جيمس بيكر في حوار مع “المجلة” عام 1993: “اتفاق أوسلو” ليس هزيمة للعرب ولا انتصارا لإسرائيل

* نشرت هذه المقابلة مع وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر في عدد “المجلة” بين 24 و30 أكتوبر/تشرين الأول 1993، أجراها محمد علي صالح. وتعيد “المجلة” نشرها من ضمن تغطيتها الخاصة للذكرى الواحدة والثلاثين لتوقيع “اتفاق أوسلو”، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفي الآتي نص المقابلة:

واشنطن- جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي السابق، الفخور بإسقاط الشيوعية والراديكالية العربية أثناء ثلاث سنوات من حكمه، يمارس اليوم المحاماة وعينه على السياسة. جوابة سريع، مقتضب وحاد، ومواقفه رغم دبلوماسيته واضحة، يؤمن باقتناص الفرص واستغلال المساومة، وهذه أصول النظرية السياسية التي يحاضر عنها في “معهد بيكر” الذي افتتحه أخيرا في جامعة رايس في هيوستن. “المجلة” حاورت بيكر في واشنطن كالآتي:

• مارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، نشرت مذكراتها أخيرا، وفيها إشارة إلى خلاف في الرأي معك، و”جدل بلا حدود” حول الاعتماد على الأمم المتحدة في حرب الخليج. قالت ثاتشر إن حرب جزر الفوكلاند 1981 علمتها عدم الاعتماد على الأمم المتحدة؟

– لم أقرأ مذكرات ثاتشر، ولا أعرف تفاصيل ما كتبته عني، ولهذا أفضل عدم التعليق على ما قالت. لكنني قادر على التعليق على دور الأمم المتحدة في حرب الخليج. صحيح أن الرئيس بوش وأنا كنا حريصين على إشراك الأمم المتحدة في عملية تحرير الكويت، وأنا قلت لثاتشر، وغير ثاتشر، إن الولايات المتحدة لا تستطيع، ولا تريد أن تكون شرطي العالم، وأننا نريد دعما دوليا. وقلت إن الاتحاد السوفياتي (الآن روسيا) يمكن كسبه إلى جانبنا. وهذا ما حدث فعلا، لم يستعمل السوفيات الفيتو، ووقفوا معنا.

 

أ ف ب أ ف ب

جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي الجمهوري جورج دبليو بوش، يعقد مؤتمرا صحفيا في العاشر من نوفمبر 2000، في عاصمة الولاية تالاهاسي، فلوريدا 

• هناك انتقاد آخر لدورك في حرب الخليج، هو اجتماعك مع وزير خارجية العراق طارق عزيز قبل أيام من بداية الحرب، الدول الحليفة في المنطقة لم تتوقع هذا، واعتبرته محاولة أميركية لعقد صفقة مع العراق على حسابهم؟

– الرئيس بوش قال لي أكثر من مرة، ولآخرين خلال اجتماعات الأيام التي سبقت الحرب، إنه يريد محاولة أي حل سلمي قبل إصدار أوامر بداية الحرب. قال لنا: “لا أريد أن يقول التاريخ عني إنني بدأت حربا قبل استنزاف كل فرص الحل السلمي”.

هذه نقطة. النقطة الثانية هي أن الرئيس بوش لا يحكم الولايات المتحدة وحده، هناك الكونغرس والرأي العام الأميركي، لم يكن يستطيع إعلان حرب الخليج قبل إقناع أغلبية الكونغرس والشعب الأميركي أن صدام حسين رفض كل الحلول السلمية، لم نحارب صدام حسين حبا في الحرب، حاربناه لأنه لم يفهم غير لغة الحرب.

صفقة سرية

• لكن البعض خاف من صفقة سرية في آخر لحظة بين أميركا وصدام حسين؟

– هذا لم يكن ممكنا، ولا كان مرغوبا فيه وكل اتصالاتنا مع صدام حسين كانت علنية. عندما قال لي الرئيس بوش “اذهب إلى بغداد”، قال ذلك للصحافيين كذلك، وحتى إذا زرت بغداد، ما كان ذلك سيغير من موقفنا الواضح بوجوب انسحاب العراق من الكويت.

 

خلال الثلاث سنوات التي كان فيها بوش رئيسا، وكنت أنا وزير خارجيته، شهدنا هزيمتين، هزيمة الشيوعية، وهزيمة الراديكالية العربية

 

 

• إلى متى سيبقى العراق معزولا؟
– لا تسألني أنا. أنا محامٍ هنا في واشنطن. عندي عمل، وقضايا مشغول بها، لا بوش هو الرئيس ولا أنا وزير خارجيته. الرئيس هو كلينتون، ووزير الخارجية هو كريستوفر. لكني أعرف شيئا واحدا أكيدا، هو أن هناك قرارا من مجلس الأمن، ولا بد أن ينفذه العراق كله، بلا استثناء، قبل رفع العقوبات عنه.

• يقول البعض أن الأميركيين حولوا صدام حسين إلى عدو شخصي، ولا يريدون أي حل للمشاكل مع العراق طالما هو الحاكم؟
– البعض قال هذا حتى قبل بداية حرب الخليج، ولا أعتقد أن ذلك صحيح، سأعطيك الدليل، لا يمكن القول إن هناك عداء شخصيا بين الرئيس كلينتون وصدام حسين، مثلما قيل عن عداء بوش شخصيا للرجل. لكن كلينتون لم يغير الموقف الأميركي، لا مخرج للعراقيين سوى تنفيذ قرار مجلس الأمن، كله، بلا استثناء.

 

أ ف ب أ ف ب

صورة أرشيفية تعود إلى 22 أكتوبر 1988 من ملفات المكتب الصحفي للسلطة الفلسطينية تظهر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (يمين) مع الرئيس العراقي صدام حسين في بغداد 

• دعيت مع الرئيس السابق بوش لحفل البيت الأبيض الذي حضره ياسر عرفات وإسحاق رابين، كيف تربط بين جهودكما، أنت وبوش، والاتفاقية الفلسطينية- الإسرائيلية؟
– خلال الثلاث سنوات التي كان فيها بوش رئيسا، وكنت أنا وزير خارجيته، شهدنا هزيمتين، هزيمة الشيوعية، وهزيمة الراديكالية العربية. هذه تتمثل في العراق ودول أخرى رافضة ومتطرفة.
الهزيمتان فتحتا آفاقا جديدة نحو الحرية والاستقرار. والاقتصاد المفتوح لهذا، بعد نهاية حرب الخليج، رتبنا لمؤتمر مدريد لتأسيس نظام جديد في الشرق الأوسط ومؤتمر مدريد، كما نعرف جميعا، سهّل الاتصالات بين العرب وإسرائيل، والتي أدت إلى الاتفاقية الفلسطينية- الإسرائيلية.

شامير وعرقلة السلام

• لكن شامير، رئيس وزراء إسرائيل السابق، كان يعرقل محاولات السلام؟
– هذا ليس صحيحا، أنت وغيرك تقولون إنه كان ضد السلام، لكن انطباعي الشخصي عكس ذلك. لا تنس أن شامير كان يمكنه رفض حضور مؤتمر مدريد. زرته في مكتبه مرات كثيرة، وتجادلنا كثيرا. اختلفنا في أشياء، بطبيعة الحال، لكن علاقتي الشخصية معه كانت ممتازة.

• يقال إن الرئيس بوش لم يكن يرتاح له.
– إسأل الرئيس بوش.

 

أشيد بشجاعة الرئيس السوري حافظ الأسد. وطبعا مسيرة السلام كانت ستنقص إذا غابت سوريا عن مؤتمر مدريد

 

 

• شامير الآن في المعارضة، وهو مع نتنياهو، زعيم “حزب الليكود”، يقودان معارضة ضد الاتفاقية مع الفلسطينيين؟
– هناك معارضون إسرائيليون، وهناك معارضون فلسطينيون. يجب أن لا نتوقع أن تؤيد كل أحزاب إسرائيل، أو كل العناصر الفلسطينية الاتفاقية، لكن هناك فرقا بين معارض مسالم، ومعارض متطرف وعنيف، يجب أن لا نسمح للمتطرفين بعرقلة هذه الاتفاقية التاريخية.

المقاطعة العربية

• هل تؤيد رفع المقاطعة العربية عن إسرائيل؟
– هذا واحد من متطلبات الأجواء الجديدة التي تحدثت عنها. لكن أهم من ذلك هو إنصاف الموقف العربي، يجب أن لا ننظر إلى الأمور كهزيمة للعرب، أو انتصار لإسرائيل، ولا كتنازلات عربية. الذي حدث هو أن هزيمة الشيوعية والراديكالية العربية فتحت آفاقا جديدة، والقادة العقلاء هم الذين يستغلون مثل هذه الفرصة التاريخية.
وبهذه المناسبة اسمح لي أن أبادر بالإشادة بدور الملك فهد بن عبدالعزيز، والرئيس حسني مبارك، أشيد بشجاعتهما وتصميمهما منذ أيام التحضير لمؤتمر مدريد، لولاهما لما عُقد مؤتمر مدريد الذي بدأ مسيرة السلام.

 

غيتي غيتي

الرئيس حافظ الأسد يجتمع ما بعد حرب الخليج مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر 

• تبقى الآن مشكلة بين سوريا وإسرائيل؟
– قبل الإجابة على هذا السؤال أود كذلك أن أشيد بشجاعة الرئيس السوري حافظ الأسد. وطبعا مسيرة السلام كانت ستنقص إذا غابت سوريا عن مؤتمر مدريد. أما الآن فأعتقد أن اتخاذ القرار سيكون سهلا بالنسبة للرئيس الأسد، في الماضي كان مقيدا بالموقف الفلسطيني، لكن الفلسطينيين حددوا موقفهم، والرئيس الأسد الآن حر، يختار ما يريد.

• قابلتَ الرئيس الأسد مرات كثيرة، فأي قرار سيتخذ في رأيك؟
– لا أعرف، لكني أرجو أن يكون قرار سلام.

• هل وجدت التفاوض معه سهلا؟
– لن أقول لك تفاصيل مقابلاتي مع الأسد، سأكتبها كلها في مذكراتي التي أعدها الآن.

• قابلته مرة في اجتماع استمر 9 ساعات؟
– لا، الاجتماع استمر 9 ساعات ونصفا وكان مثيرا جدا. لكنني لن أقول لك شيئا عنه، انتظر كتاب مذكراتي عندما يصدر.

 

أحسن ما تملك أميركا هو قوة عسكرية هائلة تستطيع تحريكها إلى أي مكان، وتستطيع تهديد الآخرين بها. القوة الأميركية خطر هائل بالنسبة إلى أعدائنا، وهم يعرفون ذلك

 

 

• كنت وزيرا للخارجية عندما وافقت على اختيار بطرس غالي أمينا عاما للأمم المتحدة. الآن يواجه غالي نقدا حادا من بعض الأميركيين مثل عضو الكونغرس الذي وصفه بـ”الجنرال غالي”. أي دور لعبت في اختيار غالي؟ وهل تعتقد على ضوء تجربة الصومال أن الاختيار كان خطأ؟
– اشتركت في اختيار غالي لأننا وجدنا فيه الدبلوماسي الناجح، والمؤهل، وصاحب الخبرة الطويلة. في ذلك الوقت ما كان هناك مرشح ينافس غالي، وعلى أي حال رأيي في غالي لم يتغير.
عندي آراء كثيرة عن تجربة الصومال، لكن لن أقول إن غالي هو سبب الأخطاء التي وقعت هناك.

الموقف من الصومال

• ما رأيك في أحداث الصومال؟
– أولا: فيما يخص الأمم المتحدة هذه تجربة مختلفة. أول عملية عسكرية دولية ناجحة تحت علم الأمم المتحدة كانت حرب الخليج. ونجحنا فيها لأننا وضعنا في الاعتبار مصلحة أميركا، ومصلحة الدول الأخرى الحليفة. لم نختلف في المصالح، ولم نختلف في الهدف، تحرير الكويت. لكن عملية الصومال عرقلتها الخلافات بين الدول المشتركة فيها. دول قررت توسيع العملية، ودول أخرى عارضت ذلك، وأنا مع المعارضين.
أما رأيي في النقطة الثانية وفيما يخص اشتراك الولايات المتحدة في العملية فإنني لا أرى أي مصلحة لأميركا في تأسيس نظام حكم في الصومال، ذهبنا في الأول لتقديم الطعام وتوفير السكن، ولكن بطريقة ما وافقنا على توسيع مهمتنا. هذا كان خطأ، وما كان يجب الاشتراك فيه، أو تأييده.

 

غيتي غيتي

من اليسار إلى اليمين، جيمس بيكر، مارغريت تاتشر، وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هورد في داونينغ ستريت، لندن، 9 نوفمبر 1990. في الخلف من اليمين جوناثان باول، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان توني بلير 

• لكنك كنت في إدارة بوش عندما توتر الموقف في البوسنة، ويتهمك البعض بالتقصير بأنك لم تأمر بإرسال قوات أميركية إليها..
– ليس المهم إرسال قوات أميركية أو عدم إرسالها، بل سبب الإرسال، لماذا أرسلنا قواتنا إلى الخليج، لحماية مصالحنا ومصالح أصدقائنا. كما نجحنا في جمع تحالف تاريخي متمثل في الدول صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن، حتى روسيا والصين لم تستعملا حق الفيتو، لكن الوضع في البوسنة يختلف باختلاف مواقف الدول الكبيرة والصغيرة.

• الرئيس كلينتون أمر بزيادة الحشود الأميركية في الصومال، على أن تسحب بعد 6 شهور. أليس هذا غريبا؟
– أحسن ما تملك أميركا هو قوة عسكرية هائلة تستطيع تحريكها إلى أي مكان، وتستطيع تهديد الآخرين بها. القوة الأميركية خطر هائل بالنسبة إلى أعدائنا، وهم يعرفون ذلك. لهذا مجرد استعراض قوتنا يخدم أهدافنا أحيانا.
لكن استعراض القوة يجب أن يكون مع عزم على استعمالها. ولا أعرف كيف يستعرض الرئيس كلينتون قوتنا العسكرية لمدة 5 شهور فقط، ثم يسحبها؟

العقوبات على ليبيا

• كنت في إدارة الرئيس السابق بوش عندما فرض مجلس الأمن عقوبات على ليبيا (لأنها رفضت تسليم المتهمين في حادث انفجار طائرة “بان إم” الأميركية). ليبيا قدمت أخيرا مبادرات، ألا يمكن رفع العقوبات عنها؟
– تريد إجابة بكلمة واحدة، إجابتي هي: لا.

 

لا بد من قيادة أميركية قوية لمواجهة مشاكل ما بعد الحرب الباردة

 

 

• كيف تعيش الآن بعد 12 سنة وزيرا للخارجية، ووزيرا للخزانة، ومستشارا في البيت الأبيض؟
– أعمل في مكتب محاماة هنا في واشنطن، وأكتب مذكراتي. وعدت قبل أسبوع من هيوستن (في ولاية تكساس) حيث افتتحت “معهد بيكر” في جامعة رايس هناك.
هذا المعهد سيجمع بين صانعي السياسة ومنظريها، بين الذين تولوا مناصب سياسية والأكاديميين. لا أنكر أنني أفضل ممارسة السياسة على التنظير فيها، أفضّل النظر إلى الأهداف، والأخطار، والمحاسن، واستغلال الفرص التي تظهر أثناء هذه المساومات.

• كيف سيناقش معهدك قضايا الشرق الأوسط؟
– كما قلت في خطاب افتتاح المعهد، لا بد من قيادة أميركية قوية لمواجهة مشاكل ما بعد الحرب الباردة، وعن الشرق الأوسط، هذا يشمل مواجهة المشاكل الإقليمية. صدام حسين مثال لما أسميه الأخطار الإقليمية: القائد الذي يريد تحقيق مطامع إقليمية على حساب جيرانه. وهناك مطامع دول مثل ليبيا وإيران في الشرق الأوسط، ودول مثل الصرب في البلقان، ودول مثل كوريا الجنوبية في الشرق الأقصى.
وفي مصلحة الولايات المتحدة وقف هذه الأخطار التوسعية الإقليمية.

• هل تنوي الترشُّح لرئاسة الجمهورية؟
– كما قلت لك، أنا الآن أكتب مذكراتي، وافتتحت معهد بيكر في هيوستن، وأعمل محاميا. إذا أوقفت سيل الأسئلة، سأجد وقتا لإكمال ما أعمل به الآن، قبل أن أفكر في المستقبل البعيد.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/322202/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%AC%D9%8A%D9%85%D8%B3-%D8%A8%D9%8A%D9%83%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1993-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A3%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%88-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D9%87%D8%B2%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D9%84%D8%A7

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M