المقدمة :
يمثل الجيوبولتيك أهمية كبرى لدى الدول ولا سيما تلك الدول التي تسعى لطموحات كبيرة وبناء حضارة تعكس قوتها وهيمنتها في عالم العلاقات الدولية، لذا احتل هذا العلم مكانة خاصة ومتميزة لدى صناع القرار لما يحتوي على نظريات ومبادئ تجعل من يسير على خُطاها في مصاف الدول الكبرى، لم يكن هذا الاهتمام بعلم الجيوبولتيك والاعتناء بتطبيق مبادئه يشكل بعداً جديداً في الألفية الثالثة بل كانت ذروة هذا الاهتمام بداية من القرن العشرين، وعندما رأت الدول كيف حقق هذا العلم طموحات قادة كانت تسعى للتوسع سعت تلك الدول هي الأخرى في اتباع نهج هذا العلم لتحقيق مكانة كبرى وحفاظاً على بقاءها واستقرارها تحسباً لأي توسع من دول أخرى علي حسابها.
وانطلاقاً مما تقدم سعت الدول التي تريد أن تهيمن على إقليم ما، أن تحدد ما هو المجال الحيوي الذي يمكنها من تحقيق تلك الهيمنة، وبما أن موضوع بحثنا يتناول جيوبولتيك إيران وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط فسوف نوضح كيف تسعى الدولتان لتنفيذ مجالها الحيوي الذي حدده صناع القرار لديها بما يضمن لها هيمنة في تلك المنطقة تجعلها قوة إقليمية غير مستهان بها البتة.
أو الأدوات الناعمة والتي من أهمهما وأبرزها تصدير الثورة الإسلامية إلى دول المنطقة بما يسهل عليها بسط نفوذها في تلك الدول، وخير مثال على ذلك محاولة الخميني تصدير الثورة إلى العراق في عهد صدام حسين والتي تُعد أحد أبرز أسباب حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، وايضاً تأييدها لثورات الربيع العربي في بعض الدول العربية بما يتماشى مع مصالحها، فنجدها على سبيل المثال أيدت الثورة المصرية واعترضت على الثورة السورية التي اندلعت ضد حليفها الأكبر في دول المنطقة وهو بشار الأسد، كما أيضاً تعمل إيران على نشر المذهب الشيعي من أجل بسط نفوذها وتوطيد هيمنتها في المنطقة، وعلى الجانب الآخر نجد أن هناك إسرائيل المنافس الأكبر لإيران في المنطقة وعدوها اللدود حيث تتنافس الدولتان إلى حد الصراع من أجل بسط النفوذ والهيمنة في المنطقة ولكل منهما مجاله الحيوي الذي يطمح إليه ولكل منهما حلفائه في تحقيق هذا المجال.
خطة الدراسة
اولاً: المشكلة البحثية
تتمحور المشكلة البحثية في تساؤل رئيسي قوامه ما ملامح الدور الجيوبولتيكي الذي تلعبه القوي الإقليمية المعاصرة في الشرق الأوسط متمثلة في إيران وإسرائيل؟
ويندرج تحت هذا التساؤل مجموعة من التساؤلات الفرعية ألا وهي :
- ما المقصود بمفهوم الجيوبولتيك؟
- ما تعريف الشرق الأوسط ؟
- ما مشاريع إعادة صياغة الشرق الأوسط ؟
- ما محددات القوة الإقليمية الإيرانية ؟
- ما أهمية الشرق الأوسط في الفكر الجيوبولتيكي الايراني ؟
- ما موقف ايران من قضايا الشرق الأوسط ؟
- ما محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية ؟
- ما أهمية الشرق الأوسط في الفكر الجيوبولتيكي الإسرائيلي؟
- ما موقف إسرائيل من قضايا الشرق الأوسط ؟
ثانياً: هدف الدراسة
تهدف الدراسة إلى الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي وردت بالمشكلة البحثية، حيث تستهدف الدراسة الوقوف على مفهوم الجيوبوليتيك، والتعريف بمفهوم الشرق الأوسط، وكذلك التعريف بمحددات القوة الإقليمية الإيرانية التي تهيأ لها أن تلعب دورّا في الشرق الأوسط، والتعرض للموقف الإيراني من بعض قضايا الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى التعريف بمحددات القوة الإقليمية الإسرائيلية وكذلك موقفها من بعض قضايا الشرق الأوسط.
ثالثاً: أهمية الدراسة
١- أهمية علمية
من خلال التعريف بالموضوع يظهر علي قدر كبير من الأهمية العلمية والاكاديمية الأمر الذي يجعله جدير بالدراسة والتحليل فهو يندرج تحت موضوعات الدراسات الاستراتيجية والدولية المعاصرة والتي أصبحت حقلا معرفيا مثيرا للاهتمام العلمي لدي مختلف الأوساط الأكاديمية والجامعية علي حد سواء.
٢-أهمية عملية
يمكن الاستفادة من تلك الدراسة من خلال إفادة صناع القرار بوظائف وأدوات الجيوبولتيك التي يمكن تطبيقها علي أرض الواقع والاستفادة منها في تعزيز مكانة الدولة في العلاقات الدولية.
رابعا: منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة على منهج رئيسي وهو المنهج الاستقرائي حيث إن هذا المنهج يعتمد على ملاحظة الواقع ووصفه بالحالة التي هو عليها دون السعي إلى تغير الواقع أو التبديل فيه، وهذا ما سوف نقوم به في دراستنا من استقراء حقائق الجيوبولتيك الإيراني والإسرائيلي في الشرق الأوسط باعتبار أن كلا منهما قوة إقليمية في المنطقة، تحاول أن تلعب دور جيوبولتيكي بما يضمن لها تحقيق مصالحها.
بالإضافة إلى اعتماد الدراسة على عدد من المداخل ومن بينها المدخل الجيوبولتيكي في تحليل تفاعلات الدولتين، كما تم الاعتماد على المنهج النسقي برؤية الشرق الاوسط نسق إقليمي مفتوح تحاول كلتا الدولتين فرض سيطرتها عليه وتحقيق أهدافها الجيوبولتيكية من خلاله.
خامساً: نطاق الدراسة
١. الإطار الزمني للدراسة
تركز الدراسة من بداية الغزو الأمريكي للعراق 2003 حتى عام 2023.
٢. الإطار المكاني للدراسة
تتمحور الدراسة حول منطقة الشرق الأوسط والصراع بين القوي الإقليمية المعاصرة( إيران واسرائيل).
سادسا: تقسيم المباحث
الفصل الاول: الإطار النظري للدراسة
- المبحث الاول : التعريف بمفهوم الجيوبولتيك
- المبحث الثاني : التعريف مفهوم الشرق الاوسط
- المبحث الثالث : مشاريع إعادة صياغة الشرق الأوسط
الفصل الثاني : الدور الجيوبولتيكي الايراني في الشرق الأوسط
- المبحث الاول : محددات القوة الإقليمية الإيرانية
- المبحث الثاني : اهمية الشرق الاوسط في الفكر الجيوبولتيكي الايراني
- المبحث الثالث: موقف ايران من بعض قضايا الشرق الأوسط
الفصل الثالث: الدور الجيوبولتيكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط
- المبحث الاول : محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية
- المبحث الثاني : اهمية الشرق الاوسط في الفكر الجيوبولتيكي الإسرائيلي
- المبحث الثالث: موقف إسرائيل من قضايا الشرق الأوسط
الفصل الاول: الإطار النظري للدراسة.
يستعرض هذا الفصل الإطار النظري للدراسة ، حيث سيتم تناول مفهوم الجيوبولتيك ، والتعريفات المتعلقة بهذا المفهوم ، وتوضيح الفرق بين هذا المفهوم ومفهوم الجغرافيا السياسية ، وأيضًا سنتناول بالتفصيل مفهوم الشرق الأوسط ، والتفرقة بين مفهوم الشرق الأوسط والأدنى والأقصى ، وآخيرًا سنطرح أهم مشاريع إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط وتتمثل في مشروع الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير . وينقسم الفصل إلى :
- المبحث الأول : مفهوم الجيوبولتيك .
- المبحث الثاني : مفهوم الشرق الأوسط .
- المبحث الثالث : مشاريع إعادة صياغة الشرق الأوسط .
المبحث الاول: مفهوم الجيوبولتيك .
أولاً التعريف بمفهوم الجيوبولتيك:
يتكون مصطلح الجيوبولتيك من شقين، حيث يتكون الشق الأول من كلمة Geo وتعني الجغرافيا، ويتكون الشق الثاني من كلمة Politic وتعني السياسة، وهذا ما يشير الي وجود علاقة بين الأرض والسياسة، ومن هذا المنطلق فالجيوبولتيك هي ” علم دراسة تأثير الأرض على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات، وهناك من يصفها بعلم سياسة الأرض، أي العلم الذي يهتم بدراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الابعاد الجغرافية للدولة[1]،
يرى الكسندر دوغين أن الجيوبولتيك هي علم السلطة ووجهة نظر السلطة وايضاً من أجل السلطة، وهي علم الفئات السياسية العليا، ويكشف تاريخ الجيوبولتيك أن من شغلوا بأمورها كانوا من أولئك الذين شاركوا في حكم الدول والأمم أو ممن يهيئون أنفسهم لذلك الدور[2].
لعلم الجيوبولتيك تعريفات عديدة ويرجع سبب هذا التعدد الي عاملين أساسيين: أولاً تعدد الاتجاهات الفكرية، ثانياً اختلاف الأحداث الدولية والفترات الزمنية، حيث عرف رودولف كيلين الجيوبولتيك في كتابه” الدولة مظهر من مظاهر الحياة ” ، على أنه “دراسة البيئة الطبيعية للدولة، وأن أهم ماتعني بيه الدولة هو القوة، كما أن حياة الدول تعتمد على التربية والثقافة والاقتصاد والحكم وقوة السلطان “ .
أكد كيلين على جعل الجغرافيا في خدمة الدولة، بل واعتبر هذا هو الغرض الأسمى للعلم، أما كارل هاوسهوفر فقد عرف علم الجيوبولتيك على أنه “العلم القومي الجديد للدولة، وهي عقيدة تقوم على حتمية المجال الحيوي بالنسبة لكل العمليات السياسية”، اعتبر هاوسهوفر أن الجيوبولتيك بمثابة علم جديد للدولة يستند إلى الجغرافيا السياسية بدل أمور أخرى[3].
يُعد أول من وضع مصطلح الجيوبولتيك رودولف كيلين في عام١٨٩٩، حيث أصدر كتاب “الدولة كعضو حيوي” أوضح فيه أن الجيوبولتيك أحد أقسام السياسة الخمس، كما أصدر مؤلفات أخرى استخدم فيها هذا المصطلح للدفاع عن قضية المانيا، واعتبر هذا المصطلح مرادفاً للجغرافيا السياسية التي أسسها “فريدريك راتزل” الألماني وذلك في نهاية القرن التاسع عشر.
يرى أن الجيوبولتيك هو الجغرافيا المستخدمة لخدمة سياسة الدولة مع التركيز على الجانب التطبيقي لهذه الجغرافيا، لم ينقطع مصطلح الجيوبوليتيك في بداية تداوله عن الجغرافيا السياسية لأنه بقى يشير إليها وظل جزءا لا يتجزأ منها، ولكن بصفة الجيوبولتيك علماً مميزاً عن الجغرافيا السياسية الراتزلية وإن كان منبثقاً عنها فيعود تأسيسها إلى هاوسهوفر الذي أكد على أن الجيوبوليتيك يجب أن يكون الضمير الجغرافي للدولة[4].
ثانياً الفرق بين الجيوبولتيك والجغرافيا السياسية:
تعد الجغرافيا هي الأساس الذي يُعتمد عليه في تحليل العلاقات بين المجتمعات البشرية والظروف الطبيعية والأصل أنه يوجد اختلاف بين منطلق الدراسة في الجغرافيا السياسية وفي الدراسات الجغرافية عامة، حيث يمثل الإقليم وحدة الدراسة في الفروع الجغرافية، بينما تمثل الدولة وحدة الدراسة في الجغرافيا السياسية والاقليم هنا يمثل وعاء الدولة، إذن فالجغرافيا السياسية هي علم يرتكز على أقسام الدولة ونظامها ككيان متكامل وعلاقات تلك الوحدات ببعضها[5].
يدرس الجيوبوليتيك العلاقة بين الدولة ومحيطها الخارجي وسياستها الخارجية وتصورها عن ذاتها وتأثيرها وتأثرها بالعالم الخارجي، وكيف تقوم بصياغة سياستها لتحقق لها أكبر العوائد وتجنبها المخاطر، بينما تدرس الجغرافيا السياسية الدولة والحكومة والسيادة، وبنية التنظيم السياسي الداخلي وعلاقته بالجغرافيا[6].
يوجد لبس لدي الدراسين في هذا المجال حول التمييز بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك، حيث من الصعب الفصل بين الجيوبولتيك والجغرافيا السياسية.
ومن هذا المنطلق سنحاول توضيح أبرز الاختلافات والفوارق بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك في محاولة لإزالة هذا اللبس والتداخل وذلك في النقاط الآتية:
١-الجغرافيا السياسية:
- تقوم بدراسة الحقائق الجغرافية والتي بدورها تُسهم في تكوين كيان الدولة وسياستها.
- تدرس الدولة كما هي كائنة، أي أنها تتسم بالاستاتيكية.
- تقوم بتحميل بيئة الدولة موضوعياً، حيث ترسم صورة الماضي والحاضر.
- تمثل الأصل الذي تفرع منه الجيوبولتيك[7].
٢-الجيوبولتيك:
- تهتم بتناول حيوية الدولة وحركتها في المجتمع الدولي ومجالها الاقليمي، وذلك في ضوء الحقائق الجغرافية التي تُسخر لخدمة الدولة.
- تقوم بوضع تصوراً مستقبلياً لحالة الدولة(أي أنها تتسم بالديناميكية)
- تدرس الدولة كما يجب أن تكون .
- تستمد مادتها من التاريخ والجغرافيا السياسية والدراسات التخصصية.
- تتسم بالديناميكية والتطور وعُرضة لعوامل التغيير.
- ترى أن الاساس في قوة الدولة هي التأثيرات الجغرافية[8].
ثالثاً أبرز مدارس ونظريات الجيوبولتيك :–
١-المدرسة الألمانية:
أ-فريدريك راتزل
يُعد فريدريك راتزل من أبرز مؤسسي المدرسة الألمانية، كما يُعد مؤسس الجغرافيا السياسية، كتب راتزل في أواخر القرن التاسع عشر تأثراً بالجو السائد في ذلك الوقت، رد راتزل كل شيء في سلوك الجماعات إلى الأرض، حيث فسر تلك العلاقة علي أساس فكرة “الحتمية الجغرافية” ، متأثراً في ذلك بفكرة الحتمية العلمية السائدة آنذاك.
ظهرت أفكار راتزل بشكل واضح في مقال له عنوانه “القوانين السبعة لنمو الأراضي للدولة،” وتتمثل هذه القوانين في الآتي:
- أن مساحة الدولة تنمو بنمو الحضارة الخاصة بها.
- أن نمو الدولة وتوسعها عملية لاحقة لنمو سكانها.
- يستمر توسع الدولة ونموها إلى أن تصل إلى مرحلة الضم.
- حدود أي دولة تمثل العضو الحي المغلف لها الذي يحميها.
- تسعى الدولة في نموها إلى ضم الأقاليم ذات الأهمية السياسية والاقتصادية.
- الدافع الأول للنمو والتوسع يأتي للدولة من الخارج.
- إن الاتجاه العام للتوسع والضم ينتقل من دولة إلى أخرى ثم يزيد ويشتد[9].
ب-كارل هاوسهوفر:
أسس الضابط الألماني هاوسهوفر مدرسة في ميونخ تعني بدراسة الجيوبولتيك، ووضع تلك المدرسة في خدمة النازية، أيد كارل هاوسهوفر راتزل في المجال الحيوي الألماني، طرح هاوسهوفر نظرية تقول أن كل منطقة خاضعة لدولة معينة، وتوزع مسؤوليات العالم على أربع مناطق مكتفية ذاتياً وهي: ألمانيا في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، روسيا في آسيا، اليابان في الشرق الأقصى، الولايات المتحدة في أميركا[10].
هناك هدفان أساسيان لمدرسة ميونخ في نظرتها للعالم:
أولاً- التحكم والسيطرة على روسيا لتأمين الحكم الألماني من التوسع السلافي(أوروبا وآسيا)
ثانياً – تدمير القوة البحرية البريطانية لتأمين توسع ألمانيا في أوراسيا.
لم تكن الحرب الشاملة في نظر هاوسهوفر شرطاً لتحقيق ذلك، حيث كان ينظر إلى تحقيق تحالف ألماني روسي باعتبار ذلك حجر الزاوية لتكوين الوحدة الأوراسية، حيث كان يرى أن الاتحاد السوفيتي هو بداية آسيا، ولذلك رأى أن تتحد أوروبا وايضاً دول شرق أوروبا )بولندا-تشيكوسلوفاكيا – البلقان) تحت قيادة ألمانيا، لكي تكون ألمانيا في موقف قوة عند التفاوض مع الاتحاد السوفيتي، وذلك من أجل الاتفاق معه علي مصير أوراسيا[11].
٢-المدرسة الإنجليزية:
أ-هالفورد ماكيندر:
هو أحد الجغرافيين البارزين، حيث كان متعدد الدراسات والاتجاهات ويتميز بالتغير الدائم في فكره ونظرياته وطورها لتتناسب مع الأوضاع التكنولوجية الجديدة.
مرت أفكار ماكيندر بثلاث فترات رئيسية:
الفترة الأولى:١٩٠٤-١٩١٩:
ربط خلال تلك الفترة بين المساحات الضخمة والموقع المكاني كما فعل راتزل قبل ذلك وأعطاها المكانة الأولى في العالم، ارتبط اسم ماكيندر بنظرية قلب الأرض.
-أوضح ماكيندر في محاضرة ألقاها عام ١٩٠٤إن الذي صنع تاريخ العالم وسوف يصنعه هم شعوب المناطق الداخلية والتي تشمل سهول شرق أوروبا وسهول شرق ووسط آسيا، وتبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة قارة أمريكا الشمالية[12].
الفترة الثانية:(١٩١٩-١٩٤٣):
نشر ماكيندر كتاباً بعنوان(المثل العليا للديمقراطية والحقيقة الواقعة) أثناء انعقاد مؤتمر الصلح في باريس عام١٩١٩، أوضح في هذا الكتاب مدي خطورة أي تحالف بين روسيا وألمانيا،
وضع ماكيندر نظريته عن قلب الأرض في شكل فروض علمية تتمثل في:
أ-أن من يحكم شرق أوروبا يسيطر على منطقة قلب العالم.
ب-أن من يحكم قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم.[13]
ج. ان من يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم.
خريطة توضح قلب الأرض عند ماكيندر[14]
(المصدر: محمد رياض، الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا،(المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي ،٢٠١٤)،ص٦٢.)
الفترة الثالثة:(١٩٤٣)
نتيجة للحرب العالمية اتضح آلاتي:
- أن مناطق البحر الأسود لم تسيطر عليها دول بحرية، وبذلك أدخل ماكيندر هذه المناطق إلى قلب الأرض .
- اتضح في الحرب مدى قوة مركز الاتحاد السوفيتي.
وارتباطاً بتطورات الحرب العالمية، استبعد ماكيندر سيبريا الشرقية من منطقة قلب الأرض، أصبحت منطقة قلب تتكون من سيبريا الغربية والوسطى ووسط آسيا السوفيتية وأوروبا السوفيتية وشرق أوروبا .[15]
المبحث الثاني: تطور مفهوم الشرق الأوسط.
أولا: التعريف بمفهوم الشرق الأوسط
تشكل منطقة الشرق الأوسط تشكل دوما حيزاً استراتيجياً. حيث تحتل المنطقة مكانة استراتيجية في النظام العالمي حيث يخيل لك ان ليس هناك بقعة في العالم تعادل نفس اهمية هذه المنطقة. ومن هنا يبرز الوضع الجيوسياسي او الجيوبولتيكي لمنطقة الشرق الأوسط. حيث إن مفهوم الشرق الاوسط يترسخ، ولا سيما من خلال تشكيل شركات نفط كبيرة في المنطقة، ووضع تعزيز وحماية الأنظمة السياسية.
يوجد العديد من الأحداث التي وقعت في المنطقة أدت الي حصول تغير في النظرة الجيوسياسية للمنطقة، كاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل والثورة الإيرانية، كذلك من التغيرات الجيوسياسية المهمة لمنطقة الشرق الأوسط مؤخرا هو انتقال موقع الثقل في العالم العربي الي دول الخليج العربي التي تلعب دورا اقليمياً ودولياً مميزاً.[16]
تحظى المناطق الاستراتيجية باهتمام كبير في مختلف مناطق العالم، ومن هذه المناطق منطقة الشرق الأوسط، التي تقع في قلب العالم وتحتوي على موارد غنية من أهمها مصادر الطاقة مثل: النفط، والغاز الطبيعي،… وغيرها من الموارد الطبيعية ، بالإضافة إلى أهميتها الحضارية والدينية والاستراتيجية، فكانتَّ محط أنظار القوى التي تحكم العالم عبر التاريخ والعصور، ومع ظهور النظام العالمي الجديد 1990، وما لحقه من توابع أحادية القطبية ازدادت أهمية الشرق الأوسط -خاصة في هذه المرحلة بعد أحداث 11 سبتمبر وبدايات الربيع العربي؛ نظرًا لعودة روسيا إلى ميدان الصراع في سوريا فأثرت على ميزان القوى داخل سوريا بصفة خاصة وفي المنطقة بصفة عامة[17] ، بالإضافة إلى وجود قوى إقليمية تحاول فرض نفوذها في المنطقة لما يخدم مصالحها مثل إيران وإسرائيل وهما الدولتين محل الدراسة.
يعد الشرق الاوسط مصطلح جغرافي وسياسي شاع استخدامه على كل الالسنة في اجزاء العالم المختلفة يعد مفهوم الشرق الاوسط مفهوم متحرك غير مستقر بالمعنى التاريخي فقد تغيرت الصياغات السياسية والجغرافية لهذا المفهوم لم يكن مفهوم الشرق الاوسط يشير في الواقع الى حيز جغرافي معين ولا تاريخ مشترك لشعوب منطقة معينة، بل ارتبط الى نظرة السياسيات الاستعمارية.
تكمن الصعوبة في تحديد الاقليم بصورة قاطعة في ان المصطلح ليس مجرد ابتكار لمنظري قاموس السياسة الدولية وانما هو هلامي القوام بمعنى انه يمكن ان يتسع او يضيق على خريطة العالم وفق مصالح واهداف وسياسات الدول الاستعمارية او حسب التصنيف التي تتخذه هيئة خاصة أو دولية أو وزارة من وزارات الخارجية في العالم.[18]
يمثل مفهوم الشرق الاوسط تعبير حديث الاستعمال الى جانب تعبيري الشرق الادنى والشرق الاقصى، هما أقدم الى حد ما من التعبير الذي نحن بصدده، فقد كان يطلق مثلا على البلاد القريبة من أوربا والتي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية اسم الشرق الادنى، اي يقصد بذلك المناطق المتاخمة لأروبا من اسيا، وما عدا هذه المناطق كان يطلق عليها تعبير الشرق الأقصى، ويقصد به المناطق البعيدة كالفلبين والهند واندونيسيا وما جاورها من المناطق.
ويعد اصطلاح “الشرق”، فقد كان سكان بحر ايجه القدماء يعنون به: اسيا الذي يشير الى الاراضي التي تقع في شرقهم والتي تشرق منها الشمس.
وتكاد تجمع جميع الكتابات في الوقت الحاضر على استخدام مصطلح الشرق الاوسط كبديل للمصطلحات السابقة، وتبين في معظم التسميات والتقسيمات، انه يراد بتعبير الشرق الاوسط: مجمل الرقعة الجغرافية الفسيحة التي يقع معظم الوطن العربي وقسم من الجوار الاسلامي الشمالي والشرقي الممتد من الأناضول الى حدود باكستان.[19]
نبه الأميرال البحري (الفريد ماهان) عام 1902 عندما كان يحض حكومته على وضع استراتيجية مضادة للنشاط الروسي في إيران فضلا عن المشاريع الألمانية المختلفة باتجاه(بغداد) ومطلقا تسمية (الشرق الأوسط) على تلك المناطق الواقعة بين الشرق الأدنى والأقصى، حدد ماهان الشرق الأوسط بموقع على الحدود الجنوبية للبحر المتوسط وآسيا وهو مسرح مواجهة استراتيجي ضروري بين القوى المتصارعة[20].
أن تسويق هذه التسمية لم يكن بغرض تعريف المنطقة تعريفاً جغرافياً وصفياً صورياً؛ وإنما لصياغة تعريف سياسي ثقافي جديد للمنطقة، مختلف تماما عما قصدته التسمية الجغرافية التقليدية للشرق الاوسط.
عليه فإن استعمال المصطلح أساسا يدخل في صميم حرب الهوية؛ لأنه جاء بديلا عن استخدام المنطقة العربية أو المنطقة العربية الإسلامية أي اعادة التقسيم الجغرافي للعالم حسب متطلبات الاستراتيجية الغربية الاستعمارية. وهكذا فالمصطلح يعكس مبدأ ثقافياً فضلا عن بعده السياسي أو الاقتصادي أو العسكري.
ثانياً: المفاهيم المرتبطة بمفهوم الشرق الأوسط:
- الشرق الادنى:
تعتبر منطقة اقليمية لها مواصفاتها بموقع يمتد غربي الأناضول والبحر الأسود الى مجموعة الأقاليم في شرق أوروبا والذي يعتبر الأدنى إلي غرب أوروبا وتتألف جغرافيا من تركيا، بلغاريا، مولدافيا، مقدونيا، رومانيا، البوسنة والهرسك، اليونان، البانيا، وهنغاريا.
- الشرق الأوسط:
منطقة إقليمية أوسع من المنطقة السابقة وتتمتع هي الاخرى بمواصفاتها وتراكيبها ومعتقداتها ومشاكلها التي تربط الشرق والغرب، وتؤلفها مجموعة أقاليم متنوعة في جنوب غرب اسيا التي تتوسع العالم، وتمتد بها بحار عدة لها استراتيجيتها الدولية. وتعد هذه المنطقة بالذات من أغنى مناطق العالم بثروتها النفطية، وهي متوسط الشرقين الأدنى والأقصى.
- الشرق الأقصى:
تعتبر منطقة إقليمية واسعة تتمتع جغرافيا بامتداداتها الكبرى المحيطية (المطلة على المحيطين الهادي والهندي) وتؤلفها مجموعة أقاليم واسعة تجتمع فيها شعوب عدة، وهي تقع في شرق وجنوب شرق اسيا في أقصى العالم. وقد اختلفت أهمية هذه المناطق المكانية ارتباطا باختلاف المتغيرات والاهتمامات الزمانية.
مع ظهور متغيرات عالمية جديدة بدأ التحليل الجيوبولتيكي يرى أن الاهتمامات الدولية بدأت تنصب على منطقة الشرق الأوسط خاصة البريطانية ثم الفرنسية ثم صراعها التاريخي للسيطرة على المنطقة، فقد بدأت اهتمامات هذه الدول تتفق مع طبيعة المرحلة التاريخية خاصة بعد الحرب العالمية الأولى (1918-1914) فقد أوجت الحرب مناخاً جديداً تم بمقتضاها اتخاذ وضع دولي جديد في المنطقة رغبت كل من الدولتين أن يكون لها دور في تنظيم المنطقة الجغرافية سياساً.[21]
المبحث الثالث: مشاريع إعادة صياغة الشرق الأوسط (الشرق الأوسط الجديد).
يعود استخدام مفهوم دول الشرق الأوسط للمرة الأولي، في بداية القرن العشرين، ويعد مفهوماً معقداً نسبياً نظراً لتغيره وتطوره، ومن اهم اسباب تعقيد المفهوم وعدم استقراره علي دول محددة أن عديد من الدول التي تصنف علي أنها إحدى دول الشرق الأوسط تقع في كثير من الأحيان ضمن تسميات أخري؛ كدول الشرق الأدنى، وغرب اسيا، وشرق البحر الأبيض المتوسط، والعالم العربي، وغيرها، وتمثل كل تسمية تصور للدول وارتباطها ببعضها.[22]
اولا التعريف بالشرق الأوسط الجديد
يشير مفهوم الشرق الأوسط الجديد الي تلك المخططات الإسرائيلية المحكمة التي تسعي الي تحديد شرق أوسط بملامح جديدة متوافقة مع أيديولوجيتها وأهدافها وكافة مصالحها علي المدي البعيد، حيث تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية ورعتها الاتفاقيات المتعاقبة بين العرب وإسرائيل تحت غطاء اتفاقيات السلام. الهدف من هذه الاتفاقيات فرض هوية جديدة علي أبناء الأمة العربية تضيع فيها المرجعية العربية تحت وعاء فضفاض تمت تسميته بالشرق الأوسط الجديد. [23]
يجب علينا ذكر الحرب العراقية والإيرانية 1980 ، عند الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الجديد ،كذلك الاجتياح القوات العراقية للكويت عام ١٩٩٠ تبع ذلك تدفق القوات الأمريكية الي منطقة الخليج تعد نقطة البداية في محاولة الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة علي قاعدة شرق أوسط جديد. آثر هذه الأحداث وقوع عدة تحولات في العالم كاتفاقيات أوسلو ١٩٩١ واحتلال أفغانستان ٢٠٠١ واحتلال العراق، لهذا يعتبر مشروع الشرق الأوسط الجديد بمثابة اتفاقية سايكس بيكو الثانية التي تعمل علي تجزئة المنطقة ومحو هويتها وأن تكون المنطقة نافذة لتحقيق لمصالح الأمريكية.[24]
ظهرت فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد في كتاب شمعون بيريز رئيس إسرائيل السابق وكذلك بنيامين نتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس، عند قراءة كتاب شمعون؛ فقد تنخدع وللوهلة الأولى بموضوعية (بيريز ) وهو يتحدث عن فشل الحرب وأهمية السلام، ولكن سرعان ما ستكتشف أن هذا السياسي الـمُخضرَم إنما يدُس السمّ في العسل، وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تُخفي استراتيجية إسرائيل التوسّعية، وهي قناعة تقوم على ضرورة استمرار هيمنة إسرائيل على الـمنطقة. المشروع لم يكن لإعادة الخريطة السياسية فحسب وإنما لرسم الخريطة الاقتصادية مما يؤدي إلي وضع ترتيبات إقليمية جديدة وبخصوص قضايا مختلفة منها قضية التعاون الاقتصادي بين تكتل يضم دول الشرق الأوسط وإسرائيل.[25]
ثانياً أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد:
- الاستحواذ الأمريكي علي الشرق الأوسط لتحقيق الرغبة الإسرائيلية بأن تكون إسرائيل اليهودية في قلب الشرق الأوسط الغارق في صراعات طائفية واثنية.
- إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وهو يمثل احد الشروط المهمة لهذا المشروع وهو عامل مهم لتحقيق اندماج إسرائيل بالإقليم العربي.
- مزاحمة القوة الكبري كروسيا والصين في المنطقة.
- ضمان التفوق الإسرائيلي علي البلاد العربية وربط إسرائيل باتفاقيات عسكرية مع الدول المجاورة.
- إقامة نظام إقليمي جديد علي انقاض المشرق العربي عبر الاغراق في عقيدة المنفعة والربح وتعظيم المصالح المادية والداخلية عن الهوية وثوابت وحدة المصير.
- إقامة أمن إقليمي جديد لحماية إسرائيل بدل الأمن العربي.[26]
ثالثاً الأبعاد الجيوبولتيكية لمشروع الشرق الأوسط الجديد وتأثيره علي الأمن القومي العربي:
- البعد الجيوبولتيكي
يعد البعد الجيوبولتيكي لقيام مثل هذا المشروع هو الحيلولة دون قيام نظام إقليمي عربي تحقيقاً للأهداف الأمريكية في المنطقة ، وتقوم هذه السياسة وضع العقبات والعراقيل أمامه اذا حاول القيام، وهذا هو سير السياسة الغربية في الوطن العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يعد مشروع الشرق الأوسط الجديد اليوم هو مسار المخططات الأمريكية في للمنطقة التي تنطوي علي تعطيل جامعة الدول العربية، واملاء صيغ التسوية بين العرب وعدوهم والتعاون الإقليمي في المنطقة، ومشروعات السلام والتطبيع.
- البعد السياسي: أساسه اجراء تحولات في بني الأنظمة السياسية العربية تحت شعار الديمقراطية والتعددية الحزبية، وحق النظام العالمي التدخل في الشؤون الداخلية اذا تعرضت الديمقراطية الانتهاك من النظام السياسي.
- البعد الاقتصادي: أساسه اجراء تحولات في سياسات وبني الاقتصاديات العربية، لكي تكون مهيأة لاستقبال اندماج إسرائيل في المنطقة، وتفتح أبوابها أمام الاقتصاد الأمريكي والغربي بوجه عام. اهم عناصر هذا النظام اعتماد الاقتصاديات العربية علي اقتصاد السوق، والاعتماد الكلي علي القطاع الخاص.
- البعد الامني: أساسه نزع سلاح العرب ووضع قدراتهم العسكرية تحت الرقابة والسيطرة لضمان أمن إسرائيل اولا، وعدم نمو مراكز قوة عربية في اي جزء من أجزاء الوطن العربي ثانياً.
- البعد الثقافي: أساسه اخضاع الوطن العربي لتحكم إعلامي صهيوني عبر ماكنته الداخلية والخارجية( الأمريكية)، وبشكل يهدف القضاء علي القيم العربية والإسلامية مما يشكل خطر علي الفئات الشابة ويجعلهم عرضة للتهجين القيمي.[27]
رابعاً مراحل تطور مشروع الشرق الأوسط الجديد:
- المرحلة الأولي ١٩١٤-١٩٤٨.
جرت في هذه المرحلة صياغتان للوطن العربي، فقد تمت الصياغة الأولي عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، فخضعت المنطقة العربية لنظام الانتداب الاستعماري الذي ترافق مع وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين اما المحاولة الثانية، فقد تمت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث خضعت الـمنطقة لنظام التجزئة والتبعية ونجحت الدول الاستعمارية بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين.
- المرحلة الثانية ١٩٨٤-١٩٧٣.
تعد اهم واخطر مراحل تطور مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث عمدت قوي الغرب الي إقامة الترتيبات والمشاريع الإقليمية بهدف ربط المنطقة في إطار إقليمي واسع، بدءاً بمشروع قيادة الشرق الأوسط مروراً بحلف بغداد وصولاً الي مشروع جون فوستر دالاس، الداعي الي ضرورة حماية أمن المنطقة، ومبدأ ايزنهاور وغيرها من المشاريع.
- المرحلة الثالثة ١٩٧٣-١٩٩١.
يمكن اعتبار هذا المرحلة مرحلة التطبيق العلمي لقيام النظام الإقليمي الشرق اوسطي نتيجة التغيرات الكبيرة التي طرأت علي الساحة الإقليمية للمنطقة بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، وتوقيع مصر والكيان الصهيوني علي اتفاق سيناء برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وتوقيع السادات علي اتفاقية كامب ديفيد وإرساء قواعد النظام الإقليمي الشرق اوسطي. تمهيداً لرسم خارطة جديدة للمنطقة جاءت خطة إسرائيل في الثمانينات التي وضعها اودينون ونشرتها بالعربية مجلة الثقافة العالمية في عددها السابع في سنتها الثانية.[28]
٤.المرحلة الرابعة بعد عام ١٩٩٠.
مرت هذه المرحلة بسلسلة من المتغيرات الجيوستراتيجية ومن أبرز هذه المتغيرات:
أ– انهيار الاتحاد السوفيتي: الذي ساهم في إسقاط للمشروع فيما مضي، ومن خلال نجاحه في بناء تحالفات وازنت من حيث القوة تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع أطراف عربية أخري، أي تمكن السوفييت من الحفاظ علي توازن القوى في المنطقة.
ب-قيام الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع عام ١٩٩١ بقيادة اكبر تحالف دولي في تاريخ العالم الحديث ضد العراق، لتحجيم دوره الإقليمي، الذي يشكل الخطر الأكبر علي وجود إسرائيل والعقبة امام فكرة الشرق الأوسط الجديد.
ج– ساهم العدوان علي العراق، في انفراط عقد النظام العربي، وتهلهل العلاقات بين اطرافه، الي حد قيام تحالفات خارجية عقدتها أطراف عربية ضد طرف عربي اخر مما شكل هجوما داخلياً علي الأمن القومي العربي وتفجيره من الداخل.
د– شروع العرب والكيان الصهيوني بإجراء مفوضات التسوية والتي بدأت في مؤتمر مدريد، والتي كان أبرز نتائجها اتفاقية غزة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في عام ١٩٩٤.
خامسًا ردود الفعل الدول حول مشروع الشرق الأوسط الجديد:
١.موقف الدول الأوروبية: لاشك بأن لأوروبا مصلحة استراتيجية عليا في نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد، فهذه المنطقة في نهاية المطاف الحديقة الخلفية للإمبراطورية الأوربية الناشئة. يشك الأوروبيين في أن الولايات المتحدة الأمريكية في مشروعها الديمقراطي، ولو انها كانت كذلك، لسارعت قبل أي شيء آخر إغلاق ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي من دونه لا استقرار ولا أمن في المنطقة. ويشكون أن هدف واشنطن الحقيقي هو احتلال الشرق الأوسط لا تحريره، والهدف النهائي هو السيطرة المطلقة علي المنطقة، وهذا بالطبع في إطار لعبة الشطرنج الكبرى التي تحدث عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجينسكي التي تهدف احكام القبضة علي قارة أوروبا وآسيا برمتها عبر السيطرة على الشرق الأوسط.
٢.موقف الدول العربية:
أ. علي المستوي الحكومي:
تبدو الأمور متفاوتة فرئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري اعلن صراحه رفضه للمبادرة واعرب عن مخاوفه من تطبيقها. في الوقت نفسه كان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يؤكد أن عصر الديمقراطية قد بدأ، وانتهي عصر الديكتاتوريات ويدعو الي قبول الإصلاحات الأمريكية. قد رفضت السعودية ومصر ضمنياً المشروع، واعلنتا في بيان مشترك صدر في ٢٤/٢/٢٠٠٤ في أعقاب زيارة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك للرياض، أنهما ترفضان المشاريع المفروضة من الخارج علي البلدان العربية والإسلامية. وانضمت سوريا والبحرين والسودان الي السعودية ومصر في رفض المشروع الأمريكي.[30]
ب. علي المستوي الشعبي:
يمكننا القول بالرغم من أن شعارات الديمقراطية والإصلاح التي تحاول إخفاء الهيمنة التي ينطوي عليها المشروع الأمريكي الجديد، إلا أن مشاعر الكراهية والأداء ضد السياسيات الأمريكية من قبل العرب والمسلمين وفقدان الثقة في الإدارة الأمريكية الحالية تبقي من عقبات المشروع الأمريكي الجديد. كيف يمكن الوثوق في المشرع الأمريكي الجديد وما يحمله من شعارات العدالة والتحديث والتطوير والاستقرار الاجتماعي وكل الدلائل تؤكد الانحياز الأمريكي الأعمى الي دولة الاحتلال الصهيوني التي تسبب وجودها عرقلة مسيرة التطوير والاستقرار في المنطقة العربية والإسلامية.
يهدف مشروع الشرق الأوسط الجديد بالدرجة الأولي لدمج إسرائيل في المحيط العربي وقيادة الشرق الأوسط والتحكم في موارده لصالح الاحتلال الصهيوني. أن المشروع بات يمثل تحدياً حقيقياً للدول العربية والإسلامية فهو يضعها بين خيارين، الأول تنفيذ الوصفة الأمريكية التي تحد من سلطة الحكام، والثاني درس لمن لا يرغب خاصة وأن درس العراق لم يتم استيعابه الا بعد فوات الأوان. إن المشروع الحقيقي الذي يجب الالتفاف حوله هو مشروع الوطن العربي الجديد بدلاً من مشروع الشرق الأوسط الجديد.[31]
هذا بالإضافة إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي سنتناوله بالتفصيل في الفصل الأخير من الدراسة.
التعريف بمشروع الشرق الأوسط الكبير
ظهر مصطلح الشرق الأوسط الكبير لأول مره على يد المؤرخ البريطاني برنارد لويس في كتابه” مستقبل الشرق الأوسط” حيث أكد فيه على ضرورة تفكيك وتقسيم المنطقة وذلك بتشجيع التفكك الإثنني والطائفي وتسريب فكرة حق تقرير المصير الى الأقليات الإثنيه لإخضاع المنطقة الى السيطرة والاستعمار مرة أخرى. وصرح برجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي عام ١٩٨٠م أنه من الضرورة تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب الخليج الأولى لتتمكن أمريكا من تصحيح حدود سايكس بيكو ثم كلف برنارد بوضع مشروعة لتفكيك الدول العربية كلا علي حدة .[32]
ووافق الكونجرس الأمريكي علي المشروع بالإجماع في جلسة سريه عقدت عام 1983وتم إدراجه في ملفات السياسة الخارجية الأمريكية الاستراتيجية. وسنتناول هذا الجزء بالتفصيل في الفصل الثالث.
وضحنا في هذا الفصل تعريفات الجيوبولتيك، والتعريفات المتعلقة بهذا المفهوم، وأيضا تم الحديث عن مفهوم الشرق الأوسط والبعد التاريخي لهذا والمفاهيم المرتبطة به، وأخيرا وضحنا اهم مشاريع إعادة صياغة الشرق الأوسط
التي تتمثل في مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سنتناوله بالتفصيل في الفصل الأخير من الدراسة.
الفصل الثاني: الدور الجيوبولتيكي الايراني في الشرق الأوسط
يستعرض هذا الفصل ملامح جيوبولتيك إيران في الشرق الأوسط ، وذلك من منطلق تحديد أهم محددات القوة الإقليمية الإيرانية في الشرق الأوسط التي تتباين فيما بين موقعها الجغرافي ونظامها السياسي وقوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وأخيرًا القوة النووية ، ثم سنطرق إلى الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران وأهم الأهداف الإستراتيجية لإيران في المنطقة ، وأخيرًا سنتناول البرنامج النووي الإيراني وثورات الربيع العربي كمحددين جيوبولتيكيين لإيران في الشرق الأوسط . وينقسم الفصل إلى :
- المبحث الأول : محددات القوة الإقليمية الإيرانية
- المبحث الثاني : الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران
- المبحث الثالث : البرنامج النووي وثورات الربيع العربي كمحددين جيوبولتيكيين لإيران
المبحث الأول : محددات القوة الإقليمية الإيرانية.
أولاً : المحدد الجغرافي الإيراني
تقع إيران في نصف الكرة الشمالي في جنوب غرب آسيا وتبلغ مساحتها حوالي ١,٦٤٨,١٩٥ كيلومتر مربع، ويحدها شمالاً تركمانستان وأذربيجان وأرمينيا، ويحدها شرقاً أفغانستان وباكستان، ومن ناحية الغرب يحدها العراق، ويحدها جنوباً خليج عمان والخليج الفارسي والذي يبلغ طول سواحله ٢,٠٤٥ كيلومتر، تتصل إيران عن طريق هذه المياه بالكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان[33].
تمتلك إيران سلاسل جبلية تُحيط بعدة أحواض بشكل جماعي (تُعرف بالهضبة المركزية) ويقع شرق هذه الهضبة منطقتا صحراء وهي صحراء مالحة في الشمال وصحراء الصخور والرمال في الجنوب، لا تمتلك إيران أنهار رئيسية ويعتبر النهر الوحيد للملاحة هو نهر (Karun)، وطوله ٨٣٠كم، كما يوجد أنهار أخري مثل نهر(safid Rud) ويبلغ طوله١٠٠كم، ونهر (( Kharkeh ويبلغ طوله٧٠٠كم، أما عن المناخ فيكون معظمه جاف مصحوب برطوبة وتوجد أمطار كثيفة علي طول ساحل قزوين، كما وتمتلك إيران قدر هائل من البترول والغاز الطبيعي ويقدر احتياطي البترول لديها بحوالي١٣٠ بليون برميل، كما ولديها احتياطي غاز يُقدر بحوالي٣٢ تريليون متر مكعب[34].
ثانيًا:- النظام السياسي الإيراني
تعتبر إيران بحكم التاريخ والجغرافيا والارث الثقافي والحضاري، تنتمي إلى ثقافة سياسية تقليدية شرق -أوسطية، حيث تلعب فيها الانتماءات كالعائلة والعرق دوراً في التأثير على طبيعة النظام السياسي وشكل الحكم، ويمثل توغل الأسر والعائلات في النظام السياسي الإيراني تناقضاً واضحاً مع ادعاء عناصر النخبة الحاكمة الإيرانية بديمقراطية نظامها ونزاهته مع محاولاتها إضفاء الحداثة على قيمه وآلياته[35].
أسس النظام السياسي الإيراني
يمكننا تناول الأسس التي يقوم عليها النظام الإيراني من خلال توضيح الدور الذي تقوم به المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الفاعلة في النظام .
أولاً: المؤسسات الرسمية:
1-المؤسسات المرتبطة بالولي الفقيه
- الولي الفقيه المرشد
يسيطر على كل السلطات حسب نص المادة الخامسة من الدستور، حيث يقف على رأس النظام الاسلامي مرشد الثورة(الولي الفقيه)، والذي يستمد صلاحياته من نظرية “ولاية الفقيه”، والتي تنص على ضرورة توليه شؤون البلاد بوصفه العالم بأمور زمانه، “والجامع لشروط القيادة الزمنية والروحية”، كما يُعد صانع قرارات سياسية والقائد العام للقوات المسلحة[36].
ب-مجلس الخبراء
يتكون هذا المجلس من ٨٦ عضو، يقوم هذا المجلس باختيار الولي الفقيه، ويُنتخب من الشعب، مع توافر فيهم شروط المرجعية وفق المذهب الشيعي، كما ويمثل في كل محافظة إيرانية عضواً من هذا المجلس، ويكون انتخاب أعضاء المجلس عبارة عن حصيلة معقدة من العلاقات بين رجال الدين الشيعة وتأثيرهم في محيطهم، يتم انتخاب الاعضاء لمدة ثماني سنوات ولا تحظى الانتخابات في هذا المجلس بمشاركة واسعة من قِبل الشعب، مما يدل ذلك على اقتصار الانتخابات على قلة محددة بعينها من الشعب[37].
ج-مجلس صيانة الدستور
يُعد هذا المجلس هو المكون الثاني للسلطة التشريعية، وهو امتداد لمجلس الحكماء الذي تم تأسيسه مع الثورة الدستورية في عام١٩٠٦، ويتكون هذا المجلس من إثني عشر عضواً، منهم ستة معينين بواسطة المرشد الأعلى ، وستة فقهاء بالقضاء يتم تعيينهم من ِقبل (مجلس القضاء).
د-مجلس تشخيص مصلحة النظام
هذا المجلس هو عبارة عن هيئة استشارية أنشأت استجابة لتوجيهات الخميني في عام١٩٨٨، ويحدد الدستور مهام هذا المجلس [38].
ثانياً: السلطات التقليدية.
أ-السلطة التنفيذية
تعُتبر هذه الهيئة هزيلة وهشة ومتشعبة ويأتي على قمتها رئيس الجمهورية، ليس لهذه السلطة دور فعلي وحقيقي إنما دورها شكلي فقط، على نحو ما نص دستور١٩٧٩، وتشمل هذه السلطة عناصر رئيسية وهي: رئيس الجمهورية-نواب الرئيس-الوزراء[39].
ب-السلطة التشريعية
تتألف هذه السلطة من مجلس الخبراء ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور[40].
ج-السلطة القضائية
تُصنف أنواع القضاء في إيران إلى قضاء عام وقضاء ثوري وقضاء خاص(مثل محكمة الاسرة، المحاكم العسكرية، محكمة الصحافة)، ينص الدستور في الفصل الخامس على استقلالية السلطات الثلاث عن بعضها البعض إلا أنها لم تثبت فعلياً للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك بسبب الدور المركزي للمرشد في إطار السلطتين وكذلك لم تثبُت فعلياً استقلالية القضاء للسبب نفسه[41].
د- المؤسسات العسكرية والأمنية.
١-المجلس الاعلى للأمن القومي
يتشكل هذا المجلس من رؤساء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس منظمة الموازنة والتخطيط، وقائد الجيش وقائد الحرس الثوري، وأيضاً رئيس أركان القوات المسلحة ووزراء الداخلية والخارجية والأمن، يترأس هذا المجلس رئيس الجمهورية ويقوم بتعيين أميناً عاماً له يتولى إدارته، يقوم هذا المجلس بوضع السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في حدود السياسات العامة المعينة من القائد[42].
٢-الجيش
ورثت جمهورية إيران جيشاً قوياً ومسلحاً بأحدث الاسلحة عن نظام الشاه، كان هناك عمليات تصفية تجاوزت في السنين الأولى من قيام الجمهورية نصف قيادات الجيش الإيراني، عمل الخميني على إنشاء إدارات وأقسام أيديولوجية مذهبية داخل الجيش لإشباعه بقيم ومبادئ النظام الجديد[43].
٣-الحرس الثوري الإيراني(حرس الثورة الإسلامية)
يتمتع الحرس الثوري الإيراني بقدرات واسعة في إنتاج الأسلحة في إيران سواء البيولوجية أو الكيماوية أو النووية، يمثل الحرس الثوري قوة مؤهلة لقيادة القوة المسلحة النووية حال امتلاكها، يُشرف الحرس على المشروع النووي وصناعة الصواريخ، كما لهذا الحرس علاقات ونفوذ خارجي مع حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق وأفغانستان[44].
حيث يُعد الحرس الثوري الإيراني قوة عسكرية موازية للجيش النظامي، كما يحفظ ولاءه للمرشد الأعلى، يمتلك الحرس الثوري قوة تجارية تُعد بالمليارات حيث تعتبر مؤسسة خاتم الانبياء أكبر مؤسسة اقتصادية في إيران تابعة للحرس الثوري[45]
ثانيّا المؤسسات غير الرسمية في إيران:
1-الاحزاب السياسية في إيران.
تتمثل هذه الأحزاب في ثلاث تيارات رئيسية:
- القوي الإسلامية وتضم أنصار آية الله الخميني والذين شكلوا في وقت لاحق “حزب جمهوري إسلامي”(الجمهورية الإسلامية) “فضلاً عن شبكة واسعة تتمركز في المساجد واللجان التابعة للحسينيات”.
- منظمات اليسار (العلمانية والدينية) وتضم حزب “توده”(‘الجماهير”) بالإضافة إلى منظمة فدائي الشعب .
ج- الجهات الليبرالية وتشمل هذه الجهات “جبهة ملي إيران”(“الجبهة الوطنية الإيرانية”)، “ونهضة أزادي” (“حركة الحرية”)[46].
ثالثًا :- القوة الاقتصادية الإيرانية
تمتلك إيران واحداً من بين أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط من حيث الناتج المحلي ولديها مقدرات اقتصادية متنوعة ما بين نفط وتربة زراعية خصبة وموارد مائية وبعض الإرث الصناعي من النظام السابق لكنها غير مُستغلة الاستغلال الأمثل، وايضاً تمتلك إيران مقومات بشرية وعلماء منتشرون في الولايات المتحدة وأوروبا كل هذه المقومات كانت قادرة على جعل الإيرانيين من بين أغنى شعوب المنطقة، وذلك بعد أربعين عاماً من قيام الثورة الإسلامية، في الوقت الحالي[47].
يدفع الاقتصاد والمجتمع الإيراني ثمناً باهظاً لتراكم الاختلالات الهيكلية والعزلة الدولية كما سبق وأوضحنا، حيث لا يكادان يخرجان من أزمة حتى تظهر أزمة أخرى، فلم يفيقا من آثار العقوبات الامريكية التي كانت مفروضة عليهم حتي جاءت أزمة فيروس كورونا والتي امتدت آثارها السلبية علي النمو الاقتصادي[48].
يعتمد الاقتصاد الإيراني على النفط والقطاع الزراعي والصناعي والمناجم والخدمات، حيث يساهم النفط والغاز بالإضافة إلى القطاعات الأخرى غير البترولية في تحقيق معدلات نمو اقتصادي بالإضافة إلى تقليل معدلات التضخم، على مستوي القطاع الزراعي تُعد إيران من أكبر المصدرين للكافيار والفستق في العالم [49].
يمكن قياس الجهود المرتبطة بتحرير التجارة بين إيران وباقي دول العالم وذلك لتقييم درجة انفتاح إيران على العالم، حيث هيمنت الصين على التجارة الخارجية الإيرانية خلال العقد الماضي، كما وأعادت إيران تنظيم دبلوماسيتها الاقتصادية ودخلت في عام٢٠١٩ اتفاقية مؤقتة بشأن “منطقة التجارة الحرة” (حيز التنفيذ بين طهران والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي)[50].
تُعد إيران من أكثر بلدان الشرق الأوسط ازدحاماً بالسكان والذي من شأن أن يكون جالباً للاستثمارات بالإضافة أيضاً إلى توافر الموارد الطبيعية، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر لإيران يعتبر متدني نسبياً بالمقارنة بتدفقات الاستثمار الأجنبي في المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر ويرجع هذا إلى محدودية دور القطاع الخاص في الاقتصاد الإيراني كما أوضحنا سابقا[51].
تحديات الاقتصاد الإيراني:
يواجه الاقتصاد الإيراني تحديات ومشاكل عديدة على الرغم من الجهود والتطورات الإيجابية المبذولة التي ظهرت على الساحة خلال العقود الأخيرة، واجهت إيران منجزات العالم الحديث منذ قرنين واستنتجوا أنهم متأخرون جداً بالمقارنة بالعالم الصناعي الغربي، كان اعتماد الاقتصاد الإيراني على الزراعة ولم يكن الإنتاج الصناعي يشكل أولوية أو مكانة خاصة، مثلت هذه القضية حافزاً كبيراً كي تواكب إيران تطورات الحداثة، إلا أن غالبية الجهود التي بُذلت بعد الثورة الإسلامية عام١٩٧٩ لم تواجه سوى الفشل[52].
يوجد مجموعة من الأسباب غزت العزلة الدولية للجمهورية الجديدة ورسخت هيمنة الدولة على الاقتصاد، منها :
- افكار المرشد ورجال الدين.
- سيطرة النخب على صياغة الدستور الجديد للجمهورية ووضع مواد دستورية طاردة للأجانب ومعززة لسيطرة المؤسسات الثورية على الاقتصاد .
ج- لعبت أفكار بعض رجال الدين الشيعة دوراً مهماً في تكوين الرؤية الاقتصادية للمرشد، حيث مثل كتاب “اقتصادنا” لمحمد باقر الصدر تأثيراً كبيراً على فِكر الخميني، إذ دعا الصدر إلى نظام اقتصادي تسيطر عليه الدولة فقط، مع النظر للغرب على أنه مهدد للثقافة الإسلامية بما يمثله من عولمة ورأسمالية[53].
يرجع أيضاً تدني تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى إيران إلى سبب آخر ألا وهو العقوبات المفروضة والمتوقع فرضها على الشركات التي تسعى إلى الاستثمار في إيران والتي سنوضحها في السطور الآتية:
رغم أنه تم اتخاذ قانون العقوبات الاقتصادية كأساس لتحجيم التجارة والاستثمار في إيران إلا أنه لم يكن له الأثر المتوقع من قِبل الولايات المتحدة، حيث تُعد طبقة التجار من أكثر المتضررين من العقوبات الدولية على إيران حيث أدت هذه العقوبات إلى صعوبة فتح حسابات بنكية في الخارج والحصول على البنوك الأجنبية لتنفيذ خطابات الائتمان، أيضاً مثلت العقوبات الاقتصادية على إيران تحديات كبيرة لصناعة النقل البحري الإيراني مع بقية دول العالم[54]، ولكي تكون العقوبات الامريكية أكثر تأثيراً ومفعولاً على إيران فإنه يجب الجمع بين ستة عقوبات محددة وهادفة تتمثل في الآتي:
١-عقوبات مالية.
٢-عقوبات تُفرض على النخبة السياسية الإيرانية.
٣-عقوبات تُفرض على قطاع النفط والغاز.
٤-عقوبات على القطاع النووي.( مثل البرنامج النووي الإيراني حجر الأساس في تطور العقوبات لتأخذ نطاقاً دولياً في إنشاء مناخ دولي أكثر صرامة في التعامل مع إيران)
٥-عقوبات اقتصادية مهمة.
٦ عقوبات على التكنولوجيا والأسلحة التقليدية[55].
رابعًا:- المحدد التكنولوجي في إيران.
تسعى إيران إلى الاستحواذ على مكانة تجعلها في صفوف الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا مستقبلاً، حيث عززت طموحاتها داخل الفضاء الإلكتروني وقامت في السنوات الاخيرة بتصدير وصلات بيانات ذات قدرة عالية لأوروبا، كما وأصدرت الجيل الثالث من الخدمة الخلوية لملايين الإيرانيين،كما وتمتلك إيران القدرة على الرد على أنشطة للتجسس الأمريكية، بعدما اتقنت قواعد هذه اللعبة، تمكنت إيران من شن هجمات إلكترونية ضد المؤسسات المالية الإلكترونية والذي كان رداً على الهجمات التي تستهدف برنامجها النووي وقطاع النفط ،ولعل ذلك أبرز مثال علي القدرات التكنولوجية الهائلة التي تمتلكها إيران في مجال الأمن السيبراني(“الخاص بالتجسس ومكافحته إلكترونياً”)، فضلاً عن الهجمات التي شنتها إيران في استهداف شركات النفط السعودية[56].
خامسًا:- القوة العسكرية الإيرانية:
تهتم القيادة الإيرانية بالتصنيع الحربي في البلاد بالتعاون مع الجهات المختصة بالتصنيع الحربي، حيث هناك ثلاث وزارات تتولى إدارة قطاعات الصناعات الحربية في إيران وهي: وزارة الدفاع، والحرس الثوري الإيراني، وجهاد البناء، تستمر إيران في تصنيع وتطوير الأسلحة والمعدات ومنها: الأسلحة الأرضية وأسلحة المشاة، والصواريخ المدفعية الثقيلة، وايضاً الطائرات بدون طيار، وذكرت بعض المصادر الإيرانية الرسمية أن الإنتاج الحربي الإيراني يتزايد بمعدل سنوي بمقدار٤٠،كما ويغطي مالا يقل عن ٧٥ من احتياجات البلاد، وتصدر إيران السلاح إلى ٤٥ دولة[57].
تمتلك إيران ترسانة صواريخ هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط بعد إسرائيل، وهذا يجعل القوة الصاروخية الإيرانية قادرة على مواجهة التهديدات بردع دفاعي دائم، فضلاً أيضاً عن أنواع أخرى من الطوربيدات والصواريخ البحرية، ومثلت نهاية عام٢٠٠٩ وبداية ٢٠١٠ مؤشرًا لتسارع معدل التطور التكنولوجي في إيران وذلك بإطلاقها القمر الصناعي (الأمل) إلى الفضاء[58].
سادسًا :- القوة النووية الإيرانية
يُعد طموح إيران لامتلاك أسلحة غير تقليدية أمراً ليس بالجديد وإنما يعود إلى العقد السادس من القرن العشرين، وقد مر هذا الطموح بعدة محطات تبناها القادة الإيرانيون منذ عهد الشاه السابق الذي تعاقد مع شركات دولية لإنشاء أول محطة نووية بعد إنشاء منظمة الطاقة النووية الإيرانية[59].
ونلاحظ سرعان ما توقف العمل على هذا البرنامج مع سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية، ثم بدأ العمل مرة أخرى بعد الحرب العراقية الإيرانية واستطاعت إيران أن تحصل على دعم من الاتحاد السوفيتي والصين، مما أدى إلى زيادة وتيرة العمل في البرنامج النووي خلال الفترة من١٩٩٩ إلي ٢٠٠٢، كما أعلنت عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم، حيث أرادت إيران بذلك تحدي النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط والتصدي لأية محاولة لتغيير النظام السياسي في إيران بالقوة[60].
تمتلك إيران منشآت نووية تعكس قدراتها التكنولوجية في المجال النووي وأحدهما مركز بوناب لأبحاث الطاقة الذرية، وهذا المركز مختص بتطبيق الطاقة النووية في الزراعة، فضلاً عن ذلك تمتلك إيران العديد من الإنجازات النووية والتي منها منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان وبناء أجهزة الطرد المركزية وايضا مفاعل الماء الثقيل في أراك[61].
المبحث الثاني : أهمية الشرق الأوسط في الفكر الجيوبولتيكي الإيراني.
أولًا : الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران :
شهدت منطقة الشرق الأوسط ، وخاصة العربية منها العديد من التطورات التي تشير إلى الأهمية الجيوستراتيجية لتلك البقعة من العالم ، وتبرر السياسات الخارجية للقوى الكبرى والإقليمية التي تحاول لعب دور فعال ومؤثر في المنطقة ، فالنسبة لجيوبولتيكا الشرق الأوسط من يسيطر على هذه المنطقة بكل معطياتها ، قادر بالتأكيد على أن يفرض مكانته وسطوته على سياسة العالم ، وتحديداً إيران التي تقدم كل أدواتها لفرض المكانة والهيمنة الإقليمية في الشرق الأوسط .[62]
وتأتي الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران في أن تلك المنطقة هي المجال الحيوي الأول وفقاً للجيوبولتيك الشيعي الإيراني ، فبالنظر إلى جغرافية المنطقة بكونها تشرف على معظم خطوط المواصلات البرية والبحرية والجوية العالمية ، كما أنها أغنى بقعة في الأرض ، حيث تضم 80 % من النفط العالمي ، أي ثلثي نفط العالم ، فضلاً عن العوامل التاريخية والثقافية المشتركة بين إيران دول شرق المتوسط.
تحوي هذه المنطقة على أهم المضائق البحرية وممرات الملاحة العالمية في العالم مثل مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس وغيرهم، حيث أن مضيق هرمز يمر من خلاله ٤٠ % من النفط المنقول بحرًا في العالم ، فضلاً عن أن ثلثي إنتاج المملكة العربية السعودية في النفط يمر عبر هذا المضيق وذلك وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ، يمر عبر المضيق ثلث تجارة العالم من الغاز الطبيعي المسال ، وأيضاً يمر من خلاله 22 % من السلع الأساسية في العالم ، وعلى الجانب الآخر مضيق باب المندب [63]والذي يعد بالتأكيد ممراً حيوياً لصادرات النفط إلى أروبا وللتجارة الدولية ، فوفقاً للتقديرات يمر فقط 30 % من النفط العالمي عبر هذا المضيق .
ويعتبر الأكثر أهمية لإيران ويشمل دول الجوار الجغرافي القريبة من إيران ، وأيضاً ذات التوجهات المذهبية المشتركة ، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان ، وأيضاً دول الخليج العربي ولا سيما البحرين التي يمثل 70 % من سكانها من المذهب الشيعي.
تسمى دول الخليج العربي بدول البدر الشيعي في القاموس الفارسي ، كما ذكر علي أكبر ولايتي وهو مستشار الشؤون الدولية للدولة الإيرانية أن دول البدر الشيعي والمتمثلة في الساحل الجنوبي لإيران والخليج العربي ومضيق هرمز وعجمان ، هي الحدود الإستراتيجية الأكثر أهمية لتكوين البدر الشيعي للدولة الإيرانية .
وتتمثل أهمية تلك الدول بالنسبة لإيران بسبب عدة جوانب ، منها التركيبة المذهبية لتلك الدول ، والتي يدين سكانها ولاؤهم إلى المرشد الأعلى الإيراني ، كما يقنط تلك المناطق نسبة لا يُستهان بها من السكان الشيعة ، فحسب بعض التقارير ، مثلاً تشتمل اليمن على حوالي 35 % من سكانها من الشيعة ، وتتشابه النسبة أيضاً في لبنان وسوريا ، ويعلوها في العراق والبحرين .
ويتبلور السبب الثاني في كون تلك الدول هي دول جوار جغرافي بالنسبة لإيران ، الدولة التي لديها توجهات توسعية ، كما توفر هذه الحقيقة الجغرافية ميزة نسبية كبيرة لإيران ، لتنفيذ المشروع الجيوسياسي ، حيث قلة التكاليف في التوسع والتمدد على حساب تلك الدول مع توافر البدائل المتاحة عند اتخاذ القرارات المختلفة في إستراتيجياتها التوسعية [64]
تأتي الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران ، حيث من يسيطر على تلك المنطقة، تحقق له تفوق حاسم في الخريطة العالمية ، بحيث قدرتها على فرض هيمنتها على أهم المضائق البحرية في العالم مثل مضيق هرمز وباب المندب ، واستخدام قواتها البحرية لإثارة التوترات في المنطقة ، وخلق وحدة إستراتيجية ضد الوجود الغربي في المنطقة ، وبالتالي تحقيق الإستراتيجيات الإيرانية الكبرى في العالم .
ثانيًا: التعريف بالجيوبولتيك الشيعي .
تعتبر إيران قطب إقليمي صاعد وركيزة للعالم الإسلامي وهو ما أوضحه لاريجاني في خطابه ” أن إيران قطب دولي تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على أساس التعددية القطبية ” ، وبالتالي الجيوبولتيك الشيعي ما هو إلا مشروع جيوستراتيجي إيراني تحاول أن تكون بواسطته قوة دولية يُعتد بها.[65]
يمكننا تعريف الجيوبولتيك الشيعي على أنه الفكر السياسي التوسعي الشيعي إلى ما وراء الحدود الإيرانية ، أو إلى ما تقف عندها المصالح والطموحات الإيرانية وفقاً لمجالها الحيوي الذي يليق بالدولة الإيرانية ولتكوين مصدات جغرافية خارج حدود الدولة الإيرانية ترتبط بالدولة الإيرانية ، وذلك لتحقيق الهدف النهائي المرجو من التوسع ، وفقاً لإستراتيجياتها ومخططاتها بكونها هي قائدة مشروع الجيوبولتيك في الشرق الأوسط منذ الثورة الإسلامية 1979[66] .
تُعد الطروحات الفكرية التي تناولها الخميني في خطاباته المختلفة ، كلها ترمي في إطار تحقيق هذا المسعى الإستيراتيجي الإيراني الذي يمثل في النهاية اللبنة الأساسية لتشكيل الإمبراطورية الشيعية العالمية [67].
ثالثًا : الأهداف الجيوبولتيكية والإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط
تتعدد الأهداف الإستراتيجية التي تقع على رأس السياسة الخارجية الإيرانية ، وتعدت بالفعل حدود الأمن القومي الإيراني إلى محاولات التوسع الجيوبولتيكي والتمدد على حساب جيرانها ، وفقاً لكونها دولة القلب المركزي الشيعي في المنطقة ، والتي لديها من المقومات الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والأيدولوجية للعب دور إقليمي يتجاوز نفوذ الدول المجاورة ، بل وأيضاً لعب دور عالمي في المنطقة لكونها دولة غير قانعة .
تعد إيران قـوة إقليميـة أساسـية شـرق اوسـطية تحـاول اسـتخدام كـل الوسـائل الممكنـة لتحقيـق مجالهـا الحيـوي الشـرق اوسـطي ومحاولـة الحـد مـن تـأثير القـوى العالميـة والاقليميـة في هــذه المنطقـة المهمـة ونجـد ان سياسـة إيـران انطلقـت في المنطقة مـن كونها قـوة مركزيـة تطـل علـى سـواحلها الشـرقية ، ولذلك سنتطرق للحديث عن أهم الأهداف الإستراتيجية لإيران في منطقة الشرق الأوسط في الأسطر القليلة التالية .
- تحقيق الأمن القومي الإيراني : يعد من مقدمات الأهداف الإستراتيجية لأية دولة هي الحفاظ على أمنها القومي من خلال الحفاظ على المتطلبات الأساسية لمصالحها الحيوية في محيط إقليمها ، وإيران بطبيعة الحالة تسعى إلى الحفاظ على أمنها القومي ، فنظرية الأمن القومي بالنسبة لإيران تندرج تحت بعدين رئيسيين ، هما البعد العقائدي والبعد النضالي ، فأما البعد العقائدي يقوم على تعزيز سلوكيات المنطقة في اتجاه البعد الشيعي ، حيث نشر التشيع في المنطقة ، ومحاولة جذب الأقليات الشيعية والحركات الإسلامية الراسخة في دول الجوار ، فضلاً عن التعريف بإيران بكونها الدولة المحتضنة لعموم المسلمين والمدافعة عنهم في مختلف حقول العالم ، وبالنسبة للبعد النضالي والذي يقوم على تقوية شوكة إيران في مواجهة التحديات و التهديدات الأمنية في المنطقة [68].
- التوسع الإيراني في مجالها الحيوي : في كتابه المعنون ” مقولات في الإستراتيجية الوطنية ” وضع محمد جواد لاريجاني مشروع الإستراتيجية الوطنية والتي سُميت بنظرية ” أم القرى ” وحدد أهم الأهداف الإستراتيجية الإيرانية في ثلاث قوالب ، أولاً الحفاظ على الطابع الإسلامي للنظام الإيراني وموقعها في العالم الإسلامي ، ثانياً الدفاع عن أمن إيران في العالم ، وأخيرًا وهذا ما يثير اهتمامنا هو التوسع إقليمياً ، حيث فسر لاريجاني هذه النقطة تفسيراً جيوبولتيكياً محضاً في قوله ” هذه الإستراتيجية تحتم على إيران ألا تحد حدودها الجغرافية ، إذ لا دولة باستثناء إيران يمكنها قيادة العالم الإسلامي ، وهذه لحظة تاريخية لتحقيق ذلك ” [69]، وبالتالي يمثل التوسع الجيوبولتيكي لإيران في منطقة الشرق الأوسط على حساب جيرانها هدفاً أساسياً في الإستراتيجيات الإيرانية.
- تحقيق مشروع الشرق الأوسط الإسلامي ـ الإيراني : يعد مشروع الشرق الأوسط الإسلامي بقيادة إيران أحدث المشاريع الجيوبولتيكية في الشرق الأوسط ، حيث طرحت الدولة الإسلامية مشروع الشرق الأوسط الإسلامي ـ الإيراني كبديل صريح للمشروع الأمريكي الشرق أوسطي ، ويستهدف هذا المشروع ربط كل المجتمعات الشيعية ، والحركات الإسلامية في المنطقة بدولة القلب المذهبي ( إيران ) [70]، ومن خلال ما تقدم يمكن الإشارة بأنه مشروع هيمنة إيراني باسم المذهب الشيعي ككل ، الهدف منه انتزاع المبادرة التاريخية ، ومهام المبادرة الإسلامية في العالم الإسلامي ، بغية تحقيق الأهداف الجيوبولتيكية الإيرانية في المنطقة ، باعتبارها منطقة مجال حيوي بالغ الأهمية للدولة الإيرانية.
- الحصول على المكانة الإقليمية : وتسعى إيران في لعب دور إقليمي مؤثر في المنطقة ، بكونها قوة إقليمية لها مصالحها وأهدافها الحيوية ، والتي ولابد أن تكون حاضرة من خلال تفاعلاتها المختلفة مع القضايا الأمنية في منطقة الشرق الأوسط ، بفرض نفسها كفاعل أصيل من خلال تدخلاتها الشائكة في قضايا تمس الأمن القومي الداخلي لبعض الدول المجاورة مثل تدخلاتها في البحرين واليمن وسوريا والعراق عقب ثورات الربيع العربي ، وصياغة الترتيبات الأمنية في دول الخليج لخدمة مصالحها الجيوبولتيكية ، وتطويق الأهداف الجيوبولتيكية الإسرائيلية في المنطقة ، وبالتالي يصبح لإيران دور إقليمي يعدى حدودها الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط. [71]
المبحث الثالث : موقف إيران من قضايا الشرق الأوسط .
أولاً: إيران والبرنامج النووي الإيراني .
كشف الملف النووي الإيراني عن واقع الأطماع التاريخية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط ، فالشرق الاوسط هو المجال الحيوي لإيران الدولة الفارسية الكبرى التي تحاول بشكل ما استعادة أمجادها التاريخية ، وأن تكون القوى الإقليمية الأولى في المنطقة.
أدت فكرة المجال الحيوي لإيران وأطماعها الجيوبولتيكية الى جعل النظام الإيراني وقيادته على مختلف صورها على تبني سياسات متطرفة في الشرق الأوسط قائمة على عوامل القوة والنفوذ والتي من أبرز صورها البرنامج النووي الإيراني . وفيما يلي سوف نعرض الملف النووي الإيراني كمحدد جيوبولتيكي لإيران في الشرق الأوسط.
١-التطورات التاريخية للبرنامج النووي .
٢-الدوافع الجيوبولتيكية للقدرات النووية الإيرانية .
3– تداعيات المشروع النووي على أمن المنطقة ( دول الخليج العربي – اسرائيل ).
1- التطورات التاريخية للبرنامج النووي الإيراني
مر البرنامج النووي بمراحل ومحطات تاريخية عديدة منذ بدايته في عهد الشاه ومروراً بتجميد البرنامج بعد الثورة الإسلامية ، ومن ثم العودة من جديد في منتصف الثمانينيات وبداية الأزمة في بداية الألفية الجديدة ، وصولاً للاتفاقية النووية وحتى الآن ، وفيما يلي سنعرض أهم المراحل التاريخية للبرنامج النووي الإيراني .
- مرحلة النشأة والتأسيس إبان حكم الشاه (1957 – 1979 ).
يمكن تتبع مسار البرنامج النووي الإيراني من النصف الثاني من القرن العشرين بالتحديد في عام 1957 ، وتم تنفيذ الاتفاقية في عام 1960 وحصلت إيران من خلاله أول مفاعل للأبحاث في جامعة طهران عام 1967 بقوة 05 ميجاواط ، ويعد هذا المفاعل حجر الزاوية للبرنامج النووي ([72])، وفي يوليو عام 1968 وقعت إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وتم تنفيذ المعاهدة في مارس عام 1970 وأكدت الاتفاقية بدورها على حق إيران في تطوير وإنتاج واستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية وأيضاً امتلاك الأجهزة والمعلومات التكنولوجية والعلمية لهذا الغرض . وسعت أيضاً إيران على توقيع اتفاقية ضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1974 ([73])
- مرحلة السكون وتجميد البرنامج ( 1979 – 1984 )
يبدو أن قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كانت بمثابة ضربة موجعة لكل الطموحات النووية الإيرانية ، فتصريح آية الله الخميني “ستُستخدم كصوامع لتخزين القمح “ – إشارة لمفاعلات بوشهر غير المكتملة – ناقوس الموت للبرنامج النووي ، وتوقفت عمليات التشييد في كل محطات الطاقة النووية ، كما تخلت الحكومة المؤقتة بقيادة مهدي بازرجان عن كل العقود النووية التي كانت مبرمة آنذاك ([74])، ونتج عن الحرب بين إيران والعراق التي دامت لثمان سنوات متتالية على تدمير في البنية التحتية النووية لإيران ([75]).
ج-مرحلة العودة وزيادة النشاط (1984 – 2002 ).
أبدت القيادة الإيرانية منذ منتصف الثمانينات اهتمامها الشديد على إعادة إحياء البرنامج النووي لما نتج عن الحرب بين إيران والعراق ، وأدركت حينها بأهمية امتلاك القدرات النووية وخصوصاً مع تخلي حليفها الأهم وهو الولايات المتحدة في حربها ضد صدام حسين . وفي عام 1984 حصل رئيس الجمهورية آنذاك علي خامئني على تفويض من آية الله الخميني بإعادة إحياء البرنامج النووي الإيراني وتخصيص أموال هذا القرار في الميزانية الوطنية لطهران ، وحاولت طهران جذب شركاء نوويين لمساعدتها في بناء المفاعلات النووية ، وبحلول منتصف التسعينيات أصبح البرنامج النووي الإيراني مرة أخرى أولوية على رأس الإستراتيجية الإيرانية ، حيث تم تخصيص 800 مليون دولار في الميزانية للبرنامج ([76])
د- بداية الأزمة حتى توقيع الاتفاقي النووي الإيراني (2002 – 2015 ) .
اشتعلت ازمة دولية بخصوص البرنامج النووي الإيراني في 2002 بعد أن كشف المجلس الوطني للمعارضة (مجاهدي خلق ) معلومات حول منشاءات التخصيب الإيرانية غير المعلنة في نتانز، ومحطة إنتاج الماء الثقيل في آراك ، مما أثار أزمة دولية حول النوايا الإيرانية لامتلاك القدرات النووية ، وفي نوفمبر عام 2003 علقت إيران برنامجها النووي وأعلنت أنها ستسمح بعمليات تفتيش للوكالة الدولية أكثر صرامة ، وبدورها أعلنت الوكالة الدولية بعدم وجود أدلة على البرنامج النووي. [77]
رفضت القيادة الإيرانية التخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم ، وبالفعل في عام 2006 خرقت إيران قواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبدأت من جديد تخصيب اليورانيوم ، وفي العام 2013 وقع اتفاق مبدأي بين إيران ودول 5+1 في جنيف لتخفيض إيران تخصيب اليورانيوم، وبعد أشهر عديدة من المفاوضات وصلت الأطرافً إلى توقيع صفقة نووية سياسية في 2 من إبريل 2015 وقد عرفت باتفاقية وهو اتفاق إطاري مهد الطريق للاتفاق النهائي في جنيف يوليو 2015 والذي عُرف باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة”[78].
ويبدو أن إدارة ترامب كانت لها وجهة نظر مخالفة تماماً نتج عنها الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الاتفاق النووي من جانب واحد معلناً بعودة فرض العقوبات الأمريكية على إيران وإنهاء أي معاملات معها وذلك في عام 2018. [79]
ثانياً : الدوافع الجيوبولتيكية للقدرات النووية الإيرانية .
تمتلك إيران من المقومات الجغرافية والاقتصادية والبشرية كما ذكرنا من قبل ، ما تجعلها قادرة على تشكيل الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط وفقًا لتطلعاتها الجيوبولتيكية[80]ويمكن تحديد الدوافع الجيوبولتيكية للبرنامج النووي في عدة نقاط :
- تحقيق المشروع الإيراني في الشرق الأوسط وتحديداً في المنطقة العربية والتي ظهر بوادره بعد الثورة الإسلامية في 1979 عبر إطلاق شعار تصدير الثورة ، والتي قامت على تحريك النوازع القومية الفارسية ضد العرب ، وأصبحت تعبر عن مزيج من السلطة الدينية والميراث القومي ، والأهم من ذلك الرغبة في السيادة الإقليمية ، والسعي للحصول على مكانة دولية بالقوة ، ولا سيما مع غياب المشروع العربي وسقوط القوى العربية ذات التأثير الفعال حال سقوط العراق في 2003 ، ومع تخبط الحسابات الأمريكية في المنطقة سُنحت لإيران الفرصة لتصبح قوى إقليمية كبرى في منطقة الشرق الأوسط، ولن تحقق المكانة الإقليمية للدولة الإسلامية سوى في حالة امتلاكها القدرات النووية الرداعة والذي زرعها الشاه بهلوي قبل سقوطه [81].
- ظهور أقطاب جديدة حليفة لإيران تسعى للعب دور أكبر في الساحة الدولية عموماً والشرق الأوسط خصوصاً مثل الدب الروسي والعملاق الصيني وهما حليفان أصيلان لإيران ، وأن إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع باكستان وكلها دول ذات قدرات نووية تستطيع مساعدة إيران في إنشاء القنبلة النووية .[82]
- إيران لا تستطيع لعب دور مؤثر في منطقة يشغلها صراعات متأججة دون امتلاك قدرات عسكرية وأمنية ذات ردع حاسم ، علاوة على ذلك الوجود الإسرائيلي في المنطقة حيث تمتلك اسرائيل لأسلحة نووية ، وهي المنافس الأبرز لإيران في المنطقة فبالتالي لن تستطيع إيران لعب دور حاسم في ظل تلك التهديدات إلا من خلال امتلاكها لقوات ردع موازية.
ثالثًا : تداعيات البرنامج النووي الإيراني على أمن المنطقة ( دول الخليج – اسرائيل ).
- دول الخليج العربي .
تتبلور المخاوف والهواجس الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي حيال البرنامج النووي الإيراني بتلك التي تتعلق بالتوجهات والطموحات الجيوبولتيكية الإيرانية الجارية في الشرق الأوسط ، ولا سيما أن دول الخليج هي دول جوار مباشر لإيران، ولذلك الإصرار الإيراني في امتلاك السلاح النووي يشكل معضلة أمنية كبيرة في المنطقة خاصة في ظل العلاقات المترددة بين إيران والدول العربية.
لذلك تتعدد الأثار والتداعيات المحتملة للبرنامج النووي الإيراني على منطقة الخليج العربي منها :
- زيادة الخلل القائم في موازين القوى في منطقة الخليج العربي : فبالنظر إلى الجغرافيا السياسية فإيران لا يمكن أن تتوسع في الشمال لوجود الدب الروسي ، وأيضاً لا تستطيع التوسع في الشرق لمحاوطاتها بباكستان والهند وهاتان دولتان أساسيتان في النادي النووي ، وبالتالي ليس أمامها سوى الغرب حيث الخليج العربي ودول الشام – المجال الحيوي لإيران – والتي يربط بينهم وبين إيران جذور تاريخية عميقة [83]، وعلاوة على ذلك فالدور الإيراني في المنطقة بات يشكل مفاتيح مهمة للهيمنة الإقليمية وتحقيق الرؤى الجيوبولتيكية الإيرانية، ومع غياب الردع المتبادل من الدول العربية التي تفتقد القدرات النووية الموازية لإيران مما يزيد من حالة غياب توازن القوى الإقليمية في منطقة الخليج ، بل والشرق الأوسط كله [84].
- تهديد الاستقرار الإقليمي في المنطقة : تستطيع طهران في ظل امتلاكها للسلاح النووي في خلق حالة من عدم الاستقرار والتذبذب في المنطقة من خلال دعمها للإرهاب العابر للحدود ، وتفعيل مصادر تهديد استراتيجي تتعلق بالأمن المائي والغذائي والديموغرافي ، وأيضاً التهديدات المتعلقة بدعم الميليشيات المسلحة والتيارات السياسية والمذهبية الشيعية داخل الأنظمة السنية وأيضاً انتشار الإرهاب السيبراني ، ومع وصول السلاح النووي للجماعات الإرهابية بإمكانها قلب الأنظمة القائمة لصالح التمدد الشيعي لإيران والذي يقوم بدعم الأقليات الشيعية في اليمن والسعودية والبحرين والعراق وسوريا[85] وبالتالي تنفيذ الإستراتيجيات الكبرى لإيران من خلال خلق حالة الرعب النووي في المنطقة .
- صعوبة الوصول إلى صيغة أمنية مستقبلية في منطقة الخليج العربي : مع الإصرار الإيراني لامتلاك السلاح النووي سوف يعوق التوصل لصيغة أمنية في المنطقة حيث ستصبح منطقة الخليج العربي، بل والشرق الأوسط بأكمله في حالة تأهب لمن سيمتلك القنبلة النووية أولاً حيث سيسود حالة من سباق التسلح النووي في المنطقة خوفاً من التهديد
- الإيراني لمصالح تلك الدول . [86]وامتلاك إيران للسلاح النووي يمكنه أن يقوض بالتأكيد كل الجهود الدولية الساعية لبناء علاقات حسن جوار بين إيران ودول الخليج العربي والتي ظلت لسنوات في بنائها .[87]
- احتمال نشوب حالة حرب في المنطقة : حيث في ظل تمسك إيران بتطوير برنامجها النووي لاختراق النادي النووي في الوقت القريب فمن المحتمل سعي الدول الكبرى في مقدمتهم الولايات المتحدة بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران والتي بإمكانها إغلاق مضيق هرمز – المنفذ الرئيسي لتصدير النفط من دول الخليج – إلى الولايات المتحدة والدول الأوربية ، وأيضاً ضرب القواعد العسكرية والبحرية الأمريكية في الخليج العربي ، وضرب السفن الأجنبية وبالتالي جر المنطقة إلى حالة حرب إقليمية بين إيران والدول الكبرى وتكون ضحيتها منطقة الخليج والتي تفتقد للمكون البشري في حالة انجرار المنطقة إلى حرب بقيادة إيران والولايات المتحدة.[88]
- زعزعة الاقتصاد القائم في دول الخليج : لا ينجو الاقتصاد بطبيعة الحال من العواقب الجسيمة لامتلاك إيران السلاح النوي ، كما ذكرنا سابقاً في ظل امتلاك طهران للسلاح النووي سيقابله بالتأكيد عقوبات اقتصادية وخيمة من الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة – التي عادت بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران مباشرة بعد الانسحاب الأمريكي من اتفاقية لوزان بقيادة دونالد ترامب في عام 2018 – [89]وعلى الجانب الآخر ستواجه إيران ذلك بغلق مضيق هرمز مما يخلق حالة عجز في تصدير النفط من دول الخليج – والتي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي من تصديره – وبالتالي سيتأثر اقتصاد تلك الدول بصورة كبيرة [90]
- إحداث آثار بيئية وخيمة في المنطقة : بالنظر إلى جغرافية دول الخليج العربي وكونها دول جوار مباشر لإيران وأن المفاعل الأشهر لإيران مفاعل بوشهر يبعد فقط عن دولة الكويت بحوالي 280 كم ، وأي عواقب في تشغيل المفاعلات النووية الإيرانية يمكن أن يخلق أزمة تلوث في المنطقة بأكملها سيحتاج لمعالجتها عشرات السنين .[91]
إسرائيل.
بعثت إفرازات الثورة الإسلامية القلق على شتى الفواعل في إسرائيل حول مدى التهديد التي باتت تمثله نتائج تلك الثورة ، حيث صرح آية الله الخميني أن إسرائيل ما هي إلا غدة سرطانية لابد من التخلص منها بأي شكل [92].
ويبدو مع تطور البرنامج النووي الإيراني ووصوله إلى مرحلة اللاعودة ، ونوايا إيران حول توظيف البرنامج عسكرياً ، أصبح البرنامج النووي الإيراني على رأس اهتمامات القيادة الإسرائيلية ، لما يمثله من تهديد بالغ الخطورة على أمن إسرائيل القومي فيما يمثله من زعزعة ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط ، والتي تعد منطقة نفوذ حيوي لإسرائيل ، وتعددت المخاطر والتداعيات السلبية من البرنامج النووي الإيراني ومن إمكانية إنتاج السلاح النووي على أمن إسرائيل القومي والتي تتمثل في عدة جوانب: [93]
- إلغاء فكرة الاحتكار النووي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
سعت إسرائيل منذ مراحل نشأة الدولة الأولى على أن تكون الدولة الوحيدة النووية في المنطقة لتحقيق الردع النووي وخاصة بسبب أنها مُحاطة بدول جميعها لا تحمل سوى العداء الشديد له ، فامتلاك إيران سلاحاً نووياً يقوض بالتأكيد طموح إسرائيل في احتكار السلاح النووي وبالتالي يعوق من تحقيق إستراتيجياتها الكبرى في المنطقة[94] .
- إلغاء الحدود الآمنة والعمق الإستراتيجي لإسرائيل
يلغي امتلاك إيران للسلاح النووي فكرة العمق الإستيراتيجي والحدود الآمنة التي تقوم عليها إسرائيل فمبدأ الحدود الآمنة لدى إسرائيل تستند على فكرة توسيع المزيد من الآراضي لصالحها ، فكلما أتسعت الحدود الآمنة لدى إسرائيل كلما زاد عمقها الإستيراتيجي وقدرتها على المواجهة ، إلا أن احتمالية امتلاك إيران لهذا النوع من الأسلحة مع تطوير أنظمتها الصاروخية أدى إلى إندثار ذلك المبدأ ، لأن مع امتلاكها لهذا النوع من الأسلحة مع تطوير الأنظمة الصاروخية قادرة على اختراق العمق المكاني للدولة. [95]
ج –دعم الحركات المعادية لإسرائيل.
تعد إيران إحدى الدول الرئيسية الداعمة لحركات وجماعات المقاومة في المنطقة العربية ، فهي الداعم الأول لحركة حماس والتي تحمل راية المقاومة في فلسطين ولحزب الله في لبنان ولكل الحركات الشيعية في سوريا والعراق واليمن [96] ، فكون احتمالية إيران من امتلاك سلاح نووي يزيد من تأزم الموقف في المنطقة ، لأن إسرائيل مازالت غير قادرة على تصفية تلك الجماعات بالأسلحة التقليدية فما هو الحال إذا تم تدعيمها بأسلحة ردع نووية[97] ، فالوجود الإسرائيلي في محل تهديد لكون إيران داعم لتلك الجماعات والتي تفتح جبهات حرب متعددة أمام إسرائيل .
سعت إسرائيل منذ اللحظات الأولى على إثارة الرأي العام الرسمي وغير الرسمي حول خطورة امتلاك إيران لهذا النوع من الأسلحة الرداعة ، ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي بدأ القادة الإسرائيليين في رفع التهديد النووي الإيراني إلى مستوى الخطورة ، وتوصيف إيران بأنها دولة متهورة يمكن استخدام السلاح ضدها أو ضد أي دولة في أي وقت .
وعبر القادة في إسرائيل عن مدى الخطورة التي تواجهها من خلال ثلاثة أصعدة ، الأولى قادها سياسيون وعسكريون في إسرائيل ، حيث تتمثل إيران في رؤى قادة إسرائيل كونها المشكلة الأولى في الشرق الأوسط ومن أبرزهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو والذي رفع شعار ” إيران أولاً ” فهي على رأس اهتماماته فوق أي ملف آخر، [98] الصعيد الثاني يقوم على فكرة أن إسرائيل لا تستطيع بمفردها مواجهة الخطر النووي الإيراني ، فهي بحاجة لمساعدة حليفتها الولايات المتحدة ، بينما الصعيد الثالث يمكن ملاحظته من خلال تصريحات ومواقف الرئيس الأسبق شمعون بيريز حول إمكانية التعاون بين البلدين وخلق حوار واسع للمسألة الإيرانية .
زاوجت الحكومة الإسرائيلية بين الأدوات السياسية والعسكرية لمواجهة الخطر النووي الإيراني ، وتتابع إسرائيل بكثب التطورات الإيرانية على جميع الأًصعدة من خلال أجهزتها المختلفة الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ( أمان ) ، كما أشارت الحكومة الإسرائيلية بأنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي بأي حال من الأحوال .[99]
وجملة القول يمثل البرنامج النووي الإيراني هاجساً أمنياً لدى إسرائيل من حصول الدولة الإسلامية ذات التوجهات المتطرفة والأكثر تشدداً على السلاح النووي ، والتي لم تستطع الولايات المتحدة من كبح نفوذها وتمددها المستمر في المنطقة منذ الغزو الأمريكي على العراق 2003 حتى الآن ، فإسرائيل لن تستطيع هي الآخرى من تحقيق أهدافها الجيوبولتيكية في المنطقة في ظل التهديد النووي الإيراني لذلك ستسعى إسرائيل من كبح الطموح النووي الإيراني بكل سُبلها وحتى إن كلفها الأمر الإقدام بالضربة الاستباقية على إيران كما حدث مع العراق في الثمانينات القرن الماضي .
ثانيا : موقف إيران من ثورات الربيع العربي.
مثلت ثورات الربيع العربي نقلة نوعية في مكانة الجمهورية الإسلامية في المنطقة ، حيث أثرت التحولات الإستراتيجية في المنطقة الناجمة عن الثورات العربية على فرض الدولة الإيرانية كقوة إقليمية قادرة بكل معطياتها على تشكيل التفاعلات في الشرق الأوسط وفقاً لمصالحها وأهدافها الحيوية وتوجهاتها الجيوبولتيكية ، فهذه الموجة من الثورات اندلعت أول الأمر في تونس نهاية 2010 ، ثم بدأت لعبة الدومينو في فرض مسارها ، حيث امتدت الموجة الثورية لتشمل مصرو ليبيا واليمن والعراق وسوريا وأخيراً الانتفاضة في البحرين .
أكد خامئني من خلال المؤتمرات والندوات التي عقدتها إيران عقب نشوب تلك الثورات على أن الصحوة الإسلامية التي كانت الثورة الإيرانية في إيران أبرز تجلياتها ، هي التي تسببت في إحداث الثورات الجارية في العالم العربي والتي تتجه لإنتاج أنظمة حكم إسلامية على شاكلة النظام السائد في طهران. رسخت إيران نوع من التضامن المشترك بين الثورات العربية والثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 ، فهي لم تتشابه من حيث المقدمات وإنما من حيث العدو المشترك.
تتبلور رؤية إيران للثورات أنها لم تكن ضد الأنظمة الحاكمة فحسب ، بل أيضاً ضد القوى الخارجية الداعمة لتلك الأنظمة متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية ( الشيطان الأكبر) وإسرائيل [100]، وفي سبيل ترسيخ النفوذ الإيراني حاولت أن تأخذ الحركات العربية الجديدة لمصلحتها وتبعدها عن الولايات المتحدة وحلفائها [101]، بالتزامن مع التحركات الإنسحابية للولايات المتحدة من الشرق الأوسط ، علاوة على ذلك نتج عن الثورات سقوط قوى إقليمية ذات تأثير في المنطقة حال مصر والتي اندثر دورها بسبب غرقها في أزماتها الداخلية من جهة ، وسوريا التي أضحت بؤرة للصراعات الإقليمية مثل تدخلات إيران وتركيا ، والتدخلات الدولية حال الوجود الروسي والأمريكي من جهة أخرى[102] .
أدت كل تلك المتغيرات الإستراتيجية الناجمة عن الموجة الثورية إلى استخدام إيران أدواتها المختلفة لتشكيل التفاعلات في المنطقة على حسب توجهاتها الجيوبولتيكية ، وعقب الثورات دعمت إيران الجماعات التسليحية في المنطقة حال الحوثيين في اليمن ، وجماعات الشيعة في العراق، وحزب الله في لبنان وسوريا وغيرهم من الجماعات والتنظيمات المسلحة للعبث بالأنظمة القائمة في منطقة الشرق الأوسط .
اتخذت إيران موقفاً موحداً من شكل الثورات العربية المناهضة للأنظمة الحاكمة والتي وصفتها على حد قول زعمائها بالصحوة الإسلامية الواسعة في الشرق الأوسط ، حيث دعمت حركات التغيير في اليمن ومصر وتونس وليبيا وأيضاً العراق ، لكون كل تلك الأنظمة موالية وخاضعة للسياسات الغربية ، ولأن الأمر يتعلق بمدى خدمة تلك الثورات للسياسات التوسعية الإيرانية في المنطقة .
ظهر التناقض في المواقف لإيران تجاه تلك الثورات ، والذى بدا ذلك في الأزمة السورية مارس 2011 ، حيث رفضت كل حركات التغيير التي طالب بها الشعب السوري ، فالثورة السورية من وجهة النظر الإيرانية أو بالأحرى من الرؤية الإيرانية لأهدافها الجيوبولتيكية في المنطقة ما هي إلا صنيعة غربية لنشر الفوضى ، ولخدمة الأفكار الجيوبولتيكية الإسرائيلية في المنطقة [103]، وخلاصة القول استفادت إيران من الثورات العربية في تعزيز نفوذها ومد سطوتها على مناطق نفوذها التقليدية ، بل والتمدد في مناطق جديدة حال اليمن.
خلاصة القول تناولنا في هذا الفصل محددات القوة الإقليمية لإيران من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وأيضًا نووية ، كما تطرقنا إلى الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران وموضحين أهم الأهداف الإستراتيجية والجيوبولتيكية الإيرانية في مجالها الحيوي ، وتعرضنا إلى البرنامج النووي الإيراني وكيف استخدمته إيران في التأثير على أمن المنطقة ، وكيف عززت إيران قوتها الإقليمية بعد اندلاع ثورات الربيع العربي .
الفصل الثالث: الدور الجيوبولتيكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
سنقوم في هذا الفصل بتوضيح محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية والتي تشمل فهم طبيعة الموقع الجغرافي الإسرائيلي وتوضيح النظام السياسي الإسرائيلي، والتعريف بالسلطات الأساسية ، وأيضا فهم طبيعة النظام الاقتصادي الإسرائيلي ، وكذلك التعرف على المستوى التكنولوجي الإسرائيلي ، وتوضيح البرنامج النووي الإسرائيلي من حيث مراحل بناء القوة النووية الإسرائيلية ودوافع إسرائيل لامتلاك سلاح نووي.
وسيتناول أيضا التعريف بأهمية الشرق الأوسط لإسرائيل الذي يعد مجالها الحيوي وأهداف إسرائيل التي تسعى من خلالها السيطرة علي الشرق والوسط وأخيراً سيشمل الفصل ردود فعل الجانب الإسرائيلي من الثورات العربية التي بدأت في تونس عام ٢٠١٠ الى مصر في عام ٢٠١١.وينقسم الفصل إلى :
- المبحث الأول : محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية.
- المبحث الثاني: أهمية الشرق الأوسط في الفكر الجيوبولتيكي الإسرائيلي.
- المبحث الثالث : موقف إسرائيل من ( الملف النووي ، ثورات الربيع العربي ) .
المبحث الأول: محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية
أولاً :الموقع الجغرافي الإسرائيلي:
الموقع : تقع إسرائيل في الشرق الأوسط وبمحاذاة الخط الساحلي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، أما الدول المتاخمة لها فهي لبنان، وسوريا، والأردن، ومصر. وتقع إسرائيل على مفترق طرق بين ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا.
الجغرافيا : تعتبر إسرائيل دولة طويلة وضيقة من حيث المساحة، حيث تمتد على حوالي 470 كيلومترا (290 ميلا) طولا وعلى 135 كيلومترا (85 ميلا) في أكثر المواقع عرضا. ورغم صغرها تشتمل على ظواهر طوبوغرافية مميزة تمثل قارة بأكملها، ففيها الجبال المغطاة بالغابات والأغوار الخضراء الخصبة والصحارى التي تتخللها سلاسل الجبال، وفيها أيضا السهل الساحلي وغور الأردن الذي يتميز بصفات شبه استوائية، وفيها البحر الميت وهو أكثر المواقع انخفاضا على وجه البسيطة. ويعتبر حوالي نصف الأراضي أرضا شبه قاحلة.[104]
تبلغ مساحة إسرائيل (21700كم) مما أعطاها شكلاً غير طبيعي، خلق التناقض بين المساحة الاجمالية وطول الحدود من خلال بعض المشاكل الاستراتيجية وهي الافتقار إلى العمق الإستراتيجي، كما أن 80% من السكان يعيشون على نحو 120كم على طول الشاطئ بين حيفا واسدود وتأثرت نظرية الأمن الإسرائيلي بالموقع الجغرافي، مما دفعها إلى التوسع نحو طبيعية أكثر أمناً، وللخروج من هذا المجال الجغرافي فقد شنت حروب وقائية والاندفاع السريع إلى الاعماق والسيطرة على محاور التحرك في العمق العربي ، إن عنصري المساحة والحدود بالنسبة لإسرائيل يشكلان نقطة وهن استراتيجي، عن أثرها استبدلت الفكر الجيوسياسي بفكر جيو اقتصادي في عملية البحث عن عناصر القوة .[105]
ثانيا النظام السياسي الإسرائيلي:
تعرف إسرائيل نفسها علي أنها دولة ديمقراطية برلمانية متعددة الأحزاب بشكل مماثل للأنظمة الديمقراطية الأوروبية. يتكون النظام السياسي الإسرائيلي من ثلاث سلطات أساسية السلطة التشريعية (الكنيست)، السلطة التنفيذية (الحكومة)، السلطة القضائية (المحاكم)، ويتفرع من هذه السلطات أجهزة بيروقراطية وتنظيمية واسعة جداً.
- مؤسسات الدولة الرسمية:
- الرئيس: يُعتبر نظام الحكم في إسرائيل نظاماً برلمانياً، فإن رئيس الحكومة يُعد رئيس السلطة التنفيذية في إسرائيل، إلاّ إن النظام الإسرائيلي ابتكر مؤسسة رئاسة الدولة التي تمنح صاحب هذا المنصب صلاحيات رمزية أساساً. ومع ذلك فإن رئيس الدولة يؤدي في الحياة السياسية دوراً ذا طابع توافقي تجميعي في المجتمع الإسرائيلي.[106]
- الكنيست: يعتبر برلمان إسرائيل، أعلى سلطة تشريعية وسياسية فيها، يتولى المهام التشريعية، ويعتمد الحكومات ويراقب عملها وينتخب رئيس الدولة، وله بعض الوظائف شبه القضائية، ويتكون من 120 عضوا، ويلعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية الإسرائيلي .يستحوذ الكنيست على مكانة كبيرة في إسرائيل بسبب طبيعة الحكم القائمة على النظام البرلماني الذي يسمح بتوزيع أكثر للسلطة، وحيث تجرى الانتخابات العامة فقط لعضوية الكنيست يتولى الأخير اختيار رئيس الوزراء واعتماد الحكومة.
وللكنيست عدة وظائف اهمها:
- تأليف الحكومة: يؤدي الكنيست الدور المركزي في عملية تأليف الحكومة، من
بدايتها حتى القَسَم (حلف اليمين) أمامه. فبعد انتهاء الانتخابات وفرز القوائم الفائزة، يقوم رئيس الدولة بالتشاور مع جميع الكتل البرلمانية بشأن المرشح الأكثر حظاً في تأليف الحكومة، وعادة، يتم الاتفاق على تكليف رئيس الكتلة الأكبر في البرلمان لتأليفها، والذي عليه أن يكون طبعاً، عضواً في الكنيست.
- تمثيل المواطنين: يمثل الكنيست التوجهات والشرائح والمجموعات المتعددة في
المجتمع الإسرائيلي، وبسبب الطبيعة النسبية لطريقة الانتخاب في إسرائيل، فيمكن القول إن الكنيست يمثل معظم هذه المجموعات.
- الرقابة على عمل الحكومة: ثمة وظيفة أُخرى ملقاة على كاهل الكنيست كسلطة
تشريعية، هي مراقبة عمل السلطة التنفيذية (الحكومة). وتجري مراقبة الحكومة من خلال آليات متنوعة، منها أن الحكومة تحتاج إلى مصادقة الكنيست على ميزانية الدولة السنوية.
- تشريع القوانين: تُعتبر عملية تشريع القوانين من الأسس التي تقوم عليها
السلطة التشريعية. ويرى كثيرون أن التشريع هو جوهر البرلمان، ولهذا يُطلق عليه السلطة التشريعية، وقد أُقر في الكنيست الأول بأنه هو مكان التشريع في الدولة.[107]
- الاستجوابات: تشكل الاستجوابات في الكنيست إحدى الوسائل التي تستعملها
الهيئة التشريعية في إسرائيل لمراقبة السلطة التنفيذية. ويتمحور الاستجواب في قيام عضو الكنيست بتقديم استجواب إلى الوزير المعني الذي يكون ملزماً بالرد على الاستجواب.[108]
- مجلس الوزراء: يعد مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الوزراء، ويضم
أعضاء يؤخذون من الكنيست فقط، هيئة صناعة للسياسات وجهازاً تنفيذياً علي حد سواء. ومن ثم فإن اعضائها يناقشون ويصوغون ويعلنون المواقف التي تنطوي عليها سياسات الحكومة. بالإضافة الي ذلك أن اغلب أعضاء مجلس الوزراء يرأس كل منهم وزارته ويديرها نيابة عن مجلس الوزراء.
هناك ميزة أخري من مزايا مجلس الوزراء الإسرائيلي وهي انه بناء علي القانون الأساسي يتبع المجلس مبدأ المسؤولية الجماعية. يقضي القانون الإسرائيلي بضم مجلس الوزراء ثمانية الي ثمانية عشر عضوا. علاوة علي مجلس الوزراء المعتاد هناك أيضا مجلس وزراء مصغر أو داخلي يضم عادة حوالي عشرة أعضاء مأخوذين من مجلس الوزراء الأكبر حجما ويتكون من أهم الوزارات؛ مثل الدفاع والشؤون الخارجية، إضافة الي الشخصيات السياسية القوية[109].
- المحكمة العليا: تتولى المحكمة العليا الإسرائيلية تفسير قوانين الدولة؛ وبما أنه لا يوجد
دستور فإنها لا تحكم علي القوانين أنها ملزمة دستوريا، بل أنها تحدد ما تعنيه هذه القوانين بالمصطلح القانوني. قد شرعت المحكمة العليا في السنوات الأخيرة فرض وجودها فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية والمدينة الأمر الذي يؤدي إلي المزيد من الحريات للقطاعات المحرومة في المجتمع.[110]
٢.المؤسسات غير الرسمية :
- أ- الأحزاب السياسية
تعرف الأحزاب السياسية بأنها : مجموعة من الاشخاص جمعتهم مصالح أو معتقدات مشتركة أو ينادون بمذهب سياسي واحد نظموا أنفسهم وعبئوا مواردهم لغرض ممارسة السلطة السياسية. تلعب الأحزاب السياسية دوراً حيوياً ومهما في تكوين اتجاهات الرأي العام وبلورة الآراء والأفكار في المجتمع.[111]
- ب- تصنيف الأحزاب في إسرائيل :
- الأحزاب اليهودية العمالية والاشتراكية ( اليسارية): تشمل الحركات الأحزاب
السياسية الصهيونية الاشتراكية، التي تشكل المعراج(التجمع)، الذي ظهر على مسرح الحياة السياسية رسمياً عام 1969، يتكون من اتحاد حزبين رئيسيين من الأحزاب العمالية الصهيونية هما حزب العمل الإسرائيلي، وحزب العمال الموحد(مابام).
- الأحزاب اليهودية اليمنية: يعد حزب الليكود أبرز وأهم الأحزاب اليمنية
القومية في إسرائيل، وقد نشأ هذا الحزب نتيجة عدة تحالفات وإندماجيات حزبية. تأسس سنة 1973 ومن اهم مبادئه حق إسرائيل في كامل أرض إسرائيل التاريخية: فلسطين وشرقي الأردن (وفق التصور اليهودي). السلام مع العرب عبر مفاوضات مباشرة، استمرار عمليات الاستيطان واسعة النطاق في كل أرض إسرائيل المحررة، التأكيد على الاقتصاد الحر والحد من تدخل الدولة.[112]
- الأحزاب الدينية: ينقسم الي جناحين رئيسين:
الأول: نشأ داخل المنظمة الصهيونية، مؤيداً للأفكار الصهيونية، ويتمثل في حركة “المركز الروحي: المزراحي”، التي تأسست عام 1902، في أوروبا، عضو مستقل في المنظمة الصهيونية العالمية، وجناحها العمالي “العامل المزراحي: هبوئيل همزراحى”، الذي ظهر عام 1922. وقد تشكل “الحزب القومي الديني: المفدال”، من اتحاد حركتي المزراحي، والعامل المزراحي.
الثاني: نشأ خارج المنظمة الصهيونية، معارضاً للصهيونية. يمثله حركة “أغودات إسرائيل العالمية”، وحركة “عمال أغودات إسرائيل”.[113]
- الأحزاب العربية: هناك عدد غير قليل من الأحزاب العربية في إسرائيل، ولعل
من أبرزها “القائمة العربية الموحدة” التي تشكلت عام ١٩٦٦ من اندماج الحزب الديمقراطي اليساري والحركة الإسلامية في إسرائيل. كما يوجد كذلك الحزب العربي الديمقراطي الذي تأسس عام ١٩٨٨ علي يد عضو الكنيست العربي عبد الوهاب درواشة. من الأحزاب العربية المهمة في إسرائيل كذلك “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” الذي تأسس عام ١٩١٩ في إسرائيل. وعانى هذا الحزب منذ تأسيسه العديد من الصراعات والانقسامات بين جناحيه اليهودي والعربي. انقسم الحزب في عام ١٩٤٨ الي قسمين:
- ضم الشيوعيين العرب تحت اسم “عصبة التحرر الوطني”
- ضم الشيوعيين اليهود تحت اسم” الحزب الشيوعي الإسرائيلي “[114]
- اهم خصائص النظام الحزبي الإسرائيلي:
تختص الظاهرة الحزبية في إسرائيل بالعديد من المميزات والسمات والخصائص التي تسمها دون غيرها من الظواهر الحزبية في اي بلد آخر، تلك السمات والخصائص التي يمكن استخلاصها وملاحظتها من خلال تحليل الخريطة الحزبية الإسرائيلية وتطوراتها وتغيراتها المختلفة، إذ يمكن اهم تلك الخصائص فيما يلي:
أ. ظاهرة التعددية الحزبية: أن من اهم خصائص المميزة للنظام الحزبي في إسرائيل التعددية وكثرة الأحزاب.
ب. ظاهرة التكتل والانشقاق: تعد ظاهرة التكتل والانشقاق من أهم خصائص النظام الحزبي الإسرائيلي وتتمثل هذه الظاهرة اما باندماج بعض الأحزاب مع بعضها مكونة كتلة أو الانقسام داخل هذه الأحزاب كنتيجة لطريقة الانتخابات. ان هذه الظاهرة تبرز بصورة واضحة عند بدء عملية الانتخاب للكنيست.
ان معظم الأحزاب الإسرائيلية القوية النفوذ قد نشأت في الدول الأوروبية بعد انتشار الدعوة الصهيونية لتجميع اليهود في أرض الميعاد ولازال لحد الان يتولى اليهود المحافظين في الغرب إدارة هذه الأحزاب. كما ان معظم الأحزاب الإسرائيلية تتلقى مساعدات مالية من المنظمات اليهودية في الخارج.
ج. تقوم الأحزاب الإسرائيلية فضلا علي النشاط السياسي بتقديم أنشطة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي وادي القيام بهذه الأنشطة الي تعزيز شأن الحياة الحزبية وأثرها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
د. تتميز الأحزاب الإسرائيلية بالسيطرة علي اعضائها خاصة ممثليها في الكنيست.[115]
أ-جماعات الضغط الإسرائيلية:
جماعات الضغط وتسمي كذلك جماعات المصالح لها تأثير واضح في صنع القرار السياسي في إسرائيل وأهم تلك الجماعات:
- جماعات دينية: تتمتع بدور مؤثر في الحكومة الإسرائيلية وسياستها والرأي العام وتتمثل بمجموعة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كدار الحاخامية ووزارة الشؤون الدينية والأحزاب الدينية والكيبوتر الديني.
- جماعات رأسمالية: بدأ دورها في بداية المشروع الصهيوني إذ كان للمستثمرين اليهود دور بارز في التمويل وبعدها بدأت تظهر علي الساحة طبقة رأسمالية جديدة تزايد نفوذها بعد حرب ١٩٦٧ بعد أن تحالفت مع المؤسسة العسكرية لإنشاء صناعة عسكرية متطورة للسيطرة علي المقومات الاقتصادية في المناطق المحتلة.
- جماعات سياسية: هي ذات أهداف سياسية كحركة أرض إسرائيل وحركة إسرائيل الكبرى اللتان تدعوان الي التوسع الإسرائيلي في لبنان والوصول الي حل سلمي مع العرب.
- جماعات اجتماعية: تدعو الي تحقيق غايات تؤثر في المجتمع الإسرائيلي ( كالكيبوتر والموشاف) وهي مستوطنات جماعية وتعاونية تشرف عليها حركات استيطانية لربط الفرد اليهودي بالأرض واستيعاب المهاجرين وإعداد جيل يؤمن بالصهيونية.
- الجماعات الثقافية والاكاديمية: يملكون مجالا واسعا للنقد والرقابة علي سياسية الحكومة فضلا عن الجماعات الأكاديمية مثل جمعية العلوم السياسية الإسرائيلية وجمعية السياسية الخارجية ومعهد القضايا الدولية.[116]
ثالثا: الاقتصاد الإسرائيلي :
- التعريف بالاقتصاد الإسرائيلي:
يعد الاقتصاد الإسرائيلي من أكبر الاقتصاديات الموجودة في العالم حيث يحتل المرتبة ال ١٦ بين ١٨٧ دولة علي مؤشر التنمية للأمم المتحدة ، والمرتبة السادسة بين اقتصاديات المنطقة ، كما يحتل المرتبة الرابعة إقليميا .[117]كما تمكن اليهود من بناء اقتصاد قوي تفوق كثيراً علي اقتصاديات الدول العربية وذلك لعدة أسباب منها:
- الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل: حيث قامت الولايات بدعم إسرائيل منذ نشأتها كما قامت بتمويل مشروعاتها الصناعية الثقيلة مثل : الأسلحة والطائرات وغيرها .
- التبادل التجاري الإسرائيلي- الإفريقي: حيث تستورد إسرائيل من الدول الأفريقية مواد خام بأسعار رخيصة الثمن كما تقوم بتصدير منتجاتها إليهم مما جعلهم مصدر مهم للمواد الخام وسوق لتصريف منتجاتها .
- تأسيس العديد من الشركات الناشئة : مثل شركه (better place) التي تقوم بتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وتبديلها في محطات الشحن بتقنية عالية جدا.[118]
- سمات الاقتصاد الإسرائيلي:
يتسم الاقتصاد الإسرائيلي بعدة سمات فريدة من نوعها منها: سيطرة الدولة علي الاقتصاد من خلال ثلاث جهات هي (مؤسسات الدولة، وكالة يهودية ، الهستدروت) ، هناك علاقة وثيقة بين الجيش والاقتصاد حيث يوضع الاقتصاد في خدمة الجيش ، كما يستند الاقتصاد الإسرائيلي إلى معونات الدول الرأسمالية الكبرى مثل المعونات الأمريكية ، كما يتسم بارتفاع نسب الاستهلاك العام والخاص استناداً الي المساعدات الخارجية لانخفاض إنتاجية العامل الإسرائيلي[119]
ج-الأسس التي وجهت العملية الاقتصادية في إسرائيل:
يعد الاقتصاد هو الوسيلة لضمان أمن واستقرار المهاجرين وتوفير حاجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وعمل بالإضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها ، عمدت القيادة الإسرائيلية الي تحويل المهاجرين الي العمل المنتج بدلاً من التجارة والصرافة وذلك لخدمة المصلحة القومية ، التأكيد علي الاقتصاد التعاوني بامتلاك الموارد وتوزيعها علي المنظمات التعاونية مثل الموشاف والكيبوتس، وكان امتلاك اليهود للمواد هدفاً في حد ذاته لعدم انتقالها ليد غيرهم ، الوضع الأمني الذي نتج عن قيام دولة بالقوة في اراضي دوله اخري أدى للحاجة الى الموارد لمد الجيش بالوسائل العسكرية[120].
رابعا :التكنولوجيا في اسرائيل:
اعتمدت الحركة الصهيونية منذ نشأتها، القوة المادية وسيلة رئيسية لفرض الكيان الصهيوني وحملهم علي التسليم به وبأطماعه التوسعية في وطنهم. أدركت إسرائيل منذ البداية أن لهذه القوة عناصر متعددة دينامية ومتشابكة، وهي لا تصبح مؤثرة الا بقدر ما تتكامل وتتناسق. ومن اهم هذه العناصر تحقيق التفوق التكنولوجي الذي اولت إسرائيل اهتماما كبيراً به منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، فهو يشكل الان احد اهم مرتكزات الأمن الإسرائيلي.
تركز إسرائيل علي تفوقها العلمي والتكنولوجي علي العرب لتضعه في مقدمة أهدافها القومية وهي تحرص علي المحافظة علي هذا التفوق بكل وسيلة، وتعزف علي وتر الفجوة التكنولوجية بينها وبين العرب لتحقيق عدة أهداف ومن اهمها:
- خلق بلد متفوق علميا وتكنولوجيا في قلب عالم عربي متخلف.
- خلق صورة لها كدولة تملك قوة لا تقهر. وعلي الرغم من أن نتائج حرب ١٩٧٣ ومؤخراُ احداث السابع من أكتوبر قد زعزعت هذه الصورة الخادعة.
- استغلال تفوقها العلمي والتكنولوجي لاستقطاب المزيد من الدعم المادي والمعنوي، ولتشجيع الهجرة إليها وإنشاء روابط مع مؤسسات علمية بارزة في العالم.
- توظيف إنجازاتها العلمية والتكنولوجية في حملاتها الدعائية لفتح أسواق جديدة لها سعياً وراء السيطرة والتغلغل في دول العالم الثالث.[121]
علقت النخبة الحاكمة في إسرائيل، منذ دافيد بن غوريون اهمية كبرى علي بناء صناعة تكنولوجية متطورة ترتكز علي البحث والتطوير؛ فتمت إقامة ركائز البنية التنظيمية في العقود الثلاثة الأولى من تأسيس الدولة، واستمر نموها بصورة مطردة خلال العقدين الاحقين أيضا، الأمر الذي ادي الي تغيرات في أنماط التفكير الحكومي الرسمي في مجال البحث والتطوير، وفي بنية النشاط البحثي في الدولة باسرها ولعل من أهم هذه التغيرات : تعيين عدد من العلماء علي رأس المؤسسات الحكومية المعنية بالمجالات العلمية والتكنولوجية .
انحصرت مهمتهم في تطوير الأبحاث المتعلقة بهذه المجالات ،إنشاء هيئة قومية للبحث والتطوير مهمتها رسم السياسية القومية الشاملة في هذا الشأن وتطوير مجالات بحثية جديدة ، إقامة صناديق مالية لتشجيع البحث والتطوير التكنولوجي ، وتوزيع الإنفاق الحكومي علي البحث والتطوير التكنولوجي من خلال الوزرات المختصة.[122]
استطاعت إسرائيل أن تتوافر علي تشكيلة واسعة من المتطلبات الأساسية لإحراز هذا المستوي العالي من التكنولوجيا ومن اهمها: وجود نخبة حاكمة قادرة علي تحديد أهداف تكنولوجية واقعية ،إعدادها لقوة العمل التقنية الماهرة؛ امتلاكها وتلقيها من الخارج ، عمل اتفاقيات للتعاون العلمي والتكنولوجي علي الصعيد الدولي ، وامتلاكها الموارد الكافية للعمل علي البحث والتطوير في المجال التكنولوجي.[123]
خامسا القوة النووية الإسرائيلية:
يعود انشاء البرنامج النووي الإسرائيلي الي أربعينيات القرن العشرين عندما قرر ديفيد بن غوريون حيازة التقنية النووية ومستلزمات تصنيع القنبلة النووية وأطلق عليها اسم الهيكل الثالث وذلك قبل شهور من إعلان قيام دولة إسرائيل علي أرض فلسطين، حيث كان صريحا في ضرورة الربط بين أمن إسرائيل وضرورة امتلاك القدرة النووية في التفوق البشري العربي.[124]
سعت إسرائيل الوصول الي مصاف الدول النووية والانضمام الي النادي النووي فلأول مره ظهرت نية إسرائيل في الحصول علي سلاح نووي بعد العدوان الثلاثي علي مصر ١٩٥٦، اذا تبين أن هنالك التعاون الفرنسي- الإسرائيلي يتمثل في دعم فرنسا لإسرائيل لبناء مفاعلات نووية وتجهيزها بالمواد الأولية وبذلك فإن القنبلة النووية الإسرائيلية أصبحت جاهزة في شهر أيلول ١٩٦٦.[125]
أثرت قضية التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط علي مجريات الصراع العربي- الإسرائيلي فقد كان اللجوء إليه مبكرا من طرف إسرائيل وقد كان اللجوء إليه مدروسا عندما استنزفت جهودها في الاهتمام بالعلوم التطبيقية والأبحاث العلمية والتكنولوجية في مجال الذرة، وقد استفادت إسرائيل من المساعدات المالية المقدمة من الدول الغربية خاصة دعم الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الأخرى. تمتلك إسرائيل ثلاث مفاعلات نووية أساسية، وكان اول مفاعل تم تأسيسه هو مفاعل ديمونا ثم ريشيون لبزيون وبعده ناحال سوريك[126].
المبحث الثاني: اهمية الشرق الأوسط في الفكر الجيوبولتيكي الإسرائيلي
أولا: اهداف إسرائيل في الشرق الأوسط:
١.الهدف الجيوبولتيكي الأعلى لإسرائيل
إقامة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية، كقوة إقليمية عظمى مهيمنة، في منطقة الشرق الأوسط، ولتحقيق ذلك في المرحلة القادمة وفي ضوء ما يسمي بعملية السلام التي قبلها العرب فإن على إسرائيل أن تسعى من خلال معاهدات السلام وترسيم الحدود إلى ضم ما تستطيع من المناطق التي احتلتها في عام 1967، والتي تحقق متطلبات أمنها من وجهة النظر الجيواستراتيجية، ويكفل لها الحصول على مصادر مياه إضافية، وفرض شرعيتها على تلك الأراضي، مع إخلائها من السكان العرب حفاظاً على الهوية اليهودية، على أن تعمل الاستراتيجية العسكرية على تحقيق ذلك من خلال الردع الوقائي والانتقامي الجسيم، وتأمين عمليات الضم والاستيطان وتهويد الأراضي، والتحكم في المنطقة سياسياً واقتصادياً وثقافياً مع الاعتماد على الذات عسكرياً واقتصادياً.[127]
٢. الهدف السياسي :
ضمان بقاء الدولة العبرية في الشرق الأوسط داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، وفي ظل تفوق حضاري، وعلاقات عميقة مع جيرانها العرب ودول الجوار الجغرافي الأخرى، وبما يؤمن سيادة إسرائيل على المنطقة سياسياً واقتصادياً، ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة مجاورة لإسرائيل، ويضع الكيان الفلسطيني في مناطق الحكم الذاتي تحت الهيمنة الإسرائيلية المباشرة عسكرياً، وغير المباشرة سياسياً واقتصادياً. هذا مع التكيف والتأثيرات التي تفرضها عملية السلام، وتهويد المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل من خلال تكثيف الاستيطان وتقليص التواجد العربي فيها إلى أدنى حد، والسعي إلى مد السيطرة الإسرائيلية بأساليب مباشرة وغير مباشرة إلى منابع أنهار الأردن وجنوب لبنان وجبل الشيخ.[128]
٣.الهدف الاجتماعي: استمرار البقاء القومي بدرجة عالية من الصلابة ونقاء الجنس اليهودي، وذلك بزيادة حجم القوة البشرية وتحسين نوعيتها من خلال استكمال هجرة يهود العالم لإسرائيل وتشجيع زيادة النسل اليهودي، وتقليص التواجد العربي في أرض إسرائيل.[129]
٤.الهدف العسكري:
احتفاظ إسرائيل بتفوق عسكري كمي ونوعي في المجالين التقليدي وفوق التقليدي على جميع الدول العربية، وبما يمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، وتفعيل سياسة الردع ببعديها النفسي والمادي وفرض إرادتها على المنطقة، ومع الاستعداد للجوء للعمل العسكري المباشر قبل حدوث خلل في الميزان العسكري لغير صالح إسرائيل، أو خرق الترتيبات الأمنية المتفق عليها، أو عند ظهور بوادر لشن عمليات عسكرية شاملة أو محدودة أو استنزافية من جانب أعداء إسرائيل، أو وجود دلائل تهدد بكسر الاحتكار النووي الإسرائيلي في دائرة مجالها الحيوي، مع السعي لزيادة قدرة إسرائيل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في التسلح.
وامتلاك قدرات ردع تقليدية وفوق تقليدية متنوعة، وذات مصداقية وعلى درجة عالية من التأهب، قادرة على تدمير أية قوات مسلحة أو إرهابية مناوئة لإسرائيل، وذلك بالاستعداد لتوجيه ضربات وقائية واستباقية عند اللزوم داخل أرض الدول المعادية، وبما يقضي على التهديد قبل انتقاله إلى داخل إسرائيل. مع الاستعداد أيضاً لاستغلال نجاح العمليات القتالية لأقصي حد وطبقاً لظروف المواقف التي تنشب في حينه، وبما يخلق أوضاعاً إقليمية جديدة تؤمن حصول إسرائيل على المزيد من الأراضي والموارد الطبيعية، وتنقل حدود إسرائيل إلى خطوط جديدة يمكن الدفاع عنها والتمسك بها.[130]
٥.الهدف الاقتصادي:
استقرار وتنمية الاقتصاد الإسرائيلي باستثمار الإمكانات الذاتية والمساعدات الخارجية على الوجه الأمثل، مع بسط السيطرة على اقتصاديات دول المنطقة بأساليب مباشرة وغير مباشرة، وفتح أسواق جديدة لإسرائيل في جميع دول العالم. وذلك من خلال إقامة علاقات اقتصادية مع الدول الافريقية ، وزيادة اعتماد الدول الافريقية اقتصادياً علي إسرائيل من خلال ما تقدمه من مساعدات فنية وتكنولوجية للدول الافريقية، وبالتالي الحصول علي المواد الأولية من الدول الافريقية بأسعار رخيصة ، وذلك كله من أجل مقاومة المقاطعة العربية التي فرضتها عليها الدول العربية منذ قيامها.[131]
يتضح من ذلك أن هناك العديد من الأهداف القومية الإسرائيلية لكن هذه الأهداف غير ثابتة، ولكن يتم تغير ترتيبها في أجندة السياسة الإسرائيلية وفقاً للتطورات التي تفرضها الاوضاع الجديدة في المنطقة، لكن يتضح أن إسرائيل تعطي أهمية كبيرة لقضية الأمن بسبب الوضع السياسي لإسرائيل وحاجة إسرائيل الدائمة لتعبئة الموارد والتجنيد التام من أجل مواجهة الطوارئ والحروب التي من المحتمل أن تواجهها إسرائيل، وهناك شبه اتفاق بين الباحثين على ذلك بأن موضوع الأمن يتفوق على سائر الأهداف الأخرى للسياسة الخارجية الإسرائيلية.
ثانيًا :اهمية الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل:
تتمحور الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل في تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير حيث يعد هذا المشروع فكرة صهيونية المنشأ ، إسرائيلية التخطيط والتنظيم ، تبنتها الولايات المتحدة وسوقتها للدول الأوروبية وأجبرت الدول العربية علي الموافقة عليها وفيما يلي سنتناول أهم النقاط الخاصة بالمشروع:
- التعريف بالمشروع :
ظهر مصطلح الشرق الأوسط الكبير لأول مره على يد المؤرخ البريطاني برنارد لويس في كتابه” مستقبل الشرق الأوسط” حيث أكد فيه على ضرورة تفكيك وتقسيم المنطقة وذلك بتشجيع التفكك الإثنني والطائفي وتسريب فكرة حق تقرير المصير الى الأقليات الإثنيه لإخضاع المنطقة الى السيطرة والاستعمار مرة أخرى.[132] (ولد برنارد لويس في إنجلترا لعائله يهودية من الطبقة الوسطى واتخذ الشرق الأوسط والدين الاسلامي كهدف بحثي رئيسي لمنهجه على أمل ان يصل لأفكار استاذة الفرنسي لويس ماينيسون في تاريخ الشرق الاوسط وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية ترك مسار التعليم الجامعي والتحق كضابط في الاستخبارات العسكرية البريطانية ثم عاد الى منصبة كأستاذ جامعي في جامعه لندن بعد الحرب ، كما كان صاحب فكره تقسيم الأقطار العربية والإسلامية الى وحدات طائفيه وعشائرية ([133]
وصرح برجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي عام ١٩٨٠م أنه من الضرورة تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب الخليج الأولى لتتمكن أمريكا من تصحيح حدود سايكس بيكو ثم كلف برنارد بوضع مشروعة لتفكيك الدول العربية كلا علي حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي وفي عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي علي المشروع بالإجماع في جلسة سريه وتم إدراجه في ملفات السياسة الخارجية الأمريكية الاستراتيجية.[134]
- الأهداف المعلنة للمشروع:
يقف المشروع على ثلاثة أهداف رئيسية معلنه للنهوض بدول الشرق الأوسـط على اعتبار ان هذه الأهداف أساس بناء ونهوض أي مجتمع والوصول به من حالة المجتمع المتخلف إلى حالة المجتمع المتقدم وتتبلور هذه الاهداف في : تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، بناء مجتمع معرفي، توسيع الفرص الاقتصادية. [135]
- الاهداف غير المعلنة للمشروع:
تقف وراء هذه الأهداف المعلنة للولايات المتحدة اهدافاً استراتيجية أخرى غير معلنه للمشروع وهي أهداف : (سياسية – اقتصادية – عسكرية – اجتماعية ثقافية).
فتكمن الأهداف السياسية في تغيير المعالم والحدود السياسية المرسومة بين الدول وتغيير انظمتها السياسية ، وتصدير التجربة الديمقراطية الغربية والمطالبة بتعديلات علي دساتير المنطقة ، فالمشروع ليس مجرد تقدم إسرائيل في نصوص العرب، ولكن كان تمهيداً لظهورها كواقع وجزء أساسي من الشرق المتوسط لذلك إسرائيل هي حتماً جزءاً أساسياً من هذه المبادرة وصارت حاضره في نصوص العرب كدولة معترف بها كباقي دول العالم حتي أصبحت إسرائيل واقعاً مادياً مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد . [136]
كما تكمن الاهداف الاقتصادية في العولمة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، ومن ثم الهيمنة الأمريكية علي موارد ومقدرات دول المنطقة وضمان استمرارية تدفق الموارد الأولية للغرب ، حيث تحتوي المنطقة علي ٦٥ % – ٧٠% من نفط وغاز طبيعي ومن يهيمن عليها يهيمن علي مقدرات العالم . وتتمحور الاهداف العسكرية في تأمين الوجود الإسرائيلي في المنطقة ، وانشاء قواعد عسكرية في أفغانستان والعراق والخليج لضمان الهيمنة الأمريكية علي العالم .
كما تتمثل الاهداف الاجتماعية الثقافية في طمس الهوية العربية وذلك يقابله تقدم إسرائيل للانخراط في الشرق المتوسط وتراجع المصطلحات القومية مثل الأمة العربية والوطن العربي [137]، وإعادة تشكيل الهوية الشاملة للمنطقة وفقا لمعايير دينيه وطائفيه وقوميه [138]،نشر الثقافة الأمريكية والإسرائيلية بغرض تخريب القيم الثقافة العربية والإسلامية ، تعزيز التناقضات الموجودة بين فرق الإسلام المتعددة وحشد طرف ضد طرف.
- الأدوات الاستراتيجية لتنفيذ المشروع:
استخدمت الولايات المتحدة العديد من الأدوات التي تمكنها من تنفيذ المشروع ومنها الأداة السياسية التي تتمثل في تغيير الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة ، وتقسيم المنطقة إلي مقاطعات طائفية وعرقية ودينية ، وأخيرًا العمل على كسب عمالة الشعوب بدلاً من عمالة الحكام ، كما تتمثل الأداة العسكرية في تغيير الانظمة القائمة بالقوة كما فعلت في العراق وليبيا وافغانستان. إقامة تحالفات دولية موالية للغرب ، وبناء القواعد العسكرية.
وتقوم الأداة الإعلامية على تجميل صورة أمريكا في الشرق الأوسط وإظهارها بأنها قادمة لمحاربة الديكتاتوريات القائمة ، وإقامة قنوات فضائية تابعة للولايات المتحدة الامريكية، ونشر أجهزة الاتصالات والانترنت لعولمة الإعلام .كما تقوم الأداة الفكرية على : تشويه صورة الإسلام حيث اصبح مرادفاً لكلمة الإرهاب ، والعمل علي إيصال الحركات الإسلامية المتحررة للحكم وإفشالها لنشر فكرة ان الإسلام لا يصلح للحكم ، وأخيراً الحرب الفكرية وصدام الحضارات. [139]
- المعوقات التي واجهت تنفيذ المشروع:
واجه مشروع الشرق الأوسط الكبير العديد من المعوقات منها :
1-الحركات الإسلامية وكان من أبرزها :
-حركة حماس : حيث كانت حماس تقف ضد الاطروحات الأمريكية الرامية الي الاعتراف بإسرائيل ككيان قائم وكانت تري انها ما هي إلا دولة غاصبة تستولي علي أراضي آخرون وعندما وقعت انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠م ووصلت حماس الي السلطة أعلنت الولايات رفضها وصول حماس للسلطة وعدم تعاملها مع أي حكومة فلسطينية تشكلها حماس ما لم تعترف بإسرائيل وأصرت حماس على رفضها وبالتالي رفضها للمشروع مما جعل الولایات المتحدة تسعى إلي إخضاع حماس وتحويلها عن موقفها أو العمل علي إنهاء وجودها. [140]
2- الأحزاب الإسلامية ومنها :-
-حزب الله : كان حزب الله معارضاً لتأييد الولايات المتحدة لإسرائيل خاصة في اعتداءاتها المتكررة علي لبنان مما جعل حزب الله معادياً للولايات المتحدة ورافضاً لكافة مشروعاتها ومبادراتها ومن ثم عارضوا قيام المشروع ووصفوه بأنه “العنوان الدبلوماسي للسيطرة الاستعمارية علي لبنان والمنطقة بأكملها ” [141]
ج. الشعوب الإسلامية: حيث عارضت نشر أمريكا لأفكارها ومحاربتها للمبادئ الإسلامية. كما عارضت روسيا هذا التغلغل الأمريكي في الشرق الأوسط لرغبتها في استعادة مكانتها الطبيعية. [142]
المبحث الثالث: موقف إسرائيل من قضايا الشرق الأوسط (الملف النووي، الثورات العربية )
تعد منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي شهدت وتشهد توتراً شديداً بسبب الخطر النووي الإسرائيلي المحدق بها، كما لا يخفي ما يشكله الصراع العربي- الإسرائيلي من عامل قلق مزمن وما بعمق الهوة بين الطرفين هي القدرة النووية الإسرائيلية التي تحرص إسرائيل علي تطويرها من أجل ردع اي دولة تحاول مس أمنها ومن ثم فإن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية مرتبط بشكل وثيق بنظرية الأمن الإسرائيلية التي تمثل الدعامة الرئيسية لسياسة إسرائيل.
١.مراحل بناء القوة النووية الإسرائيلية:
المرحلة الأولي( ١٩٤٨-١٩٦٣): عملت إسرائيل خلالها علي توفير ما يسمي “دورة الوقود النووي” والسعي لتملك جميع العناصر اللازمة في هذا المجال، التي تضمن توجيه الدولة الي هذا المجال وتوفير الكوادر العلمية اللازمة وتوقيع الاتفاقيات، وخاصة مع الدول الأكثر خبرة في هذا المجال، والأكثر تعاونا في الوقت نفسه وعلي رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
المرحلة الثانية( ١٩٦٣- ١٩٦٦): انطلقت إسرائيل نحو إنتاج السلاح النووي، وفي إطار تعاون وثيق مع الدول الصديقة، وعلي رأسها جنوب أفريقيا، من خلال تبادل مادي ومعرفي في هذا المجال.
المرحلة الثالثة( ١٩٦٦-١٩٨٦): مرحلة اتخاذ القرار السياسي للإنتاج الخاص بالأسلحة النووية
المرحلة الرابعة( ١٩٨٦-…..): مرحلة ما بعد فانونو، الخبير النووي الإسرائيلي، وتصريحاته التي لفتت الانظار الي منعطفات جديدة في القوى النووية الإسرائيلية، من خلال تمكين تكنولوجيا التصغير، ووصولاً الي احتمالات الاشتراك في المشاركة في تجارب التفجيرات الهندية.[143]
٢.دوافع إسرائيل لامتلاك سلاح نووي:
أ. دوافع سياسية: تنطلق من ارتباط استمرار دولة إسرائيل بامتلاكها لمثل هكذا أسلحة وبالوقت نفسه يعبر عن نزعة في احراز التفوق والريادة في منطقة الشرق الأوسط وفرض سياستها علي الدول العربية وتعزيز مكانة إسرائيل إقليمياً ودولياً.
ب. دوافع سلوكية: ترتبط هذه الدوافع بالشعور الإسرائيلي بالخوف والتحسب للمستقبل سيما وأن الشعور بأن إسرائيل تعيش في جزيرة صغيرة محاطة بالأعداء مازال قائماً ومن هذا فإن بقائها مرهون بامتلاكها جميع انواع الأسلحة ذات القدرات التدميرية العالية وابرزها الأسلحة النووية.
ج. دوافع أمنية: ان مفهوم الأمن الإسرائيلي مقرون بشكل اساس بالاستراتيجية العسكرية التي تعتمد القوة في تثبيت كيانها الاستيطاني. وهذا يعني استخدام القوة واللجوء إليها في حالة تهديد أمن وسلامة إسرائيل.
د. دوافع عسكرية: تحرك هذه الدوافع الرغبة في التفوق والحماية المطلقين أمام محدودية المعطيات الديموغرافية والجغرافية وهو ما دفع إسرائيل لتمسكها بامتلاك الأسلحة النووية كعنصر للردع في ظل الطبيعة المتغيرة لحروب المستقبل وتداعياتها الخطيرة.
ه. دوافع استراتيجية: حيث بعد غياب العمق الاستراتيجي لدولة إسرائيل من التحديات الرئيسية للنظرية الأمنية الإسرائيلية إذ لم يعد العمق الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل باحتلال اراضي عربية محاولة كافية لمنع وصول التهديدات الي مواقعها الحيوية بعد وصول الصواريخ العراقية ال٣٩ الي قلب إسرائيل ودكها، وكذلك صواريخ حزب الله التي طالت مدن ومنشآت إسرائيلية، لذا فأمام هذه المعطيات تتمسك إسرائيل باحتكارها للأسلحة النووية.[144]
٣.الهيئات والمعاهد القائمة علي النشاط النووي الإسرائيلي:
أ. مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية: أنشأت عام ١٩٤٨،توجه المؤسسة اهتمامها الي اتناج الماء الثقيل.
ب. معهد وايزمان: أنشأ المعهد قسما للفيزياء النووية عام ١٩٥٥، إنتاج الماء الثقيل والخفيف.
ج. مجلس البحوث الوطني: يختص بتنسيق البحوث التي تجري في المعاهد العليا الإسرائيلية . د. مديرية العلوم في وزارة الدفاع: تشرف علي جميع الانشطة العلمية لجيش الدفاع الإسرائيلي.
ه. الجامعة العبرية: تعد من المراكز الدولية المختصة بدراسة الإشعاع النووي وتطبيقاته.[145]
٤.المفاعلات النووية في إسرائيل:
أ. مفاعل ريشون: هو أول مفاعل في إسرائيل يقع شمال مستوطنة ريشون. دشن المفاعل رسمياً في فبراير ١٩٥٧، ووضع تصميمه عدد من الخبراء الأمريكيين، وعاونت شركات أمريكية في بنائه. تبلغ قدرته ثمانية ميغاوات حراري، ويستخدم اليورانيوم الطبيعي كوقود، ويستخدم المفاعل في أغراض البحث العلمي وإنتاج النظائر المشعة وتدريب الباحثين.
ب. مفاعل ناحال سوريك: بني في أيلول ١٩٥٧، غرب مستوطنة رحوفوت، بمعاونة أمريكيين ومعدات تم شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية. طاقته خمسة ميغاوات، ويستخدم اليورانيوم المقوي كوقود، ويستعمل الماء العادي والمضغوط للتبريد. الهدف منه إنتاج النظائر المشعة والصلبة وإعداد المهندسين الذريين. ويعد هذا المفاعل خاضع للرقابة الدولية.
ج. مفاعل ديمونا: اتخذ قرار بنائه مركز البحوث العلمية ومؤسسة الطاقة الذرية في أيلول
١٩٥٨ بني في صحراء النقب، ووضعت تصميمه لجنة الطاقة الذرية الفرنسية. طاقته
٢٤ ميغاوات ويستخدم اليورانيوم الطبيعي كوقود. يستطيع المفاعل إنتاج البلوتونيوم بمقدار يكفي لإنتاج قنبلة نووية سنويا.
د. مفاعل النبي روبين: بدأ العمل في هذا المفاعل عام ١٩٦٦. وهو يقع في منطقة النبي روبين. وتشير التصاميم، التي وضعت بمعاونة شركات أمريكية، الي أن المفاعل طاقته ٢٠٠ مليون وات حراري، ويستخدم اليورانيوم الطبيعي كوقود، والهواء المضغوط كمبرد. الهدف من المفاعل إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر.[146]
مما لا شك فيه أن حيازة الأسلحة النووية تؤدي دوراً مهما في بناء استراتيجية الأمن والاستراتيجية العسكرية لإسرائيل وهذا حتماً ما يؤثر علي أمن وسلامة منطقة الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية بسبب احتكار إسرائيل لهذا السلاح وامسكها به لارتباطه بنظرية الأمن الإسرائيلي وضمان كيان إسرائيل ولتحقيق التفوق العسكري والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ومواجهة المخاطر الداخلية والخارجية.[147]
ثانيا : موقف إسرائيل من ثورات الربيع العربي:
شهدت المنطقة العربية ثورات شعبية، بداية من تونس في أواخر ديسمبر من عام٢٠١٠، وفي مصر يناير٢٠١١، وما تلا ذلك من انتفاضات من مشرق الوطن العربي في اليمن إلى مغربه في ليبيا انتشرت كسريان النار في الهشيم، كانت هناك دعوات في خضم تلك الثورات نادت بالوحدة العربية وإعادة إحياء البعد القومي، وفي هذا الوقت وخلال هذه الثورات كانت إسرائيل أحد أهم اللاعبين المتأثرين بتلك الثورات، ولهذا عملت الدوائر الأمنية والسياسية والأكاديمية الإسرائيلية على متابعة هذه التطورات ودراسة النتائج المحتملة لها على علاقة إسرائيل مع الدول العربية مع وضع الاستراتيجيات المستقبلية للتعامل مع الواقع الجديد الذي ستعكسه تلك الثورات[148].
يمكننا القول أن إسرائيل كانت أكثر طرف في المنطقة يخشى التحولات في بعض الدول العربية، حيث إنها وجدت نفسها فجأة في مواجهة وضع غير متوقع ولم في يكن في حسبانها وحتى لم ترصده استخباراتها ولا مراكزها البحثية فيها، حيث مثلت الانعكاسات التي خلفتها الثورات العربية قيام إسرائيل بمحاولات ترتيب أوضاعها وتعزيز مكانتها وتحسين صورتها أمام العالم الخارجي وذلك على الجانبين القريب والمباشر، خصوصاً في الجوانب الآتية:
- قيامها بالترويج لاعتبارها الحليف الموثوق والاكثر استقراراً للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب في المنطقة في استعادة لمقولة إسرائيلية قديمة ” أن ليس في الشرق للغرب أفضل من الغرب نفسه”.
- قيامها باستغلال المناخات التي خلفتها الثورات العربية وذلك لاستدرار تعاطف الغرب معها لتعزيز دعمها وحمايتها، باعتبار إسرائيل بمثابة دولة معرضة للتهديد من الجوار.
- تصويرها لما يجري باعتباره تأكيد لمصداقية ادعاءاتها بأن مشكلات بلدان الشرق الأوسط لا تنبع من وجودها بقدر ما ينبع من مشكلات داخلية تعاني منها هذه الدول[149].
تم عقد مؤتمر داخليا وعلى صعيد الأمن القومي الإسرائيلي من خلال معهد أبحاث الأمن القومي في٢٦-٢-٢٠١٢ بعنوان “عام كامل على الاضطرابات في الشرق الأوسط”، قام رئيس المعهد بإلقاء كلمة افتتاحية أوجز من خلالها وجهة نظر المؤسسة الإسرائيلية إزاء تلك الثورات، حيث قال” إن ما يحدث هو يقظة عربية لا تقتصر على الربيع، بل ستشهد فصول عديدة ومتغيرات مختلفة، وإن الخاسر الأكبر من تلك الثورات هو عشرات الآلاف الذين قُتلوا في أثناء الاحتجاجات في الدول العربية التي شهدت الثورات نتيجة عدم التنسيق الكافي بينهم، علاوة على تفاقم الأزمة الاقتصادية، أما الرابحون من تلك الثورات فهم الإسلام السياسي الذي استطاع بفضل قدرته التنظيمية والاقتصادية أن يتبوأ الحكم في مصر وتونس وقريبا ًفي ليبيا و قد يكون في سوريا”[150].
يعود تخوف إسرائيل من تلك الثورات العربية بشكل رئيسي إلى إدراك النخب الإسرائيلية، أن التغيير الحاصل من جراء تلك الثورات في القرار الرسمي العربي، سيكون له تأثير سلبي في علاقات هذه الأنظمة مع إسرائيل، حيث شكلت هذه الثورات في نظر إسرائيل وزناً له تأثير في حسابات الأنظمة، كانت إسرائيل تتحسس من الآثار المحتملة من تسريع العلاقات العربية-الاسرائيلية(“أي أن وتيرة التطبيع معها قد تتراجع”)، ومن هذا المنطلق بدأت الدوائر الإسرائيلية الأمنية بترتيب أولوياتها مع الوضع الجديد، وذلك لأي احتمالات قد تؤثر على إسرائيل وأمنها[151].
تبنى الخبراء الإسرائيليون موقفاً متشككاً من الطابع الديمقراطي لتلك الثورات، وفي النهاية يمكن القول أن الربيع العربي يمثل حدثاً بالمعنى الذي حدده باديو، “فهو لا يُوجد واقعاً جديداً وإنما مجموعة احتمالات”، كما يمكن القول أن الثورات التي اندلعت على ارتفاع اسعار المواد الأساسية وإيجارات المساكن في إسرائيل في ذلك الوقت، كانت صدى للربيع العربي[152].
قمنا في بداية هذا الفصل بتسليط الضوء علي محددات القوة الإقليمية الإسرائيلية ومدي انعكاس هذه المحددات في إبراز قوة إسرائيل في الشرق الأوسط، وتتمثل اهم هذه المحددات في الموقع الجغرافي الإسرائيلي الذي يعد خطوة إسرائيل الأولي في مجالها الحيوي من النيل الى الفرات.
ووضحنا النظام السياسي الإسرائيلي والأسس التي يقوم عليها في إطار المؤسسات الرسمية وتأثير المؤسسات غير رسمية كالأحزاب السياسية وجماعات الضغط علي صانع القرار ودورها في الحياة السياسية، والتعريف بطبيعة النظام الاقتصادي الإسرائيلي. والتعرض الي التعريف بالتكنولوجيا الإسرائيلية ، كما وضحنا البرنامج النووي الإسرائيلي من حيث مراحل بناء القوة النووية الإسرائيلية ودوافع إسرائيل لامتلاك سلاح نووي. وقمنا بتوضيح أهمية الشرق الأوسط لإسرائيل وأهداف إسرائيل في الشرق الأوسط التي تسعي الي تحقيقها كي تكون قوة مهيمنة ومسيطرة علي الشرق الأوسط، واخيراً قمنا بالحديث عن موقف إسرائيل من الثورات العربية التي بدأت في تونس عام ٢٠١٠ الي مصر عام ٢٠١١.
الخاتمة :-
سعى هذا البحث إلى توضيح كيف شكل علم الجيوبولتيك محور تركيز صناع القرار وسعيهم لتنفيذ نهج هذا العلم وتطبيقه على أرض الواقع بما يناسب طموحاتهم، كما ركز هذا البحث على توضيح أهمية علم الجيوبولتيك و مفهومه و توضيح الفرق بينه وبين الجغرافيا السياسية وماهي أهم المدارس التي تناولت هذا العلم، كما ركز البحث أيضاً على توضيح أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لإيران وإسرائيل وماهي الأهداف التي تسعى الدولتان إلى تحقيقها في تلك المنطقة، وما هو المجال الحيوي لإيران و إسرائيل وكيف يسعى البلدان لتحقيقه بما يملكان من مقومات سواء سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو حتى نووية، وما موقف كل منهما اتجاه ثورات الربيع العربي الذي شكل تهديد لأمن إسرائيل القومي وعلى الجانب الآخر شكل حدثاً هاماً لإيران وفرصة لتصدير ثورتها ومذهبها، وانطلاقاً مما سبق توصلنا إلى بعض النتائج:
- بدراسة الجيوبولتيك يتضح لنا أنه علم السلطة فهو يمثل لدى القادة وصناع القرار أهمية قصوى لما يحتوي على مبادئ موضوعية قابلة للتطبيق تؤدي إلى الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها تحسباً لأي محاولات توسعية من دول أخرى.
- يتضح لنا أن اهتمام إيران وإسرائيل بالجيوبولتيك يعكس مدى الطموح لدى كل منهما للعب دور مؤثر في الشرق الأوسط وحفاظاً على قواتها في تلك المنطقة وعدم تراجعها.
- في ظل سعي إيران وإسرائيل لتحقيق مجالهم الحيوي في المنطقة يقومان بالعمل على استخدام جميع الادوات الناعمة والعسكرية في سبيل تحقيق هذا المجال في ظل تنافس يصل إلى حد الصراع بينهما.
- تشكل منطقة الشرق الأوسط تشكل دوما حيزاً استراتيجياً. حيث تحتل المنطقة مكانة استراتيجية في النظام العالمي.
- يعد البعد الجيوبولتيكي لقيام مشروع الشرق الأوسط الجديد(الكبير)هو الحيلولة دون قيام نظام إقليمي عربي تحقيقاً للأهداف الأمريكية في المنطقة.
- تأتي الأهمية الجيوبولتيكية للشرق الأوسط بالنسبة لإيران في أن تلك المنطقة هي المجال الحيوي الأول وفقاً للجيوبولتيك الشيعي الإيراني.
- السعي الحثيث لإيران لامتلاك القدرات النووية لكي تكون القوة الإقليمية الأولى في الشرق الأوسط ولفرض هيمنتها في المنطقة ، ولكسر مبدأ الاحتكار الإسرائيلي للنووي في المنطقة ، وذلك حتى يتسنى لها تحقيق أهدافها الجيوبولتيكية .
- استطاعت إيران من خلال ثورات الربيع العربي إلى أن تفرض نفسها كلاعب دولي أصيل يتحكم في أهم قضايا المنطقة وذلك وفقًا لتوجهاتها الجيوبولتيكية ، كما تمكنت من تعزيز
نفوذها ومد سطوتها على مناطق نفوذها التقليدية مثل العراق .
- يعد الموقع الجغرافي خطوة إسرائيل الأولي في مجالها الحيوي من النيل الى الفرات
- الهدف الجيوبولتيكي الأعلى لإسرائيل إقامة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية، كقوة إقليمية عظمي مهيمنة.
قائمة المراجع :-
أولاً المراجع باللغة العربية .
الكتب .
- أحمد نوري النعيمي ،السياسة الخارجية الإيرانية بين الثوابت والمتغيرات ،(الاردن: دار أمجد للنشر والتوزيع ،٢٠١٦).
- الكسندر دوغين، أسس الجيوبولتيكا(مستقبل روسيا الجيولتيكي)، (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة،٢٠٠٤).
- جاسم سلطان، الجيوبوليتيك “الجغرافيا والحلم العربي القادم“، لبنان: تمكين للأبحاث والنشر، ٢٠١٣
- جوني آعاصي، إسرائيل في مواجهة الربيع العربي: قوة التحركات الشعبية الاسلام والعالم المعاصر، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ،العدد١-٢، ديسمبر٢٠١١.
- حسن حامد الحبوني، السياسة الإيرانية نحو دول الشرق العربي (١٩٧٩-٢٠١٦)، الاردن، شركة دار الأكاديميين للنشر والتوزيع.
- ستار جبار علاي، العرب والطاقة النووية “البرامج النووية العربية والإسلامية“، العربي للنشر والتوزيع،٢٠٢١.
- سمير جبور، العلم والتكنولوجيا في إسرائيل، (بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٩٨٢).
- عبد القادر ياسين وآخرون ، التحول العاصف سياسة إيران الخارجية بين عهدين،مكتبة مدبولي، ٢٠٠٦.
- عمر كمال حسن، جغرافيا الشرق الأوسط الجديد، (سوريا، دار رسلان، ٢٠١٨).
- محمد رياض، الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا،(المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي ،٢٠١٤)
- محمد عبد السلام، الجيوبوليتيكا “علم هندسة السياسة الخارجية للدول”، (دارالكتب،٢٠١٩).
- يحيى حلمي رجب، الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته الإقليمية والدولية ورؤية مستقبلية للمنطقة العربية،)القاهرة :دار بدائل،٢٠٢١).
الدوريات العلمية .
- أحمد سلمان طايع ، هويدا فتحي عبد الكريم ، البرنامج النووي الإيراني وأثره على الشرق الأوسط ، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ، جامعة الإسكندرية ، المجلد 9 ، العدد 17 ، يناير 2024
- أميرة ذكريا نور محمد ، البرنامج النووي الإيراني وانعكاساته علي أمن دول الخليج العربي “2005-2016” ، المركز الديمقراطي العربي ، يوليو 2016 ، https://democraticac.de/?p=34475
- إسراء شريف الكعود ، الموقف الإقليمي من البرنامج النووي الإيراني ، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، المجلد 16 ، العدد 4 ، أكتوبر 2015 ، 93 ـ 110
- إسراء شريف الكعود، “التسلح النووي الإسرائيلي وأثره في الشرق الأوسط”، جامعة بغداد مركز الدارسات دولية، العدد٤٥، ٢٠١٠.
- إسراء شريف الكعود،” التسلح النووي الإسرائيلي وأثره في الشرق الأوسط “، جامعة بغداد مركز الدراسات الدولية، العدد٤٥، ٢٠١٠.
- إسماعيل شعبان ،فادي خليل ،أيهم عماد ، سمات الاقتصاد الإسرائيلي ومراحل تطوره ، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية- سلسلة العلوم الاقتصادية ،مجلد ٢٥، العدد ٥ ،٢٠٠٣.
- البرنامج النووي السعودي : الدوافع والتحديات ، مركز الفكر الإستيراتيجي للدراسات ، تقدير موقف ، https://fikercenter.com
- بيتر جوبسر، النظام السياسي الإسرائيلي: الجذور والمؤسسات والتوجهات، ( ابو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ٢٠٠١).
- حسام جريس، “اقتصاد إسرائيل” ليوسف زاعير كيف يعمل الاقتصاد الإسرائيلي؟ ، (قضايا إسرائيلية، عدد ٧٦).
- حسين موسوي، الاقتصاد الإيراني: ضرورة التصحيح البنيوي، مركز الدراسات الاستراتيجية ، العدد١٠٤، ٢٠٠١.
- حمد عبد التواب محمد الخطيب ، السلوك الإقليمي الإيراني تجاه الممرات والمضائق البحرية في منطقة الشرق الأوسط ، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ، جامعة الإسكندرية ، المجلد 8 ، ( العدد 16 ، يوليو 2023 )
- حمدي عبيد ، قراءة في إستراتيجية نشر التشيع والدور الوظيفي لإيران في الإستراتيجية الأمريكية ، دراسة ، مركز التفكير الإستراتيجي ، تاريخ 16 ـ 11 ـ 2015
- حيدر علي حسين ، مستقبل الشرق الأوسط : رؤية استراتيجية ، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ، العدد 45 ، 2014 ، 186 ـ 159
- ذينب عبدالله ، موقف دول الخليج العربي من الاتفاق النووي الإيراني ، مجلة مدارات إيرانية ، العدد الأول ، سبتمبر 2018
- راز زيميت ، من العداء الأيدولوجي إلى التنافس الإستيراتيجي : تطور تصور إيران لإسرائيل ، معهد دراسات الأمن الصهيوني ( INSS) ، بيروت ، 2024
- رشا عدنان مبيضين ، الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته الإقليمية والدولية ، مجلة البلقاء للبحوث والدراسات ، مجلد 23 ، العدد 1 ، 33ـ 42
- زكري لامية،” مبادرة الشرق الأوسط الكبير: الدوافع، الخلفيات، المخاطر “، المجلة الجزائرية للسياسات العامة، العدد،٢٠١٤.
- زهير المخ، “النشاط العلمي والتكنولوجي في إسرائيل”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد٥٠، ٢٠٠٢.
- سامي بخوش، جيوبولتيكا الشرق الأوسط تصور سيناريوهات مستقبلية للمنطقة، مجلة الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية، العدد٤، ٢٠٢١.
- سليم كاطع علي ، البعد الإيراني في السياسة الخارجية الأمريكية ، مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ، جامعة بغداد ، العدد 60 ، 2016 .
- صبرين العجرودي،” مشروع الشرق الأوسط الجديد “،المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، ١٨/١٢/٢٠٢٣ شوهد في ١٨/٤/٢٠٢٤، https://2u.pw/AkIVlAIY
- صفاء جهاد ناظم ، العلاقات الروسية الإيرانية بين تحديات التناقض الأيدلوجي ومقتضيات المصلحة القومية الفترة من 1979 – 2017 ، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ، جامعة الإسكندرية ، 2021
- صليحة محمد ي، اكتشاف القوة الإيرانية في المفاوضات النووية مع القوى الكبرى “الإمكانيات والتداعيات” ، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية العدد٩، 2016 .
- عادل عبد الرحمن محمد القويمي، الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية للمضايق والممرات البحرية في العصر الحديث، المجلة القانونية ، جامعة القاهرة ،المجلد 15 العدد2 ، فبراير2023.
- عبدالله خالد، الأبعاد الجيوسياسية للتنافس على الريادة في الشرق الأوسط استراتيجيات متعددة والهدف واحد، مجلة قومية فصيلة، العدد١٩٥، ٢٠٢٣.
- علي جاسم محمد التميمي، “القوي الفاعلة في القرار السياسي الإسرائيلي”، المجلة السياسية والدولية، العدد٤٣، ٢٠٢٠.
- علي سليم كاطع ، البرنامج النووي الإيراني وأثره على دول مجلس التعاون الخليجي ، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ، العدد 55 ، 74 ـ 92
- علي فائز، كريم سجادبور ، رحلة إيران النووية الطويلة التكاليف والمخاطر، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية ، العدد 142
- علي فياض ، تأثير الملف النووي والتغيرات الداخلية على العلاقات الايرانية الامريكية ، مركز الحوار السوري ، سوريا ، مارس 2021
- عماد غليون،” الحزب السياسي”، سلسلة التربية المدنية، العدد١٠، ٢٠١٨.
- عمرو هشام ربيع، “التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية “، مجلة منظمة التحرير الفلسطينية، العدد١٩٢، ١٩٨٩.
- غازي حسين ،الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية ، (دراسة ، مجلة اتحاد الكتاب العربي، دمشق ، ٢٠٠٥ ).
- فاطمة الصمادي، التيارات السياسية في إيران ،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى ، أبريل٢٠١٢.
- فتيحة لتيم ، نادية لتيم ،الاتفاق النووي الايراني: أبعاد وتداعيات ، شؤون الأوسط ، العدد 152 ، سنة 2016
- فهد أحمد عبد الرحمن ، آثار وتداعيات البرنامج النووي الإيران على أمن دول الخليج العربي في ظل تباين المواقف الخليجية من إيران ، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ، المجلد 48 ، العدد 185 ، 281 ـ 320
- فيان أحمد محمود ، التنافس الجيوبولتيكي التركي الإيراني في الشرق الأوسط ، مجلة دراسات دولية ، العدد 59
- كريستر فيكتورسن ، البرنامج النووي الإماراتي نموذجاً يُحتذى به في تطبيق أعلى معايير الأمان والأمن وحظر الانتشار، الهيئة الاتحادية للرقابة النووية ، أكتوبر 2019 https://www.fanr.gov.ae/ar/Digital-Participation/fanr-blogs?id=325
- الكريني ، إدريس ، مستقبل الملف النووي الإيراني ما بعد ترامب ، مجلة الدراسات الإيرانية ،المجلد 3 ، العدد 9 ، أبريل 2019 ، 79 ـ 93
- لبنى نبيه عبد الحليم، الثورات العربية في الإعلام الإسرائيلي، مجلة دراسات شرق أوسطية ، العدد٦١، ٢٠١٢.
- لؤي محمد صيوح، سامر كريم سكيف، تأثير البرنامج النووي الإيراني على سورية اقتصادياً، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية-سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، العدد ٣ ،٢٠١٨.
- ماجد صدام سالم، جيوبولتيك التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية، المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد ٣٩، ٢٠٢٢.
- ماجد صدام سالم، جيوبوليتيك التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية، المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية ،العدد ٣٩، نوفمبر2022.
- ماجد كيالي، بعد الثورات العربية: إسرائيل في مواجهة تغيرات استراتيجية في محيطها، مجلة شؤون عربية(جامعة الدول العربية-الامانة العامة)، العدد١٤٩،٢٠١٢.
- مجموعة من المؤلفين، إيران -مصر(مقاربات مستقبلية، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي(الدراسات الإيرانية – العربية)، ٢٠٠٩.
- محمد أبو سعدة،” الخارطة السياسية في إسرائيل”، المعهد المصري للدراسات، ٢٥/١٠/٢٠١٩، شوهد في ٢٦/٤/٢٠٢٤،علي https://2u.pw/VKMTzDtb.
- محمد بن صقر السلمي ، عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي ، الجيوبولتيك الشيعي الواقع والمستقبل ، مجلة الدراسات الإيرانية ، السنة الأولى ، العدد الأول ، ديسمبر 2016
- محمد جمال الدين،” الأحزاب وأثرها في رسم السياسية الإسرائيلية”،مجلة جامعة الموصل مركز الدراسات الإقليمية، العدد١٤، ٢٠٠٩.
- محمد طي، الجيوبوليتيك (منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن)، مجلة دراسات وتقارير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، العدد التاسع عشر،(ديسمبر:٢٠١٩).
- محمد عبد الله العلي ، أمن الخليج والملف النووي الإيراني ، آفاق استراتيجية ، العدد 5 ، مارس 2020
- محمود سعيد عبد الظاهر، ” الخيار النووي الإسرائيلي: الإمكانيّات- الاستخدام “، مركز دارسات الوحدة العربية، عدد٢٧٠، ٢٠٠١.
- منتهى محمود منصور عبيدات، المسألة النووية الإيرانية والامن الإقليمي لمنطقة الخليج العربي “دراسة في ضوء الاتفاق النووي”، مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية، العدد٦٢، يونيو٢٠١٧.
- مهند مصطفي، نظام الحكم في إسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٥/٧/٢٠٢٠،شوهد في ٢٥/٤/٢٠٢٤، علي https://2u.pw/go80lYGC
- ميثاق خيرالله جلود ، المملكة العربية السعودية والبرنامج النووي الإيراني 2002 ـ 2022 ، مجلة دراسات إقليمية ، المجلد 17 ، العدد 57 ، يونيو 2023 ، 43 ـ 72
- ميلاد مسعود نمريش ، العلاقات الإيرانية الغربية في ظل أزمة البرنامج النووي الإيراني ، مجلة القراءة والمعرفة ، مصر، المجلد 22 ، العدد 246 ، الجزء الثاني ، إبريل 2022
- ناثان سيلز، أهداف طهران الدولية تقييم رعاية إيران للإرهاب ، Washington Institute for Near East Policy the ، تاريخ 13 نوفمبر 2018 ، تاريخ الدخول 17 /4/2024 https://www.washingtoninstitute.org/
- نزار عبدالقادر ، الدوافع الإيرانية والجهود الدولية للاحتواء ، مجلة الدفاع الوطني اللبناني ، لبنان ، العدد 54 ، أكتوبر 2005
- نسيم الخوري ، مشروع الشرق الأوسط الكبير أو المبادرة المستحيلة ، (مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد ٥٠ ، ٢٠٠٤ م ) شوهد في ٣/ ٤ /٢٠٢٤https://2u.pw/g6vXpp
- نوار جليل هاشم، محمد كاظم عباس المعيني، ما بين الجيوبوليتيك والجيوستراتيجية دراسة في اختلاف المفاهيم، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، العدد الثاني،(يوليو ٢٠٢٠).
- نور الدين دخان وآخرون ، التهديد النووي الإيراني وتأثيره في الأمن القومي الإسرائيلي ، مجلة العلوم الإنسانية ، جامعة بسكرة ، الجزائر ، 2016 ، العدد 43
- هبة جمال الدين محمد، “الرؤية الصهيونية للقومية العربية: بين الفكر والمخطط”، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية “،المجلد 6 العدد١٢، يوليو 2021.
- هديل حربي ذاري ، الموقف الأمريكي من البرنامج النووي الإيراني 2009 – 2019 ، قضايا سياسية ، العدد 64 ، مارس 2021
- هشام الدجاني، الدين والسياسية في إسرائيل، مجلة شؤون عربية، العدد١٠٢، ٢٠٠٠.
- هشام محمد الباججي ، الشرق الأوسط الكبير وآليات تنفيذه ، المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ، 2015.
- وصفي محمد عيد عقيل ، الأمن القومي لدول المشرق العربي وإشكالية البرنامج النووي الايراني ،مجلة دفاتر السياسة والقانون ، الجزائر ، يونيه 2016
- وليد حسن محمد، ” البرنامج الإسرائيلي النووي وسياسية الغموض النووي” مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، عدد٣٧، ٢٠١٢.
- وليد حسن محمد، الثورات العربية في العام٢٠١١ والأمن القومي الإسرائيلي، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ، (العدد٤٦،يونيو٢٠١٤).
- ياسمين السيد أحمد عبد السلام محمد، “ اثر المتغيرات الإقليمية علي السياسية الخارجية الإسرائيلية٢٠١١-٢٠١٦”، المركز الديمقراطي العربي، ٣١/٧/٢٠١٦ شوهد في ٣/٥/٢٠٢٤ علي https://2u.pw/yoapHVP6.
الرسائل العلمية .
- الزريقات، فايز شراري سلامة، الديمقراطية الغربية وتطبيقها في العالم الإسلامي: النظام السياسي التركي والنظام السياسي الإيراني دراسة حالة،(رسالة دكتوراه ،كلية عمادة الدراسات العليا ،جامعة مؤتة،٢٠١٦).
- حبيبة زلاقي ، أثر المتغيرات الدولية على الدور الإقليمي لإيراني في الشرق الأوسط ـ فترة ما بعد الحرب الباردة ،( رسالة دكتوراة ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم العلوم السياسية ، جامعة باتنة ، الجزائر ، 2018 )
- حسنى عبد الخالق ، إستراتيجية التدخل الإيراني في الشرق الأوسط دراسة حالة : العرق ، سوريا ، اليمن ، ( رسالة دكتوراه ، تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية ، كلية العلوم السياسية ، جامعة قسطنطينية 3 ، 2021 )
- رايق سليم البريزات ، مشروع الشرق الأوسط الكبير والسياسة الخارجية الأمريكية(الأهداف والأدوات والمعوقات)، (رسالة ماجستير ، كلية العلوم الإنسانية ، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا ، ٢٠٠٨).
- سعد فلاح الهبيده ، البرنامج النووي الإيراني وأثره على توجهات السياسة الخارجية الكويتية للفترة ( 2003 – 2012 ) ، ( رسالة ماجيستير ،كلية الآداب والعلوم ، جامعة الشرق الأوسط ، 2012)
- سعيدة بن رقرق ، التنافس الجيوبولتيكي للقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط : دراسة حالة سوريا منذ 2011 ، ( رسالة دكتوراة في العلوم السياسية ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة الحاج لخضر باتنة 1، الجزائر ، 2022)
- سلمي بو طرفة ،منال بو طرفة ،التوازن الاستراتيجي بين القوي الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط السعودية-تركيا- إيران (رسالة ماجستير ، جامعة العربي التبسي، كلية الحقوق والعلوم السياسية٢٠١٨، ٢٠١٩
- طايل يوسف العدوان ، الإستراتيجية الإقليمية لكل من تركيا وإيران نحو الشرق الأوسط ، (رسالة ماجيستير ، كلية الأداب والعلوم ، جامعة الشرق الأسط ، 2013 ).
- عبدالله فالح المطيري ، أمن الخليج العربي والتحدي النووي الإيراني ، ( رسالة ماجيستير ، كلية الآداب والعلوم ،جامعة الشرق الأوسط ، 2011 ).
- كحل السنان سمية ، الاتفاق النووي الأمريكي وتداعياته الإقليمية ، ( رسالة ماجيستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل ، 2015 ).
- مقدود نصيرة، التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط في الفترة (٢٠٠٢- ٢٠١٨) إيران وإسرائيل دراسة حالة، (رسالة ماجستير، جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي ،الجزائر، ٢٠١٧/٢٠١٨).
المواقع الإليكترونية .
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان) وثيقة أساسية تشكل جزءا من تقارير الدول الأطراف)، الامم المتحدة، ١/٩/٢٠٠٨.
- تقرير البنك الدولي ، تاريخ الدخول 19 / 4 / 2024 https://www.albankaldawli.org/ar/country/iran
- تقرير عن السفارة الاسرائيلية في مصر ،شوهد في ٥/٥/٢٠٢٤ https://embassies.gov.il/cairo/AboutIsrael/Pages/AboutIsraelContent.aspx