تيار التغيير: انقسام جديد يضرب جماعة الإخوان

صلاح وهبة

 

اتصالًا مع ما تشهده جماعة الإخوان الإرهابية من انقسامات متتالية في ضوء الصراع الدائر بين جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير وجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، أعلن تيار التغيير دخوله على خط الصراع على زعامة التنظيم الإرهابي ليكتمل ثالوث المعركة المحتدمة منذ شهور، وأطلق التيار خلال مؤتمر عقده في أحد فنادق العاصمة التركية إسطنبول وثيقة سياسية تتضمن عدد من البنود حول نظرة التيار للمرحلة المقبلة، وهو ما يستدعي إلقاء نظرة على الانقسام الجديد وتداعياته المحتملة.

نشأة تيار التغيير 

ظهر تيار التغيير-جبهة المكتب العام سابقًا- في عام 2015 في ضوء الأزمة التي ضربت جماعة الإخوان نهاية عام 2014 بسبب الخلاف حول طريقة إدارة أمور الجماعة في ضوء الأوضاع والضغوط العنيفة التي كانت تواجهها في ذلك التوقيت، إذ أسفرت نتائج الانتخابات الداخلية في فبراير 2014 عن تأسيس لجنة لإدارة الأزمة تولى إدارتها محمد كمال عضو مكتب الإرشاد للقيام بأعمال المرشد، وأسفرت تلك الأزمة عن ظهور فريقين، الأول، أطلق عليه فريق الحرس القديم وغالبية أعضاءه هاربون خارج مصر، ويضم إبراهيم منير قائد التنظيم الدولي، ومحمود حسين الذي كان يشغل حينها منصب الأمين العام للجماعة، ومحمود عزت القائم بأعمال المرشد، والفريق الثاني أغلب عناصره داخل مصر، أطلق عليه فريق الكماليون ويقوده محمد كمال عضو مكتب الإرشاد ومؤسس الخلايا النوعية والجناح المسلح للإخوان، ومحمد منتصر المتحدث الرسمي للجماعة، وسعى كل فريق إلى إقصاء الآخر وتحويله للتحقيق للانفراد بحكم الإخوان.

وقاد محمد كمال تياره الذي كان يتكون أغلب أعضائه من فئة الشباب، حملة ضخمة من العمليات الإرهابية التي استهدفت المنشآت الأمنية والاقتصادية والمدنية مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من رجال الجيش والشرطة والمدنيين بين شهيد ومصاب، وأصدر دراسة مصغرة لتأصيل عمليات العنف على المستوى الشرعي وتأسيس الخلايا النوعية على المستوى العملي، وحملت الدراسة اسم “فقه المقاومة الشعبية” وفي بعض الأحيان يطلق عليها “أبجديات العمل المقاوم” وتتشابه إلى حد كبير من طريقة “الذئاب المنفردة” التي اتبعها تنظيم “داعش” الإرهابي، وقام بتأسيس عدد من الحركات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان، وهي (حسم – لواء الثورة – كتائب حلوان – العقاب الثوري – المقاومة الشعبية – ولع).

وفي نهاية عام 2015 قرر محمود عزت الذي كان هاربًا داخل مصر في ذلك التوقيت، تجميد عمل لجنة إدارة الأزمة التي يرأسها “كمال” وإقالة عدد من أعضائها وتعيين آخرين بدلًا منهم في ضوء الاتهامات المتبادلة بين الطرفين واختلاف التوجهات بينهما، وفي 16 ديسمبر 2015 أصدر “كمال” بيانًا حمل اسم “إبراء ذمة” قال فيه “القرارات التي صدرت بحق إيقاف أعضاء منتخبين أو ممثلين للجانهم هي إجراءات منعدمة ومعيبة، لتصفية الحسابات، واتخذت بطريقة غير شرعية وعلى أسس غير لائحية، والنية كانت مبيتة لها بهذا الشكل والتوقيت”، وقال في ختام بيانه “رجائي الأخير أبعثه لشبابنا الثائر المجاهد المرابط على الأرض، نعتذر إليكم مما آل إليه الأمر، وأؤكد لكم أن المفتاح بأيديكم، حراككم الثوري، وعملكم الناجز الدؤوب الذي تعودناه منكم – مع الانضباط بمحددات الشرع – هو القاطرة الحقيقية التي تنهي الخلاف وتوحد القلوب”، مضيفًا “امضوا على بركة الله ولا تعبؤوا لمعارك وهمية لمن حادوا عن بيت القصيد وشغلتهم سفاسف الأمور وترف الحياة، واعلموا أنكم أصبحتم قاطرة الجماعة ومحرك دفتها والأمل النابض لملايين لا أقول الإخوان، بل الأمة بأسرها”.

وفي مايو 2016 أعلن “كمال” استقالته من مكتب الإرشاد ومن كافة المناصب التي يتولاها داخل الجماعة الإرهابية، وقتل في أكتوبر من نفس العام أثناء تبادل لإطلاق النار مع أجهزة الأمن أثناء محاولة القبض عليه، وفي 16 ديسمبر أعلن محمد منتصر المتحدث الإعلامي لجبهة “محمد كمال” انشقاق التيار عن الجماعة بعيدًا عن سيطرة القائم بعمل المرشد محمود عزت، وأضاف أن مجلس شورى الإخوان عقد انتخابات قاعدية داخل صفوفها، وأعلن منتصر ثلاثة قرارات، الأول: احتفاظ الدكتور محمد بديع بموقعه كمرشد عام للجماعة، وكذلك احتفاظ جميع أعضاء مكتب الإرشاد في السجون بمواقعهم، والثاني: الفصل بين الإدارة التنفيذية للجماعة الممثلة في مكتب الإرشاد والهيئة الرقابية التشريعية الممثلة في مجلس الشورى العام، والثالث: انتخاب مجلس الشورى من بين أعضائه رئيسًا ووكيلًا وأمينًا عامًا.

وهو ما قابله طلعت فهمي المتحدث بالإعلامي لجبهة “محمود عزت” بالنفي وتأكيده على أن محمد منتصر تم عزله من منصب المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان في 14 ديسمبر 2015، وبالتالي فهو لا يمثل الجماعة ولا يتحدث باسمها في أية أمور تتعلق بها، وأن المصرح لهم التحدث باسمها هم، القائم بأعمال المرشد العام، ونائب المرشد العام، ورئيس اللجنة الإدارية العليا، والأمين العام، والمتحدثون الإعلاميون.

وفي أواخر عام 2020، غيرت جبهة “المكتب العام” اسمها إلى “تيار التغيير” للإيحاء بأن الجبهة تيار ضمن التيارات الإخوانية وألمحت إلى استعدادها العودة للبناء التنظيمي والهيكلي للجماعة بشكله المعتاد، ولكن تعقد الصراع بين جبهتي “إبراهيم منير” و”محمود حسين”، دفع الجبهة إلى إجراء انتخابات لأعضائها وانتخاب مكتب تنفيذي ومجلس شورى جديدين.

استئناف النشاط 

في بداية العام الجاري وتحديدًا في 24 يناير الماضي، تم تنظيم مؤتمر تحت عنوان “شباب التغيير، عقد من النضال وخطوة للمستقبل”، شارك فيه معظم قادة تيار التغيير، وناقش عدّة محاور، كان أهمها “تقييم التجارب الثورية في بلدان الربيع العربي” و”حالة المزاج الشعبي تجاه التغيير والنخب”، و”سمات الجيل الشبابي الجديد وموقعه في معادلة التغيير”، و”فرص انبعاث مشروع الثورة والتغيير وأبرز التحديات”، و”المنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية لعملية التجديد والانبعاث”، وتوعد “محمد منتصر” في كلمته خلال المؤتمر بالتدخل للحلحلة والخلخلة وتحريك الوضع القائم” في الدول العربية وعلى رأسها مصر، مضيفاً أن “كل الثورات لها فرص أخرى للانبعاث، ومؤكدًا أنه تم اختيار “عقد المؤتمر في هذه الفترة لنوصل رسالة أن الثورات لم تنته وأن هناك موجات أخرى ستكون فيها الغلبة للثورات”.

وكان هذا الظهور هو الأول بعد سنوات من خفوت نشاط التيار، ولم تقتصر عودة النشاط على الظهور الفعلي، وإنما امتد إلى الفضاء الإلكتروني حيث استأنف التيار الظهور مرة أخرى على الصفحة الخاصة به على منصة التواصل الاجتماعي “فيس بوك” في 15 مايو الماضي، من خلال بيان أصدره التيار في ضوء دعوة السيد الرئيس للحوار الوطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية على الرغم من أن الدولة المصرية لم توجه دعوة لتيار التغيير أو غيره ولم تسمح أي بتواجد إخواني تحت أي مسمى، وجدير بالذكر أن صفحة التيار التي تم إنشائها في 16 أغسطس 2016 لم تشهد نشاط على مدار عام كامل، إذ كان أخر محتوى قامت بنشره في 11 مايو 2021 ولم تستأنف عمليات النشر إلا مع نشر البيان السابق الإشارة إليه.

كما نشرت بيانًا آخر في 26 يونيو الماضي، تزعم فيه رفضها لبعض المحاولات الإقليمية للتواصل بين الدولة المصرية والجماعة، وأكد التيار أنه ما من جهة من الجهات المتنازعة حول القيادة الآن بجماعة الإخوان المسلمين له الحق في التفاوض باسم الجماعة، فكل تيار ينتمي إلى مدرسة الإخوان له قراره وفقًا لاجتهاده، ويبدو أن جبهة تيار التغيير مثلها مثل الجبهتان الأخريتان في إنكار الواقع واختلاق الأمور، حيث أنه لم توجه أي دعوات من الأساس لجماعة الإخوان أو الشخصيات المندرجة تحتها للتواصل أو للمشاركة في أي فعالية للحوار الوطني، وتم التأكيد في أكثر من موضع على رفض مشاركتهم تحت أية مسميات كونهم كيانًا لفظه الشعب المصري والمشهد السياسي بعد ثورة 30 يونيو.

لاعب جديد في الصراع على زعامة الإخوان

في يوم السبت الماضي الموافق 15 أكتوبر، نظم التيار مؤتمرًا في فندق “وند هام جراند جونشلي” في العاصمة التركية إسطنبول لإطلاق الوثيقة السياسية للتيار، وجاء مؤتمر التيار بمثابة إحياء ذكرى القيادي “محمد كمال” الذي قتل في نفس الشهر الذي يدين أغلب كوادر التيار بالولاء له، وهو ما يتضح من احتلاله موقعًا متقدمًا في الصورة الرسمية للمؤتمر، مع غياب القادة الحاليين للتنظيم الذين دخلوا في صراع مع تيار “محمد كمال”، وظهر خلال فعاليات المؤتمر عدد من قادة التيار وهم:

1- محمد منتصر، عضو الهيئة العليا للمكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تناول في كلمته الوثيقة ومحاورها المختلفة.

2- سيف عبد الفتاح، المستشار الأسبق للرئيس المعزول محمد مرسي، وقال في كلمته “هذا التجمع في حقيقة الامر يؤكد على حقيقة التغيير وعلى هذا المسار الثوري، وربما هذا كان من الأمور المهمة التي جعلتني أتجاوب كثيرًا مع المكتب العام للإخوان المسلمين الذي حمل كثير من شباب الاخوان وجعل هؤلاء تحت مظلته يطالبون بذلك التغيير الثوري في هذا المقام، ضمن ما تحمله هذه الحركة الاجتماعية السياسية التي عبرت بشكل أو بآخر عن ضمير هذه الأمة في التاريخ”.

3- نزيه علي، رئيس مؤسسة الرؤية بالمكتب العام للإخوان المسلمين، وأشار إلى أن السنوات والشهور الماضية لم تكن شهور سكون، وإنما كانت تجارب ودراسات وتقييمات لوضع الجماعة أرجلها على الطريق الصحيح.

4- جلال الدين دوران، مدير مؤسسة MID للعلاقات الدبلوماسية والذي أوضح في كلمته أن الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية تتنازعان، وتقفان على نقاط تصارع، ولكن لا يوجد رؤية لتصاعد المشروع الإسلامي من جديد، والحركات الإسلامية لا تمتلك رؤية، ولا بد من تدارك ذلك اذا أرادت الصعود مجددًا.

5- خليل عبد الله، وزير الإرشاد والأوقاف السوداني الأسبق، ولفت إلى أن ما حدث للإخوان في مصر ليس نهاية المطاف، فهي مرحلة وإن كانت قاسية، ولكن تجاوزها ممكن، ولكنه يحتاج إلى تأني ودراسة وتوحيد الصفوف.

6- عبد الرحمن أبو المكارم، عضو أمانة الشباب بالمكتب العام للإخوان المسلمين.

7- محمد إلهامي، باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية.

وأعلنت الجبهة المنضمة حديثًا للصراع على زعامة الإخوان، أنها جهة منفصلة عن الجبهتين المتصارعتين على قيادة الجماعة، وستستمر في ممارسة السياسة وأن الثورة خيارها الاستراتيجي للوصول إلى السلطة، وأنها ستسمح لأعضاء الإخوان المسلمين والمتخصصين والعلماء من أبناء الجماعة بالانخراط في العمل السياسي من خلال الانتشار مع هذه الأحزاب والحركات المتوافقة مع الجماعة.

وجاءت الوثيقة السياسية التي أطلقها التيار وتضم 6 فصول موزعة على 32 صفحة، لتستعرض رؤية الإخوان تجاه مختلف الأمور التي ينبغي عليها التعامل معها، وكعادة الجماعة في تسويق أمورها السياسية جاءت الوثيقة بصبغة دينية كاملة بالإضافة إلى التركيز على القضية الفلسطينية والمعتقلين والحرية، والتعاون مع الأحزاب والقوى السياسية المصرية لما فيه المصلحة العامة.

ختامًا، يمثل ظهور تيار التغيير على ساحة الصراع على زعامة جماعة الإخوان انقسامًا جديدًا تشهده الجماعة ويزيد من حدة الاستقطاب داخل صفوفها بما ينعكس على تماسك التنظيم المهترئ منذ سنوات، إذ ستزيد الجبهات الثلاث من وتيرة عملها لاستقطاب أكبر عدد من كوادر التنظيم والقيادات الوسطى ومخاطبة العالم الخارجي، وهو ما يتضح من خلال إعلان جبهة لندن بقيادة “إبراهيم منير” ابعتادها عن الصراع عن السلطة في مصر، وأن لديها ثلاث أولويات سياسية في المرحلة القادمة تتمثل في إنهاء ملف المعتقلين، وتحقيق المصالحة، وبناء شراكة وطنية حسب زعمها. وستركز مجمل جهود كل جبهة من جبهات الصراع على الاستئثار بقيادة الجماعة وإزاحة الجبهتين الموازيتين أو إجبارهما على الانصياع للجبهة الفائزة التي ستحسم الصراع، أو قد يفتح الباب لتوحد إحدى الجبهتين ضد الجبهة الثالثة وهو ما قد يتضح إمكانية تحققه خلال الفترة القادمة.

وعلى الرغم من أن قيادات تيار التغيير تنتمي إلى مؤسس الخلايا النوعية والعمل المسلح “محمد كمال” مما يشير إلى انتهاجها العنف بشكل واضح وصريح، إلا إنه لا ينفي فكرة العنف عن الجبهات الأخرى، حيث إن الجبهات الثلاث (لندن – إسطنبول – التغيير) تؤمن بالعنف في المقام الأول وتتخذه وسيلة لتحقيق غايتها كونه أحد المكونات الرئيسة في الفكر الإخواني، ولكن الاختلاف بين الجبهات يكمن في توقيت استخدامه وفقًا للإمكانيات والظروف المتاحة والمناخ العام المحيط بها والتداعيات المترتبة عليه، ولكن في جميع الأحوال تبقى اليقظة الأمنية المصرية التي أثبت نجاحًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، هي حائط الصد الذي تنهار على عتباته مخططات الجماعة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73510/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M