دخلت الحرب على غزة شهرها الرابع دون أى مؤشرات على قرب نهايتها او التخفيف من حدتها. الغارات الإسرائيلية على القطاع لا تزال مستمرة. استهداف المدنيين وما تبقى من بنية تحتية لا يزال على أشده. والعالم لا يزال يسمع ويرى الوحشية المرتكبة ضد المدنيين دون أن يحرك ساكنا، ودون ان يتمكن من الضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب.
الجيش الإسرائيلى يقول إنه، بعد ثلاثة أشهر، أكمل تفكيك بنية القيادة العسكرية لحركة حماس فى شمال قطاع غزة، وأنه يركز عملياته من الآن فصاعدا على وسط غزة وجنوبها. ووزير الأمن الإسرائيلى يقول إن إسرائيل ستنتقل إلى مرحلة ثالثة من الحرب، وان القوات الإسرائيلية ستتحول مما سماه مرحلة المناورة المكثفة فى الحرب إلى أنواع مختلفة من العمليات الخاصة، دون تحديد موعد البدء بذلك، أو تفاصيل عن هذه العمليات. اما رئيس الحكومة الإسرائيلى، فيؤكد فى كل تصريحاته ان الحرب لن تنتهى إلا بتحقيق أهدافها الثلاثة، ومنها القضاء على حماس.
نيتانياهو المتهم بعدم القدرة على قيادة الدولة، مطالب اليوم، من قبل جهات سياسية داخلية، بتقديم استقالته. هو يواجه تزايد الغضب الشعبى ضده، بسبب ما يعتبره الاسرائيليون فشلا أمنيا فادحا، ويحملونه المسئولية المباشرة على وقوع أكبر خسارة استراتيجية لإسرائيل منذ عام 1948. امام هذه المطالب والضغوط الشعبية، لا يجد نيتانياهو من حل سوى تمسكه بالسلطة والحرب كخيار أوحد، وإن كلف ذلك إحراق القطاع بالكامل، ولما لا نقل الحرب إلى مناطق إقليمية أخرى.
حتى مع خيار استمرار الحرب، لم/ولن يستطيع نيتانياهو القضاء على حماس، سواء كمقاومة او كفكرة، ولم يستطع تفكيك قدراتها العسكرية. ثلاثة أشهر مرت ولم يستطع الجيش الإسرائيلى بكل جبروته وإمكاناته القضاء على كبار مسئولى حماس الذين وضعتهم إسرائيل نصب عينيها من اول يوم. يتعلق الأمر برؤساء القيادة العسكرية محمد الضيف ومروان عيسى والشقيقين محمد ويحيى السنوار. ثلاثة أشهر ولم تستطع إسرائيل العثور على رهينة واحدة او استرجاعها. بل فشلت محاولة ميدانية يتيمة لإنقاذ الرهائن، فى وقت يقدر الجيش أن عددا كبيرا منهم ما زالوا على قيد الحياة، ولكنهم مختبئون تحت الأرض. اما حماس فقد كررت مرارا أن الفصائل الفلسطينية المسلحة اتخذت قرارا بأنه لا حديث حول الأسرى ولا صفقات تبادل مع إسرائيل إلا بعد وقف شامل للحرب.
كل يوم زيادة فى هذه الحرب، إسرائيل تثبت فشلها امام صمود الشعب الفلسطينى، وامام قوة إيمانه بقضيته التى يواجه الموت، فى كل لحظة، من أجل ان تعيش القضية وتنصف بعد سنوات من النسيان.
فى المقابل الوضع فى الداخل الإسرائيلى لا يبدو مريحا للإسرائيليين الذين وجدوا أنفسهم فى مواجهة كابوس الحرب، وهم الذين كانوا يرون أنفسهم فى منأى عنها قبل السابع من أكتوبر الماضي. هذا الوضع أثر على امن الاسرائيليين الشخصى، صحتهم النفسية، تماسك المجتمع، وأثر على ايمانهم بدولة إسرائيل الوطن. النازحون من بلداتهم بعد إجلاء سكان غلاف غزة، لا يرون، فى الأفق، العودة إلى منازلهم فى الجنوب والشمال. والإسرائيليون داخل باقى المدن الإسرائيلية يعيشون رعب المستقبل، وما يمكن ان يحمله لهم من شتات. هذا بالإضافة الى تكلفة الحرب الاقتصادية على مستوى معيشتهم.
ربما بسبب هذه التكلفة، بدأ الحديث، مؤخرا، عن تغيير محتمل لاستراتيجية إسرائيل العسكرية، بعدما أقنعتها أمريكا بأن الحرب البرية الشاملة ليست مناسبة لها ولا تؤدى إلى أى نتيجة. وقد قام الجيش الإسرائيلى بسحب خمسة ألوية، من بينها لوائا احتياط، من غزة، كما انه بات يركز عملياته على اهداف محددة، منها اغتيال قادة حماس فى لبنان. بهذا الخصوص، هناك تخوف من ان تتورط إسرائيل فى توسيع رقعة الحرب لتشمل مناطق وتنظيمات أخرى فى المنطقة. لكن لا يبدو ان العالم مستعد لهذا السيناريو. أمريكا نفت أى صلة لها بمقتل صلاح العارورى، القيادى فى حماس، وبدأت تعترف بحماس كجزء من الحل. والاتحاد الأوروبى يسعى لتكثيف الضغط الخارجى من أجل وقف الحرب. نتيجة هذه التحولات والضغوط ستظهر فى الأسابيع المقبلة. فإما ستكتفى إسرائيل بما حققته لحدود الآن وتجد صيغة مقنعة لهدنة طويلة وصفقة لتبادل الاسرى، او أنها ستستمر فى حربها لأشهر أو ربما لسنوات. هذا الأمر أيضا يحمل العديد من التحديات لإسرائيل التى ليس لديها أى تجربة فى خوض الحروب طويلة الأمد.
المصدر : https://ecss.com.eg/42823/