شادي محسن
واجهت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط حالة من عدم اليقين حول إذا ما كانت ستتم أم لا، حتى أعلن البيت الأبيض جدول الزيارة في الفترة من 13 إلى 16 يوليو، ستبدأ بإسرائيل ثم الضفة الغربية، ثم عقد اجتماع افتراضي لمنتدى سياسي يجمع دول إسرائيل والهند والإمارات، وأخيرًا ستحضر الولايات المتحدة قمة التعاون الخليجي في جدة 16 يوليو بحضور مصر والعراق والأردن. يناقش العنوان السياقات التي تتزامن مع الزيارة الأمريكية، والجدوى الاستراتيجية لأهداف الولايات المتحدة من الزيارة، وأخيرًا تأثير الزيارة على الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل.
السياقات: متغيرات جديدة
تتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط (إسرائيل والسعودية) مجموعة من السياقات المتأزمة، يمكن شرحها بالشكل التالي:
أولًا: تطورات الاتفاق النووي الإيراني: منحت الولايات المتحدة إيران فرصة جديدة لإحياء المفاوضات، وهو ما يحفز مخاوف إسرائيل ودول الخليج من احتمالية استئناف المفاوضات واحتمالية رفع العقوبات ورفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. تخللت هذه التقديرات عمليات عسكرية تحت مسمى “حرب الظل” بين إسرائيل وإيران؛ إذ اتهمت الأخيرة إسرائيل بمقتل ضابطين من الحرس الثوري في الآونة الأخيرة.
ثانيًا: الحرب الروسية الأوكرانية: ظهرت متغيرات جديدة خلال شن روسيا حربها في أوكرانيا، أهم هذه المتغيرات هي ارتفاع أسعار النفط (مع العلم أن دول الخليج تستطيع نسبيًا تعديل هذه الأسعار)، ومحاولة دول أوروبا البحث عن مصادر طاقة بديلة وموردين جدد عوضًا عن روسيا. المتغير الثاني هو محاولة الولايات المتحدة عزل روسيا عن النظام الدولي على المستويين الاقتصادي والسياسي.
ثالثًا: خريطة الطاقة المحتملة البادئة من الهند: شهد قطاع الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة تغيرات جديدة، خاصة بعد أن ظهرت دراسات جدوى أوروبية تمنح أملًا في إحياء خط الإيست ميد الذي يوصل حقول الغاز الإسرائيلية بقبرص واليونان ومن ثم السوق الأوروبية. والمختلف في هذا المجال هو تزايد أسهم الهيدروجين الأخضر كمصدر طاقة مهم وصديق للبيئة، ومن غير المستبعد أن تتحول إسرائيل إلى مركز إقليمي رائد في توريد الهيدروجين الأخضر. ولكن يتحدد هذا السيناريو ويصل تقييمه إلى درجة إيجابية بشرط أن تنجح المبادرة بالمنتدى الاقتصادي الأمني بين الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة الذي سيعقد اجتماعًا افتراضيًا أثناء زيارة بايدن إلى إسرائيل. يمكن أن نربط بهذا الاتجاه مؤشرًا هو بروتوكول التعاون الموقع بين الإمارات والهند في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر.
رابعًا: الداخل الإسرائيلي والفلسطيني: تواجه السياسة الداخلية الإسرائيلية تحديات كبيرة بعدما أعلن رئيس الوزراء نفتالي بينيت حل الكنيست وتولي وزير الخارجية يائير لابيد رئاسة الحكومة حتى إجراء الانتخابات، وذلك بعدما بدأت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي تظهر نياتها بالانسحاب مما يهدد بإسقاط الحكومة، ويعيد مرة أخرى احتمالات عودة نتنياهو للسلطة. يدخل في تحديد طبيعة المأزق الإسرائيلي هو الاضطرابات العنيفة التي شهدتها أنحاء متفرقة من الضفة الغربية عقب استمرار تدفق المستوطنين الحريديم والإسرائيليين القوميين على القدس الشرقية.
الزيارة الأمريكية: الأهداف والجدوى
تأتي زيارة جو بايدن إلى إسرائيل ثم السعودية محمّلة بالعديد من الأهداف في شكل أجندة استراتيجية، وبذلك تكون استمرارًا لاتجاه الولايات المتحدة إلى إعادة تموضعها في الشرق الأوسط، وضمانها النجاح في هندسة تحالفات وعلاقات مستدامة يمكنها الدفاع عن نفسها (كما جاء في وثيقة الأمن القومي الأمريكي 2016). يمكن شرح هذه الأهداف وبيان جدواها بالشكل التالي:
أولًا: نظام دفاع جوي إقليمي
دشنت إسرائيل (مارس 2022) منظومة الإنذار الجوي “ندى السماء” للرصد والتحذير من تهديدات جوية متطورة مثل طائرات مسيرة إيرانية وصواريخ من نوع كروز. وكشفت إسرائيل كذلك عن منظومتها الدفاعية الجوية القائمة على العمل بالليزر، وتأمل في نشرها بحلول عام 2023. بالإضافة إلى أن الكونجرس الأمريكي من الحزبين قدم “قانون ردع قوات العدو وتمكين الدفاعات الوطنية” في عدة أقاليم حول العالم، يعني ذلك في الشرق الأوسط إنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل عبر حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ لحمايتهم من هجمات إيرانية محتملة، سواء كانت صاروخية أو بواسطة “الدرونز”.
تستهدف المبادرة الأمريكية الأمنية دمج أكبر لإسرائيل في المنطقة؛ إذ سيتطلب الأمر تنسيقًا عالي المستوى بين جميع الأطراف المشاركة في المنظومة الإقليمية، يدفعها في ذلك (أي الولايات المتحدة) منح زخم لقطار التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة.
ثانيًا: تعزيز العلاقات بين السعودية وإسرائيل
تنقلنا النقطة الأولى إلى البحث في فرص التطبيع بين إسرائيل والسعودية، إذ يمثل سيناريو التطبيع الإسرائيلي السعودي للأولى فرصة ممتازة لإتمام دمج كامل تقريبا في المنطقة. لا تأتي الزيارة الأمريكية إلى السعودية لبحث مسألة أسعار الطاقة (كما صرح بايدن) بل تأتي للبحث في قضايا استراتيجية أكبر وهي فرص التطبيع مع إسرائيل.
ولكن حتى الآن لا تبدي السعودية ملامح فرص تطبيع مع إسرائيل على المستويين السياسي والدبلوماسي لعوامل داخلية تتعلق بالشعب السعودي، فحسب استطلاع رأي سعودي منشور في معهد واشنطن (ديسمبر 2021) تبين أن 16% فقط من الشعب السعودي يدعم الاتفاق الإبراهيمي ويدعم علاقات رسمية مع إسرائيل، وهو انخفاض حرج عن استطلاع رأي سابق له كان في 2020 وصلت فيه نسبة التأييد إلى 36%.
ثالثًا: المنتدى الرباعي (الولايات المتحدة – الهند – إسرائيل – الإمارات)
يعد هذا المنتدى استمرارًا لظاهرة تكوُّن التحالفات المصغرة متعددة الأطراف على الساحة الدولية، وأغلبها يأتي بمبادرة أمريكية لمواجهة نفوذ الصين في المقام الأول. يقوم المنتدى على أساسين اقتصادي وأمني؛ أي تطوير مشاريع عسكرية مثل صناعة “الدرونز”، وتطوير مشاريع اقتصادية في مجالات الطاقة (مثل الهيدروجين الأخضر) والبنية التحتية والتجارة المتبادلة.
تتحدد جدوى أو نجاح هذه المبادرة على عاملين اثنين هما: مستقبل العلاقات الهندية الخليجية، ومسار العلاقات الهندية-الإيرانية. يؤثر أي تقارب هندي خليجي على العلاقات الخليجية مع باكستان التي يشوبها بعض التوتر بسبب تقارب إسلام آباد مع تركيا من ناحية وإيران من ناحية أخرى. ويقوم المنطق الهندي في مسار أي علاقة بينها وبين الخليج على دفع النفوذ الصيني وفرض هذه الأجندة على محددات العلاقة.
بينما يقوم المنطق الخليجي في تقاربه مع الهند (ويرافقه في ذلك إسرائيل) إبعاد الهند عن أي تعاون محتمل مع إيران، خاصة في مجال الطاقة؛ لذا ستحاول دول الخليج استثمار مشاريع طاقة متجددة في الهند تعوضها عن حاجتها إلى الغاز الطبيعي المحتمل استقدامه من إيران في حال رفع العقوبات، ولكن ما زالت الهند ترى في إيران ممرًا مهمًا لاختراق هندي لآسيا الوسطى ومن ثم روسيا، وما زالت التقديرات ضعيفة في أن يصبح الخليج ممرًا بديلا لهذه المسألة.
وبالإضافة إلى ذلك، ترغب الإمارات والسعودية في التحول إلى لاعبين محوريين في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ونجحتا في لعب أدوار متزنة مع الهند والصين في آن واحد، ولكن في حال احتدام المنافسة الصينية الهندية سيجد الخليج نفسه أمام معضلة حقيقية.
بقاء الحكومة الإسرائيلية: الهدف الأمريكي الرابع؟
لا ترغب الولايات المتحدة في رؤية الحكومة الإسرائيلية الحالية في وضع انهيار محتمل؛ كون هذا الائتلاف حقق هدفًا أمريكيًا خالصًا تجاه إسرائيل يتلخص في ضمان وحدة المجتمع الإسرائيلي بكافة تياراته في حكومة واحدة، بخلاف حكومة نتنياهو التي رسخت غلبة المجتمع اليميني المتطرف في إسرائيل سياسيًا ومجتمعيًا.
يقوم أهم محدد في بقاء حكومة إسرائيل على الأمن؛ أي تحييد المخاطر (التهديدات الداخلية) والأخطار الأمنية المحتملة. وأول هذه الأخطار هو التهديد الإيراني على إسرائيل الذي يحدق بها على عدة جبهات بسبب تمدد وكلائها حول إسرائيل في لبنان وسوريا وقطاع غزة برًا وبحرًا.
لذا تأتي زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط كمحاولة لتطويق النفوذ والتهديد الإيرانيين في المنطقة من خلال إقامة نظام دفاعي إقليمي يكون التطوير العسكري المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل للقبة الحديدية المطوّرة هو أساسه.
من ناحية أخرى، يكون أهم محدد في انهيار الحكومة مهما كانت الدعائم هو التطور الإيجابي للقضية الفلسطينية سواء كانت انتخابات محتملة في القدس، أو فتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية، أو استئناف مفاوضات، أو تحقيق مصالحة فلسطينية-فلسطينية؛ جميعها مسائل تقوض استقرار الحكومة الإسرائيلية.
ثاني أهم محدد هو شكل الهوية السياسية لإسرائيل ما إذا كانت ليبرالية علمانية أم قومية-يهودية، ينعكس ذلك في انشقاق مجموعة من نواب الكنيست من الحكومة مثل عيديت سيلمان في أبريل 2022، وأحدثها نير أورباخ من حزب يمينا (الحزب الحاكم)؛ جميعها كانت لدوافع سياسية تتعلق بهوية إسرائيل، حتى وإن بدت تصريحاتهم تكتيكية تأخذ أسبابًا غير واضحة وغير صريحة؛ يستدل على ذلك أنهم جميعًا وافقوا على تشكيل ائتلاف جديد يكون تحت قيادة نتنياهو.
أصدرت الحكومة الإسرائيلية بيانًا يقر بحل الكنيست وتولي يائير لابيد وزير الخارجية رئاسة الحكومة حتى موعد الانتخابات في أكتوبر 2022. جدير بالذكر أن الحكومة ستصبح مجموعة وزارية لتسيير الأعمال، وذلك يعني أنها غير قادرة على تمرير أي مشاريع أو اتفاقات مستقبلية إلا بعد تشكيل ائتلاف جديد.
يعيد هذا المشهد السياسي المرتبك فصلًا قديمًا من أسئلة ملحة حول ما إذا كان من الممكن عودة نتنياهو مرة أخرى إلى السلطة؟ يستحوذ حزب الليكود على مجموعة كبيرة من الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب القومية الدينية، يُترجمون بلغة مقاعد الكنيست إلى 53 مقعدًا، وقد يُضاف إليهم نائبان منشقان آخران من أحزاب مختلفة فيكون المجموع 55، أي يحتاج نتنياهو إلى 6 مقاعد فقط من أجل تشكيل الائتلاف. تزيد فرص هذا السيناريو في حالة أبدى حزب القائمة الموحدة موافقته على الانضمام لحكومة يترأسها نتنياهو.
ختامًا، يمكن القول إن هناك مجموعة من الأفكار الأساسية؛ أهمها أن إدارة بايدن تأتي لتحقيق مجموعة من الأهداف بما يتعلق بطبيعة جديدة للشرق الأوسط تكون إسرائيل قوة إقليمية فيه، ولا يخرج المشهد الداخلي في إسرائيل عن أهداف الزيارة. ورغم ذلك، فإن احتمالات تحقيق هذه الأهداف تظل موضع شك كبير، بما فيها أن الولايات المتحدة لا تستطيع ضمان عدم وصول نتنياهو إلى السلطة مجددًا.
.
رابط المصدر: