مايكل آر سترين
واشنطن- لقد قررت العديد من السلطات المحلية وسلطات الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية في خريف سنة 2020 عدم إعادة فتح المدارس من اجل التعليم الحضوري وهذا يدل على فشل مخجل لصانعي السياسة في تحديد الأولويات كما زادت السخافات ففي جورجيا كان بإمكان البالغين دخول صالات الوشم بينما لم يُسمح لطلاب الصف الخامس الابتدائي بالذهاب إلى فصل الرياضيات، وفي العديد من الولايات كان بإمكان البالغين التجمع في الحانات بينما أُجبر الأطفال على الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر من أجل تلقي دروسًا عبر الإنترنت، وفي كثير من الحالات كانت ذلك يعادل عدم وجود تعليم على الإطلاق.
نحن نعرف عواقب ذلك الآن حيث تُظهر نتائج الاختبارات التي تم إصدارها حديثًا من التقييم الوطني للتقدم التعليمي هذا الشهر انخفاضًا كبيرًا في قدرات القراءة والرياضيات للأطفال في سن التاسعة. لقد كانت درجات الرياضيات أقل في عام 2022 مما كانت عليه في عام 2020 – وهو أول انخفاض على الإطلاق في تاريخ التقييم الوطني للتقدم التعليمي والممتد لخمسة عقود كما كان انخفاض درجات القراءة الأكبر منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعلاوة على ذلك كانت درجات اختبارات الرياضيات والقراءة لهذا العام أقل من مستواها في عام 2004. لقد قضت الجائحة على عقدين من التقدم.
لم يكن مستغرباً ان الطلاب واجهوا صعوبات في التعلم فتطبيق الزوم لا يعتبر بديلاً عن الفصول الدراسية الحقيقية والتي تم اغلاقها لمدة طويلة جداً في معظم أرجاء البلاد والأسوأ من ذلك فإن الطلاب الأقل تحصيلاً كانوا الأكثر تأثراً من اغلاقات المدارس والتعلم عن بعد فلقد انخفضت نتائج اختبارات الرياضيات للطلاب الذين كان أدائهم ضمن النسبة المئوية العاشرة بأربعة أضعاف مقارنة بنتائج الطلاب ضمن النسبة المئوية التسعين، وبالنسبة للقراءة تراجعت نتائج الطلاب الأقل تحصيلاً بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بأفضل أداء للمتقدمين للاختبار.
أما الآن وبعد أن أصبح يتم التعامل مع كوفيد -19 على انه مرض متوطن في الولايات المتحدة، فإن لدى صانعي السياسة فرصة لعكس جزء من هذا الضرر. لكن لا توجد رغبة سياسية تذكر لعمل ذلك مما يعتبر فضيحة. سوف يتردد صدى خسارة القدرة على التعلم أبان الجائحة طيلة فترة حياة العديد من الأطفال ولعقود كثيرة قادمة. تشير حساباتي التقريبية باستخدام بيانات مكتب إحصاءات العمل إلى أن خسارة سنة من الدراسة ستقلل من أرباح العامل التقليدي الحاصل على التعليم الثانوي بما لا يقل عن 40 ألف دولار لكل عقد من الزمان.
بالنسبة لبعض الطلاب فإن التأثيرات قد تكون حتى أكبر حيث وجدت دراسة نشرها معهد بروكنغز هذا الربيع ان الجائحة أدت الى انخفاض بنسبة 16% في أعداد خريجي المدارس الثانوية الذين يلتحقون بالكليات التي تستغرق فيها الدراسة عامين وبنسبة 6% فيما يتعلق بالالتحاق بالكليات التي تستغرق فيها الدراسة أربعة أعوام علماً أنه قبل الجائحة فإن الأسر العادية التي يقودها خريج أحد الكليات كانت تجني حوالي ضعف ما تجنيه الأسر التي يقودها أشخاص عاملين وغير حاصلين على شهادة مدتها أربعة أعوام.
ان هذا يشكل خسارة كبيرة للدخل مدى الحياة. لكن هذه الأرقام بالدولار تمثل أكثر من مجرد فقدان للقوة الشرائية أو استهلاك المواد فبالنسبة لعدد كبير جدًا من الأطفال فإن تلك الأرقام تمثل تراجع التطلعات والقدرة على المساهمة في المجتمع، وبالنسبة للبلد بشكل عام فإنها تمثل بلا داع خسارة المواهب والنمو الاقتصادي المستقبلي.
يجب أن تكون معالجة خسارة التعلم أبان الجائحة أولوية قصوى على جميع مستويات الحكومة. يحتاج السياسيون وصانعو السياسات إلى إعادة جميع الطلاب إلى الفصول الدراسية ومن ثم زيادة الوقت الذي يقضونه هناك. ان من المنطقي تشغيل المدارس أيام السبت أو على الأقل حتى تعود نتائج الرياضيات والقراءة إلى وضعها السابق قبل الجائحة. علاوة على ذلك، يجب تمديد اليوم الدراسي لمدة ساعة أو ساعتين وخاصة بالنسبة للطلاب الأكبر سنًا كما يجب إطالة العام الدراسي أيضًا. لا يوجد داع لإن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في هيكلة تعليم الأطفال على أساس التقويم الزراعي القديم: فلنبدأ بالعطلة الصيفية في يوليو بدلاً من يونيو.
بالإضافة إلى بناء المهارات والتعويض عن الوقت الضائع في الفصل الدراسي فإن من المحتمل أن تؤدي أيام وأسابيع وسنوات الدراسة الأطول إلى زيادة معدل مشاركة القوى العاملة المنخفض بشكل مثير للقلق في البلاد وذلك من خلال تسهيل عمل الآباء دون الحاجة إلى القلق بشأن رعاية الأطفال. أن العام الدراسي الأطول من شأنه كذلك أن يخفف من فقدان التعلم في الصيف والذي عزز فجوات التحصيل بين الطلاب من الأسر ذات الدخل المرتفع والمنخفض قبل فترة طويلة من انتشار الجائحة.
ان تلك الإجراءات سوف تكلف الأموال ولكن الكونغرس سن تشريعات في سنتي 2020 و2021 من أجل تخصيص حوالي 200 مليار دولار أمريكي لغرض واضح يتمثل في مساعدة الولايات والمحليات على دعم أداء التلاميذ خلال الجائحة، ونظراً لأن معظم تلك الأموال لم يتم انفاقها، فلماذا لا نستخدمها في تقديم مكافآت للمعلمين الراغبين في العمل بعد الساعة الثالثة بعد الظهر وفي أيام السبت وفي شهر يونيو من أجل مساعدة الطلاب على تعويض فقدان التعلم؟ بالإضافة الى ذلك يمكن استخدام التمويل لتقديم دروس خصوصية للطلاب الذين يحتاجون إلى مساعدة إضافية.
بالطبع فإن من المرجح ان تعارض نقابات المعلمين تلك الإجراءات ولكن تلك النقابات خسرت الكثير من مصداقيتها ففي واقع الأمر فإن تلك النقابات مسؤولة عن جزء كبير من المشكلة بسبب إصرارها على ان عودة معلمي المدارس العامة للعمل غير آمنة وحتى بعد أن أصبحت لقاحات وعلاجات كوفيد-19 متوفرة على نطاق واسع. لقد وضعت تلك النقابات مراراً وتكراراً رغبات المعلمين فوق رعاية الطلاب وتحصيلهم التعليمي حيث يجب على الحلفاء السياسيين لتلك النقابات البدء في وضع مصالح الأطفال أولاً.
إن حجم خسارة التعلم نتيجة للجائحة هو عبارة عن فشل تعليمي واقتصادي وأخلاقي ولدينا الآن دليل يمكن القياس عليه من أجل توثيق ضرره. لم يفت الأوان بعد لعكس بعض من ذلك الضرر حيث يجب أن تبدأ معالجة حالة الطوارئ الوطنية هذه على الفور.
* مايكل آر سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز، هو مؤلف كتاب الحلم الأمريكي لم يمت: (لكن الشعبوية يمكن أن تقتله)
https://www.project-syndicate.org
.
رابط المصدر: