اعداد : سارة ناصح – باحثة اقتصادية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
تعرضت الصين وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط، إلى انتشار في أواخر العام الماضي فيروس غامض داخل البلاد، ورجحت السلطات الصينية أن ذلك الفيروس ينتمي إلى عائلة “فيروسات كورونا” وهي عائلة تتكون من ستة أنماط تنتقل عدواها بين البشر، و بانضمام الفيروس الجديد يصبح عددها سبعة.
ويُعيد “كورونا” في أذهاننا متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” وهو أحد فيروسات “كورونا” الذي انتشر في الصين عام 2002 ومنه إلى أسيا، وقد تسبب “سارس” في قتل 774 شخصًا من إجمالي عدد مصابين بلغ 8098 شخصًا.
وتكمن خطورة “كورونا” في سرعة انتشاره، حيث كشفت منظمة الصحة العالمية عن وجود أكثر من ثلاثة ملايين حالة إصابة بذلك الفيروس و أودت “الكورونا” بحياة ما يقرب من 220 ألف شخص على مستوى العالم حتى يوم 30 إبريل الجاري، مما تسبب فى خلق من حالة من الرعب لسكان العالم أجمع.
ويزداد العالم رعبَا يومًا تلو الآخر من انتشار ذلك الفيروس الغامض خاصة مع عدم وجود أمصال مضادة للفيروس المكتشف حديثًا ولا أدوية للعلاج منه أو طريقة معينة للحد من سرعة انتشاره بين البشر، وتنعقد الآمال الآن حول محاولات المستشفيات والباحثين لإيجاد دواء أو مصل ضد هذا الفيروس الغامض.
وعلينا أن نلاحظ أن انتشار “كورونا” لم يتسبب فقط في وفاة وإصابة العديد من الأشخاص حول العالم، وإثارة الذعر والفزع بين المواطنين حول العالم، بل تفاقمت تداعيات الفيروس لتصبح خطر جديد يُهدد مستقبل الاقتصاد العالمي، ويُمكن توضيح تلك التداعيات في النقاط التالية:
أولًا- الاقتصاد الصيني:– يشلّ “كورونا” المحركات الرئيسية للاقتصاد الصيني، فتوجد العديد من المصانع مغلقة، كما أغلقت العديد من الشركات العالمية فروعها في الصين، وأمرت بعضها موظفيها بالعمل من المنزل، وكذلك بدأت بعض شركات الأدوية والمؤسسات المالية والشركات متعددة الجنسية إجلاء موظفيها من الصين بالتزامن مع تعليق العديد من شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى باكين،وسيؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاج الصيني وبالتالي انخفاض الصادرات.
ومع انتشار “كورونا” تراجع الإنفاق الاستهلاكي خاصة على قطاع السياحة والترفيه والنقل والتجزئة بصورة كبيرة، والسبب الأهم والرئيسي في تضاعف خسائر الصين الاقتصادية مرتبط بانتشار الفيروس من مدينة “ووهان”، إذ يُقدر اقتصاد تلك المدينة بنحو 214 مليار دولار بما يشكل نسبة 1.6% من إجمالي الناتج المحلي الصيني، كما أنها تتمتع بأهمية لوجيستية كبرى، كونها مركزًا لأهم شركات تصنيع السيارات وشركات الحديد في الصين.
ومن المخاطر الأخرى التي تُحدق بالاقتصاد الصيني هي تزايد احتمالية عدم الوفاء بمتطلبات الاتفاق التجاري الذي في مرحلته الأولى مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن باكين طالبت واشنطن بالمرونة في تطبيق بنود الاتفاق، مع العلم أن هناك بندًا في اتفاق المرحلة الأولى، ينص على التشاور بين الطرفين، في حال حدوث كارثة طبيعية، أو حدث غير متوقع، إلا أن المؤشرات حتى الآن، لا تدل على أن الصين لجأت لهذا البند.
ونتيجة طبيعة للأسباب سالفة الذكر قامت العديد من المؤسسات المالية بتخفيض توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني ومنها “بلومبيرغ إيكونوميكس” التي خفضت توقعاتها للنمو من 5.9 في المئة، إلى 4.5 في المئة، في حين خفض “غولدمان ساكس” توقعاته للنمو إلى 4 في المئة، بالربع الأول من العام الجاري، أما “يو بي إس” فكان الأكثر تشاؤما وخفض توقعات نمو الاقتصاد الصيني من 5.9 في المئة إلى 3.8 في المئة.
ثانيًا – اقتصاد الدول العربية: تعتمد العديد من الدول العربية في اقتصادها على تصدير النفط الذي تراجعت أسعاره نتيجة لجائحة الكورونا وهو الأمر الذي يعني تراجع إيرادات الدول العربية من الصادرات النفط، وعلى سبيل المثال أدى انتشار “كورونا” إلى هبوط سعر النفط وتكبد البورصة السعودية خسائر بلغت قيمتها 276 مليار ريال (74 مليار دولار)، كما خسرت بورصة مسقط نحو 128.47 مليون ريال (334.1 مليون دولار).
ونتيجة لكون الصين شريك تجاري هام لمعظم الدول العربية حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي على 240 مليار دولار سنويًا خلال العامين الماضيين فقط، لذلك ستتأثر الدول العربية بتراجع الإنتاج الصناعي الصيني من السلع الاستهلاكية، فمثل هذا التراجع سيقود إلى قلة المعروض من السلع الصينية داخل الدول العربية، وهو ما يعني ارتفاع أسعار بعض السلع خاصة السلع الاستهلاكية التي تقوم بانتاجها باكين بأسعار رخصية نسبيًا ويزداد الأمر سوءًا بسبب عدم وجود منافس قوي للصين في إنتاج مثل هذه السلع، ومن تبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوة الشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى في تلك الدول التي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسب سعرًا مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية واليابانية المشابهة لها.
ثالثًا- قطاع السياحة: تأثر قطاع السياحة بصورة سلبية بسبب انتشار “كورونا” في الصين التي ساهمت الصين وحدها بنسبة 51% من الناتج المحلي الإجمالي للسفر والسياحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في عام 2018، وأدى انتشار “كورونا” إلى إعلان العديد من الدول إيقاف الطيران من وإلى الدول ، وبات محظورًا على وكالات السفر بيع بطاقات الرحلات السياحية المنظمة وحجز الفنادق، وشكل ذلك ضربة موجعة للعديد من الوجهات المفضلة للسياح وعلى إثر ذلك أوضح مجلس السياحة العالمي إن توقف أو إلغاء الرحلات إلى الصين سيدخل العالم في أزمة اقتصادية كبيرة جراء خسائر في القطاع السياحي.
رابعًا- سوق المال الآسيوي: أثار انتشار فيروس “كورونا” المخاوف لدى المستثمرين الأفراد وأدى إلى تراجع شهية المخاطرة لديهم وابتعد بعضهم عن الاستثمار في الأوراق المالية في الوقت الراهن بسبب المخاوف الخاصة بزيادة أعداد الوفيات والخسائر الاقتصادية التي قد تنتج من انتشار “كورونا” ، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأسهم الآسيوية في ختام تداولات الأسبوع الحالي، كما تراجعت البورصة الصينية في أول أيام التداول بعد عطلة رأس السنة الصينية بنسبة 9 في المئة وتكبد المؤشر الرئيسي خسائر بلغت 420 مليار دولار في اليوم ذاته.، كما تراجعت مجموعة واسعة من الأسهم في بورصة طوكيو حيث انخفضت جميع مؤشرات القطاعات الفرعية المدرجة داخلها وعددها 33، لتصل إلى المنطقة السلبية، ما عدا مؤشرين اثنين فقط.
خامسًا- أسعار النفط العالمية: عادة ما تتأثر أسعار النفط بأي مخاوف اقتصادية لأن هذه المخاوف تنعكس بصورة مباشرة على معدلات الطلب على النفط، لذا انخفضت أسعار النفط العالمية بالتزامن مع انتشار “كورونا”، وذلك عقب سلسلة من الارتفاعات في أسعارها في بداية عام 2020 بسبب انخفاض حدة التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وعقدهم لاتفاق المرحلة الأولى وتوقع المستثمرين أن تلك الصفقة ستنشط الاقتصاد العالمي، ولكن كان لوباء “الكورونا” رأي أخر حيث أدى انتشار الفيروس إلى انهيار شديد في أسعار النفط العالمية. ويُمكن إرجاع ذلك الانخفاض إلى عدة أسباب من أهمها مايلي:
- تراجع الطلب الصيني على الوقود، وذلك لكون الصين بؤرة انتشار المرض، حيث قررت باكين تمديد الإجازة الرسمية للسنة الصينية الجديدة في معظم أنحاء البلاد، وأغلقت عدد من المصانع والمكاتب، كما فرضت قيود على السفر والتنقل والطيران، مما يعني أن الصين وهي أكبر مستورد للنفط على مستوى العالم وأحد عملاقة الاقتصاد سيُخفض انتاجه اليومي وبالتالي ستنحفض استهلاكها للوقود وبالتالي تراجع طلبها على النفط والذي كان يُمثل ما يقرب من 20% من إجمالي الطلب العالمي.
- انخفاض الطلب على وقود الطيران والذي كان يُشكل ما يقرب من 7% من الطلب العالمي على النفط، وذلك بسبب تعليق خطوط الطيران العالمية رحلاتها إلى الصين، حيث أوقفت شركات الطيران الدولية الكبرى بما فيها الطيران الكندي والخطوط الجوية الأمريكية وديلتا والخطوط الجوية البريطانية وغيرها، جميع الرحلات الجوية من وإلى البر الرئيسي للصين حتى نهاية شهر فبراير أو أكثر، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات.
وقد نتج عن هذا الأنهيار في أسعار النفط إلى انخفاض أسهم عدد كبير من الشركات العالمية العاملة في مجال النفط ، كما سيؤثر ذلك الانهيار على اقتصاد الدول المصدرة له مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية و المملكة العربية السعودية
سادسًا – أسعار الذهب العالمية: نتيجة لانتشار حالة الخوف والفزع لدى المستثمرين بسبب وجود فيروس “كورونا” وتزايد حالات الوفيات متأثرة بذاك المرض، أتجه العديد من الأفراد نحو الأستثمار في أصول الملاذ الآمن بحثًا عن منأى لهم بعيدًا عن تلك المخاوف، وهذا يعني ارتفاع الطلب على أهم أصول الملاذ الآمن وهو الذهب لذا ارتفعت أسعار الذهب العالمية حيث ارتفعت 4 % منذ مطلع العام الجاري مُتاثرة بارتفاع مخاوف الأفراد وقلقهم بشأن الأحوال الاقتصادية في ظل استمرار فيروس “كورونا” في الانتشار والقضاء على حياة بعض الأفراد.
وتشير بيانات حديثة لوكالة “بلومبيرغ”، إلى أن صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب سجلت أعلى مستوى في 7 أعوام، بسبب تأثير فيروس كورونا على الأسواق ومعنويات المستثمرين، وارتفعت حيازة الذهب في صناديق الاستثمار المتداولة عالمياً إلى 2561.2 طن بنهاية يناير الماضي، وهو أعلى مستوى منذ يناير من العام 2013.
* السيناريوهات المتوقعة لأزمة فيروس “كورونا”:
- إبتكار علاج فعال والسيطرة على الفيروس: حيث تجري العديد من دول العالم العديد من الأبحاث والدراسات لإيجاد العلاج الفعال والمصل من شأنه شفاء المصابين من الفيروس والحد من انتشاره بين الأفراد، وفي هذه الحالة سينحصر انتشار”كورونا” وسيكون للبشرية القدرة على الحد من انتشاره وتحجيم آثاره السلبية على حياة الأفراد والاقتصاد العالمي.
- خلال فترة انتشار المرض من المتوقع انخفاض حجم الاستثمارات والنشاط الإنتاجي بصورة عامة نتيجة لانتشار مخاوف من نتائج انتشار “كورونا” حول العالم، لذا فمن المتوقع أن تستمر البنوك المركزية في تخفيض أسعار الفائدة لجذب المزيد من رجال الأعمال للحصول على قروض والقيام بالعديد من المشروعات لإنعاش الاقتصاد في تلك المرحلة الفارق.
- سترتبط أسعار النفط والذهب بسرعة انتشار “كورونا” حيث في حالة ما انتشر الفيروس بصورة سريعة تتجه أسعار النفط إلى الاتجاه الهابط وأسعار الذهب في الاتجاه الصاعد باعتباره أهم ملاذ آمن أمام المستثمرين
- ستقوم الحكومات بتقديم الدعم والإعانات للفئات الأكثر تضررَا من انتشار هذا الفيروس الشرس مما يضغط بصورة كبيرة على ميزانية الدول وخططها التنموية بالتالي سيؤثر بصورة كبيرة على الوضع الاقتصادي للدول ومن المتوقع أن تنتهي الهيمنة الاقتصادية لبعض الدول لتحل محلها دول أخرى استطاعت بشكل أو بآخر تحجيم الآثار السلبية لانتشار الفيروس.
- استمرار تفشى الفيروس على نطاق عالمى أوسع وذلك في حالة عجز الباحثين في إيجاد مصل أو عقار للحد من ذلك الفيروس الغامض، وفي تلك الحالة قد يقضي “كورونا” على حياة العديد من الأفراد على مستوى العالم في فترة وجيزة بالإضافة إلى تعرض الأقتصاد لوعكة كبرى لن يستطيع أن يتعافى منها بسهولة.
رابط المصدر: