يرى محللون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد يكون انتزع من نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي خلال قمة طهران غطاء لتنفيذ عملية محدودة في شمال سوريا، لكنه لم يحصل على “ضوء أخضر” كان يسعى إليه لشن هجوم واسع يهدّد به منذ أسابيع ضد المقاتلين الأكراد. ومع انتهاء الاجتماع الثلاثي قتل تسعة مدنيين في قصف طال منتجعاً سياحياً في زاخو بإقليم كردستان في العراق.
وأكد إردوغان خلال القمة التي انعقدت الثلاثاء عزم بلاده مواصلة “القتال قريباً ضد المنظمات الإرهابية”، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في سوريا. فما هو حجم العملية الممكنة؟ وهل سيغير التحرك التركي، إن حصل، الوضع على الأرض في منطقة أعلن فيها الأكراد منذ سنوات إدارة ذاتية، وتتداخل فيها مصالح النظام السوري وروسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة؟
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفق نص وزعته الرئاسة التركية بعد محادثات مع زعيمي إيران وروسيا إن الهجوم التركي الجديد على وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا سيبقى على جدول أعمال تركيا إلى أن تتم معالجة مخاوفها الأمنية.
وجاء بيان أردوغان، الذي أعلن في وقت سابق من العام أن تركيا ستشن هجوما جديدا في شمال سوريا يستهدف وحدات حماية الشعب الكردية، بعد أن أجرى محادثات بشأن سوريا مع نظيريه الروسي والإيراني في طهران.
وفي معرض حديثه للصحفيين في رحلة العودة، قال أردوغان إن الدول الثلاث تقف في صف واحد فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا المتعلقة بسوريا، مضيفا أنه يعتقد أن الدول الثلاث تفكر بنفس الطريقة فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية.
واتهم أردوغان وحدات حماية الشعب، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، “بمص” البنزين السوري وبيعه لاحقا لحكومة الرئيس بشار الأسد. كما قال إنه يتعين على الولايات المتحدة الانسحاب من شرق نهر الفرات ووقف دعمها للجماعات الإرهابية.
هل حصل إردوغان على ضوء أخضر؟
انتهت قمة طهران بتأكيد الدول الثلاث تصميمها على “مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية” في سوريا.
وبرغم تأكيد البيان الختامي “رفض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية”، في إشارة الى الإدارة الذاتية الكردية، لم تحظ تركيا على الأرجح بتفويض لشن هجوم واسع، وفق محللين.
وسبق لموسكو وطهران وواشنطن أن حذّرت تركيا من مغبّة شنّ هجوم جديد.
وأكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي خلال استقباله إردوغان أن عملية عسكرية تركية “ستعود بالضرر” على سوريا وتركيا والمنطقة.
وتعتبر أنقرة المقاتلين الأكراد “إرهابيين”، وتبرّر إيران وروسيا تدخلهما لصالح النظام في سوريا بمواجهة مجموعات “إرهابية”، هي، بالنسبة اليها، فصائل المعارضة والمجموعات الجهادية.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران التي زارها غداة القمة، إن إردوغان لم ينجح في “تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها”.
وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لوكالة فرانس برس “لم تمنح القمّة إردوغان الضوء الأخضر” للمضي في هجومه. لكنّها تذكّر بأن تركيا “أطلقت مراراً عمليات عسكرية في سوريا من دون ضوء أخضر” ورغم اعتراض قوى رئيسية بينها موسكو وواشنطن.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس إن تركيا “لا تطلب الإذن مطلقا” من أحد قبل شن عملية عسكرية في سوريا، مضيفا “يمكننا تبادل أفكار، لكننا لم ولن نطلب مطلقا إذنا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب”.
وتابع “يمكن أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، بشكل غير متوقع”.
وتُرجح منى يعقوبيان من “معهد الولايات المتحدة للسلام” ألا تثني القمة إردوغان الذي يتحضر لانتخابات رئاسية في 2023، “عن القيام بخطوة رمزية تتيح له الإدعاء بأنه قام بتحرك، ولكن من دون شن هجوم عسكري واسع”، خصوصاً أنه يعتقد أن هجوماً في سوريا وربطه بمسعى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيكسبه “تعاطفاً” قبل الاستحقاق.
وشنّت تركيا بين 2016 و2019 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً، عن حدودها. وتعد أنقرة الوحدات امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.
وتشكّل تل رفعت ومنبج اللتان تهدد تركيا باستهدافهما جزءاً من “منطقة آمنة” بعرض 30 كيلومتراً تريد إقامتها قرب حدودها الجنوبية.
وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، وبات يقيم فيها عدد كبير من الأكراد الذين دفعهم هجوم تركي في منطقة عفرين للنزوح العام 2018. كما تُعد منبج ذات غالبية عربية، ويتواجد أكراد فيها وفي محيطها بشكل أساسي.
في دمشق، بدا مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله أكثر تفاؤلاً، إذ يقول لفرانس برس إن “فتيل العملية العسكرية التركية التي كانت ستعقّد الوضع في الشمال، قد نُزع تماماً” على ضوء مقررات قمة طهران.
ما هي الخيارات والتحديات؟
وترى يعقوبيان أن إردوغان قد يختار “شنّ توغل محدود جداً من حيث النطاق والمدة” أو “ضربات محدودة من طائرات مسيرة”.
ويوضح الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس لفرانس برس أن إردوغان “يتمتع بضوء أخضر” لشن ضربات جوية ضد أهداف كردية محددة، على غرار ما يحصل في العراق المجاور حيث تستهدف أنقرة قواعد حزب العمال الكردستاني في مناطق جبلية.
وهناك تواجد عسكري روسي ولمجموعات إيرانية وأخرى تابعة للنظام السوري في المنطقة التي تهدّد تركيا باستهدافها، فيما تتواجد قوات أميركية في شرق وشمال شرق سوريا، ما يضع عراقيل إضافية أمام اي عمل عسكري تركي واسع.
ويقول هيراس “إذا بقيت الولايات المتحدة في سوريا، ليس هناك الكثير الذي يمكن لتركيا وإيران وروسيا فعله لتغيير واقع أن هناك مساحات واسعة ستبقى تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية”.
ويُعتبر دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد بمثابة صمام أمان لهم، وإن كانت ثقتهم بها اهتزت بعد هجوم تركي في 2019 حصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مواقع حدودية.
ستكون لأي تحرّك عسكري تركي في منطقة سكانية مكتظة، وفق خليفة، “عواقب إنسانية وخيمة (…) وسيؤدي تجدد الصراع حتماً إلى نزوح جماعي ومعاناة”.
وإثر اتفاق روسي مع الأكراد، تُعزز قوات النظام منذ أيام انتشارها في مناطق حدودية، خصوصاً قرب منبج، في سيناريو شبيه بما قامت به خلال هجوم 2019، للحؤول دون توسع تركي، وإن كانت السيطرة الفعلية على الأرض بقيت في يد قوات سوريا الديموقراطية.
ويرى أبو عبدالله أن “ما من خيار أمام قوات سوريا الديموقراطية سوى التفاهم مع الدولة السورية”.
واصطدمت محادثات أجراها الأكراد سابقاً مع دمشق بحائط مسدود، مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات إدارتهم الذاتية، الأمر الذي ترفضه دمشق.
وتقول خليفة “من المحتمل أن يؤدي أي هجوم تركي إلى مزيد من الترتيبات الدفاعية بين قوات سوريا الديموقراطية ودمشق، لكن ذلك قد لا يُترجم باتفاق/تسوية أوسع بين الطرفين إزاء مستقبل شمال شرق (البلاد). على الأقل لم يحدث ذلك في الماضي”.
معركة تركيا ستستمر
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن وحدات حماية الشعب الكردية تتخذ خطوات لتقسيم سوريا بدعم أجنبي، وإن تخليص البلاد منها سيعود بالفائدة على الشعب السوري.
وفي حديثه في طهران خلال اجتماع ثلاثي مع زعيمي روسيا وإيران، قال أردوغان إنه يرى أن البلدين يتفهمان مخاوف تركيا الأمنية، لكن الكلمات ليست كافية. وقال إن معركة تركيا ضد وحدات حماية الشعب والميليشيات الأخرى ستستمر دون النظر لمن يدعمها.
ونفذت أنقرة أربع عمليات في شمال سوريا منذ عام 2016، واستولت على مئات الكيلومترات من الأراضي واستهدفت بشكل أساسي وحدات حماية الشعب الكردية.
وقال أردوغان إن تركيا ستستهدف مرة أخرى وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها جماعة إرهابية، على الرغم من معارضة روسيا وإيران.
من جهتها اعتبرت دمشق أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لم يحقق “أهدافه” خلال قمة مع نظيريه الإيراني والروسي عُقدت على وقع تهديده بشنّ عملية عسكرية في شمال سوريا.
وبعد ساعات من اختتام القمة، حلّ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ضيفا على نظيره حسين أمير عبداللهيان في الخارجية الإيرانية.
وقال المقداد خلال مؤتمر صحافي مشترك “ننظر الى ما تمّ في قمة طهران على أنه إيجابي. طبعا نفهم أن هذه القمة لم تكن للرئيس رئيسي وللرئيس بوتين، كان هناك طرف آخر يشارك بها”، في إشارة الى اردوغان من دون تسميته.
وأضاف “الطرف الآخر كانت له الكثير من الأهداف والسياسات التي أراد أن يفرضها على الاجتماع”، الا أن ذلك “لم يتحقق بفِعل المناقشات الجادة والآراء التي طرحها الأصدقاء الايرانيون والأصدقاء الروس”.
ورأى أن اردوغان لم ينجح في “تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها”.
تأمل أنقرة في إنشاء منطقة بعرض 30 كيلومترا على طول الحدود التركية-السورية تفصلها عن الأراضي الخاضعة لسلطة المقاتلين الأكراد الذين تحالفوا مع الولايات المتّحدة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية.
وكرر وزير الخارجية الإيراني الدعوة لخروج القوات الأميركية من مناطق شرق الفرات، وهو موقف طرحه خامنئي في لقاء مع بوتين.
وقال عبداللهيان إن “وجود القوات الأميركية في شرق الفرات هو إحدى المشكلات التي تعاني منها المنطقة”، وإن واشنطن “تتذّرع بأن وجودها مرتبط بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأضاف “نعتقد أن على القوات الأميركية مغادرة الأراضي السورية فورا ومن دون أي شروط”.
ورأى المقداد أن الوجود الأميركي “غير شرعي”، معتبرا أنه “إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنسحب من هذه الأراضي، فهو الأفضل لها”.
ولوّح المقداد بأن المضي في العملية قد يؤدي لـ”صراع” سوري-تركي.
وأوضح “لا ينفع تركيا أو غير تركيا أن تخترق الحدود السورية وأن توجد مناطق آمنة، لأن هذا سيخلق نوعا اخر من الصراع بين الدولة السورية والدولة التركية”، مضيفا “نحن قلنا بأننا على استعداد للدفاع عن سيادتنا وأمننا وحريتنا وحرية شعبنا، وهذا شيء لا يمكن التخلي عنه”.
دهوك ضحية الخلافات الثلاثية
ومع انتهاء الاجتماع الثلاثي قتل تسعة مدنيين على الأقلّ بينهم نساء وأطفال الأربعاء وأصيب 23 آخرون بجروح في قصف طال منتجعاً سياحياً في زاخو بإقليم كردستان، نسب إلى تركيا المجاورة التي غالباً ما تستهدف متمردين أكراد في شمال العراق.
وإثر القصف، ندّد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بارتكاب “القوات التركية مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية وحياة المواطنين العراقيين وأمنهم باستهداف أحد المصايف السياحية في محافظة دهوك”.
وأضاف الكاظمي في تغريدة أن “العراق يحتفظ بحقّه الكامل بالرد على هذه الاعتداءات وسيقوم بكل الاجراءات اللازمة لحماية شعبه وتحميل الطرف المعتدي كل تبعات التصعيد المستمر”.
وأفاد مشير بشير قائم مقام زاخو حيث يقع منتجع برخ الذي تعرّض للقصف بأن غالبية الضحايا هم “من السياح العراقيين العرب”، الذين غالباً ما يتجهون إلى هذه المناطق ذات الحرارة المعتدلة هرباً من الحرّ في وسط وجنوب البلاد.
وقال بشير إن “تركيا قصفت قرية برخ مرتين اليوم”.
في الأثناء، قال مصدر في وزارة الدفاع التركية لفرانس برس إن “لا معلومات لدينا تؤكّد أو تشير إلى قصف في هذه المنطقة”.
ومنتصف نيسان/ابريل، أعلنت تركيا التي تقيم منذ 25 عاماً قواعد عسكرية في شمال العراق، تنفيذ عملية جديدة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة “إرهابية”، ويخوض تمرّدا ضد الدولة التركية منذ العام 1984، ويتمركز في مناطق جبلية نائية في العراق.
وقال أمير علي المتحدث باسم دائرة الصحة في زاخو لفرانس برس إن عدد قتلى القصف الذي وقع الأربعاء ارتفع إلى تسعة بينما بلغ عدد الجرحى 23.
من بين القتلى الذين قضوا في القصف “ثلاث نساء وطفلان وثلاثة رجال”، كما قال علي في وقت سابق للصحافيين.
وكان حسين تحسين علي القادم من محافظة بابل في وسط العراق، من بين السياح الذين طالهم القصف، وتعرّض لجرح في رأسه.
وقال لفرانس برس فيما لفّ رأسه بضمادة بيضاء من أمام المستشفى في مدينة زاخو “وقع الحادث قبل ساعتين… قصف عشوائي انهال علينا. الجثث أمامنا وعلى المياه. شبابنا ماتوا وأطفالنا ماتوا. لا أعرف من نناشد في هذه الحالة؟”.
في أعقاب الحادث، أوفد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وزير الخارجية ووفداً أمنياً إلى منطقة القصف في دهوك، كما أفادت وكالة الأنباء العراقية. ونقلت عن الناطق باسم الخلية سعد معن قوله إن الوفد توجه إلى “مكان القصف للتحقيق بالحادث وزيارة الجرحى”.
ودانت الحكومة العراقية “بأشَدِّ العبارات القصف الذي استهدفَ منتجعاً سياحيّاً في مدينة زاخو”، بحسب بيان صادر عن الخارجية العراقية. واعتبرت أن القصف يمثّل “انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق، وتهديداً واضحاً للآمنين من المدنيين، الذين استُشهِدَ عددٌ منهم وجُرِحَ أخرون جرّاء هذا الفعل”.
وقالت إنه “سيتم اتخاذ أعلى مستويات الرد الدبلوماسيّ، بدءاً من اللجوءِ إلى مجلس الأمن”.
وأعرب رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح من جهته عن استنكاره لـ”القصف التركي الذي طال دهوك وأسفر عن استشهاد واصابة عدد من أبنائنا”، معتبراً أنه “يُمثل انتهاكاً لسيادة البلد وتهديداً للأمن القومي العراقي”.
وأضاف أن تكرار مثل هذا القصف “غير مقبول بالمرة بعد دعوات سابقة لوقف مثل هذه الاعمال المنافية للقانون الدولي وقواعد حسن الجوار”.
وتقيم أربيل عاصمة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، علاقات معقدة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعرقل وجوده في المنطقة العلاقات التجارية الحيوية مع تركيا المجاورة.
وتشهد المناطق الحدودية مع تركيا في العراق توتراً وعنفاً متكرراً، فيما تفاقم العمليات العسكرية التركية الضغط على العلاقات بين أنقرة وحكومة العراق المركزية في بغداد التي تتهم تركيا بانتهاك حرمة أراضيها، رغم أن البلدين شريكان تجاريان هامان.
واستدعت بغداد في نيسان/ابريل السفير التركي علي رضا كوناي للاحتجاج على العملية العسكرية التركية.
وفي 17 تموز/يوليو، استهدفت طائرة مسيرة قال مسؤولون عراقيون محليون إنها تركية، سيارة في غرب الموصل، أكبر مدن شمال العراق، ما أدّى إلى مقتل السائق وأربعة أشخاص آخرين بينهم امرأة.
وقالت حينها السلطات الأمنية في إقليم كردستان إن القتلى هم مقاتلون في حزب العمال الكردستاني.
وفي أيار/مايو، قتل ستة أشخاص على الأقل بينهم ثلاثة مدنيين في شمال العراق بضربات بمسيّرة نسبت إلى تركيا واستهدفت حزب العمال الكردستاني بحسب مسؤولين محليين.
يوم حداد وطني
وأعلن رئيس الوزراء العراقي الخميس يوم حداد وطني ومن المقرر أن تغادر جثامين الضحايا مطار أربيل، عاصمة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، صباح الخميس، إلى بغداد قبل أن تسلَّم للعائلات لتشييعها، بحسب مسؤول كردي.
وأثار القصف غضب الرأي العام العراقي، لا سيما وأن غالبية الضحايا هم من وسط وجنوب البلاد، الذين يتوجهون إلى المناطق الجبلية في كردستان المحاذية لتركيا، هرباً من الحرّ.
وتظاهر العشرات صباح الخميس أمام مركز لمنح تأشيرات دخول إلى تركيا، وسط اجراءات أمنية مشددة، مطالبين بطرد السفير التركي من العراق، كما أفاد مصوّر في فرانس برس.
وبثّت أغاني وطنية عبر مكبّرات صوت، فيما رفع بعض المتظاهرين لافتةً كتب عليها “أنا عراقي، أطلب طرد السفير التركي من العراق”.
من بين المتظاهرين، علي ياسين (53 عاماً)، الذي قال لفرانس برس “تركيا والسفارة التركية نقول لهم يكفي”، مضيفاً “السلمية لا تفيد. حرق السفارة التركية مطلبنا بعد أن نخرج السفير التركي لأن حكومتنا لا ترد وغير قادرة”.
ومنتصف نيسان/أبريل، أعلنت تركيا التي تقيم منذ 25 عاماً قواعد عسكرية في شمال العراق، شنّ عملية جديدة ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK). ويخوض هذا الحزب الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة “إرهابية”، تمرّدا ضد الدولة التركية منذ العام 1984، ويتمركز في مناطق جبلية نائية في العراق.
وتنفي أنقرة مسؤوليتها عن الهجوم، في حين تتهمّ بغداد الجيش التركي بتنفيذ القصف. وعلى حسابها في تويتر قدّمت السفارة التركية “العزاء على إخوتنا العراقيين الذين استشهدوا على يد منظمة PKK الإرهابية”.
وتُفاقم العمليات العسكرية التركية في شمال العراق الضغط على العلاقات بين أنقرة وحكومة العراق المركزية في بغداد التي تتهم تركيا بانتهاك سيادة أراضيها، رغم أنّ البلدين شريكان تجاريان هامّان.
وصعّدت بغداد النبرة بمطالبتها بانسحاب الجيش التركي من أراضيها. كما أعلنت السلطات العراقية استدعاء القائم بأعمالها من أنقرة “وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا”، بحسب بيان رسمي.
وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان إن “جميع المؤشرات تؤكد مسؤولية تركيا عن الاعتداء وإنكارها مزحة سوداء”.
وأضافت الوزارة دون مزيد من التوضيح أن “هناك احتمالية أن يلجأ العراق إلى الورقة الاقتصادية”.
في بغداد، احتشد نحو 500 محتج بالقرب من مبنى تابع للسفارة التركية واندلعت اشتباكات لفترة وجيزة بينهم وبين الشرطة.
وقال المتظاهر حيدر التميمي “نطالب برد فعل حقيقي من الحكومة العراقية”، متهما السياسيين في العراق والمنطقة التي يقودها الأكراد حيث وقع الهجوم بعدم الاستجابة الكافية لإراقة الدماء.
واستدعى العراق سفير أنقرة في بغداد للاحتجاج على الهجوم وقالت الوكالة الحكومية إن الحكومة ستستدعي القائم بالأعمال العراقي في أنقرة.
ونُقلت جثامين الضحايا جوا إلى بغداد يوم الخميس في مراسم حضرها كبار المسؤولين في الحكومة العراقية بمن فيهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ووصف مكتب الكاظمي الضحايا بأنهم “شهداء الاعتداء التركي الغاشم الذي استهدف المدنيين”.
من بين ضحايا الهجوم عباس علاء (24 عاما)، من سكان بغداد، والذي كان يدرس ليصبح مهندسا مدنيا.
وقال محمد كاظم، ابن عم علاء، لرويترز بينما كان يشارك أقاربه في الجنازة “تزوج منذ خمسة أيام. ذهب لقضاء شهر العسل”. وأضاف أن عروس علاء أصيبت بجروح طفيفة.
وكان آخرون ممن حوصروا في أعمال العنف يستجمون في الجبال من حرارة الصيف القائظة.
وقال كفاح علي نجم، الذي ذكر أنه فقد أخته وابنة أخته، “كان الأطفال يلعبون في الماء… بعد نصف ساعة، قصفونا. وبعد دقيقة. لم نعد نعرف إلى أين نذهب”.
وأضاف “أسرتنا تفرقت، النساء تفرقن والرجال تفرقوا. نحن محبطون، نريد جثامين موتانا”.
وقُتل أكثر من 40 ألفا في الصراع الذي كان يتركز في الماضي بشكل أساسي في جنوب شرق تركيا حيث يسعى حزب العمال الكردستاني لإقامة دولة كردية.
وقال جاويش أوغلو “العالم كله يعلم أننا لن نشن هجوما على المدنيين”.
وأضاف جاويش أوغلو أن التقارير التي تحمّل تركيا مسؤولية الهجوم ما هي إلا محاولات من جانب حزب العمال الكردستاني لعرقلة جهود أنقرة في مكافحة الإرهاب.
وقال “العالم كله يعلم أننا لن نشن هجوما على المدنيين”، مضيفا أن الجيش التركي أبلغ وزارته بأن تركيا لم تنفذ هذا الهجوم.
وأوضح “بعد هذا الهجوم الذي نعتقد أن منظمة (حزب العمال الكردستاني) الإرهابية نفذته، نحن مستعدون لإجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين. يمكننا التعاون لإزالة الغموض وكشف الملابسات. وإلى حين يحدث هذا، ليس من الصواب إلقاء اللوم على تركيا”.
وقالت الولايات المتحدة إنها تدعم سيادة العراق بقوة.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية إن “قتل المدنيين أمر غير مقبول ويتعين على جميع الدول احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، بما يشمل حماية المدنيين”.
ونددت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين هينيس بلاسخارت بهجوم الأربعاء في بيان نُشر على تويتر ودعت إلى إجراء تحقيق لتحديد ملابسات الهجوم.
.
رابط المصدر: