مطهر الصفاري
المقدمة
قاد الاحتقان السياسي في اليمن، على خلفية احتكار السلطة والرغبة في توريثها وعدم معالجات تداعيات الماضي وخصوصا تداعيات حرب 1994م، إلى مواجهات مسلحة في المناطق الشمالية التابعة لشمال اليمن مع جماعة الحوثي 2004-2010 وفى بعض المناطق الجنوبية مع العناصر المتشددة؛ تسببت في ضرب مؤسسات الدولة وإضعاف تمثيلها، وفتحت الباب أمام المطامع الإقليمية والدولية التي كان حضورها يزداد كلما زادت حِدة الصراعات بين المكونات اليمنية، حتى انتهى ذلك إلى انقلاب المتمردين الحوثيين على الرئيس المنتخب توافقيا “عبدربه منصور هادي” ومخرجات الحوار الوطني الشامل والسيطرة على مؤسسات الدولة في سبتمبر من العام 2014م، وهو ما دفع الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الطلب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية تقديم الدعم بكل الوسائل الممكنة بما فيها العمل العسكري، ومساعدة حكومته في استعادة سيطرتها على المناطق والمؤسسات، وبناء على ذلك تشكَّل التحالف العربي بقياد المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية وكسر الانقلاب، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن، بل دخل اليمن في صراعات متعددة الأوجه في الشمال والجنوب، وبعد خمس سنوات من الحروب (2014-2019) لم تستطع حكومة الرئيس هادي العودة لممارسة عملها من الأراضي اليمنية، حيث لايزال الحوثيون ( حلفاء إيران ) يسيطرون على العاصمة صنعاء ومحيطها، فيما يسيطر المجلس الانتقالي (الانفصالي) الذي شكلته ومولته دولة الإمارات في (مايو 2017) على العاصمة المؤقتة عدن.
يقف اليمن اليوم أمام مفترق طرق، محفوفة بالمخاطر والانقسامات، ويسهم الدور الخارجي الإقليمي والدولي في التأثير عليها، ويبدو الصراع فيه قد تحول من حرب بين السلطة والمتمردين إلى حرب بالوكالة، بين السعودية والحكومة اليمنية مع إيران، وبين الحكومة اليمنية ودولة الإمارات من جهة أخرى.
يعد الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجمهورية اليمنية وثرواتها الطبيعية والبشرية ركائز نهضة، لكنها في الوقت ذاته تشكل تحديات ومخاطر، إذ إنها تشكل عوامل جذب للقوى الإقليمية والدولية، إذا لم تتمكن الدولة من حمايتها وتوظيفها. تُناقش هذه الدراسة في مباحثها الثلاثة طبيعة الصراع في المحافظات الجنوبية والشرقية من الجمهورية اليمنية، حيث يركز المبحث الأول (بعد التمهيد) على خارطة الفاعلين المحليين في المناطق الجنوبية والشرقية، من حيث التواجد الجغرافي للقوى الفاعلة فيها، ونقاط القوة والضعف، وارتباطاتها الخارجية وأهدافها السياسية، فيما يركز المبحث الثاني، وهو مجال الدراسة الرئيسي، على الفاعلين الإقليميين والدوليين في الساحة اليمنية، وتحديداً في جنوب وشرق اليمن، من حيث تحديد أهداف تلك القوى الإقليمية والدولية، وحجم إمكانياتها وأدواتها في تنفيذ سياستها وتعزيز نفوذها في جنوب وشرق اليمن، ومستوى علاقتها بالأطراف المحلية، وفاعلية تأثيرها في التفاعلات الجارية، وفي المبحث الثالث تسعى الدراسة إلى استشراف المستقبل وتقديم بعض التوصيات.
رابط المصدر: