قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، تشهد اليوم وبحسب بعض المصادر، تطورات مهمة وحساسة خصوصاً بعد ان كشف تقرير استخباراتي أمريكي ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد أجاز اعتقال أو قتل خاشقجي، يضاف الى ذلك اتهامات بعض المنظمات الحقوقية في اوروبا ودول اخرى. هذه الاتهامات وكما يرى بعض المراقبين، يمكن ان تكون سبباً في اثارة ازمات ومشكلات جديدة بين المملكة العربية السعودية وباقي حلفائها ومنهم الولايات المتحدة الامريكية، حيث يعمل مشرعون أميركيون على إعداد مشروع قانون في الكونغرس، يدعو لفرض عقوبات على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت النائبة عن ولاية مينسيوتا إلهان عمر في بيان: “هذا اختبار لإنسانيتنا”. وأضافت “إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تدعم حقا حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان، فليس هناك سبب لعدم معاقبة محمد بن سلمان وهو رجل وجدت مخابراتنا أنه وافق على مقتل خاشقجي”. ونشرت وسائل إعلام أميركية ودولية، الجمعة، مقتطفات من تقرير مكتب الاستخبارات الوطنية الأميركية حول مقتل خاشقجي. وأكد التقرير أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، “أجاز” عملية لـ”اعتقال أو قتل” خاشقجي.
وقالت عمر في تغريدة “كل دقيقة يفلت فيها محمد بن سلمان من العقاب هي لحظة تتعرض فيها المصالح الأميركية وحقوق الإنسان وحياة المعارضين السعوديين للخطر. واليوم قدمت تشريعات لفرض عقوبات على ولي العهد لدوره في مقتل جمال خاشقجي”. وزارة الخارجية السعودية عبرت عن رفضها لما جاء في تقرير مكتب الاستخبارات الوطنية حول مقتل خاشقجي، وقالت إن التقرير “مؤسف” ويتضمن “استنتاجات خاطئة”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلا عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، رفض فرض عقوبات على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على مقتل الصحفي جمال خاشقجي، “خوفا من أن يؤثر ذلك على العلاقات بين البلدين”. وحسب الصحيفة، فإن بايدن رأى أن ثمن معاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر، سيكون “باهظا للغاية”. مع ذلك، قالت إدارة بايدن إنها “تحتفظ بحقها في فرض عقوبات على ولي العهد السعودي في المستقبل”.
وهناك مشروع قانون آخر قدمه النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي، يسمى “قانون محاسبة السعودية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، ويهدف إلى ضمان حظر حتى محمد بن سلمان من السفر إلى الولايات المتحدة، حسب موقع بوليتيكو. قال مالينوفسكي إن عدم معاقبة محمد بن سلمان يضعف موقف الإدارة “إذا اتهمناه بالجريمة، ثم لم نفعل شيئا لمحاسبته”.
ضغوط امريكية
وفي هذا الشأن ضغطت الولايات المتحدة على السعودية من أجل اتخاذ مزيد من الإجراءات على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي فيما تواجه واشنطن انتقادات متزايدة بأنها لم تستهدف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشكل مباشر. رفع الرئيس الأميركي جو بايدن السرية عن تقرير استخباري خلص إلى ضلوع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي في العام 2018.
وكان خاشقجي مقيما في الولايات المتحدة حيث كان يكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن قتِل في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول وقطعت أوصاله. وأكد التقرير الذي نشر الجمعة أنّه تمّ إيفاد 15 شخصا لاستهداف خاشقجي في تركيا، بينهم عناصر “نخبة في فريق الحماية الشخصية” لولي العهد، في إشارة إلى قوات التدخل السريع التي شكّلت “من أجل حماية ولي العهد” و”تتصرف بموجب أوامره فقط”.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس “قمنا بحض السعودية على حل هذه المجموعة ومن ثم تبني إصلاحات وضوابط مؤسساتية منهجية لضمان توقف النشاطات والعمليات المناوئة للمعارضة بشكل تام”. وقال برايس إن “القتل الوحشي لجمال خاشقجي هو سلوك غير مقبول، قلناها بكل وضوح ومستمرون في ذلك”. وقال برايس “نحض السعودية على اتّخاذ خطوات إضافية لرفع حظر السفر عن المطلق سراحهم بعدما خفّضت عقوباتهم وحل قضايا كتلك المتعلّقة بالناشطين المدافعين عن حقوق النساء وغيرها” خصوصا الناشطة لجين الهذلول التي أطلق سراحها في كانون الثاني/يناير بعد ثلاث سنوات في السجن.
وفرضت إدارة بايدن عقوبات على قوة التدخل السريع، ما يعني أن أي تعامل أميركي معها سيعتبر جريمة، وأوضحت أنها ستحظر دخول 76 سعوديا إلى الولايات المتحدة بموجب سياسة جديدة ضد المسؤولين الأجانب الذين يستهدفون المعارضين. وشدّد برايس على أن الولايات المتحدة ستحافظ على تحالفها التاريخي مع السعودية لكنّه أوضح أن “التصدي لهذه التحديات الكبرى غير ممكن إلا عبر شراكة مع مملكة سعودية تحترم القيم الأميركية”. وكانت إدارة بايدن أعلنت إنهاء الدعم الأميركي للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن منذ 2015، فيما أكد الرئيس الاميركي أن الحرب في اليمن “تسببت بكارثة إنسانية واستراتيجية”.
لكن الإدارة الأميركية لم تصل إلى حد استهداف ولي العهد البالغ من العمر 35 عاما والرئيس الفعلي للبلاد ووزير دفاع البلاد، شخصيا. وردا على سؤال حول سبب عدم اتخاذ أي إجراء ضد ولي العهد، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إن الولايات المتحدة لا تفرض عقوبات على القادة الأجانب عادة، رغم الإجراءات الأميركية المتكررة ضد كبار المسؤولين في دول معادية.
لكنها لمحت إلى أن معاقبة الأمير محمد بن سلمان ليست مستبعدة قائلة “بالطبع نحن نحتفظ بالحق في اتخاذ أي إجراء، عندما نرى ذلك مناسبا وبالطريقة التي نختارها”. وأشار برايس إلى أن الولايات المتحدة لن “تستعرض” من سيتم حظره في المستقبل مضيفا “لست على علم بأي خطط لولي العهد للسفر إلى الولايات المتحدة في المدى المنظور”.
وقالت خطيبة خاشقجي التركية خديجة جنكيز، إن ولي العهد فقد شرعيته بعد نشر التقرير الاستخباراتي. وكتبت جنكيز على تويتر “من الضروري أن يعاقب ولي العهد الذي أمر بالقتل الوحشي لشخص بريء، من دون تأخير”. وأضافت “لن يؤدي هذا الأمر إلى تحقيق العدالة التي كنا نسعى إليها لجمال فحسب بل قد يمنع أيضا تكرار أعمال مماثلة في المستقبل”. ووصلت أصداء تعليقات جنكيز إلى مسامع المُقرّرة الخاصّة للأمم المتّحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار التي وصفت تقاعس الولايات المتحدة عن محاسبة الأمير محمد بن سلمان بأنه “مقلق جدا”.
وقالت للصحافيين “من الخطر جدا، من وجهة نظري، الاعتراف بذنب شخص ما ثم إخبار ذلك الشخص بأننا لن نفعل أي شيء ضده”. وتابعت “أدعو حكومة الولايات المتحدة إلى التصرف بناء على نتائج التحقيقات ومعاقبة محمد بن سلمان على ما فعله”. كما دعا حلفاء بايدن في الكونغرس إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. بحسب فرانس برس.
ووصف السناتور الديموقراطي رون وايدن الذي قاد حملة رفع السرية عن التقرير، الأمير بأنه “قاتل غير أخلاقي مسؤول عن جريمة شنيعة”. وقال “يجب أن تكون هناك عواقب تستهدف محمد بن سلمان شخصيا، بما في ذلك على الصعيد المالي والسفر والقانوني، ويجب أن تواجه الحكومة السعودية عواقب وخيمة طالما أنه موجود في الحكومة”. ورفضت الحكومة السعودية ما ورد في التقرير الأميركي. وتصر على أن مقتل خاشقجي كان عملية فردية ولم يتورط فيها ولي العهد.
شكوى جديدة
في السياق ذاته اتهمت منظمة “مراسلون بلا حدود” ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعددا من كبار المسؤولين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في شكوى جنائية رفعتها في ألمانيا. وتضمنت الشكوى، الواقعة في 500 صفحة والتي قدمتها المنظمة للمدعى العام الألماني في محكمة كارلسروه الاتحادية، اتهامات بالاحتجاز التعسفي لأكثر من 30 صحفيا وقتل خاشقجي كاتب عمود الرأي في صحيفة واشنطن بوست بالقنصلية السعودية في إسطنبول سنة 2018.
وينفي الأمير محمد أي دور له في مقتل خاشقجي، ولم يتسن الوصول إلى شخصيات سعودية أخرى وردت أسماؤها في الملف، كما لم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية على الفور على طلب للتعليق. وقال كريستوف ديلوار الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود في بيان “يتعين محاسبة المسؤولين عن اضطهاد الصحفيين في السعودية على جرائمهم بما في ذلك مقتل جمال خاشقجي”.
وقالت المنظمة المعنية بمراقبة وسائل الإعلام العالمية إنها رفعت الدعوى في ألمانيا استنادا إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح لمحاكمها بالتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية في أي مكان في العالم، مضيفة أن من الممكن إدراج مزيد من الأسماء في مرحلة لاحقة. وقال مكتب المدعي العام الألماني إنه تسلم الشكوى ويعكف على تقييم مدى جدارتها واستحقاقها من الناحيتين القانونية والواقعية. ولم ترد وزارة الخارجية الألمانية على الفور على طلبات للتعليق. بحسب رويترز.
والمسؤولون الآخرون الذين وردت أسماؤهم هم سعود القحطاني، الذي كان يُنظر إليه على أنه الساعد الأيمن لولي العهد وأحمد محمد العسيري النائب السابق لرئيس المخابرات العامة وماهر عبد العزيز مطرب الذي يحمل رتبه عقيد ومحمد العتيبي، القنصل العام السعودي في اسطنبول وقت مقتل خاشقجي. وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو “إنها أول مرة توجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى السلطات العليا في السعودية لمعاملتها للصحافيين”. ورحبت خطيبة خاشقجي التركية خديجة جنكيز بهذه الخطوة، مجددة دعوتها لمعاقبة محمد بن سلمان. كذلك رحبت بها المقررة الخاصة للأمم المتّحدة حول عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار معتبرة أنها “مرحلة أساسية” وفرصة “لتوسيع نطاق القضاء الدولي”.
تحجيم بن سلمان
من جانب اخر ربما يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد نجا من العقاب المباشر بعد أن وجه تقرير للمخابرات الأمريكية أصابع الاتهام له في جريمة قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي، لكنه لم يخرج سالما تماما من دائرة الاتهام. فقد خلص التقرير المبني على معلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ورفعت الإدارة الأمريكية السرية عنه إلى أن الأمير وافق على عملية “لاعتقال أو قتل” خاشقجي، الذي قُتل في القنصلية السعودية في اسطنبول في 2018.
وبقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن نشر التقرير الذي رفض سلفه دونالد ترامب نشره يعود التركيز العام من جديد في موقف واشنطن من التعامل مع المملكة على سجلها في حقوق الإنسان وعلى مشترياتها الضخمة من السلاح الأمريكي. وبتوجيه الاتهام علنا للأمير محمد الذي يتولى فعليا إدارة شؤون المملكة جعلت واشنطن من الصعب على حلفائها الغربيين التعامل معه.
لكن رغم أنها قد ترغب في تحجيم ولي العهد البالغ من العمر 35 عاما فهي تدرك أنها لا تستطيع أن تتحمل قطيعة مع أقدم حلفائها العرب وقوة التوازن الرئيسية في المنطقة في مواجهة إيران. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحفيين “ما فعلناه … ليس قطعا للعلاقات لكنه إعادة ضبط لها لكي تكون أكثر اتساقا مع مصالحنا وقيمنا”. وقالت إليزابيث كيندال الزميلة الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد إن التقرير “محرج بدرجة شديدة للسعودية” كما أنه “يضع زعماء عالميين آخرين في وضع حرج يتعين عليهم أن يقرروا فيه ما إذا كانوا سيواصلون التعامل مع ولي العهد ومتى وكيف ذلك”.
واشار بايدن أشار إلى أنه سيبحث بصفة أعم وضع حقوق الإنسان في السعودية التي سحق فيها ولي العهد المعارضة وعمل على تحييد خصومه أو الزج بهم في السجون وبعضهم من أقرب أقاربه في إطار حملته لإحكام قبضته على السلطة. وقال بايدن إنه أوضح في مكالمة مع الملك سلمان أن قتل المعارضين السياسيين غير مقبول وأنه لابد من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان.
وكان الاتصال الهاتفي بالملك سلمان برهانا على نية بايدن المعلنة العودة إلى البروتوكول المعتاد بالتواصل مع العاهل السعودي وليس ولي العهد. وقال دبلوماسي غربي في الرياض إن هذه الخطوة “رمزية بما يكفي لإظهار أن ترامب وضع الأمير محمد في مكانة لا يستحقها ولا تلائمه وأن الوقت قد حان لإعادته إلى مكانه الصحيح”.
ربما يتجاوز بايدن الخطوات الرمزية، إذ أشارت إدارته إلى أنها ربما تلغي مبيعات أسلحة للسعودية التي تعد من أكبر مشتري السلاح الأمريكي إذا كانت تمثل مصدرا للقلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان وربما تقصر صفقات السلاح المستقبلية على الأسلحة “الدفاعية” فقط. كذلك رفعت واشنطن الحظر الذي فرضه ترامب على التعامل مع حركة الحوثي المدعومة من إيران والتي أطاحت بالحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وتخوض حربا الآن مع القوات السعودية وحلفاء المملكة.
غير أن بايدن مازال يتحسس خطاه. فالملك سلمان في الخامسة والثمانين من عمره ومعتل الصحة وربما يتولى ابنه السلطة في السعودية أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم والحليف المهم في مواجهة إيران الخصم المشترك منذ عشرات السنين. وقال نيل كويليام الزميل في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية إن التقرير يمثل “انتقادا قويا” غير أن واشنطن ستظل المصدر الرئيسي للدفاع والأمن بالنسبة للمملكة رغم اكتساب العلاقات طابعا أكثر رسمية. بحسب رويترز.
ويرجع التحالف السعودي الأمريكي إلى عام 1945 عندما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على ظهر فرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية ووعد بحماية عسكرية مقابل تيسير الاستفادة من احتياطيات النفط السعودية. وقال دبلوماسي غربي في الرياض ببساطة “المصالح المشتركة لن تكون في خطر”.
ويمثل قرار رفع السرية عن التقرير المتعلق بعملية الاغتيال المروعة لخاشقجي داخل قنصلية المملكة في اسطنبول، تحولا كبيرا في سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن عن نهج سلفه دونالد ترامب، الذي كثيرا ما تفاخر بالعلاقات الوطيدة مع الرياض. وأظهر بايدن بالفعل برودة تجاه ولي العهد، الذي نسج صداقة تضمنت رسائل على منصة واتساب مع صهر ترامب، جاريد كوشنر. وقال البيت الأبيض إنه يعتبر الملك البالغ من العمر 85 عاما نظيرا لبايدن.
رابط المصدر: