تَـرَقُّـب سياسة ترمب الخارجية

نتوقع منه أيضا أن يقلل من قيمة التعددية والتحالفات. فقد وَعَـدَ بالانسحاب مرة أخرى من اتفاقية باريس للمناخ، وزيادة الإنتاج المحلي والصادرات من النفط والغاز. وفي حين كان سعر الطاقة المتجددة في انخفاض في الولايات المتحدة، فإننا لا نعرف بعد ما إذا كانت سياساته لتلغي هذا التأثير المفيد…

بقلم: جوزيف ناي

كمبريدج- التنبؤ أمر صعب دائما، لكن الأمر يزداد صعوبة في حالة الرئيس الأميركي المنتخب. الواقع أن دونالد ترمب لا يكتفي بأحاديثه غير المترابطة وتغيير مواقفه في أغلب الأحيان؛ بل إنه أيضا يعتبر عدم القدرة على التنبؤ أداة مفيدة للمساومة. ومع ذلك، بوسعنا أن نحاول استشعار الكيفية التي قد تبدو عليها سياسته الخارجية من خلال تصريحات حملته الانتخابية، وتعييناته الرفيعة المستوى، وفترة ولايته الأولى.

في واشنطن، كثيرا ما يُـقال إن “الموظفين هم السياسة”. ولكن في حين أننا نعرف بالفعل من يريد ترمب لشغل المناصب الرئيسية، تتمثل المشكلة في حقيقة مفادها أن وجهات نظرهم المعلنة تتضارب أحيانا مع بعضها بعضا. ومع بذل ترمب كل جهد ممكن لتجنب الجمهوريين التقليديين الذين قيدوا حركته نسبيا أثناء فترة ولايته الأولى، نجد أن القاسم المشترك بين اختياراته هذه المرة هو الولاء الشخصي. لكن حتى هذه الصفة لا تساعدنا في التنبؤ بالسياسة.

لنتأمل هنا مسألة الصين. جاء اختيار ترمب لمنصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ــ السيناتور ماركو روبيو والنائب مايكل والتز على التوالي ــ من “الصقور” المعروفين الذين يرون في الصين تهديدا طاغيا يتطلب استجابة قوية. كما نعلم من حملته الانتخابية أن ترمب حريص على فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من الحلفاء، مع فرض تعريفات جمركية أعلى على السلع الواردة من الصين.

مع إعلان ترمب بالفعل عن خطط لفرض رسوم جمركية على الواردات من المكسيك وكندا والصين، يجب أن نتوقع بكل تأكيد فرض بعض الرسوم الجديدة. لكن معدلات الرسوم الجمركية، ومدتها، والإعفاءات منها تظل غير مؤكدة وعُـرضة للضغوط السياسية المحلية وأهواء ترمب الشخصية. وكما قال مؤخرا مرشحه لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت: “أعتقد أن كثيرا مما يفعله يتلخص في التصعيد من أجل التهدئة، وهدفي في إدارته سيكون إنقاذ التجارة الدولية”.

من غير المؤكد بذات القدر كيف قد يستجيب ترمب للانتقام من جانب شركاء أمريكا التجاريين. إذا أفضت حروب التجارة المتبادلة إلى دفع التعريفات الجمركية والأسعار إلى الارتفاع، فقد تؤدي عودة التضخم إلى إشعال شرارة ردة فعل سياسية محلية عنيفة. ولأن ترمب يفتخر ببراعته في عقد الصفقات، فقد يسعى إلى التوصل إلى حلول وسط. ولكن هل يعرض ترمب على نظيره الصيني شي جين بينج إضعاف الدعم الأميركي لتايوان في مقابل صفقة تجارية يمكنه أن يعتبرها انتصارا؟ يخشى بعض حلفاء أميركا الآسيويين حدوث هذا السيناريو على وجه التحديد.

بناء على تصريحات حملة ترمب وولايته السابقة في البيت الأبيض، ينبغي لنا أن نتوقع منه أيضا أن يقلل من قيمة التعددية والتحالفات. فقد وَعَـدَ بالانسحاب مرة أخرى من اتفاقية باريس للمناخ، وزيادة الإنتاج المحلي والصادرات من النفط والغاز. وفي حين كان سعر الطاقة المتجددة في انخفاض في الولايات المتحدة، فإننا لا نعرف بعد ما إذا كانت سياساته لتلغي هذا التأثير المفيد للسوق من خلال الحد من القدرة التنافسية النسبية التي تتمتع بها هذه الصناعات من حيث التكلفة.

وفي الشرق الأوسط، كانت تصريحات حملة ترمب داعمة لإسرائيل دون قيد أو شرط، ولا يزال يفتخر بالتفاوض على الاتفاقيات الإبراهيمية، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية. عندما حاولت إدارة بايدن البناء على هذا الاختراق من خلال إغراء المملكة العربية السعودية بالاعتراف بإسرائيل، وضع السعوديون شرطا مسبقا: يتعين على إسرائيل أن تتخذ خطوات نحو إنشاء دولة فلسطينية. لكن ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليميني يعارض بشدة حل الدولتين، ومنذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انخفض الدعم الشعبي الإسرائيلي، الذي كان منخفضا بالفعل، لمثل هذه النتيجة. لا شك أن ترمب يريد تمديد نجاحه السابق في المنطقة؛ ولكن لا أحد يستطيع أن يخمن كيف قد يفعل ذلك.

بالانتقال إلى أوروبا وحلف شمال الأطلسي، قال ترمب خلال الحملة إنه سينهي الحرب في أوكرانيا “في يوم واحد”. نحن نعلم أن هذا لن يحدث؛ لكن الأمر ينطوي على حالة من انعدام اليقين العميق حول كيفية محاولته التفاوض على الهدنة. يتمثل أحد الاحتمالات في خفض المساعدات لأوكرانيا وإضعاف موقفها التفاوضي حتى تضطر إلى قبول الشروط الروسية. أو قد يمدد ترمب دعمه لأوكرانيا بشكل مؤقت بينما يتحرك نحو “حل كوري”.

في السيناريو الأخير، سيصبح خط المواجهة الحالي منطقة منزوعة السلاح يتولى إدارتها قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة أو أوروبية، والتي سيتعين على روسيا إجبارها على الخروج إذا كانت تريد استئناف الحرب. بوسع أوكرانيا أن تستمر في تأكيد سيادتها على مناطق مثل دونباس، لكنها لن تتمكن في الأرجح من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي؛ بدلا من ذلك، ربما تعرض مجموعة فرعية من البلدان (“أصدقاء أوكرانيا”) تقديم المساعدة لها إذا انتهكت روسيا المنطقة منزوعة السلاح. من غير الواضح ما إذا كان ترمب ليستخدم قوته التفاوضية في مواجهة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتن للتوصل إلى مثل هذه التسوية. لكن تأمين صفقة سيكون جذابا بكل تأكيد إذا كان يفكر في إرثه.

حتى لو تركتنا التوقعات القائمة على تصريحات الحملة وأفرادها في حالة من عدم اليقين، فإننا نستطيع على الأقل أن نضع ترمب في إطار التقاليد التاريخية المعمول بها في السياسة الخارجية الأميركية. لنتذكر خطاب تنصيبه الأول، عندما أعلن: “من هذه اللحظة فصاعدا، ستكون أميركا أولا… نحن لا نسعى إلى فرض أسلوب حياتنا على أي شخص، بل نجعله يتألق كمثال يحتذى به”. تتفق هذه النظرة مع نهج “المدينة على التل” في التعامل مع السياسة الخارجية الأميركية، الذي يضرب بجذور عميقة في التاريخ. وهو ليس نهجا انعزاليا، لكنه يتجنب مذهب الفاعلية.

على النقيض من ذلك، سعى وودرو ويلسون في القرن العشرين إلى سياسة خارجية من شأنها أن تجعل الديمقراطية آمنة في العالم، وحث جون ف. كينيدي الأميركيين على التفكير فيما يمكنهم القيام به من أجل بقية العالم، فأنشأ فيلق السلام في عام 1961. وجعل جيمي كارتر حقوق الإنسان من الشواغل الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية، واستندت الاستراتيجية الدولية في عهد جورج دبليو بوش إلى ركيزتين أساسيتين هما قيادة مجتمع عالمي متنام من الديمقراطيات والترويج للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M