ديفيد ماكوفسكي
سيجري التصويت في الانتخابات النيابية الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 23 آذار/مارس في ظل انقسام كبير داخل اليمين السياسي. وليس من المؤكد على الإطلاق ما إذا كانت الجولة الرابعة ستَحسِم عدم الاستقرار في السياسة الإسرائيلية. وحتى لو حدث ذلك، من الممكن للقوى المتشكلة أن تضع واشنطن أمام تحديات سياسية بشأن القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية حالما تهدأ الأمور.
ستكون الانتخابات النيابية الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 23 آذار/مارس مرة أخرى عبارة عن استفتاء على قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لكن هناك عاملين رئيسيين يميزانها عن جولات التصويت السابقة، بصرف النظر عن جائحة “كوفيد-19” وانطلاق المرحلة الأكثر نشاطاً من محاكمة نتنياهو بتهم الفساد. والعامل الأول هو أن التصويت سيجري في ظل انقسام كبير داخل اليمين السياسي، والثاني هو أن التفوق الظاهري الذي يتمتع به اليسار الوسطي حالياً في استطلاعات الرأي هو خادع.
وفيما يتعلق بالعامل الثاني، تأمل عدة أطراف من [أحزاب] اليسار الوسطي في تشكيل حكومة بعد انهيار الائتلاف الحاكم السابق. ومع ذلك، فإنها تفتقر إلى زعيم واحد محفّز بعد هبوط شعبية بيني غانتس وحزب أزرق أبيض، وقد ينتهي المطاف بسهولة بعدد قليل من هذه الأطراف إلى عدم حصولها على العتبة الانتخابية اللازمة في إسرائيل لدخول البرلمان. وحتى إذا فازت تلك الأطراف، فالحكومة التي ستنشأ بعد ذلك ستكون غير متجانسة سياسياً إلى درجة غير ثابتة، مما يثير تساؤلات حول سياساتها واستقرارها. وفي الوقت نفسه، يقتصر مسار اليمين على حكومة يمينية بحتة، على الرغم من الانقسامات الداخلية. وفي النهاية، سيصوّت الكثير من الإسرائيليين مجدداً على أساس تأييدهم لنتنياهو أو معارضتهم له وسوف يتعاملون مع سياسات الوسط مقابل سياسات اليمين باعتبارها مسائل ثانوية – لكن الرياضيات السياسية الجديدة التي ستظهر بعد الانتخابات ستكون مع ذلك ذات أهمية.
تصدّعات في أحزاب اليمين
لقد نما حجم التحدي الذي يواجهه حزب “الليكود” بزعامة نتنياهو من الفصائل اليمينية الأخرى بشكل كبير. فقد اتهم حزب “الأمل الجديد” الذي انشق عن حزب “الليكود” برئاسة جدعون ساعر، رئيس الوزراء بإضعاف المؤسسات، مما يعكس الفكرة السائدة بأن نتنياهو يسعى إلى الحصول على حصانة برلمانية ضد محاكمته الجارية بتهم الفساد. وتعهّد ساعر بعدم الدخول في ائتلاف مع نتنياهو في أي حكومة، وعلى الرغم من أن لائحته البرلمانية تأتي من اليمين، إلّا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن العديد من ناخبيه يأتون من الوسط. وفي الواقع، يتطلع إليه الإسرائيليون ذوو التفكير الوسطي باعتباره الشخص القادر على الوقوف بوجه نتنياهو بفضل دهائه السياسي وتجربته السابقة تحت حماية رئيس الوزراء.
ويواجه نتنياهو تحدياً آخر على جبهة اليمين من منافسه القديم نفتالي بينيت، الذي ينتقد حزبه “يمينا” رئيس الوزراء بشدة لفرضه إغلاق تام على جميع أنحاء البلاد بسبب الجائحة وسماحه بانهيار مؤسسات الأعمال الصغيرة. وبخلاف الجولات السابقة، رفض بينيت الالتزام بتحالف مع نتنياهو بعد الانتخابات، وبدلاً من ذلك أعرب بخجل عن استعداده للتفكير في عروض كلا الجانبين، الأمر الذي قد يجعله صانع الملوك.
لكن نتنياهو خبير تكتيكي استثنائي، حيث اتخذ عدة خطوات لمنع الأحزاب من “إهدار” الأصوات لصالح اليمين، ومن ضمنها قرار مثير للجدل للغاية يقضي بتكليف مساعديه بجمع عدة أحزاب صغيرة من اليمين المتطرف معاً قبل الموعد النهائي لتسجيل هذا التجمع كحزب في 4 شباط/فبراير. وبذلك، منح دوراً لإيتمار بن غفير، وهو سياسي مرتبط بإرث الشخصية العنصرية سيئة السمعة مئير كهانا (يقول بن غفير إنه نأى بنفسه عن دعوات الراحل كهانا للطرد الجماعي للعرب، لكنه لا يزال يدعم طرد العرب الذين يعبّرون علانية عن عدم ولائهم للدولة).
ومن خلال تأمين هذه المجموعة من الأحزاب اليمينية واستمالة بينيت، يمكن لنتنياهو أن يقترب جداً من جمع 61 مقعداً المطلوبة للحصول على أغلبية في الكنيست المكوّن من 120 عضواً. وأظهر استطلاع للرأي أجرته “القناة 12” في 5 شباط/فبراير أن عدد الأصوات التي قد تحصل عليها الكتلة الموالية لنتنياهو هو على النحو التالي: حزب “الليكود” 29 مقعداً، والحزب الأرثوذكسي/السفارديم المتدين “شاس” 8 مقاعد، وحزب “يهودية التوراة المتحدة” (“يهدوت التوراة”) المتدين 7 مقاعد، والحزب الجديد الذي يضم بن غفير 4 مقاعد، مما يصل عدد مقاعد هذه المجموعة إلى 48 مقعداً – أو 59 إذا نجحت في إقناع حزب “يمينا” بإضافة مقاعدها المتوقعة التي قد تصل إلى 11 مقعداً.
جمع أحزاب متوسطة الحجم معاً ضد نتنياهو
سيتم رئاسة الائتلاف المناهض لنتنياهو من قبل أي حزب سيحصل على العدد الأكبر من الأصوات في الاستطلاعات، حتى لو جاء من اليمين. وفي استطلاعات الرأي التي تجري حالياً، يحصل فصيل يائير لابيد “ييش عتيد” على 17 مقعداً، و “أمل جديد” برئاسة ساعر على 14 مقعداً، وحزب المهاجرين الروس “يسرائيل بيتينو” برئاسة أفيغدور ليبرمان على 7 مقاعد، و “حزب العمل” على 6 مقاعد، حزب “ميريتس” العلماني على 6 مقاعد، وحزب غانتس على 4 مقاعد، وبذلك يبلغ عدد مقاعد هذه الأحزاب مجتمعة 54 مقعداً – أو 63 إذا يتم ضم “القائمة المشتركة” التي تحمل بطاقة الضغط، والتي هي تحالف عربي إلى حد كبير الذي انخفض عدد مقاعده في استطلاعات الرأي من 15 مقعداً إلى 9 (انظر الفقرة التالية).
ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول هذا الائتلاف المحتمل. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل تستطيع الأحزاب الثلاثة الأصغر حجماً (حزب غانتس، و”العمل”، و”ميريتس”) أن تتخطى العتبة الانتخابية المؤلفة من أربعة مقاعد، أم أن الأصوات التي ستحصل عليها “ستُهدر” إذا لم تصل إلى هذا الحد الأدنى؟ وهل ستكون “القائمة المشتركة” المتقلصة مستعدة للمشاركة مع هذه الأحزاب على الرغم من بقائها خارج جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة؟ وهل ستؤيد شخصيات مثل ساعر وبينيت الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب “ميريتس” اليساري؟ ونظراً لافتقار هذه المجموعة إلى التماسك الأيديولوجي، فمن الممكن أن تصبح غير مستقرة لدرجة تجعل جولة خامسة من الانتخابات أمراً لا مفر منه.
أول حملة إيجابية لنتنياهو – إلى حد ما
على مدى الانتخابات الستة التي أجريت منذ عام 1996، تمثلت استراتيجية نتنياهو الناجحة لحملاته الانتخابية في تصوير خصومه على أنهم ليسوا مضللين سياسياً فحسب، بل يشكلون خطراً على أمن إسرائيل أيضاً. لكن حملته الراهنة أظهرت تحولاً أكثر إيجابية حتى الآن.
أولاً، تنعّم رئيس الوزراء بريادة إسرائيل العالمية في جهود التلقيح – وفي الواقع، من المرجح أن يتم تطعيم الغالبية العظمى من السكان البالغين في البلاد بحلول يوم الانتخابات. وقد نسب الكثير من الإسرائيليين الفضل لنتنياهو في دفع مبالغ أكثر من تلك التي دفعتها الدول الأخرى مقابل التلقيح المبكر وتزويد شركتي “فايزر” و”موديرنا” بوفرة من البيانات.
ثانياً، يراهن نتنياهو على الأرجح على أن التأييد الشعبي الواسع لـ “اتفاقايت أبراهيم” سيساعده عند الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ولا يزال هذا الأمل الظاهري قائماً على الرغم من أن حزبه سجّل في الاستطلاعات الراهنة عدد مقاعد أقل مما سجّله في الانتخابات الماضية التي جرت قبل إنجازات التطبيع العربي.
ثالثاً، أطلق نتنياهو حملة تودّد تجاه الناخبين العرب الإسرائيليين. فخلال رحلة قام بها في كانون الثاني/يناير إلى الناصرة، اعتذر علناً عن التخويف من الناخبين العرب في حملة عام 2015. كما وافق على طلبات العرب بإنشاء المزيد من مراكز الشرطة لمواجهة العنف الإجرامي. بالإضافة إلى ذلك، تملّق لفصيل رئيسي – هو “راعام” – لحثه على إطلاق قائمته الانتخابية الخاصة، مما أدى إلى خفض عدد المقاعد المتوقع لـ “القائمة المشتركة” بمقدار الثلث. ويبدو أن نتنياهو يتجاهل طابع “راعام” الإسلامي، حيث سلّط الضوء على تقارب كتلته مع نزعة المحافظة الاجتماعية التي يتبناها العديد من الإسرائيليين العرب – وفي هذه الخطة، أرغم منافسيه في اليسار الوسطي على استمالة الفصائل العربية على عجل إلى قوائمهم.
ومع ذلك، هناك حدود للايجابية العلنية لحملة نتنياهو. ففي البيانات الصحفية على مدار الأسبوعين الماضيين، استهدف لبيد باعتباره منافسه الرئيسي – وهو تحوّل ملحوظ لأنه انتقد لبيد باعتباره غير قاسٍ بما يكفي مع أعداء إسرائيل في الماضي ومن المرجح أن يعود إلى هذه الاستراتيجية. وتهدف هذه الانتقادات جزئياً إلى إثارة الشكوك بين ناخبي ساعر وبينيت، وإقناعهم بأن القادة ذوي الميول اليمينية سينضمون إلى فصائل اليسار الوسطي ويقبلون سياسات غير مستساغة لمجرد الإطاحة بنتنياهو.
ومع ذلك، يعاني رئيس الوزراء من نقاط ضعف خطيرة في الجولة الرابعة. فهذه هي الحملة الأولى التي يتم إجراؤها خلال المرحلة الناشطة من محاكمته بتهمة الفساد (في 8 شباط/فبراير طلب تأجيل المحاكمة لتجنب النظرة العامة عن التدخل القضائي في الانتخابات). بالإضافة إلى ذلك، كانت شبكة الأمان الاقتصادية التي وضعتها حكومته للشركات الصغيرة المتضررة من جائحة “كوفيد”، ضعيفة نسبياً. وبالمثل، يتعرض حلفاؤه المتدينون المتشددون للسخرية لأن أقلية صغيرة منهم – لكنها تحظى باهتمام دعائي كبير – تجاهلت بانتظام التدابير المتخذة بشأن فيروس كورونا – في الواقع، تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن نسبة مذهلة تبلغ 52٪ من الناخبين اليمينيين لا يريدون إشراك المتدينين في الحكومة المقبلة. ومما يزيد الطين بلة، أن ساعر يعمل الآن [في المجال الإعلامي] مع “مشروع لينكولن”، وهي لجنة عمل سياسية أمريكية تم تشكيلها من قبل العديد من الجمهوريين، وشنت حملة إعلامية ضخمة ضد دونالد ترامب.
التداعيات على السياسة الأمريكية
تتجلى ثلاث تبعات مبكرة. أولاً، في حين أن الحملات الانتخابية لم تركز على أعمال ضم أراضي الضفة الغربية أو المفاوضات النووية الإيرانية، إلّا أنه يمكن التخيل بأن تحظى هذه القضايا بمزيد من الاهتمام خلال الأسابيع المقبلة، خاصةً إذا قرر نتنياهو تحويل الانتخابات من استفتاء على قيادته إلى صراع بين اليمين، والوسط بقيادة لبيد. وفي هذا السيناريو، فإن بعض خطابات الحملة الانتخابية قد تضع نتنياهو في خلاف مع الإدارة الأمريكية الجديدة، على الرغم من جهوده حتى الآن للتأكيد على الصداقة والتعاون مع الرئيس بايدن.
ثانياً، نظراً إلى الحقائق المعقدة لمفاوضات الائتلاف، من غير المرجح أن تُشكل في إسرائيل حكومة جديدة فاعلة قبل شهر أيار/مايو على الأقل. وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد جهود واشنطن وعواصم أخرى لإشراك القدس في مجموعة من القضايا السياسية المهمة، من بينها الجهود المبذولة لإعادة العلاقات مع الفلسطينيين والتي قد تكون حساسة بالنسبة لإسرائيل.
ثالثاً، إذا بقيت الانتخابات مقتصرة على استفتاء حول قيادة نتنياهو، فقد تكون إحدى النتائج النهائية عبارة عن برلمان يميل أكثر إلى اليمين في مجال السياسة الخارجية. وقد لا يفوز ائتلاف نتنياهو اليميني بأكثر من 60 مقعداً، إلا أن الكتلة ذات الميول اليمينية في الكنيست قد تصل إلى ما بين 70 و80 مقعداً في الإجمال. فساعر وليبرمان وربما بينيت هم يمينيين بشكل موثوق فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، ومن المفترض أن يبقوا كذلك حتى لو أقنعوا ناخبي الوسط بالتصويت لصالح أحزابهم كجزء من ائتلاف اليسار الوسطي المناهض لنتنياهو.
باختصار، ليس من المؤكد على الإطلاق ما إذا كانت الجولة الرابعة ستَحسِم عدم الاستقرار في السياسة الإسرائيلية. وحتى لو حدث ذلك، من الممكن للقوى المتشكلة أن تضع واشنطن أمام تحديات سياسية بشأن القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية حالما تهدأ الأمور.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في معهد واشنطن، ومبتكر البودكاست “نقاط القرار“، ومؤلف الورقة الانتقالية الرئاسية التي صدرت مؤخراً بعنوان “بناء الجسور من أجل السلام: سياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل“.
رابط المصدر: