عبد العزيز عليوي العيساوي
مقدِّمة
ينشغل العراق منذ أشهر بـ «الأثلاث الثلاثة» لمجلس النواب التي انقسمت فيما بينها بشأن صورة الحكومة المقبلة التي يصرُّ التحالف الثلاثي الطامح بتحقيق أغلبية الثلثين على أن تكون أغلبية، في حين يريد لها الإطار التنسيقي الذي تمكن مع حلفائه من الوصول إلى ثلث عدد المقاعد أن تكون توافقية.
الأزمة التي وصلت إلى مرحلة اللعبة الصفرية في ظل غياب المنطقة الوسطى التي يمكن أن تجمع «الأثلاث الثلاثة» على طاولة حوار واحدة تسبَّبت بتأخير الاستحقاقات الدستورية، وتنذر باستمرار الانسداد السياسي إلى أجل غير معلوم، ما قد يحول دون الدوران الديمقراطي للنخبة الحاكمة الذي يُعدٌّ أحد أهم المؤشرات على وجود ديمقراطية حقيقية.
أولاً: مثلث دوران النخبة
النخبة الحاكمة هي الفئة التي تؤثِّر تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في الحكم، وتضم الأشخاص الذين يقومون بوظائف رسمية، والآخرين في الكواليس الذين تُعدُّ نصائحهم فعَّالة، كما أنَّها تمثِّل الأطراف التي تتوحَّد لتشكِّل قوة واحدة مهيمنة على المجتمع. ومن أهم شروط وجودها توفِّر تفاعل بين القلة الحاكمة والأغلبية المحكومة، ودعا مفكِّرون وأبرزهم (فلفريد باريتو) إلى تفعيل الدوران عن طريق ظهور نخب جديدة، أو بزوغ عناصر نخبوية من داخل النخبة نفسها، وهو ما يفسِّر عملية دوران النخبة التي تحدث حين تهبط نخبة وتصعِّد أخرى لتمثِّل مصالح المجتمع. ويرى (باريتو) أنَّ لكلِّ مجتمع نخبة تتبدل بطرائق عديدة، أمَّا بقبول النخبة القديمة بالتجدد فوَفْق الحاجة، أو أن تترك مكانها بوسائل أخرى لنخبة جديدة أكثر مرونة، وعادة ما تأتي النخبة الجديدة من الطبقات الدنيا لترتقي إلى مراتب اجتماعية أعلى؛ لامتلاكها روح المغامرة وإدارة النجاح.
وغالباً ما ترفع أية نخبة صاعدة شعارات مثالية، كالحرية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والأهداف النبيلة، للوصول إلى مبتغاها، لكن هذه الشعارات قد تتحوَّل إلى نقط ضعف للنخبة، إذا لم تتمكن من تحقيقها، لتكون مضطرة للتخلي عن مكانها لنخبة أخرى، ولا يمكن لأية نخبة أن تنتصر بصورة نهائية؛ لأنَّ بلوغها إلى القمة يعرضها لمطالب جديدة قد تعجز عن تحقيقها.
وثبت عن طريق التجربة أنَّه ليس بالضرورة أن يكون هناك انسجام دائم داخل النخبة الحاكمة حتى وإن عملت وَفْقاً لأهداف مدروسة في بادئ الأمر، وقد تتنازع فيما بينها في سبيل الحفاظ على السلطة، كما تتنافس النخب فيما بينها للهيمنة على مراكز القوة، عن طريق محاولة الحصول على أصوات الناخبين، لتكون النخبة الفائزة هي النخبة الحاكمة التي تمارس سلطتها استناداً لقوة التصويتية.
ثانياً: النخبة الحاكمة في العراق
تمثِّل الديمقراطيةُ الإطارَ الذي ينظِّم الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي والديني والاقتصادي بين النخب، فلا يمكن للنخب أن تتبدل وتأخذ كل واحدة منها مكان الأخرى ما لم يتوفر قدر مناسب من الديمقراطية يفرز عن طريق صناديق الاقتراع نخبة حاكمة، وأخرى غير حاكمة.
وبعد انتقال العراق إلى الديمقراطية عام2003 ظهرت أنواع للنخب عديدة، فمن ناحية التوجهات الثقافية انقسمت النخبة إلى تقليدية حاولت الوصول إلى السلطة والتمسُّك بها عن طريق حفاظها على الوجوه نفسها، وأخرى إصلاحية خرجت من رحم النخبة التقليدية، أو جاءت من خارجه، رفعت شعارات الإصلاح وتغيير الوضع القائم، وحاولت إيجاد مكان مناسب لها ضمن النخبة الحاكمة في ظل هيمنة النخبة التقليدية. ونهضت التوجهات الإيديولوجية بدور مهم في تحديد تصنيفات النخبة الحاكمة في العراق، إذ برز دور النخبة الدينية بروزاً واضحاً منذ أول انتخابات أُجريت في العراق في 30 كانون الثاني 2005، وتمكنت من السيطرة على مقاليد الحكم لأكثر من دورة انتخابية، كما أفرزت التوجهات الإيديولوجية نخبة قومية أخذت الأحزاب الكردية الدور الأهم فيها، ونخبة علمانية تحفظت في كثير من الأحيان على أفكار الأحزاب الإسلامية. أثَّرتِ الأصول الاجتماعية والاقتصادية في شكل النخبة الحاكمة في العراق، فالنخبة المدنية التي ظهرت في بغداد قبل حوالي مئة عام فقدت كثير من نفوذها لصالح النخبة العسكرية بمرور الوقت، كما وجدت النخبة العشائرية لنفسها مكاناً مناسباً ضمن النخبة الحاكمة، وبسبب التداخل بين المال والسياسة، برز دور نخبة الأثرياء التي كانت جزءاً من النخبة الحاكمة، أو أثَّرت فيها تأثيراً مباشراً أو غير مباشر، وتولَّى عدد من رموز النخبة التي جاءت من الخارج مناصب مهمة في الدولة العراقية.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: