فرزين نديمي
في 13 نيسان/أبريل، هزّت مجموعة انفجارات السفينة الإسرائيلية لنقل السيارات “هايبريون راي” بالقرب من ميناء الفجيرة. وقبل ذلك بأسبوع، تعرضت سفينة الشحن الإيرانية المعدّلة “سافيز”، لتفجيرات ألحقت بها أضراراً جسيمة. وعلى الرغم من كلا الجانبين سعيا إلى إبقاء هجماتهما البحرية الانتقامية تحت السيطرة، إلا أنها تشكل خطراً كبيراً يتمثل بسوء التقدير والتصعيد الذي قد يعرض الشحن الدولي للخطر.
في 13 نيسان/أبريل، هزّت مجموعة انفجارات السفينة الإسرائيلية لنقل السيارات “هايبريون راي” بالقرب من ميناء الفجيرة. وقبل ذلك بأسبوع، كانت سفينة الشحن الإيرانية المعدّلة “سافيز”، التي تبقيها إيران راسية بشكل دائم في البحر الأحمر حيث يُشتبه بأنها تُستعمل كمركز لجمع المعلومات الاستخباراتية ومستودع عائم للأسلحة، قد تعرضت لتفجيرات ألحقت بها أضراراً جسيمة. ويشكّل هذان الهجومان على ما يبدو أحدث الردود الانتقامية في حرب الظل المنخفضة الحدة الدائرة منذ وقت طويل بين إيران وإسرائيل.
ومنذ عام 2019، احتدمت هذه المواجهة غير المعلنة على الجبهة البحرية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة جهود تهريب النفط الإيراني غير المشروع، والتي تهدف إلى تمويل «حزب الله» اللبناني، وتسهيل العمليات الخارجية لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، ودعم نظام الأسد في سوريا (انظر الجزء الأول من هذا المرصد السياسي لمناقشة أكثر تفصيلاً عن هذه الشبكات التهريبية). وبالطبع، استخدمت إيران السفن لإرسال أسلحة وذخيرة إلى جماعات مثل «حزب الله» و «حماس» و «الجهاد الإسلامي الفلسطيني» قبل عام 2019 بكثير، وكانت إسرائيل قد استولت على ما لا يقل عن أربعة من هذه السفن بين عامي 2002 و 2014. ومع ذلك، فإن رغبة طهران في ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وخطوط إمداداتها إلى «حزب الله» أدت إلى إرسال المزيد من الشحنات المنتظمة غير المشروعة من المنتجات النفطية والإمدادات، والأسلحة في بعض الأحيان. ورداً على ذلك، بدأت إسرائيل حملة تعطيل بحرية أكثر تنسيقاً بدعم واضح من الحلفاء الغربيين، وربما من دول الخليج العربي.
ولم تعلن إسرائيل قط مسؤوليتها علناً عن هذه الهجمات ضد السفن الإيرانية المتجهة إلى سوريا، لكن التقارير الإعلامية والإفصاحات غير الرسمية أكدت دورها بشكل أساسي، كما أن يد إيران في الهجمات الأخيرة ضد السفن الإسرائيلية واضحة أيضاً. ويبدو أن كلا الجانبين يحرصان على احتواء هجماتهما، لكن مع ذلك يمكن أن يتصاعد الوضع – خاصة حالياً بعد أن تم فعلياً على ما يبدو استهداف سفن عسكرية مثل “سافيز” وسط شن هجمات جديدة على جبهات أخرى (على سبيل المثال، عملية التخريب في 10 نيسان/أبريل ضد منشأة “ناتانز” النووية الإيرانية) .
حملة التعطيل البحري
في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، كشفت إيران أن ثلاثاً من ناقلاتها (“السعادة 1″، “حلم”، و “سابيتي”) تعرضت لهجمات قبالة الساحل السعودي على البحر الأحمر في غضون ستة أشهر، مما دفع طهران إلى تحذير سلطات الشحن الدولية من أن الطرق التجارية في ذلك الممر المائي لم تعد آمنة. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن صحيفة “وول ستريت جورنال”، ربما تم استهداف ست سفن إيرانية إضافية في عام 2020. وأشار التقرير إلى أن “إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة متجهة إلى سوريا”، معظمها تحمل النفط الإيراني وبعضها تحمل أسلحة ومواد لبرنامج «حزب الله» للصواريخ الدقيقة. وبالمثل، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في آذار/مارس أن وحدة الكوماندوز “فلوتيلا-13” التابعة للبحرية الإسرائيلية، نفذت ما لا يقل عن عشر هجمات من هذا القبيل باستخدامها ألغام وأسلحة أخرى، بصورة أساسية في البحر الأحمر ولكن أيضاً في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعد أيام من ذلك التاريخ، وسعت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية هذه التقارير، مؤكدة أن عملية “الحرب الاقتصادية” تضمنت شن عشرات الهجمات وكلفت إيران مليارات الدولارات.
وأبحرت السفن التي يُعرف بأنه تم استهدافها عبر البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط في طريقها إلى محطات النفط البحرية بالقرب من بانياس في سوريا. وبعد سلسلة الهجمات، بدأت بعض السفن الإيرانية في اتخاذ المسار الأطول الذي يحيط بأفريقيا، مما تسبب في انقطاع الإمدادات وتقنين الوقود في سوريا.
وقد تجلت طبيعة هذه الحوادث الانتقامية أكثر فأكثر على أساس مبدأ “العين بالعين” في عام 2021. ففي 25 شباط/فبراير، تسبب انفجاران في إحداث ثقوب في ناقلة السيارات الإسرائيلية “أم في هيليوس راي” أثناء عبورها خليج عُمان. وألقت الحكومة الإسرائيلية باللوم على إيران في الحادث وألمحت إلى أنها سترد على ذلك. وفي 10 آذار/مارس، تعرّضت ناقلة الحاويات الإيرانية “شهر كورد” لهجوم بـ”جسم متفجر” عند اقترابها من ميناء اللاذقية السوري، مما تسبّب في اندلاع حريق على متنها وتدمير حاويتين محملتين بقطع لمعدات بناء ثقيلة من “كاتربيلر”. وجاء الرد الإيراني الواضح في 25 آذار/مارس، عندما تعرّضت سفينة الحاويات الإسرائيلية “لوري” لهجوم بينما كانت في طريقها من حيفا إلى الهند في وسط بحر العرب. ومن ثم جاءت الضربة التي استهدفت في 6 نيسان/أبريل سفينة “سافيز” التي لطالما مكّنها موقعها الاستراتيجي بالقرب من “أرخبيل دهلك” في إريتريا من دعم المتمردين الحوثيين في اليمن في حربهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية، من بين أدوار مشبوهة أخرى. ويُعتبر الهجوم على “هايبريون راي” قبالة الساحل الإماراتي آخر حادث معروف ضمن سلسلة الهجمات.
ويبدو أن هناك حوادث إضافية مرتبطة بهذه المواجهة أيضاً، وكثير منها يتعلق بدول أخرى أو أهدافاً أو تكتيكات أخرى. وهي:
- احتجاز سفينة “سي شارك” الإماراتية في مصر في تشرين الأول/أكتوبر 2018، ونزع العلم عنها، عندما كانت تنقل النفط الخام من محطة ميناء “جزيرة خارج” الإيرانية متجهةً على الأرجح إلى سوريا.
- الحادثة الغريبة التي تعرضت لها سفينة “تور 2” في كانون الثاني/يناير 2019 حين جنحت لسبب ما في اللاذقية بعد تفريغ حمولتها من [النفط] الخام الإيراني
- تعرّض خطوط أنابيب النفط السورية تحت الماء التي تربط موانئ بحرية بمصفاة بانياس لأعمال تخريب في حزيران/يونيو 2019 وكانون الثاني/يناير 2020، وقد وقع كلا الهجومين مباشرةً قبل وصول الناقلات الإيرانية لتفريغ حمولتها
- احتجاز بريطانيا للناقلة “غريس 1″ في جبل طارق في تموز/يوليو 2019، مع الإشارة إلى أن السفينة أفرغت لاحقاً حمولتها من النفط في سوريا بعد السماح لها بالمغادرة
- شن هجوم إلكتروني على مرفق ميناء “بندر عباس” الإيراني في أيار/مايو 2020، حيث يُنظر إلى ذلك الهجوم وعلى نطاق واسع على أنه رد إسرائيل على الهجمات الإلكترونية الإيرانية على شبكة المياه الإسرائيلية
وفي جهد متعمّد على ما يبدو من كلا الجانبين لتجنّب التصعيد، لم تتعرض أي من السفن المستهدفة لأضرار جسيمة (على الرغم من أن الانفجارات أجبرت سفينتين على الأقل على العودة إلى إيران). وبالفعل، أظهرت بعض الهجمات دقة كبيرة وبالغة، مثل التدمير الظاهر المستهدف لحاويات محددة على متن سفينة “ شهر كورد”.
وفي أيار/مايو 2020، أصدرت الحكومة الأمريكية توجيهات إلى القطاع البحري حول كيفية التعامل مع الشحنات غير المشروعة والتهرب من العقوبات التي يتبعها «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» والجهات الفاعلة الأخرى. وفي غضون أشهر، أدت التأثيرات المشتركة للضغط الدولي والجهود العسكرية الإسرائيلية إلى تعطيل عمليات تهريب النفط الإيراني غير المشروع لدرجة أن البحرية الروسية بدأت في مرافقة السفن الإيرانية من أجل الحفاظ على خطوط الإمداد لنظام الأسد. ففي تشرين الأول/أكتوبر، على سبيل المثال، ووفقاً لتقرير صادر عن “المعهد البحري الأمريكي” في ذلك الشهر، أطفأت ناقلة النفط الإيرانية “سماح” جهاز الإرسال والاستجابة الخاص بها بعد عبورها قناة السويس، وتمتعت بحماية السفن الروسية أثناء عبورها البحر المتوسط إلى سوريا.
التداعيات
حتى الآن، بقي النزاع البحري بين إيران وإسرائيل عند مستوى منخفض الكثافة لـ المنطقة الرمادية بدرجة أدنى من عتبة الأعمال العدائية المعلنة، حيث يسعى كلا الجانبين إلى تجنب التصعيد الذي قد يعطّل ممرات الشحن والاقتصادات الخاصة بها. ومع ذلك، يتمتع كلا البلدين بقدرات وخبرات حربية بحرية مميزة، لذلك من غير المرجح أن يقبل أي منهما بأقل من التفوق البحري. وقد زادت وتيرة هجماتهما بالفعل ويمكن توقع تسارعها بصورة أكبر، مع التوسع أيضاً إلى منطقة جغرافية أكبر وربما استخدام أنظمة وتكتيكات إضافية (على سبيل المثال، الغواصات؛ السفن الأم المستخدمة كمراكز انطلاق؛ طائرات بدون طيار طويلة المدى وسفن الهجوم السريع).
وقد تجلى خطر التصعيد بشكل خاص مع حادثة “سافيز”. فنظراً إلى استهداف السفينة تحت خط الماء، يبدو أن الهجوم كان مصمماً لتعطيل حركتها أو حتى إغراقها. وعلى الرغم من التصنيف الفني للسفينة على أنها مركبة شحن مدنية، إلّا أن الهجوم شكل العملية الأولى ضد هدف عسكري فعلي، الأمر الذي قد يجبر إيران على الرد بالمثل ضد القوات البحرية الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، وقع الحادث على بعد أقل من مائة ميل من مجموعة القوة الضاربة لحاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور”، وبعد ذلك، قدمت إيران ادعاءات لا أساس لها من أن دولاً أخرى قد تكون متورطة، مما يشير إلى خطر انجرار واشنطن إلى القتال.
وفي النهاية، قد يتطلب مدى الضرر اللاحق بسفينة “سافيز” تصليحات كبيرة على الشواطئ وربما أيضاً عودتها إلى إيران. وإذا كان الأمر كذلك، فقد تقرر طهران الحفاظ على هذا الموقع [الذي ترسو فيه “سافيز”] عبر نشر إحدى قواعدها البحرية العائمة الجديدة المزودة بكمية أكبر من الأسلحة على غرار “الشهيد روداكي” (بحرية «الحرس الثوري» الإيراني) أو “مكران” (“بحرية جمهورية إيران الإسلامية”). وقد يعني ذلك وجوداً عسكرياً رسمياً كبيراً لإيران في البحر الأحمر – وهو سيناريو قد تجد إسرائيل والقوى الأخرى في المنطقة صعوبة بالغة في تقبّله.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.