إعداد : هند ناصر خلفان السويدي ، باحثة في الشؤون السياسية والأمن والإهاب
أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينيسكي في 12 سبتمبر 2022 إنتصاراً عسكرياً على القوات الروسية وتحرير مدينة “إيزيوم” الاستراتيجية وتكمن أهمية هذه المدينة بمركز لخطوط السكك الحديدية لذا، فإن السيطرة عليها يعني تأمين الدعم اللوجستي للقوات المقاتلة وسهولة نقل السلاح والمؤون إلى الجبهات المختلفة، مع كل هذا الصخب الأوكراني لم يصدر أي رد من روسيا، وتتوسع القوات الأوكرانية في تقدمها والسيطرة على أكبر قدر من المدن والقرى الهامة على طرق الإمدادات.
جاء الرد من الرئيس الروسي يوم 21 سبتمبر 2022 صادماً للعالم أجمع وهو إعلان التعبئة الجزئية للجيش الروسي وذلك بعد الرجوع إلى مجلس الدوما وهذه الدعوة لم تكن هناك دعوة مماثلة لها منذ الحرب العالمية الثانية وقد صادق عليها الدوما بواقع 389 عضو مع رفض عضو واحد والغرض من هذه التعبئة ضم 300 ألف جندي إلى القوات الروسية العاملة في الأراضي الأوكرانية.
لم يُقلق العالم من هذا الإجراء ولكن إعلان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين ” صراحة عن إمكانية قصف محطة زابورجيا النووية هنا ثارت حفيظة العالم وخرج الجميع معبرين عن خطورة ما آلت إليه الأحداث في أوكرانيا.
مدى جدية التهديد الروسي
السؤال هو: مدى جدية هذا التهديد الذي صرح به الرئيس الروسي” بوتين ” وهل بالفعل يستطيع تنفيذ هذا التهديد على أرض الواقع؟ وماذا لو أقدم بالفعل على هذه الخطوة؟ وهل نحن على شفا حرب نووية؟ وهل من الممكن تكرار ما حدث في هيروشيما ونجازاكي؟ والسؤال الأهم ما هو موقف الكتلة الغربية من هذه التهديدات؟
وماذا عن هذا الصراع ومدى علاقته بالصراع الحالي بين الكتلتين الشرقية بقيادة روسيا والغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟
وماذا عن خطورة الحرب النووية وما الذي قد ينتظر العالم في حالة نشوب هذه الحرب والتي لن يخرج منها أحد منتصر على قول خبراء السياسات الدولية.
تطور الأحداث في أوكرانيا
تسارعت خلال الأيام القليلة السابقة خطوات القوات الأوكرانية في السيطرة على المزيد من الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية منذ بدء “الغزو” حتى الآن.
وصل التحرير لمدينين كبيرتين و20 قرية فقد ورد على لسان وزير الدفاع الأوكراني أنها حررت ثلاث الآف كيلو متر مربع من خاركييف، وفي 20 سبتمبر 2022 أعلنت أوكرانيا السيطرة على قرية بيلوغرفكا في الشرق وهذا يعني أن أغلب إقليم لوهانسك قد خرج فعلياً من السيطرة الروسية.
صرح وزير الخارجية الأوكراني في مؤتمر صحفي مطالباً الولايات المتحدة الأمريكية ودول الجوار الأوروبي بضرورة توفير الأسلحة متسائلاً عن سبب تأخرها على الرغم من وجودها على الطاولة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى الرغم من الانتصارات الميدانية الأوكرانية، إلا أن خروج قائد القوات الأوكرانية في المناطق المحررة أعلن عن وقوع أكثر من 400 جندي أوكراني بين قتيل وجريح في المناطق المحررة، موضحاً صعوبة الموقف حيث تقوم القوات الروسية بإستخدام الطائرات الإنتحارية الإيرانية في قصف القوات المتقدمة وتتسبب بالضرر لمدافع هاوترز الأمريكية الصنع!
