مسلم عباس
إذا كانت هناك جريمة تسمى بجريمة “الخيانة العظمى”، كتعبير شائع عن الجرائم السياسية الماسة بأمن الدولة ومخالفة رئيس الجمهورية لواجباته الدستورية، فمن الضروري إدخال جريمة “الغباء السياسي”، ضمن قوانين العقاب الوطنية لتشمل جميع الأفراد سواء كانوا مواطنين بسطاء أو سياسيين وزعماء أحزاب ووزراء.
فالغباء السياسي لا يقل خطورة عن قصدية مخالفة الدستور والقانون، لا سيما وأننا نعيش في عصر تقارب المسافات وتغير مفهوم الحدود الوطنية وسهولة تحقيق الاختراقات بطرق مبتكرة.
الخطاب السياسي في العصر الراهن هو المحرك للجماعات والأفراد، مرة يدفعهم لتحقيق غايات وطنية، ومراد عديدة يستغل غباءهم ليقوم بتدمير التركيبة الاجتماعية والسياسية للشعب وحتى الجماعات السياسية المنظمة.
يستفيد القائم على الخطاب السياسي وجماعات التحريك الإلكتروني (الجيوش الإلكترونية)، من ضعف الموانع الإدراكية لجمهوره المستهدف، فيطلق محفزات الفعل السياسي ليشغل ماكينة من الهجوم حسب ما يريد هو لا كما ينبغي تحقيق المصلحة الوطنية.
ولصاحب الخطاب أساليب كثيرة في إطلاق محفزات الفعل السياسي، قد تكون على شكل “خبر مضلل”، يريد من الجمهور مشاركته من أجل خلق فوضى في البلاد، وخلخلة الاستقرار أو استمرار حالة عدم الاستقرار.
وقد يكون النشر على شكل نكتة مضحكة، يتداولها الناس على نطاق واسع، فهم وبسبب سذاجتهم وبساطة تفكيرهم ومستوى الغباء الذي يتمتعون به ينشرون الفيديوهات السياسية المضحكة على نطاق غير محدود.
وفي النكتة تحديداً يبرز خبث صاحب الخطاب وسعيه الدائم لتحقيق اختراقات فعلية في صفوف الشعب، ومن خلاها يستطيع أن يطلق التوصيفات على من يشاء، وهو يعرف جيداً أن التوصيف الذي ينبثق من نكتة سياسية يسهل تناقله على ألسنة الناس.
والتوصيف ذاته يحدد الإطار العام والصورة النمطية للتنظيم السياسي، أو لشخصية معينة، وربما لشعب كامل.
كل ما يفعله مطلق الخطاب السياسي هو اختيار نكتة مضحكة، وربطها بالجهة المستهدفة، ويترك للجمهور القيام بالواجب المتبقي.
أساليب كثيرة تستخدم في الخطاب السياسي وهدفها التصعيد وتعكير صفو الأجواء، أو صب الزيت على النار، ولست بصدد وضع تصنيف لها، لكنني اريد التنبيه لخطورة تداول كل شيء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لنعرف قبل مشاركة أي معلومة أو منشور أن هناك جيوشاً إلكترونية عملها على مدار الساعة هو صناعة مثل هذه الأخبار المضللة، ونشر الدعايات والكراهية وبعثرة الأفكار وتمزيق النسيج المجتمعي الهش.
ولنعرف أيضاً أن صاحب الدعاية المضللة، والجيش الإلكتروني لا يستطيع تحقيق أهدافه من دون مشاركة الناس، وهؤلاء الناس هم الذين لا يدققون فيما ينشرون، ويتخذون من النشر وسيلة للترفيه فقط.
وحتى نقرات الإعجاب التي لا تكلفنا أي جهد لها دور في رفع أسهم الخطابات التضليلية، نظراً لاعتماد مواقع التواصل الاجتماعي على خوارزميات تزيد من ظهور المنشورات التي تتلقى إعجابات أكثر.
بمعنى آخر أن نقرة الإعجاب التي وضعتها بدون ثمن، لها أهمية كبيرة لدى الناشر الذي يستفيد منها لتوسيع نطاق جمهوره ووصولها إلى أكبر عدد من الناس، ومن ثم تحقيق أكبر ضدد على المجتمع الذي يستهدفه.
أي تفاعل أو مشاهدة أو قراءة أو إعادة مشاهدة أو مشاركة أو إعجاب أو تعليق في مواقع التواصل الاجتماعي يزيد من القيمة الرقمية للمادة المنشورة، ويجعلها أكثر قدرة على الوصول لجمهور أكبر، ومن واجبنا عند الشعور بوجود مادة مضللة هو التبليغ عنها أولاً، وعدم التفاعل معها إطلاقاً.
وقد يتبادر للذهن أن بسطاء الناس هم فقط من يتفاع مع المواد المضللة، لكن الجميع مشتركون بشكل أو بآخر بهذا النشاط الاتصالي اليومي، والذي يتلاعب بالقناعات ويغير التوجهات حسبما تقتضيه مصالح الجهات السياسية المحلية والخارجية.
كل الجهات التي تعتمد الخطاب التضليلي تستفيد من نسب الغباء المنتشرة لدى الجمهور، ولكي نخدم بلدنا علينا رفع مستوى فهمنا للواقع الذي نعيشه، ومواقع التواصل جزء من هذا الواقع وليست واقعاً افتراضياً، تؤثر في حياتنا اليومية وتغيرها في بعض الأحيان.
.
رابط المصدر: