جيوبوليتيكيا السياسية الخارجية العراقية : رؤية في معالم التحول

اعداد : د. فراس عباس هاشم – المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

تمثل السياسة الخارجية واحدة من أهم فاعليات النظم السياسية المعاصرة وبخاصة المتمثلة بالدولة، وتكتسب أهمية أكبر نسبيا ًلدى بلدان عالم الجنوب بسبب الدور المحوري للسياسة الخارجية  في المحافظة على وجودها واستمرارها([2]).

وعليه يمكن القول شهدت السياسة الخارجية العراقية على المستوى الجيوبوليتيكي تحولات ديناميكية خاصة في منطقة الشرق الأوسط ،إذ يسعى العراق من خلالها إلى إبراز صورة تعكس ضرورة احترام مصالحة وهويته القائمة على تأكيد ذاته وضمان استقلاليته في رسم سلوكه تجاه علاقاته الخارجية، كفكرة جاذبة من أجل تخفيف حدة التوتر مع محيط جواره القريب أو البعيد في علاقات قائمة على تحقيق المصالح المتبادلة، مفضله التكيف مع التحولات الجيوبوليتيكية على الساحة الدولية التي أخذت تتشكل نتيجة أزمة جائحة وباء كورونا ،وذلك بالاستناد إلى مقاربة جديدة قائمة على معيار الانفتاح على دوائر متعددة تبعا لأهمية كل دائرة ضمن أهداف السياسة الخارجية العراقية من الناحية الجيوسياسية، في ضوء الثوابت السيادية وبما يحقق أهدافة الاستراتيجية ،ومن هنا نحاول فهم وتفسير سياسة العراق الخارجية وفق مقاربات النظرية التكوينية للسياسية الخارجية التي تنمذج سلوك الدول على أساس تفاعل الهوية والمصلحة، إذ يعد العراق محورا ًجيوبوليتيكيا مهما ًفي المنطقة، ساعد ذلك في بلورة رؤية جديدة كانت بمثابة دافع قوي لكي يسجل حضوره ومواقفة من القضايا الإقليمية ،في ظل تصاعد حدة التحديات الداخلية سواء الأمنية أو الاقتصادية فضلاً عن الخارجية ،لا سيما التنافس والصراع بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة والتي جزء منها صراع جيوبوليتيكي يترجم على أرض الواقع، والعراق جزء منها باعتباره احد ساحات التأثير في المنطقة ،ولذلك في إطار التوجهات الجديدة للدبلوماسية العراقية تسعى إلى اتخاذ مواقف تؤمن له تجنب تأثيرات تلك المواجهة على الساحة الداخلية.

أولاً: مدلولات الجيوبوليتيكيا العراقية وحدود مجالات التغيير

تأتي سياسة الخارجية العراقية وتحركاتها في البيئة الإقليمية الجديدة التي اخذت تتشكل في جواره الجغرافي، انطلاقاً من تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، فضلا ًعن أولويات البرنامج السياسي للحكومة العراقية التي ارتكزت على تصورات جديدة ،كانت بمثابة أساس فكري لأثبات العراق لهويته وتأكيد ذاته، وقد تسجد ذلك بإعادة انتاج العراق لعلاقاته الخارجية واستعادة دورة على الساحة الإقليمية، بعد أن خسرها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام(2003) تتمثل بتوظيف أدوات التمكين لدية بفعل موقعة الجيوبوليتيكي في البحث عن تحقيق أهدافه ومصالحة  الاستراتيجية .

ولأجل فهم جيوبوليتيك أزمة تشكيل هوية سياسة العراق الخارجية تجاه محيطة الخارجي في التعبير عن تمثيله المكاني المستند على فكرة موقعه الاستراتيجي كدولة مهمة في المنطقة، تتجسد في تلك القراءة التي بلورها (روبرت كابلان -R. Kaplan) في كتابه (انتقام الجغرافيا: ما الذي تخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضد المصير) الصادر في العام          (2012) وفقاً للتحليل الذي يعتمده الكتاب فموروثات الجغرافيا والتاريخ والثقافة حسب، هي التي تفرض بالفعل حدوداً لما يمكن تحقيقه في أي مكان بعينه والخرائط نفسها تدحض المفاهيم المتعلقة بمساواة ووحدة الجنس البشري لأنها تذكرنا بالبيئات المختلفة للأرض والتي تجعل البشر غير متساوين ومفككين على نحو عميق بما يؤدي إلى الصراع ([3]).

ومن هنا يتبين أن هذه الاختلافات الجوهرية لها تأثيرها في بنية تكوين اتجاهات إعادة بناء الهوية في إطار تكوين نوع من التقارب والتوحد بوعي بالمكان والزمان من خلال التراكم التاريخي والحقائق الراهنة، والتي تعد أحد الشروط التي لا يمكن الاستغناء عنها من أجل الظهور على مسرح التاريخ والاسهام في التراكم البشري، في الوقت نفسه أن الذهنية الاستراتيجية التي لا تستند إلى نية لإثبات وجودها لا يمكنها التخلص من السلبية التي تعيشها، ولذلك فإن المجتمعات التي تمتلك الذهنية الاستراتيجية الثابتة والتي تنتج مفاهيم وأدوات ومجالات جديدة حسب الظروف المتغيرة والمحيطة بهذه الذهنية تستطيع أن تفرض ثقلها في مقاييس القوى الدولية، وبالمقابل فإن المجتمعات التي تنسلخ من الوعي بهويتها من خلال انكسار راديكالي في ذهنيتها الاستراتيجية ستجازف بقوة وجودها التاريخي، في حين أن المجتمعات التي تتعامل بذهنية جامدة برفضها

للمجتمعات الأخرى فإنها تنسلخ عن الوعي البشري المشترك وسيتم رفضها([4]).

واتساقاً مع ما تقدم يتفق المختصون على أن علم الجيوبوليتيكا بعمومه يذهب إلى دراسة الدول في محيطها الحيوي أو السياسي عبر بمداخل عدة منها: التاريخية، والإقليمية، والوظيفية، وعلوم الاجتماع والإنسان الاجتماعي وبعد ذلك يفرض عليها ذلك ترجمة تلك المداخل إلى مجموعة كبيرة من المفهومات تتضمن تحديد شكل وجود الدولة السياسي وحدود علاقتها في محيطها الحيوي، وآليات تشكيل تحالفاتها والبحث عن توفير مواردها وأسواقها وكيفية تأمينها، وهكذا تتجاوز صورها حدودها الطبيعية التي تحدده مفهومات الجغرافية السياسية ضمنها إلى حدودها السياسية المتوسعة أيضاً، وتفسيرها لا يتحقق إلا في سياق تشكيل خططها الاستراتيجية والدفاعية التي انتجتها في أنماط عمل فكرية مؤثرة تظهر في تفاعلاتها الخارجية([5]).ولهذا ثمة علاقة وانسجام بين الجيوبوليتيك والسياسة الخارجية للدول، اذ تعد الجيوبوليتيك مصدراً أساسياً في إعادة صياغة التصورات حول حدود المجالات الحيوية وأولوياتها بالنسبة للدول ضمن إطار صياغة سياستها الخارجية وتعيد تنظيم علاقاتها مع الأطراف الدولية الأخرى .

وبناءً على ذلك تلعب البيئة الجيوبوليتيكية دوراً مهما للدولة في تحديد ورسم سلوك سياستها الخارجية تجاه جوارها الجغرافي وفي تعزيز مصالحها القومية([6])، بدا ذلك واضحاً هذا التأثير في الواقع يتجلى هذا المنحى في معظم الملامح الرئيسة لما شكله الإخلال بتوازن القوى الاستراتيجي للمنطقة من منعطفات كبيرة في شكل التحالفات الإقليمية وأطرفها، إلا أنه لا يوجد تغير كبير في شكل وطبيعة خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة ،إذ تبنى جميع التحالفات في المنطقة على أساس هدفين استراتيجيين هما :الأول الهاجس الأمني المتبادل بين الحلفاء. الثاني: المصالح المشتركة بكافة أشكالها ([7]).

وفي ضوء ذلك يبدو من الواضح أن سياسة العراق الخارجية ستظل بعيدة عن دوائر الانقسامات الإقليمية، فبدلاً من يكون سجين هويه ثقافية أو انتماء أوحد وهذا ما يحد من تحركاته على المسرح الإقليمي، يمكن أن يكون رابطاً استراتيجياً لإضفاء الانسجام بين الأطراف المختلفة استناداً على الموقع الجيوبوليتيكي الذي يتمتع به دون أن يمس من وحدته ، وفي الوقت نفسه فإنه يشهد مرحلة إعادة تشكيل المشهد الخارجي في ظل بيئة إقليمية تشهد ساحات غير متجانسة وغير متألفة من التفاعلات على نحو عميق، جعلته دائما ما يبحث عن حلول عقلانية بعيد عن التأرجح، وهي مقاربه كنموذج للسياسة الخارجية العراقية مع حكومات المنطقة ،والتركيز على حدود التوجهات السلمية لاحتواء الواقع الجيوبوليتيكي الجديد في المنطقة باعتبارها نقطة الانطلاقة الفعلية حاليا من خلال الدور الذي من المحتمل أن يلعبه العراق في الساحة الإقليمية ([8]). وبجانب ذلك يرتكز المبدأ المحايد للموقف الذي اتسمت به السياسة الخارجية للعراق اعطاء انطباعاً ايجابياً حيال بقاء العراق خارج دائرة الصراع الإقليمي، سيمثل ذلك فرصة لأحداث انفتاح سياسي للتحرك تجاه الساحات المركزية في الجوار القريب، ومن شانه أن يقوض بشكل متزايد تدهور علاقات العراق الخارجية مع بعض دول المنطقة، وهو مبدأ يسعى العراق لإبراز في علاقاته الخارجية باعتباره يجري في إطار سياسة متعددة الأبعاد في الوقوف عند مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع خاصة تلك المتعلقة بالشأن العراقي ومثالها الأزمة (السعودية – الإيرانية)([9]. مقابل ذلك يتطلب صياغة سياسة خارجية مؤثرة أن تتعامل وفق أطر علمية قائمة على الحقائق الجيوسياسية وتحولات القوى التي يزخر فها النظام الدولي بشكل طبيعي في تفاعلاتها الخارجية ولمواجهة التحديات وتوظيف الفرص.

ومن المهم فِي هذا السياق الإشارة أن التحدي الذي واجه صانع القرار العراقي في تنفيذ سياسة خارجية تعكس الدور الجديد الذي يمكن للعراق أن يقوم به لتأكيد ذاته على الصعيد الإقليمي، تمثل بهيمنة عاطفة الخوف وخشيته من خضوعه لإرادات خارجية أكثر تعرقل الاعتراف به كقوة إقليمية، وهكذا يحيلنا(دومينيك مواسي- Domonique Moisi) إلى معطيات تنمي مجالات تدخل جديدة حين يبن لنا بان خارطة العواطف سوف تصبح شرعية وإلزامية على غرار خارطة الوقائع الجغرافية…” ([10]).وهذا ما تحدث عنه في وقت سابق وزير الخارجية العراقي السابق(محمد علي الحكيم) حاول خلال محاضرته حول “السلام والتنمية” بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بالسويد في أيار/ مايو عام (2019)، رسم تصور حول مخاوف العراق حيال التحديات التي يواجها بوضوح كدولة تقع في منطقة تتمتع بأهمية جيوبوليتيكية ،يسعى لفتح فاق جديدة في الفضاء الإقليمي وتتجلي في إعادة بناء الاقتصاد على أسس علمية حديثة، مؤكداً على “أهمية النظام الديمقراطي، وضرورة دعم مؤسساته في العراق”. واضاف “أن مرجعية السيد (علي السيستاني) كان لها الأثر الكبير في إيجاد التوازن المجتمعي، ووضع الأسس لاتفاق العراقيين على الدستور كمرجع لأي عملية ديمقراطية وسياسية ناجحة”. مشيراً “أن الفساد، ومحاربته من أولويات الحكومة العراقية ، والتي تسعي نحو تخفيض معدلات الفقر في العراق، وإيجاد فرص العمل، ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين”، داعياً “إلى أهمية دعم العراق في إعادة الإعمار لتحقيق الاستقرار في المنطقة، واستدامة الأمن والسلم في البلاد”([11].

واتساقاً مع ما سبق كان هنالك مخاوف مطروحة من قبل العديد من المختصين بخصوص التطورات المتنامية والمعقدة التي تعيشها المنطقة بين الفواعل الأساسية، إذ تنذر بحالة من الانتقال إلى واقع جيوسياسي جديد قد يكون من خلاله ولادة قوى جديدة داخل المنطقة، تغير من نمط التفاعل ووضع القوى التقليدية داخله ،ومن بين هؤلاء الباحثين الدكتور(هاني الياس الحديثي) في مقال له يرى فيها أن المنطقة قد تخضع كجزء أساسي إلى مؤتمرات أممية متجاهلة للجغرافيا في توزيع مناطق النفوذ من جديد بطريقة تضمن مصالح الأطراف المتنافسة والمتصارعة وهذا ما يجعلنا نشهد جغرافية جديدة تغير ما هو قائم إلى ما يمكن أن ينبغي في ضوء ما تفرضه المصالح الدولية والإقليمية([12]). وفي ضوء ذلك يمكننا القول أن العراق يسعى في ظل التحولات والتطورات الإقليمية الجديدة إلى التزام سياسة الحياد إزاء أوجه التنافس والصراع وسياسات المحاور ومراحل تطورها التي تشهدها المنطقة والعمل على ايجاد صياغة سياسة خارجية تشكل منهجاً تعاونياً تتجه في التركيز على الدوائر المباشرة من دول محيط الجوار الإقليمي تبعاً لأهمية كل طرف في تحقيق أهداف سياساته الاستراتيجية .

ثانياً :توليف ديناميكا السياسة الخارجية واختراق الفضاء المكاني

في الواقع هناك اتفاق بين معظم الباحثين على أن الهدف الأول للسياسة الخارجية والداخلية للدولة، ایاً كانت طبيعة نظامها السياسي أو معتقداتها المذهبية أو امكاناتها النسبية من القوة القومية، وایاً كان موقعها أو حجمها أو تعددها هو الحفاظ على وجودها الذاتي بقصد تحقيق أهدافها، والعمل على تدعيم أمنها بأقصى ما تسمح بها القدرات والطاقات المتاحة لديها وتوظيفها سواء ما تعلق منها بقوتها الذاتية أو بهذه القوة مضافاً اليها جانباً من الاستعانة بقوة الدول الأخرى([13]).

وفي نفس السياق يمكن القول إنه نتيجة تباين رؤى وافكار المختصين في التنظير لحقل السياسة الخارجية من مفكر إلى آخر، فإنهم يتجهون نحو توليفه تسعى في تطوير العديد من المقاربات والنظريات التي تحاول أن تفسر سلوك الدول. وهكذا فرضت طبيعة الموضوع الاعتماد على مقاربة النظرية التكوينية للسياسية الخارجية على أساس تفاعل الهوي والمصلحة، والتي تصلح كمقاربة لفهم تشكيل السلوك الخارجي للعراق وتطوير سياسة خارجية اكثر تنوعاً واستقلالية في النهوض الجيوسياسي التي ارتكزت على سياسة اثبات الذات ،كما ذهب إلى هذا المعنى (الكسندر ونت -Alexander Wendt) في كتابه النظرية الاجتماعية للعلاقات الدولية، ويرى أن ما تزعمه الواقعية من وجود بنية أناركية في العلاقات الدولية، هي مجرد ثقافة مشتركة بين الدول وليست بنية مادية، وهنا تعد التكوينية امتداداً للمقاربات السيكولوجية التي حاولت دراسة العلاقات الدولية من منظور اتخاذ القرار، وبيئة اتخاذ القرار، كما عند (رﻳﺘﺸﺎرد سنايدر- Richard Schneider)،و(جيمس روزنو- James Rosenau)،و(ﻫﺎرولد سبروت- Harold Sprot)، وهذا التوجه التكويني يشترك مع بقية التوجهات النظرية الجديدة لدى المدرسة النقدية مثل توجه ما بعد الحداثة في العلاقات الدولية والمنظور النسوي، وكل هذه المدارس تنطلق من أن الفاعل في العلاقات الدولية، هو فاعل يتشكل اجتماعيا، وأن الأناركية هو ما تفعله الدول بنفسها ([14]).ولا بد من الإشارة إلى أن هذه المقاربة تعكس إبعاد الإدراك  بأهمية الهوية والمصلحة

واللتان تفرضا نفسيهما في تعريف مصالح الدولة الخارجية ،وبالتالي يتطلب ذلك إعطاء الاهتمام الأكبر لهوية الدولة في سياستها الخارجية.

علاوة على ذلك أن الموقع الجغرافي هو أحد المعطيات الأولية التي تبني عليها خصائص السياسية الخارجية خصوصاً على المدى البعيد، التي ترتكز على موقعها كنقطة انطلاق في دوائر الفضاءات المجاورة ودوائر الخارج البعيد ،من خلال الدور الذي ينبغي أن تلعبه ،أضف إلى ذلك عملت عليها الكثير من النظريات الجيوبوليتيكية ، من حيث دور الموقع الجغرافي في تحديد أدوار السياسية الخارجية وطبيعة التهديدات التي تواجهها الدولة، إضافة إلى التصور الذاتي لنخبها والموقعية التي تمنحها المعطيات الجغرافية، التي تتيح لها زيادة نفوذها الذي يعززه موقعها([15]).كما أن الحدود الجغرافية، والموقع الجغرافي تجعل أي دولة تقع ضمن ثلاث مجالات من الحدود: الحدود الإقليمية وهي تلك الحدود التي تفصل بين مناطق السيادة لكل دولة، وهناك الحدود الإقليمية الجيوبوليتيكية والتي تمتد إلى ما وراء الحدود، وهي حدود أمنية، حيث أن ما يحدث في دول التماس الجغرافي أو القرب الجغرافي يؤثر على الأوضاع الداخلية، مما يدفع الدول إلى التدخل المباشر وغير المباشر لتأمين الحدود الخارجية، وهناك الحدود أو التخوم التي تمثل مناطق النفوذ وامتداد التأثير الجغرافي([16]).

1-الانعتاق من جغرافيا الاسترقاق إلى فروض المتغيرات        

بداية يمكن القول أن السياسة الخارجية هي مجمل الأفعال والأقوال المتعلقة بقرارات الدولة التي تبني عليها تصوراتها تجاه الوحدات الدولية ، فمن خلال ذلك  ينبغي. أولاً: من أجل إنجاح السياسة الخارجية اختيار الوسائل استنادا للأهداف. ثانيًا: أن تتناسب هذه الوسائل مع الأهداف لأن فائدة الوسائل المختلفة وفاعليتها للسياسة الخارجية الدبلوماسية والقوة النظامية والثروات الاقتصادية والأدوات الثقافية الإعلامية في الموضوعات المتباينة والمختلفة منوطة بقيام الدول إلى جانب الإفادة من الوسائل المختلفة من خلال خلق تناغم وانسجام في ما بينها بضمن طبيعة الدائرة الموضوعية والظروف الدولية سيما وأن الوسائل غير المتناسبة مع الأهداف الوطنية ومن دون الأخذ بطبيعة الموضوعات وحوار القوة سيحول من دون تحقيق الأهداف وبمزيد من العقبات والمتاعب([17]).ولذلك فإن الفترة القادمة ينبغي أن تركز الدبلوماسية العراقية في الاعتماد على قوة خطاب(*) الأطر الواقعية في تحديد منافع العراق، خصوصاً مع الأوضاع التي نتجت عن أزمة وباء كورونا في العالم، في إطار التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية العراقية من أهمية التنوع لإقامة علاقات مع غيرها من الفواعل الاقليمين والدوليين، بما يتناسب مع مصالحها وقدراتها، والتي تتطلب تحليل التفاعلات الدولية وديناميكيتها وفي مستويات عدة ،وان يكتسب فعاليته من خلال سعية لتحقيق السلام في المنطقة لكي توصف سياسته بانها سلمية، وهذا ما يولد في الوقت ذاته رغبة قوية معاييرها التخلص من قيد التقوقع في علاقاته والبحث عن مرجعيات جديدة تمنح بناء علاقات ملموسة تجمع بين عناصر الجغرافية وامكانات الانفتاح العالمي، سواء باتجاه العلاقات الإقليمية ليكون محور التوزان في المنطقة أو على صعيد العلاقات الدولية القائمة على التعددية في ضوء المصالح المشتركة ” ويكون ذلك مقرونا بأفعال موازية ([18].

ومن هنا تلعب المحددات الاقتصادية دوراً أساسياً في تحيد النشاط الخارجي العراقي وهي تعكس توجهاً جديداً في رسم سياسته الخارجية هدفها تعزيز علاقات عراقية شاملة مع المحيط الإقليمي ولاسيما العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي كانت من الأسباب الكفيلة بعودته على المسرح الإقليمي، إذ تتضمن مضامين تلك العلاقات الاقتصادية ثلاثة محاور أساسية هي 🙁[19])

أولاً: التعاون في مجال الطاقة والتواصل حول أسعار النفط العالمية لاستقرار السوق البترولية كدول منتجة كبيرة في منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك).

ثانياً :تشجيع الاستثمار الخليجية في العراق في القطاع النفطي وباقي القطاعات لأهميتها في توفير فرص العمل وتطوير البنية التحتية وتطوير دور القطاع الخاص العراقي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي.

ثالثاً: تنشيط العلاقات التجارية، ولابد من عدم تكرار تجربة العلاقات التجارية مع إيران التي كانت قائمة على أساس الإغراق السلعي للسوق العراقية وتدمير النشاط الانتاجي. وهذا مارسته بعض الدول العربية أيضاً ومنها السعودية والكويت.

من جانب أخر ليس من المستغرب في ظل هذه الظروف أن يقوم العراق بإعادة النظر هندسة سياسته الخارجية([20])،في البحث عن تحقيق المزيد من الاستقلالية في سياسته الخارجية من أجل استعادة الثقة بنفسه من ناحية، ومن جهة أخرى إضفاء طابع المرونة من الناحية الجيوسياسية ،في إطار المؤشرات والضغوط الناشئة من البيئة الخارجية ،تكون فيها معايير التوازن بين الولايات المتحدة وإيران من خلال إبراز هويته الخاصة في ما يتعلق بعلاقاته الخارجية وأيضاً على المستوى المحلى، في سعيه نحو إعادة احياء نظام حكم مستقر ومستدام ويزيد من فعالياته كدولة مهمة وحيوية في المنطقة، إذا احسن العراق إدارة هذه اللعبة بصورة أفضل، فضلاً عن الابتعاد عن الخيارات ذات المحاور التي قد تصبح وسيلة لخلق الخلافات والانزلاقات الخطيرة التي قد تأخذ منحى سيئاً جداً والأضرار في دينامية علاقاته بفضاءاته الخارجية ([21]).

ومن ناحية أخرى وفي إطار التفكير الاستراتيجي اعتمدت السياسة الخارجية العراقية أسلوب المرونة القصوى لإعادة النظر في العلاقات العراقية-الأمريكية ،كما ذهب إلى ذلك وزير الخارجية العراقي السابق (محمد علي الحكيم) في تصريحات له متزامنة مع الإعداد للحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، قائلا: “أن النظرة لأن هناك عملية تفاوض غير دقيقة وإنما هناك حوار متعدد الملفات بالنظر لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ومصالحهما المشتركة “([22]).

من هنا فإن هذه التحولات في سياسة العراق الخارجية تأتي في إطار استراتيجية الانفتاح الخارجي بتوسيع افاق التعاون على مستوى محيط العراق القريب والبعيد .والتي أشار اليها وزير الخارجية العراقي( فؤاد حسين) خلال اجتماعه مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في بغداد في حزيران/ يونيو عام(2020)عن حرص العراق في اثبات نفسه كفاعل مستقل في سياق التطورات التي تجري على الساحة الدولية، وإعادة إقامة روابط علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية لضمان فرص جديدة للاقتصاد العراقي، والاستثمار في السوق العراقية، لما تمثله من بيئة خصبة، فضلاً عن ذلك رفع الضغوط عن العراق بفعل التداعيات السلبية لتفشي جائحة وباء كورونا والحصول على امتيازات عبر المساهمة في دعم المؤسسات الصحية العراقية بالتكنولوجيا والأجهزة الحديثة والمستلزمات الطبية([23]).

وعليه يمكن الإشارة إلى أن حركية الفواعل في النظام الدولي فضلاً عن التحولات الجيوسياسية في العالم والاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب قيد التشكيل بفعل جائحة وباء كورونا ([24])،بمثابة اختبار بالنسبة للعراق في تقييم علاقاته مع الولايات المتحدة بطريقة تحمل على عاتقه مسؤولية التعبير عن ذاته، بمعنى التحرر من منطق الانحياز الأعمى لأي طرف إقليمي أو دولي، ولا يمكن أن يستوعب أية وصاية عليه ،وكنتيجة لذلك فالانفتاح الجغرافي غالبا ما يدفع الدول تطوير استراتيجية سياسة ودفاعية معاً ،وهكذا تتجلى ببناء خطط حديثة لتطوير إمكانيات القدرات الدفاعية للجيش العراقي بمختلف صنوفها وتأهيله لأن يكون مكتفياً ذاتياً، وقادراً على حماية البلد، والمشاركة في عمليات التحالف الدولي ،وبالتالي ستكون خيارات العراق أكثر تحرراً من التأثيرات الدولية أو دول التماس الجغرافي، ويأخذ في الحسبان مبدا تعددية الاقطاب في تأمين مصالحة القومية ([25]).هذا الوعي خلق شعوراً عاطفياً لدى صانع القرار العراقي برفض أي شكل من اشكال التبعية أو الهيمنة وتجسيدها في خندق واحد لجهة خارجية ،وتأكيده من حيث الرؤية في الحفاظ على استقلاليه العراق في رسم سياسة خارجية فعالة بتجاوز مخاف الانقياد لأي طرف.

ثالثا: معالم التعقيدات الجيوسياسة وأثرها في مسارات النهوض

انطلاقا ً من مبدأ أن طبيعة العلاقات بين الدول ومداها تحددها المصالح مهما كانت هناك رؤى عقائدية متقاربة، المنبني أساساً على فكرة أن انجح سياسة خارجية هي تلك التي تحدد بشكل عميق وشامل المصالح القومية، من خلال مصالح غالبية المجتمع وتوظيف هذا الفهم مع المعرفة بمصالح الأخرين ونقاط قوتهم وضعفهم لسياسة خارجية تحصل على أفضل مميزات البلد الاستراتيجية وفعالية في الأداة الدبلوماسية وتغطي على نقاط الضعف, وهكذا فإن العراق يملك العديد من عناصر القوة الاستراتيجية التي منحتها له الجغرافيا الأمر الذي يعطي المكان متطلباته الحيوية، وقد يغوي آخرين للتدخل في شؤونه فهو يقع في منطقة أو مجال جغرافي تتقاطع فيه مصالح إقليمية ودولية تجعل من سياسة العراق في كثير من القضايا امراً هاماً للقوى الإقليمية والدولية ([26]).يمكننا القول من الممكن للعراق أن يستغل حالة الاضطراب في التفاعلات الإقليمية ما بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في مجربات أحداث المنطقة ،ويوظف ذلك من أجل إعادة تموضعه من خلال إنشاء خطاب يجعل منه محوراً مهما ينسجم تحركاته الجديدة.

ومن هذا المنطلق فإن صياغة السياسة الخارجية العراقية تتأثر بالمحيط الجغرافي وتفاعلاته سواء على المستوى الإقليمي أو حتى المستوى الدولي ،وبخاصة حين يتعلق الأمر بمسألة تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة وايران في مسرح المنافسة والصراع في منطقة الشرق الأوسط ، وتقاطعها في العراق وهذا يعني بمقاربة بسيطة تلمس التأثير السياسي المباشر للولايات المتحدة وإيران في الاختلال أو الاضطراب في خطاب السياسة الخارجية العراقية في ظل غياب الناظم الداخلي، ما يجعلها في مواجهة تصادم أو تصارع إرادات متناقضة لدى الحراك السياسي في الداخل العراقي والصراع على السلطة جعل من الصعوبة توحيد الجهد العراقي للخروج من عنق الزجاجة الذي وضِع العراق فيه بعد الاحتلال الأمريكي له، وكان للأحزاب السياسية الملامح الأبرز في إدارة التخبط وعدم المنهجية في رسم سياسات الدولة الخارجية وجعلها تتآكل على نحو متسارع، تحت دعم ومساندة ثم تحكم هذا الطرف أو ذاك في خط سيرهم السياسي والتنظيمي داخل العراق وتحت ذريعة تدخلهم باسم الصداقة ([27]). وهو ما أكده الرئيس العراقي (برهم صالح) عند تطرقه إلى الوضع العراقي الراهن من حيث الإيقاع والتوتر وأمست الخيارات أكثر حرجاً مؤكداً: “أن العراق هو نجاح يظهر بعد أربعة عقود من النزاع، ليست لدينا القدرة أو الطاقة أو المصادر أو الاستعداد لأن نكون مرة أخرى ضحية حرب جديدة بالوكالة”، مؤكداً “العراق أولًا ولا نريد تضييع استقرارنا، وعانينا بما يكفي من النزاعات” ([28]).

ومن هنا يواجه العراق اليوم المخاطر لصراع إيراني أمريكي بطريقة غير مباشرة  بقصد تعظيم المكاسب والمساومة، إذ توالت الضغوط ومعها المخاوف العراقية من نتائج عكسية تزيد من تفاقم حدة المواجهة في الساحة العراقية إذ خلقت حالة الشد والجذب بين البلدين حالة من التأثير الأمني والاقتصادي بشكل مباشر على العراق، وقد دفع ذلك العراق إلى تبني سياسة خارجية قائمة على الحياد ولكن المشكلة الأساسية أن القرار السياسي العراقي مرهون إلى حد كبير بالقدرة الإيرانية التي تمتلك كثيراً من أوراق اللعب في الساحة السياسية العراقية ،وهذا في حد ذاته يجعل من المواقف العراقية تترب عنها تحديات تعرض توجهات السياسة الخارجية للابتزاز وجعلها تتعامل ببطء وحذر مع هذه التحديات([29]).وعليه يمكن القول أن العلاقات بين الطرفين الإيراني والأمريكي لم تتميز بطابع التوافق وإنما بمحاولة كل طرف احتواء الطرف الآخر، وإتباع كل الوسائل التي تمكنه من الحفاظ على مصالحه ونفوذه في المنطقة .

وقد ترتب على ذلك أن أصبحت العلاقات العراقية مع أطراف دول المحيط الجغرافي على الدوام غير مستقرة ،كما هي عليه دول الجوار التي لديها مداركها وسياساتها تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً من حيث الحجم والقدرة والانتماء والأهداف والطموحات خاصة في علاقاتها مع العراق، من ولكل من هذه الدول خصوصية في التعامل مع العراق وأهداف تسعى الى تحقيقها، وهذا يعني ان تحديات السياسة الخارجية العراقية تأتي دول الأطراف الإقليمي، مما جعل العلاقات بينها وبين العراق غير مستقرة وفي حركة دائمة فضلا عن ذلك فان تلك الدول تشاطر العراق في معظم ظروفه وتوجهاته وفي علاقاتها مع بعضها البعض ومع الولايات المتحدة ([30]).

ومقابل ذلك أبدت السياسة الخارجية العراقية اهتماماً في دائرة نشاطها الخارجي متركزاً إلى حد كبير في المجال الأمني الذي يؤثر بدوره سلباً على الصعيد الداخلي ،جعل العراق يعيد النظر في بعض موجهات سياسته الخارجية وبخاصة الملف الأمني الذي يعد أحد الملفات الرئيسية في الحوار بين الجانبين العراقي والأمريكي ،في ظل الحديث المتنامي عن تجدد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي على الساحة العراقية، وهي مؤشرات جدية على تغيير في السياسة الخارجية، وما يثيره ذلك من إشكاليات تتعلق بعمليات المكافحة والجهات المسئولة عنها والتنسيق فيما بينها، حيث سيتطرق الحوار العراقي الأمريكي إلى دور التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي(NATO) في الحرب ضد الإرهاب في العراق وامكانية تلقي الدعم ، وهذا معناه أنه يجعل العراق سوف يبدو ضعيف ويفتقر للقوة وانكفائه على الداخل والمراوحة في نشاط سياسته الخارجية في ظل الهواجس المتعلقة في تلك العلاقة ([31]).

فضلاً عن ذلك عمل العراق على إعادة تشكيل مفردات السياسة الخارجية العراقية من أجل الدخول في تفاعلات أمنية واستراتيجية مع دول الجوار الجغرافي، وهي بيئة موائمة للعراق هذا الأمر يعكس الخروج من نمطية علاقاته السابقة مع البلدان المجاورة، وفي ضل هذا التصور المبدئي ونتيجة لطبيعة التقلبات في القرار السياسي الخارجي وتأثير قوى عدة من غير الحكومة في المزاج السياسي، فمن المؤكد أن الدول الخليجية ستعمل على إيجاد إطار ضامن لتطوير علاقاتها مع العراق هو عقد اتفاقيات مع العراق والتي ستحتاج إلى مصادقة مجلس النواب العراقي وبالنظر لما يشهده مجلس النواب من انقسام كبير حول خيارات التوجه الخارجي للعراق، ستظهر لنا اشكالية عدم مواكبة مجلس النواب لرؤية الحكومة في تطوير تلك العلاقات مع دول الخليج العربي([32]).

وهذا يفسر لنا أن مسارات السياسة الخارجية للدولة تمثل استمرارية لسلوكها الداخلي لما عبر حزامها الخارجي ولا يمكن لها أن تحقق تقدماً جدياً في الفضاءات الجغرافية بمعزل عن الأخيرة ،وهو ما أكده( كارل فردريك- Carl Friedrich) عندما أشار إلى العلاقة الوثيقة بين السياستين الداخلية الخارجية ،وما من مشكلة داخلية إلا ولها بالضرورة ابعاداً خارجية ([33]).

فمن الضروري الإشارة هنا بقى الاشكال الرئيس والذي يعرقل أي جهود عراقية لترميم علاقاته الخارجية ضمن استراتيجية المحافظة على الاستقلال ، هو عدم القدرة على فرض سلطة الدولة على كامل إقليمها، ومن دون تجاوز هذا الاشكال لن يتم تبني اي سياسة خارجية جدية وفق مدارك ومعطيات هويته وتعزيز مصالحه في المجال الإقليمي أو في تنفيذ أي سياسات اقتصادية وهي بتعبير بسيط امتداد لأهداف سياسة العراق الخارجية ([34])، إضافة إلى ذلك وجود

ضعف في البنية الداخلية للدولة من الفساد(*) وغيرها قد يوهن متطلبات الاستقرار الداخلي ويقلل من جهود امتلاك أوراق ضغط حقيقية لدى المفاوض العراقي في علاقات العراق الخارجية مع البلدان الأخرى أو استغلال المكاسب التي قد تحقق من جهود السياسة الخارجية، فالعراق مثلاً في ملف المياه فإنه رغم كسبه لبعض الوقت من خلال الضغط على تركيا لتأجيل تخفيض تدفق المياه لكنه لم يستغل الأمر سابقًا ولا حاليًا لتنظيم موضوع المياه داخليًا لكي لا يكون ضعيفًا جدًا أمام أي تهديد بخفض مستوى تدفق المياه لأرضه وبالتالي اتباع سياسة خارجية أكثر انهماكاً في المنطقة ([35]).مع ذلك يبقى سلوك العراق الخارجي غامضا بالنسبة للعديد من دول الجوار الجغرافي ذات الأولويات الاستراتيجية بالنسبة للعراق على المنحى الاقتصادي وذلك بسبب حالة التناقض والتوجهات المختلفة للطبقة السياسية ونزعاتها السلطوية على المستوى المحلي والتي تعتمد في علاقاتها وانتماءاتها على الولاءات الشخصية بعيداً عن الإطار المؤسسي للدولة العراقية وبالتالي لا تحظى توجهات السياسة الخارجية بالأجماع وتجد سنداً في تنفيذ أهدافها الخارجية .

الخاتمة:

وفي ضوء ما تقدم يمكننا القول أضحت السياسة الخارجية العراقية تختلف عما كانت عليه سابقا في قدرتها على تنفيذ سياسات أكثر نشاطا وفاعلية وهي تعكس توجهات جيوبوليتيكية قائمة على قراءة للمتغيرات الإقليمية والدولية بتبني سياسة خارجية متوازنة بتحول أكبر بالانفتاح على الفضاءات الجيوبولتيكية المتعددة ،وبالتالي فتح الطريق أمام تغيير في مسارات بناء سياسة خارجية لمرحلة جديدة في المنطقة، بعيدة عن الاخفاقات والاخطاء، وهو الأمر الذي أعاد تشكيل توجهات العراق الخارجية بعيداً عن التورط في سياسة المحاور الإقليمية والصراعات في المنطقة وبالخصوص الصراع الإيراني الأمريكي، وهو ما عكسته توجهات العراق في إبراز هويته الوطنية واستقلالية في اتخاذ قرارته الداخلية والحفاظ على تماسكه في ظل التحولات التي ابرزتها تداعيات جانحة وباء كورونا على كافة الاصعدة السياسة والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولته الاستفادة من الفرص المتاحة التي توفرها البيئة الخارجية لمواجهة التحديات الأمنية مع تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية والاقتصادية نتيجة تراجع وانخفاض أسعار النفط، مع رغبته بتحقيق تنمية اقتصادية.

(*) باحث متخصص بالشؤون الإقليمية ، حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية/ قسم الاستراتيجية ، من كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين –العراق – العنوان البريدي : ferashashem48@yahoo.

([2]) عقيل سعيد محفوض ، السياسة الخارجية التركية : الاستمرارية –التغيير ،( بيروت : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، 2012)، ص 23.

([3]) أمينة مصطفى دلة ، الجيوبوليتيكية التركية: الحتمية الجغرافية وسؤال الهوية ، دراسات استراتيجية ، المعهد المصري للدراسات ، 2016 ،ص 1، متاح  بصيغة pdfعلى الرابط : https://eipss-eg.org

([4]) أحمد داود أوغلو ، العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية ، ترجمة : محمد جابر ثلجي ، وطارق عبد الجليل ، ط٢،(بيروت : الدار الغربية للعلوم ناشرون ،2011 ) ، ص ٥١ .

([5]) جمال الشوفي ، ،”جيوبوليتيكا الدوائر المتقاطعة: سورية في عالم متغول”، دراسات سياسية ،مركز حرمون للدراسات المعاصرة ، ص 10، متاح على الرابط : https://www.harmoon.org/reports

([6](Itty Abraham,” Geopolitics as Foreign Policy“, Stanford Scholarship Online: January 2015, stanford.universitypressscholarship.com/…/upso-9780804791632-ch…

([7]) مصطفى كمال، “تحولات خريطة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط “، موقع المركز العربي للبحوث والدراسات ، 15/4/2018،شوهد في 23/3/2019 ، في :www.acrseg.org/40698

([8]) ابراهيم الجعفري : “حكيم السياسة الخارجية “، 12/1/2016 ، شوهد في  13/5/2019 ، في : www.rudaw.net/arabic/middleeast/iraq/1201201611

 ([9]) المصدر نفسه .

([10]) تعد جيوبوليتيكا العواطف من أهم الأبعاد الجديدة للطروحات الجيبوليتيكية، وهي وثيقة الارتباط بالجيوبوليتيكا النقدية وأحد تفرعاتها ، وجاءت هذه الطروحات الجيبوليتيكية الجديدة تبعا لمجموعة من المتغيرات والعوامل ، وصنف (مواسي) هذه العواطف إلى عواطف الخوف، الإذلال والأمل والتي لها دور في رسم الواقع والحدث السياسي بنفس الدرجة التي تؤثر بها متغيرات ومحددات ثقافية أخرى على غرار الدين، والحضارة والهوية..، ووصف هذه المشاعر من خلال الخوف هو غياب الثقة؟ الأمل هو تعبير عن الثقة والإذلال هو تقويض للثقة. كنزة فني ، “جیوبوليتيكيا العواطف: قراءة في ثلاثية الخوف والأمل والإذلال” ، مجلة المعهد المصري ، العدد (17)،(2020)، ص ص 23-25.

 ([11]) “موقع وزارة الخارجية العراقي” ،14/5/2019 ،شوهد في 15/5/2015 ،في : www.mofa.gov.iq

([12])علي فارس حميد، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014 فرص جديدة وتحديات مركبة ،في كتاب  مجموعة من المؤلفين ، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014،(برلين : المركز الديمقراطي العربي ، 2018 )، ص 155.

([13]) اسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، (الكويت :ذات السلاسل للنشر والتوزيع، ۱۹۸۷ )، ص 13.

([14]) عبد القادر عبد العالي ، “السياسة الخارجية الجزائرية تجاه دول الجوار: بين مقتضيات الدور الإقليمي والتحديات الأمنية” ، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية ، العدد (7)،( 2014)، ص 9.

([15]) عبد القادر عبد العالي ، مصدر سابق ، ص13.

([16]) المصدر نفسه ، ص13.

([17]) جلال دهقاني فيروز ابادي ، “السياسة  الخارجية الإيرانية  المسارات والانجازات والثغرات” ، مجلة إيران والعرب ، العددان( 6-7 )،( 2004)، ص 54.

(*) يعرف الخطاب بأنه :” مجموعة من التأكيدات المنتظمة والمتسقة –وهو انعكاس وتعبير عن سياق معين وواقع اجتماعي-سياسي ،لكنه هو الذي يؤسس في الوقت نفسه لهذا الواقع”. نقلا عن : جني جبور، تركيا دبلوماسية القوة الناهضة، ترجمة : جنان جبور،(بيروت : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، 2019)،ص 161.

([18]) “مع تنصيب حكومة الكاظمي.. ما شكل العلاقة بين دول الخليج والعراق” ، الخليج اون لاين ، 9/5/2020 ، شوهد في 19/5/2020 ، في : https://alkhaleejonline.net

([19]) حسين أحمد السرحان ، “العراق ودول الخليج: الطريق لعلاقات اقتصادية ايجابية “، موقع النبأ للمعلوماتية ، 6/6/2020 ، شوهد في 11/6/2020 ، في :

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/23435

 ([20])M. K. Bhadrakumar ,”Chaos in Iraq may further US regional strategy“, Asia Times Financial , JANUARY 29, 2020,https://asiatimes.com/2020/01/chaos-in-iraq-may-further-us-regional-strategy

([21]) أنتوني كوردسمان ، منقذ داغر ، كارل كالتنثالر ، “حوار استراتيجي أمريكي-عراقي: مسألة مصالح وتوقعات” ، معهد واشنطن ، 14/5/2020، شوهد في 19/5/2020 ، في :

https://www.washingtoninstitute.org/ar/fikraforum/view/Iraq-Strategic-Dialogue-

([22]) “معضلة التوازن: أبعاد وملفات الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،11/6/2020، شوهد في 11/6/2020 ، في:

https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/5632

([23]) “وزير الخارجية فؤاد حسين يلتقي سفراء الاتحاد الأوروبي ويدعو إلى تضافر الجهود الدوليّة لمعالجة تداعيات الجائحة الفايروسية” ، موقع وزارة الخارجية العراقية ، 11/6/2020، شوهد في 11/6/2020 ، في :

وزير الخارجيّة فؤاد حسين يلتقي السفراء الأوروبيين ويدعو الى تضافر الجهود الدوليّة لمعالجة تداعيات الجائحة الفايروسية

 ([24]) “Towards a multipolar world order“, Institute for Redefinition,  January 20, 2020, http://freedomlab.org/towards-a-multipolar-world-order/

– يمكن ملاحظة أن أزمـة وباء كورونـا العالميـة ليسـت نقطـة تحـول ستشـكل النظـام الدولـي ولكنهـا أزمة ستسـرع الديناميكيـات التـي كانـت موجـودة سـابقا والتـي كانـت تمهـد نحـو ولادة نظـام دولـي جديـد، فيما يراهـا آخـرون نقطـة تحـول نحـو نظـام عالمـي جديـد، بمعنـى أن العالـم مـا بعـد كورونـا سـوف يكـون مختلفـا عـن العالـم قبـل كورونـا، وبذلك قـال (سـتيفن والـت- Stephen Walt) أسـتاذ الشـؤون الدوليـة بجامعـة هارفـارد أن وباء كورونـا سيسـرع وتيـرة تحـول موازيـن القـوى والنفـوذ مـن غـرب الكـرة الأرضية إلى شـرقها، فيما نصح وزيـر الخارجيـة الأمريكي الأسـبق (هنـري كسـينجر- Henry Kissinger) الحـكام بالاسـتعداد الآن للانتقـال إلـى نظـام عالمـي لمـا بعد وباء كورونا. محمود الرنتيسي ، “الدبلوماسية التركية تجاه النظام الدولي أثناء وبعد جائحة كورونا” ، مركز إدراك للدراسات والاستشارات ،2020، ص 2، متاح على الرابط :

([25]) “فورين بوليسي: إذا انسحبت أمريكا من العراق سيتهاوى نفوذها في الشرق الأوسط “، 11/1/2020 ، شوهد في 18/5/2020 ، في : https://iraqi24.com/news

([26]) “حول السياسة الخارجية العراقية ،موقع صحيفة العالم الجديد الالكتروني” ، 24 /9/ 2016 ، شوهد في 12/6/2020 ، في:https://al-aalem.com/news/30529

([27]) فارس الخطاب ، “الصراع الإيراني-الأميركي وآثاره على الوضع السياسي في العراق” ، مركز الجزيرة للدراسات ، 26/9/2019 ، شوهد في 12/6/2020 ، في : https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/09/190926105511437.html

([28]) فارس الخطاب ، مصدر سابق .

([29]) أحمد الملاح ،حفصة جودة ،السياسة الخارجية العراقية والبحث عن تصفير المشاكل، موقع نون بوست ،22/11/2018 ، شوهد في 4/6/2020 ،في : https://www.noonpost.com/content/25607

([30]) مثنى علي المهداوي ، “السياسة الخارجية العراقية : والاستقطابات الإقليمية والدولية بعد 2003” ، مجلة قضايا سياسية ، العدد (57)، (2019)، ص 38.

([31]) “معضلة التوازن: أبعاد وملفات الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي” ، مصدر سابق .

([32]) حسين أحمد السرحان ، مصدر سابق .

([33]) صالح عباس الطائي ، “نحو سياسة خارجية عراقية رشيدة” ، مجلة دراسات سياسة واستراتيجية ، العدد           ( 37) ،( 2018) ، ص 25.

([34])حسين أحمد السرحان ، مصدر سابق .

(*) قدم الكثير من الباحثين والأكاديميين الدارسين للفساد ومظاهره العديد من التعريفات ، فقد عرفه (صموئيل هنتنغتون- Samuel Huntington) على أنه “سلوك  الموظفين الحكوميين الذين ينحرفون عن القواعد المقبولة لخدمة أهداف خاصة” . ويعرف بأنه” إساءة استعمال السلطة لتحقيق مكسب خاص”. نقلا عن : هند محمود حميد، “الفساد :تعريفه وخصائصه ،أسبابه ،مظاهره، طرق مكافحته”، مجلة العلوم السياسية ، العدد(55) (2018)، ص 391.

([35]) أحمد الملاح ، مصدر سابق .

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=67279

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M