ونظرًا للروح القتالية الاستثنائية للأوكرانيين والدعم الاقتصادي والإنساني والأمني والمعنوي الواسع النطاق الذي تتمتع به من قبل المجتمع العالمي، هل من الممكن أن تؤدي تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قلب مجرى الحرب ؟ أم إنه إستنزف قدراته القتالية التقليدية.
يحاول الأوكرانيون التقليل من أهمية إستعانة بوتين بالقوات البديلة حيث أن هذه القوات البديلة التي يستعين بها أقل احترافًا من تلك التي فقدها بالفعل، ولكن مع مرور كل يوم، تصبح إحتمالية أن تغادر روسيا جميع الأراضي الأوكرانية أكثر صعوبة هذا وفقاً لأراء العديد من المحلليين العسكريين.
فمن المعروف أن هدف واشنطن وكييف هو كسب الحرب، وفي نفس الوقت تجنب الهجوم النووي بأي ثمن، حيث رأى المحللون الغربيون ضرورة عدم تراجع الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الفوز بالحرب وأيضا ً يجب أن يضاعفوا جهودهم لتجنب حدوث حربا نووية.
والسؤال الأهم لماذا لم يستخدم بوتين الأسلحة النووية بالفعل؟ هل تم ردعه بسبب الخوف من رد ة فعل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي؟ وهل يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اللعب على تلك المخاوف وتعزيز التهديدات الرادعة؟
الموقف الروسي:(المحيط الروسي – الداخل الروسي – التعبئة الجزئية – التهديد النووي)
تتنامى الضغوطات العالمية على روسيا الإتحادية بين ما يعرف بضغوطات الأصدقاء المتمثل في الصين والهند وتركيا محاولين جعل روسيا الجلوس على الطاولة من أجل التفاوض، وبين ضغوطات غربية متمثلة في توقيع العقوبات على الروس وتسخير كافة إمكانياتها من أجل مساعدة أوكرانيا من هذه الناحية.
أما على الحدود الروسية ، تشتعل المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان من جديد وسقوط ضحايا في الطرفين ومن المعروف أن هاتين الدولتين كانتا ضمن جمهوريات الإتحاد السوفييتي سابقا واللتين إنفصلتا عقب سقوط الإتحاد السوفييتي وبالتالي فهما يمثلان ضغطاً وعبئاً جديداً على الروس وعلى حدودهم.
ويحتدم الصراع بين قيرغستان وطاجيكستان وتبادل قصف نتج عنه مقتل ثلاث أفراد الأمر الذي يثير قلق موسكو ولا سيما وأن هاتين الدولتين واقعتين على الحدود بين الصين وروسيا الأمر الذي يشكل أيضاً عبئاً على الروس إضافة إلي عبئ الحرب الأوكرانية.
هذا بالإضافة إلى وجود أصوات داخل روسيا نفسها تدعو إلى محاكمة الرئيس بوتين بسبب فشل العمليات العسكرية في أوكرانيا، وبالطبع لا يمكننا التغاضي عن الرفض الشعبي للتعبئة الجزئية وتعامل الشرطة مع المتظاهرين المنددين بهذه التعبئة.
ويحاول المحللون الغربيون التقليل من أهمية خطوة التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط حيث أنها تدل على فشل روسيا في تحقيق أهدافها العملياتية في أوكرانيا من خلال استخدامها للقوات النظامية واستدعاء المتطوعين مدعيين إنه مؤشر مهم على أن الجيش الروسي منهك وإعتراف بعدم قدرته على هزيمة أوكرانيا ويعتقد البعض أن هذا الوضع سيتغير بشكل كبير مع التعبئة.
وإلى الموقف الأهم وهو تهديد الرئيس الروسي بقصف محطة زابورجيا والذي حاول بعض المحللين الغربيين من التقليل من شأن هذا التهديد واصفين إياه بأنه تفوح منه رائحة اليأس نتيجة لما لاقته القوات الروسية من هزائم متكررة وخساراتها مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطرت عليها الأمر الذي لا يستدعي القلق.
وعلي صعيد آخر يطالب بعض المحللين وصناع الرأي في الكتلة الغربية ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة هذه التهديدات على محمل الجد وأن تظهر للروس أن العواقب ستكون وخيمة على الجميع في حالة نشوب حرب نووية لن يسلم منها أحد أو بمعنى أدق سرعة إرسال رسائل واضحة وصريحة إلى موسكو توضح لها مدى خطورة ما قد تقدم عليه من قصف لمحطة زابورجيا النووية.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية من التهديدات الروسية- “طائرة يوم القيامة”
لا يخفي على الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم الدعم المالي والإستخباراتي والعسكري للجانب الأوكراني هذا بالطبع إضافة إلى أذرعها الإعلامية التي تشُنع في الروس شروقاً وغروباً.
فمنذ بداية الحرب أقر الكونجرس الأمريكي حزمة مساعدات للأوكران تقدر قيمتها بنحو20 مليون دولار غير قابلة للسداد ناهيك عن الأسلحة الحديثة التي تقدم إلى الأوكرانيين بشتى الطرق.
ولكن إزداد الوضع توتراً بعد تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقصف محطة زابوروجيا النووية وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن إستيائه من إستمرارية الغزو الروسي لأوكرانيا وقال أن روسيا تحاول محو دولة من على الخريطة وعلى الرغم من كون روسيا من أقدم الأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة إلا أنها إنتهكت ميثاق الأمم المتحدة هذا وفقاً لما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتابع القول بأن الحرب النووية لن يخرج منها أحد منتصراً ويجب أن لا تحدث أصلاً .
ويقول الأستاذ بجامعة تكساس براين وايتمور، أعتقد أن الولايات المتحدة لديها مساحة كافية لمواصلة مساعدة أوكرانيا عسكريًا، كما فعلت بنجاح مذهل، بوتين يترنح، وهو الآن يخادع برفع الورقة النووية إنها استراتيجية متعبة وقديمة، يجب على الولايات المتحدة ألا تتراجع لم يتغير شيء من حيث كيفية التعامل مع أوكرانيا، الوضع على الأرض اليوم – على الرغم من قعقعة بوتين – لا يختلف عن الأمس.
وإذا كانت الولايات المتحدة ستشهد حركة للمخزون النووي الروسي، فيجب أن تتخذ استراتيجية ذات شقين: أولاً، يجب أن تستمر الإدارة في سياستها الخاصة بالكشف عن المعلومات الاستخباراتية المصرح بها لإعلام العالم بما يحدث، سيتم القيام بذلك لحشد المجتمع الدولي لممارسة ضغط كبير على بوتين للتراجع، وعلى وجه الخصوص فإن “حلفائه” الصين والهند، ليس لديهم أي مصلحة في استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية ، ففي اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون الأخير في أوزبكستان، ضغط كلاهما على بوتين لإنهاء الحرب، مما أدى إلى إحراج الزعيم الروسي، الذي كان يأمل في عرض أقوى للدعم، لذا إذا بدأ بوتين في نقل ترسانته النووية، سيرى العالم أنه على وشك الشروع في مسار عمل كارثي تاريخيا سيكون الضغط هائلاً عليه حتى يتنحى.
في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أيضًا إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها إلى روسيا – ويفضل أن يكون ذلك من وراء الكواليس.
وبالتالي ، وفقاً للسياسة التي يتبعها الرئيس الأمريكي جو بايدن في التريث في إتخاذ القرارات فمن المؤكد أن طائرة يوم القيامة ستكون جاهزة للإقلاع في سماء واشنطن.
موقف الصين والهند من التهديدات الروسية
نحن نتفق جميعاً على أن العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية وروسيا الإتحادية يصفها الجميع بأنها ” علاقة في المطلق “بمعني أدق لا حدود لها. تمتد هذه العلاقات على كافة المحاور ودون أي إستثناءات سواء كانت على المستوى ، الاقتصادى أو السياسي ومع ذلك وعقب التهديد الروسي بقصف محطة زابورجيا النووية ، إرتأت الصين أن خير وسيلة لحل الأمر هو من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات.
قد يحاول البعض الإفادة بأن الصين تؤيد الروس في تهديداتهم النووية تأييداً مطلقاً ولكن الأمر على غير ذلك تماماً فليس الصينيون وحسب من يدركوا خطورة الحرب النووية بل العالم كله وقد شاهدنا في الوثائقيات ما نتج من تدمير لمجرد إلقاء قنبلتين على مدينتين في اليابان هما هيروشيما ونجازاكي وبالتالي فإن تأييد أي ضربة نووية هو أمر مستبعد تماماً.
وفيما يتعلق بالهند فموقفها لم يتغير منذ بداية العملية الروسية العسكرية على أوكرانيا فهي في البداية تسير وفق سياسة شديدة الحذر الهدف منها الحفاظ على التوازن بين علاقاتها بالكتلة الغربية متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والكتلة الشرقية تحت قيادة روسيا الإتحادية.
ومن الجدير بالذكر أن بيان دلهي الأول في مجلس الأمن الدولي لم يتطرق إلى ذكر اسم أي دولة بشكل مباشر، لكنه أعرب عن أسفه لعدم الاستجابة لدعوات المجتمع الدولي لمنح الدبلوماسية والحوار فرصة، لكن الحكومة الهندية مع ذلك لم تصل إلى حد انتقاد روسيا.
وقبل تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار للأمم المتحدة لإدانة الغزو، واجهت الهند دعوات من روسيا والولايات المتحدة وأوكرانيا، “لفعل الشيء الصحيح”. ومع ذلك إستمرت الهند في إتباع سياسة التحرك بحذر شديد وفق متطلبات الأمور والحركة دون التعرض إلى أي من مواقف الدولتين المتحاربتين، وهذا الأمر دعا كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا إلى دعوة الهند بشكل صريح من أجل الظهور بموقف ثابت ومحدد إتجاه الأزمة ولكن لازالت الهند مستمرة في هذه السياسة الحذرة. وبالطبع لا نستطيع أن ننسى ما قالته الهند بأنها قادرة على سد حاجة العالم من القمح وبين عشية وضحاها تغير الوضع نحو منع تصدير القمح الهندي إلى الخارج.
هل نرى صراع القطبين على السطح من جديد؟
يعتقد الكثيرون أن بنهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن المنصرم أن الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية والروس قد ولت أدبارها، ولكن لا يخفى على الجميع حتى وإن لم يظهر ذلك الصراع بشكل واضح وعلني إلا أن الحرب الروسية على أوكرانيا أعادت الصراع إلى السطح من جديد.
ومنذ الوهلة الأولى للحرب أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الغزو الروسي قلباً وقالباً، بالطبع نحن نعلم أن ذلك ليس حباً في أوكرانيا ولكن لأن الروس قد اقتربوا من حدود العديد من الدول الأعضاء في حلف الناتو وهو ما يمثل خطورة كبيرة إتجاه الرأسمالية الغربية.
ولقد رأينا جميعاً سرعة إصدار القوانين الأمريكية وسرعة إنعقاد الجلسات في الكونجرس وسرعة الخروج بقرارات محتواها الوقوف مع أوكرانيا ضد الغزو الروسي مسخرين في ذلك كافة إمكاناتهم التي من الممكن أن تشترك بشكل غير مباشر في الحرب ضد روسيا.
ويعتبر البعض أن الحرب الروسية الأوكرانية ما هي إلا حلقة في سلسلة صراع القطبين للسيطرة على العالم فلا الروس سوف ينسون أن الأمريكان هم من هدموا إتحادهم ولا الأمريكان يغيب عنهم أن الروس يريدوا تسيد العالم من جديد بدلاً منهم فبالتالي تكون هذه الحرب هي حرب قضم الأصابع.
ونحن نرى على أرض الواقع أن الولايات المتحدة تعتمد نفس سياساتها في حظر إنتشار وتمدد النفوذ الشيوعي فبالعودة إلى الماضي قليلاً ومحاولة الروس الوصول إلى المياه الدافئة ، حشدت الولايات المتحدة الأمريكية المتطوعين من بلدان العالم وقدمت لهم كافة الدعم المالي والعسكري والإستخباراتي اللازمين من أجل مواجهة هذا التمدد من خلال أفغانستان وعلى نفس النمط كانت التحرك في أوكرانيا دعم عسكري من خلال تسليم شحنات الأسلحة إلى الدول التي لها حدود مع أوكرانيا ومن ثم وصولها إلى القوات الأوكرانية تمهيداً لإشراكها في المعركة.
وكذا الحال في منع الروس تحرك القطب الأخر في محيطهم، ولكن من الملاحظ في هذه الحرب قد أظهرت شيئاً في غاية الأهمية وهو أن الولايات المتحدة لم تصبح بالقوة اللازمة كما كانت في الماضي، حيث نرى ضيق السيطرة وإنكماش النفوذ أو بالأحرى كانت في الماضي تتخذ خطوات إستباقية من أجل منع التمدد الشيوعي وليس أدل على ذلك من إنتشار ما يعرف بالقرض الصيني وهذا القرض من المعروف أنه يرتبط بأي أصل من أصول الدولة بمعنى عدم قدرة الدولة المدينة على سداد الدين ستتحول ملكية من أصولها نحو الصين وهذا ما قد رأيناه في ميناء سيريلانكا .
وعليه فإن هناك نظريات تنحصرفي فلك أفول نجم أمريكا وانتهاء عهد هيمنة القطب الواحد على المسرح السياسي العالمي ويذهب أغلب الطامحين إلى أن العالم قد يتحول إلى أكثر من خمسة أقطاب، سيادة العالم عبر القارات(العولمة القطبية).
شبح الحرب النووية
نستطيع القول أن الحرب النووية الشاملة ، تبقى بعيدة إلى حد هذا الوقت لأنها نهاية البشرية على كوكب الأرض، والقوى العظمى تعرف هذا الأمر جيدا، ولو حدثت حرب نووية شاملة حرفياً ستنتهي الأرض، لأن الغبار النووي سيحجب الشمس لمدة سنة تقريباً، وبالتالي سيحدث تجمد سيؤدي إلى فناء كل ما هو حي يتنفس، ويقول بعض المحلليين أن الحرب النووية لن تقل عن 100 قنبلة نووية، ولذا تقر جميع الدولة النووية في اتفاق بينها أنها لن تبدأ حربا من هذا النوع.
وتاريخيا، وردت أول إشارة تحذيرية بشأن السلاح النووي، على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق، هاري ترومان، أثناء انعقاد مؤتمر بوتسدام بألمانيا، فى يوليو 1945، الذي ضم إلى جانب ترومان، كلا من الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، حيث إلتقى ثلاثتهم للتباحث بشأن إدارة الوضع فى ألمانيا بعد ستة أسابيع من استسلامها فى الحرب الكونية الثانية، وبحث سبل التعاطي مع تداعياتها، وإرساء دعائم نظام ما بعد هذه الحرب، ومناقشة القضايا المتعلقة بمعاهدة السلام، فعلى هامش المباحثات التي استمرت أياما، ألمح ترومان لستالين دونما تفصيل، بامتلاك الولايات المتحدة سلاحا لا قبل للبشرية به، ويحظى بقدرة تدميرية غير مسبوقة ما يخوله تغيير موازين القوى العالمية، لكن الإشارة المقتضبة لم تمر على مسامع متلقيها السوفييت مرور الكرام، إذ شكلت حافزا لتشجيع السوفييت على تسريع وتيرة أنشطتهم العلمية والبحثية والتجسسية، التي انطلقت قبل تلك الواقعة بأعوام قلائل، حتى يتسنى للاتحاد السوفييتي بلوغ الإنجاز الاستراتيجي المتمثل فى امتلاك السلاح النووي بحلول العام 1949.
وعساه يلحق بالركب الأمريكي ــ البريطاني ــ الكندي، الذي تشارك في «مشروع منهاتن» السري بولاية نيومكسيكو الأمريكية، لانتزاع قصب السبق فى امتلاك أقوى سلاح صادفه الإنسان.
ولكن هل أصبح أمر النووي قاصراً علي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية فقط، بالطبع الإجابة بالنفي فهناك الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وحلف الناتو وجنوب أفريقيا وإسرائيل وحينها وعندما يعلم الجميع بأن النهاية قادمة لا محالة لك أن تتخيل تسارع كل هذه القوى النووية في محاولة ضرب ضربة إستباقية ، سنعود أدراجنا بالمشهد قليلاً نحو هيروشيما ونجازاكي إبان فترة الحرب العالمية الثانية ومدى ما أحدثه التفجير الهائل وتدمير المدينتين عن بكرة أبيهم في فترة وجيزة هذا فقط جراء قنبلتين فما البال لو وصل العدد 100 قنبلة نووية !
وبالتالي ومن وجهة نظرنا الخاصة أن من المستبعد تماماً أن تكون هناك حرب نووية شاملة أو حتى جزئية وأن التهديدات القادمة من موسكو ما هي إلا زوبعة في فنجان من أجل تخويف الرأي الداخلي الأوروبي أو ورقة ضغط تستخدم من أجل أن تتوقف الدول الأوروبية والغربية والولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم الدعم لأوكرانيا والإعتراف بمزاعم الحقوق التاريخية للروس في أوكرانيا على حد تعبير بوتين.
الخاتمة
مازال العالم يشهد الكثير من التحديات، جائحة كورونا والحروب، ومشاكل المناخ وغيرها، ورغم ذلك يتصارع قادة العالم حتى وصل الأمر إلى إصدار رئيس ثاني أقوى قوة في العالم على إصدار تصريح جعل العالم جميعاً يقف على حافة الهاوية ألا وهو ضرب محطة زابورجيا النووية.
من خلال قراءة التطورات الميدانية في المعارك التي تدور على الأراضي الأوكرانية وتحرير القوات الأوكرانية على مساحات شاسعة من الأراضي التي إستولت عليها روسيا.
وكان من الضروري التطرق إلى الطرف الثاني من الصراع الروسي ودعوتهم إلى إستفتاء شعبي ومن ثم التهديد بشن هجوم نووي أثار حفيظة العالم.
وأيضاً لم يكن بالإمكان العبور دون الحديث عن موقف القوى الكبرى في العالم ولا سيما القطب المناهض الولايات المتحدة الأمريكية وأيضا جمهورية الصين الشعبية والهند.
وكان الحديث عن إحتمالية قيام حرب نووية من عدمه والتحقيق في السؤال الأهم إلى متى سيكون العالم قادراً على مجابهة كل تلك الأحداث والصراعات وما إنعاكسات هذه الصراعات على الدول النامية.
وفي الأخير، يمكن القول إنه يجب ألا يتم التفكير في شن أي هجوم نووي من أي طرف، وذلك لأن الحرب النووية تعني في أكثر التحليلات تفائلاً هي وصول البشرية إلى نقطة الصفر.
وهذا يعني تخلي العالم عن كل المكتسبات والحضارات التي أنشأها من أجل الإستمرار والبقاء، فمن المتعارف عليه أن تاريخ البشرية هو قدرة الإنسانية على المرونة والتكيف ولكن هذه المرونة والتكيف مرهونتين بوجود الشمس كمصدر أساسي للطاقة ولكن في حالة نشوب حرب نووية شاملة يعني غياب الشمس لمدة عام بالتمام والكمال وفق اغلب الدراسات التي أجريت في هذا الشأن.
ويمكننا القول بأن الحرب النووية الشاملة ستكون محاولة إنتحارية محققة، فلن يخرج منها أحد منتصر فالخسارة ستكون للبشرية جمعاء.
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: