة، ولا سيما ما كان منها حول المعلومات الاستخباراتية والأمن، وذلك على مدى أكثر من عقدين.

وقد تسارعت وتيرة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية وعمقها على مدار العقد الماضي بسبب إيران بشكل كبير، فضلاً عن الاضطرابات الإقليمية الأوسع التي أطلقها حرك الربيع العربي في عام 2011. فتصور الإمارات للتهديد الذي تمثله الجمهورية الإسلامية – الواقعة عل بعد 35 أميال فقط  منها عبر مضيق هرمز – كان متقارباً مع وجهة نظر إسرائيل في ذلك. فبالنسبة لأبو ظبي، كانت تدخلات إيران في جميع أنحاء المنطقة – في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن – تمثل التهديد الأكثر أهمية، والأكثر إلحاحاً من ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية وبرنامجها النووي. فقد رأت كل من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل أن حلفاء إيران ووكلاءها، بما في ذلك حزب الله اللبناني، مصدر لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وأنهم يعملون كمنظمات موازية للدول الضعيفة في دولة تلو الأخرى. كما أبدى كلا البلدين مخاوفهما كذلك بشأن الجماعات السنّية المتطرفة.

وقد أصبح توافق التفكير الإماراتي والإسرائيلي بشأن إيران واضحاً بشكل خاص خلال سعي إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران من 2013 إلى 2015. حيث كانت إسرائيل أكثر صراحة في انتقادها لتلك المفاوضات من الإمارات. وحاولت إسرائيل بشكل علني إقناع أعضاء الكونجرس والرأي العام الأمريكي بأن إدارة أوباما لم تنتزع تنازلات كافية من إيران في هذه المفاوضات. وأعرب القادة الإماراتيون، في جلسات خاصة، بشكل حاد عن مخاوف مماثلة. وبينما رحبت الدول الخليجية في ذلك الوقت بالصفقة بشكل علني، كانت تشعر بالإحباط لأن الاتفاق النووي عام 2015 قدم لإيران تخفيفاً للعقوبات مقابل كبحها برنامجها النووي ولكنه ترك سياسات وأنشطة طهران الإقليمية المدمرة بشكل متزايد دون معالجة.

كيف يمكن أن تؤدي العلاقات الوثيقة بين الإمارات وإسرائيل إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة في مواجهة إيران؟

الإمارات العربية المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليون مواطن فقط، وإسرائيل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي تسعة ملايين نسمة، كلاهما دولتان صغيرتان. ولن يغير تحالفهما بشكل كبير ميزان القوى في المنطقة، على الرغم من أن طهران ستراقب عن كثب اتجاه التعاون الاستخباراتي والدفاعي الإماراتي الإسرائيلي.

فلا تزال إيران قوة إقليمية ثقيلة؛ حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 84 مليون نسمة، ويتكون جيشها من أكثر من نصف مليون فرد نشط ومئات الآلاف من أفراد الاحتياط؛ كما أن لديها أكبر ترسانة للصواريخ الباليستية في المنطقة. لذا، فقد يكون الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي مقلقاً لإيران، لكنه لا يغير وضع طهران في المنطقة.

لطالما نظرت إيران إلى المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة على أن ثلاثتهم يُشَكّلون خصومها الرئيسيين. وقد تتفاعل بشكل أكثر دراماتيكية مع التقارب السعودي الإسرائيلي، على الرغم من أن السعوديين أوضحوا أنهم لن يتبعوا الخطوة الإماراتية في هذه المرحلة. وتكمن قضية الأمن القومي الإيراني الرئيسية في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما سيعنيه ذلك بالنسبة للمفاوضات المحتملة وتخفيف العقوبات.

بالنسبة لدول الخليج، إلى أي مدى تحتل مواجهة إيران الأولوية مقارنة بالقضايا الأخرى؟

لطالما نظرت كل دولة من دول الخليج إلى إيران من خلال منظور مختلف قليلاً عن بعضها البعض. حتى إن الآراء تختلف داخل الإمارات نفسها. حيث كان لدبي تاريخياً علاقات تجارية وثيقة مع إيران. وزادت ثورة 1979 في إيران من حدة الشعور بالتهديد في السعودية والبحرين، حيث تضم كلاهما تجمعات شيعية كبيرة. وكذلك تتمتع عُمان تاريخياً بعلاقة ودية، حتى إنها تكون تعاونية مع إيران في بعض الأحيان نظراً للجغرافيا والتاريخ التجاري والعلاقات الثقافية. وكان السلطان قابوس الزعيم العربي الوحيد الذي تربطه علاقة شخصية بالمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

وقد تصاعد قلق دول الخليج حول الجمهورية الإسلامية بشكل مطرد في السنوات الأخيرة نتيجة لما يلي:

– إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003: فقد أدى مقدم الحكم الديمقراطي في العراق إلى الإتيان بالحكم الشيعي إلى بغداد ووفّر فرصة استراتيجية للنفوذ الإيراني، أو كما قد يقول البعض، الهيمنة على العراق.

– الأعمال الاستفزازية لقوات الحرس الثوري الإيراني في الخليج والهجمات على البنية التحتية للشحن والطاقة في الخليج.

– تطوير إيران لصواريخ باليستية متطورة بشكل متزايد ونقلها هذه التكنولوجيا إلى فواعل غير حكومية مثل حزب الله والحوثيين.

– تدخلات إيران في المنطقة – سواءً في سوريا كداعم لنظام الأسد، أو في لبنان عبر حزب الله، أو في اليمن من خلال الحوثيين.

–  قيام الحرس الثوري الإيراني بتدريب مسلحين شيعة في دول الخليج.

وقد كان قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مهندس ومنفذ سياسات إيران الإقليمية من عام 1998 حتى مقتله في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في عام 2020. حيث كان نهجه يتمثل في استغلال الانقسامات بين الدول العربية وخاصة في الدول التي يمثل الشيعة بها نسبة كبيرة من عدد السكان، والأقليات المهمّشة، أو كما في حالة العراق، الدول التي تنطوي على أغلبية شيعية. فقام الحرس الثوري الإيراني بتسليح وتدريب عناصر من السكان الشيعة، لا سيما في البحرين والسعودية. وقد شعرت البحرين بضعف شديد أمام المساعدات الإيرانية الفتّاكة وتدريب الجماعات الشيعية.

ما هي الانعكاسات على العلاقات الإماراتية الإيرانية في ظل شروع وزيري خارجيتهما في الحوار أوائل أغسطس 2020؟

سيحافظ الإماراتيون على تواصلهم مع الإيرانيين طالما أن الآخرين يرفعون سماعة الهاتف. وقد طبقت الإمارات خطوات دبلوماسية بارعة منذ تصاعد التوترات مع إيران بشكل كبير في صيف عام 2019. وقد فعل الإماراتيون ذلك حتى عندما اتخذوا القرار الاستراتيجي بإخراج علاقتهم مع إسرائيل من الخفاء إلى العلن.

وفي وقت مبكر من ظهور جائحة كوفيد -19، أرسلت الإمارات شحنتين من المساعدات الإنسانية إلى إيران، تخللتها مكالمة هاتفية بين وزراء خارجيتها. كان هذا التواصل ملحوظاً بشكل أكبر خصوصاً أنه قبل عام واحد فقط، كانت إيران قد بدأت سلسلة من الهجمات على البنية التحتية للشحن والطاقة في الخليج وذلك بالهجوم على ناقلات للنفط قبالة سواحل الإمارات.

ويتماشى الاستخدام الذكي للمساعدات الإنسانية مع الركيزة التقليدية للسياسة الخارجية الإماراتية؛ فهو تقليد إماراتي أن تقوم بذلك باعتباره أحد أعمدة سياستها الخارجية. فبعد الكوارث الطبيعية التي سبقت ذلك في إيران، أرسلت أبو ظبي أيضاً مساعدات – على سبيل المثال بعد زلزال “بام” في عام 2003 والأمطار الكارثية والانهيارات الطينية في عام 2019.

ما الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل لدول الخليج المتوجسة من الجمهورية الإسلامية؟

يمكن لإسرائيل أن تقدم معلومات استخباراتية وقدرات إلكترونية هجومية ودفاعية. ومن المرجح أيضاً أن تهتم الإمارات بأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتقدمة، مثل القبة الحديدية. فقد حاول الحوثيون في اليمن مراراً وتكراراً، بفضل التدريب الذي تلقوه من حزب الله ونقل التكنولوجيا من الحرس الثوري الإيراني، توجيه طائرات بدون طيار شمالاً لمهاجمة الإمارات.

وانصبّ اهتمام دول الخليج على كيفية التصدي للطائرات المسيَّرة منذ بداية حملة اليمن، والتي شهدت هجمات منتظمة للحوثيين بهذه الطائرات داخل وخارج البلاد. وقد تصاعدت مخاوفهم بشكل حاد منذ الهجوم الإيراني على قلب منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019. وقد شمل الهجوم الهجين، الذي يُزعم أن إيران نفّذته، طائرات بدون طيار وصواريخ كروز أفلتت من رصد الدفاعات الجوية السعودية. وكانت تلك الضربة، التي أدت إلى خفض إنتاج النفط بشكل مؤقت إلى النصف، بمثابة عمل حرب من قبل إيران، وهو الصراع الذي لم تتجهّز له دول الخليج بشكل كامل، نظراً للاختلاف في حجم الخصوم وترسانة إيران من الصواريخ الباليستية.

كيف تحتاط دول الخليج العربي ضد تهديدات طهران وتتأقلم مع حقيقة أن إيران جارة قريبة؟

غيّرت دول الخليج نهجها تجاه إيران بشكل جزئي وفقاً لدرجة شعورها بأن الولايات المتحدة تساندها. وتضاءلت ثقة دول الخليج في التزام الولايات المتحدة بأمنها خلال إدارتي أوباما وترامب.

فقد شعرت دول الخليج بالضعف بشكل خاص في صيف عام 2019. وفي مايو 2019، أصدر مستشار الأمن القومي جون بولتون تحذيراً صريحاً لإيران من أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائها “سيقابل بقوة بلا هوادة”.

وبعد أسبوع تماماً، ردّت إيران بوضع ألغام لامعة على أربع ناقلات قبالة ساحل الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة. لكن إدارة ترامب فشلت في الرد – دبلوماسياً أو سراً – على ذلك أو على سلسلة من الهجمات طوال الصيف. وبعد يومين، هاجم الحوثيون خط أنابيب النفط شرق-غرب السعودية بطائرات مسيرة.

كان رد الرئيس ترامب على الهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019 بمثابة دعوة حادة لليقظة بالنسبة لدول الخليج؛ حيث قام بالتغريد في 16 سبتمبر، بعد يومين من الغارة، قائلاً: “لسنا بحاجة إلى نفط وغاز الشرق الأوسط، وفي الواقع لدينا عدد قليل جداً من الناقلات هناك، لكننا سنساعد حلفائنا!”. أوضحت إدارة ترامب حينها أن الولايات المتحدة لا تشعر بأنها ملزمة بإنقاذ دول الخليج، حتى في مواجهة هجمات واضحة. وكان هذا بمثابة خروج كامل عن السياسة المنصوص عليها في عقيدة كارت، والتي امتدت 40 عاماً. وفي عام 1980، تعهّد الرئيس جيمي كارتر بأن تستخدم الولايات المتحدة، إذا لزم الأمر، القوة العسكرية للدفاع عن دول الخليج.

وطوال صيف 2019 المتوتر الذي أعقب ذلك، عمل الإماراتيون على تهدئة التوترات مع إيران من خلال التأكيد على أنهم غير مهتمين بهذا الصراع. وفي الماضي، حاول الإماراتيون في كثير من الأحيان تجنب الوقوع في خضم التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية. لكنهم تلقوا أيضاً المزيد من التهديدات القادمة مباشرة من إيران في السنوات الأخيرة.

كانت الإمارات تأمل في أن تؤدي سياسة “الضغوط القصوى” التي اتبعتها إدارة ترامب إلى احتواء إيران من الناحية الإقليمية، وحرمانها من الموارد التي تتيح لها التدخل وزعزعة الاستقرار. فقد تعرض الاقتصاد الإيراني، وخاصة صادراته النفطية، لضربة هائلة بسبب سياسة “الضغوط القصوى” الأمريكية، والتي أدت في عام 2019 إلى وصول صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر تقريباً. لكن إدارة ترامب لم تحدد أبداً مساراً دبلوماسياً واضحاً للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الاتفاق الشامل الذي سعت إليه ظاهرياً.

وبهذا المعنى، انتهى الأمر بالإمارات ودول الخليج الأخرى بأسوأ نتائج ممكنة. فطهران لم تشعر بأن لديها الكثير لتخسره، بل إنها ربما تكسب الكثير من خلال توجيه الضربات. لكن بدلاً من المخاطرة بالصراع المباشر مع الولايات المتحدة من خلال استهداف القوات أو المنشآت الأمريكية، استهدفت إيران البنية التحتية للطاقة والشحن في الخليج.

إن إقامة أبوظبي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يمنح الإمارات بشكل أساسي سهماً آخر في جعبتها لمواجهة التهديد الإيراني. فإسرائيل شريك قوي يمكنها العمل معه الآن بشكل مفتوح ومعلن في مجالات الدفاع والأمن والاستخبارات – وبصرف النظر تماماً عن الفوائد الواضحة التي تراها أبو ظبي في العلاقات التجارية المزدهرة بينهما. قد لا تكون إسرائيل قوة عظمى عالمية، لكنها بالتأكيد قوة إقليمية. لقد قرأ الإماراتيون أيضاً المزاج السياسي في الولايات المتحدة بشكل صحيح وأدركوا أن العديد من الأمريكيين لن يدعموا توسيع المشاركة الأمريكية في الخليج، وخاصة فيما يخص الجانب العسكري.

لماذا الصفقة الآن؟

كان توقيت صفقة التطبيع مدفوعاً بشكل غير متوقّع  باقتناص الفرصة التي قدمتها خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الواضحة لضم أراضي مهمّة يطالب بها الفلسطينيون من أجل دولة مستقبلية، فضلاً عن اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية. فقد رأى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المعروف باسم “مبز”، في ذلك فرصة لتعزيز مكانة الإمارات قبل انتخابات نوفمبر 2020 في الولايات المتحدة من خلال اتخاذ خطوة من شأنها أن تولِّد دعماً قوياً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. حيث كانت صورة الإمارات قد تضررت بشكل كبير في الكونجرس الأمريكي في السنوات الأربع أو الخمس الماضية، بسبب دورها في الحرب في اليمن على وجه الخصوص.

فقد رفعت العلاقة الدبلوماسية الجديدة لدولة الإمارات مع إسرائيل، التي رحّب بها الجمهوريون والديمقراطيون بحرارة، من قيمتها بشكل كبير كشريك للولايات المتحدة في المنطقة. فقد وَضعت الإمارات في وضع مثالي للعمل مع الرئيس دونالد ترامب إذا فاز بولاية ثانية أو مع الديمقراطيين، إذا انتهى بهم الأمر بالسيطرة على البيت الأبيض، وأحد مجلسي الكونجرس أو كليهما.

في الولايات المتحدة، كان الرئيس ترامب يبحث عن تحقيق انتصار ما في السياسة الخارجية وسط انتقادات بشأن استجابة إدارته لوباء كوفيد-19 ومع اقتراب الانتخابات. أما في إسرائيل، فكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حريصاً على إثبات موقفه الراسخ بأنه يمكنه إيجاد شركاء سلام من العرب بغض النظر عن التقدم على المسار الفلسطيني. لقد كان هو الآخر غارقاً في المشاكل السياسية الداخلية، ولكن هذا الاختراق حقق له ارتياحاً كبيراً.

ما الذي تعكسه الصفقة الإماراتية الإسرائيلية بشأن الأولويات الاستراتيجية الأوسع للدول العربية اليوم، ولا سيما في الخليج العربي؟

لعقود من الزمن، كان الفلسطينيون هم القضية الأساسية في المنطقة. لم تتراجع القضية تماماً، لكنها طغت عليها الاضطرابات الإقليمية منذ الانتفاضات التي اندلعت عام 2011، والحرب في العراق، وبالنسبة للبعض، التوترات مع إيران. وحتى بين الجيل الأكبر سناً الذي نشأ مع القضية الفلسطينية، أصبح البعض في الخليج يشعرون بشكل متزايد بأنهم كرّسوا الكثير من الوقت والمال للفلسطينيين دون تحقيق نتائج ملموسة لذلك. وكان الإماراتيون واضحين للغاية في إعلان إحباطهم من قيادة السلطة الفلسطينية، وخاصة محمود عباس.

قال المتحدث باسم السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن ما قامت به الإمارات “خيانة للشعب الفلسطيني”. هل تخلت الإمارات عن الفلسطينيين خوفاً من إيران؟

الإماراتيون لم يتخلّوا عن الفلسطينيين. ولكنهم بدلا من ذلك أعطوا الأولوية لأمنهم القومي. سيستمر الإماراتيون في المساهمة في ذلك مالياً، على الرغم من علاقاتهم المتوترة مع الرئيس محمود عباس. حيث تؤكد حادثة وقعت مؤخراً على التوترات التي تشوب تلك العلاقات – ففي مايو 2020، رفضت السلطة الفلسطينية المساعدات الإنسانية والطبية التي أرسلتها الإمارات على متن أول رحلة مباشرة من أبوظبي إلى تل أبيب.

إن الإماراتيين ينظرون إلى التطبيع على أنه قرار استراتيجي له تأثير تحوُّلي محتمل في المنطقة. وعما إذا كانت ستثبت الأحداث أن هذا هو الحال في هذه المنطقة شديدة الانقسام فإنه يبدو سؤالاً مفتوحاً لكل الاحتمالات. فالأسرة الخليجية نفسها ممزقة بطريقة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط. لقد غلّفوا إعلان قرارهم على الملأ بالحجة القائلة بأن الصفقة مع إسرائيل تمنع الضم، وبالتالي تحافظ على إمكانية حل الدولتين الذي كان من الممكن أن يتعرض لضربة قاتلة. ولكن هذه الحجة لم تكن مقنعة للفلسطينيين، الذين صدمتهم الأخبار بشكل واضح وشعروا بأنهم محاصرون بشكل متزايد.

 

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%aa%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d8%af%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M