حركة جيل الهوية: الوجه الفرنسي لليمين المتطرف

دلال العكيلي

 

بعد ظهيرة أحد الأيام وفي مدينة ليل شمالي فرنسا، حيث يقبع مقر “القلعة”، وهو مقر حركة “هوية الجيل”Generation Identity استقبل أوريان فيرهاسيل، القائد الفعلي للحركة في مدينة ليل، والذي ينحدر انتماؤه إلى مجموعة تشجيعية لنادي LOSC الفرنسي، عرفت باسم LOSC Army سبق أن تورط بعض أعضائها في الكثير من أعمال الشغب والعنف، ومن داخل القلعة يمكننا التعرف على المكان كما يصفه رواده بأنه نادٍ اجتماعي متكامل، ذات يوم استيقظ سكان برلين الألمانية على لافتة إعلانية معلقة على أحد جدران محطة المترو الألمانية، تحمل دعوة لحملة “إعادة الهجرة” وهي حملة أطلقتها حركة “هوية الجيل” بغرض إعادة المهاجرين العرب والمسلمين إلى بلدانهم مرة أخرى، حتى لو تحملت الحكومات الأوروبية تكاليف المراكب الشراعية أو الطائرات التي ستقل المهاجرين إلى بلدانهم مرة أخرى.

ها هي المفاجأة تداهم الجماهير، فاللافتة مصدرها الرئيسي ليست ألمانيا، وإنما المقر الرئيسي للحركة ونشاطها الأكبر في فرنسا، وهو انعكاس لأكثر من شق مجتمعي، فالجالية المسلمة في فرنسا من أكبر الجاليات في أوروبا، إن لم تكن أكبرها، كما أن الغطاء السياسي الذي تحصل عليه الحركة في فرنسا ليس موجودًا في كثير من البلدان الأوروبية، لاسيما وإن كان الداعم هو ثاني أكبر حزب سياسي في فرنسا، وقد استطاع في 2014 أن يستحوذ على أغلبية تمثيل فرنسا في البرلمان الأوروبي.

وقد أظهر التقرير انتشار الحركة في العديد من البدان الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا والنمسا وإيطاليا، وقدرة الحركة على استقطاب العديد من الشباب، حيث تضاعفت الأعداد خلال شهور بشكل كبير، لكن الحاضنة الكبرى ظلت في فرنسا، فبعد أن تولت ماري لوبان رئاسة حزب “الحركة الوطنية” في 2011 ونزعت أباها خارجًا رفقة كل من لا يتفقون وسياساتها، فرضت سيطرة كاملة على أركان الحزب.

شروط الانتماء

شروط صارمة تفرضها القلعة من أجل الانتماء للحركة، أو الدخول إلى القلعة والبقاء داخلها، فعلى الرغم من أن “فيرهاسيل” قائد الحركة في ليل كان واحد من LOSC Army وشارك في أعمال عنف وشغب خلال إحدى مباريات الفريق في 2016، وقع بعدها 41 من أعضاء الرابطة في الاعتقال، إلا أنه أصبح يرفض وجود أي منهم داخل القلعة، أو انضمام أي منهم إلى الحركة، فهم بحسب قوله “متهورون ولا يمكن الثقة في تصرفاتهم”.

كما أن الحركة ترى أنه لا يكفي أن يكون المتقدم للانضمام كارهًا للعرب أو المسلمين حتى ينضم للحركة، فهذا وحده لا يخدم القضية، بجانب ما قاله فيرهاسيل في أحد التسجيلات عن رفضه 7 من كل 10 متقدمين كما أن النازيين الجدد غير مرحب بهم في الحركة، أو المتهورون منهم “أولئك الذين يلوحون بإشارة هتلر في الشوارع وأمام الناس، فهذا يلفت النظر ويضع الحركة محل شكوك، في حين أن فيرهاسيل يطرد كل فترة من يشك في مخالفتهم للصورة الإعلامية التي ترسمها الحركة لنفسها، خاصة أن قيادات الحركة دائمًا ما يعلنون أنهم لا ينتهجون العنف أو العنصرية”.

واحدة من أهم القواعد المفروضة على الموجودين داخل القلعة هي عدم التقاط الصور، أو استخدام الهواتف الذكية دون إذن، فهذا يُهدد بشكل كبير أمن الحركة، ويعرضها لتسريب الصور إلى الصحافة، تنتقل بنا الكاميرا سريعًا إلى أحد الميادين في مدينة ليل، حيث ريمي فاليز، رفقة بعضٍ من أعضاء الحركة، وهم يهاجمون شابًّا، فتتصدى فتاة ذات لكنة عربية بعض الشيء لهم بألا يضربوه، قائلة: “أنا أقسم عليك بمكة ألا تضربه؟”، فكان رد ريمي: “اللعنة على مكة”، وانهال بالصفع على وجه الفتاة، ثم أتبعه بلكمات ثقيلة على جمجمتها، أظهره الفيديو بعد ذلك وهو سعيد بتوجيهها، مضيفاً أنه لا فارق لديه إن كانت فتاة أم رجلًا، فهي عربية في النهاية، تستحق ذلك، بحسب موقع اضاءات.

تنامي مخاطر اليمين المتطرف

أصبحت أوروبا في السنوات الاخيرة تحت طائلة توسع وانتشار الجماعات اليمينية المتطرفة، التي تمثل تهديداَ الى القيم الديمقراطية الأوروبية وعائقا أمام المؤسسات السياسية من أجل ممارسة نشاطها في ترقية قيم التعايش والاحترام المتبادل بين المواطنين الأوروبيين والمهاجرين واللاجئين، و من بين هذه الجماعات المتطرفة “حركة الهوية” في ألمانيا التي تعتبر أحد فروع “جيل الهوية” اليميني المتطرف الذي يمتد بين العديد من البلدان الأوروبية، تنشط حركة الهوية في ألمانيا منذ عام 2012 وتضم المجموعة حالياً حوالي 600 عضو فقط، لكنهم يحاولون التعويض عن ذلك من خلال تنظيم احتجاجات وأحداث بشكل متقن، وقد برزت الجماعة لأول مرة على المستوى الوطني في عام 2016 عندما احتل النشطاء بوابة براندنبورغ ورفعوا لافتات ضخمة مناهضة للاجئين.

ووفقاً للأيديولوجية حركة الهوية، فإن مفهوم الإثنية والعرقية يخلق الحاجة إلى الهجرة، وهو مصطلح يشير إلى فكرة إعادة المهاجرين، وكذلك المواطنين ذوي الجذور الأجنبية، إلى بلدانهم الأصلية، في هذا الصدد، هم غير نادمين وقال سبيت، أنها تنص بشكل لا لبس فيه على أن أي شخص ليس من أصل ألماني لا ينبغي أن يكون في هذا البلد، في تقرير نشره موقع “دوتشيه فيلله” في 13 يونيو 2019 النازيون القدامى والجدد يهددون أمن المانيا، هكذا هو المشهد !

“حركة الهوية” هو الفرع الألماني للحركة القومية للهويات الأوروبية منشؤها في فرنسا مع “جيل الهوية”، تأخذ الحركة خيوطها من عدد من مفكري “اليمين الجديد” مثل آلان دي بينوا، الذين يرفضون التغييرات التقدمية التي حدثت في جميع أنحاء أوروبا على مدى السنوات العشرين الماضية وبدلاً من ذلك، فإنهم يدعون إلى مجموعة من الأفكار المحلية والتقليدية تتأثر “حركة الهوية” في ألمانيا بشكل خاص بنص تم صياغته عام 2013 كتبه ماركوس وينجر، وهو ناشط نمساوي يدرس حاليا في شتوتغارت، ويعتبرون هذا النص كبيان لهم، حسب تقرير نشرته صحيفة “The Local” الألمانية في 12 يونيو 2019.

تعتمد “حركة الهوية” في تأثيرها الايديولوجي والاجتماعي والسياسي على تدريب أعضائها في تكتيكات الخداع والتلاعب ونشر الاحباط، وقد شهد الكتاب الالكتروني الذي يحمل عنوان “حرب العصابات الإعلامية” نجاحا معتبرا، حيث ساهم في الدعاية لحملات “حركة الهوية” التي أصبحت تنتشر بشكل كبير وتصل إلى جمهور عالمي حيث ذكر أحد أعضاء بارزون في جيل الهوية إنهم يريدون إنشاء فروع في جميع أنحاء العالم، من أستراليا إلى كندا، في دراسة نشرها موقع “Politico” في 4 ابريل 2019.

وقد صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا) “حركة الهوية” على أنها حركة يمينية متطرفة بشكل واضح وتستدعي المراقبة، ويعني ذلك أنه سيتم السماح بمراقبة الفرع الألماني للحركة، باستخدام كامل الأدوات التنفيذية للوسائل الاستخباراتية فيما كانت هذه الحركة مصنفة منذ ثلاثة أعوام في “حالة اشتباه” وقال رئيس الاستخبارات الداخلية توماس هالدنفانغ: “بصفتنا نظام إنذار مبكر يجب ألا نركز اهتمامنا على متطرفين موجهين للعنف فحسب، ولكن يتعين علينا أيضا رصد أولئك الذين يلعبون بالنار لفظيا”، وأكدت الاستخبارات الداخلية أن مواقف “حركة الهوية” كانت موجهة مؤخرا “لاستبعاد أشخاص ينحدرون من مواطن خارج أوروبا من المشاركة الديمقراطية والتمييز ضدهم بطريقة تجرح كرامتهم”، وفق ما ذكره مزقع “دوتشه فيلله” في 11 يوليو 2019.

من الملاحظ أن جماعات اليمين المتطرف في أوروبا بشكا عام، وفي ألمانيا بشكل خاص، تتصاعد وتيرة تأثيرها واختراقها للمجتمع والمؤسسات السياسية وحتى الأجهزة الأمنية بالرغم من الجهود المبذولة من مختلف أجهزة صناعة القرار في أوروبا، الا أن هذه الأخيرة ما تزال تشهد ظهورا متسارعا لحركات اليمين المتطرف، دون الحديث عن الخلايا اليمينية المتطرفة النائمة والتي قد تكون بعيدة عن رقابة أجهزة الأمن والاستخبارات.

يحمل مستقبل الجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا العديد من الاحتمالات المبنية على معطيات راهنة “تجعل من الدول الأوروبية تدق ناقوس الخطر”، على اعتبار أن هذا النوع من التنظيمات سيستمر في التغلغل داخل المجتمع الأوروبي والهياكل السياسية أيضا التي سيكون لها دور “الحامي و المنقذ” للحركات التي تمارس العنف في الميدان. فإذا استمرت أوروبا بتبني المنظومة القانونية الحالية لاسيما في جانب الحريات الممنوحة للأشخاص ذوي ايديولوجيات معينة، فإن الجماعات اليمينية المتطرفة ستجد مستقبلا “أرضا خصبة” لممارسة العنف و التلاعب بقيم التعايش والاحترام المتبادل داخل أوروبا، وستتمكن من “التدمير التدريجي” للأمن المجتمعي الأوروبي، بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات.

أمام القضاء

كثيرا ما ينادي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بضرورة اجتثاث ما يصفه بـ “الإرهاب الإسلامي” من بلاده ومحاربة المنتسبين إليه -وهذا نهج جميع رؤساء الجمهورية الفرنسية دون استثناء- لكن لم نسمعه يوما يتحدّث عن “إرهاب” أبناء جلدته المنتمين إلى جماعات اليمين المتطرّف التي تنادي علنا وصراحة بمحاربة المسلمين والمهاجرين وضرورة ترحيلهم من فرنسا.

وحتى يقال إن المعاملة نفسها، بدأ القضاء الفرنسي محاكمة 3 أشخاص منتمين إلى الحركة المتطرّفة بتهم الاعتداء على مراهقة (14 عاما) من أصول مغاربية في يناير/كانون الثاني 2018 والتحريض على عمل إرهابي، وذلك على خلفية فيلم استقصائي من إنتاج قناة الجزيرة، بعنوان “جيل الكراهية” (Generation Hate)، كشف قبل سنتين النقاب عن أنشطة اليمين المتطرف في فرنسا، من بين المتهمين الثلاثة، ريمي ف. الذي يواجه عقوبة السجن لـ 5 سنوات، بعدما تحدث عن هجوم بسيارة على سوق في حي شعبي بمدينة ليل، فيما سيمثل المتهم إتيان ف. أمام محكمة ليل الجنائية بتهمة “التحريض العام على الكراهية أو العنف” لا سيما بسبب أدائه التحية النازية، كما يوجّه للمتهم الأخير، غيوم د. تهمة “العنف في تجمع”.

تعتبر معاداة الإسلام والمهاجرين من أهم المواضيع على أجندة هذه الحركة اليمينية المتطرّفة، فهي تعمل على ترحيل المهاجرين خاصة المسلمين منهم، وثّق الفيلم مشاهد عنيفة وصادمة وألفاظا عنصرية لأعضاء الجماعة المتطرفة ذات التوجه النازي، وهم يؤدون التحية النازية قبل الاعتداء بالضرب المبرح على الفتاة في مدينة شمال فرنسا، كما تضمن الفيلم تصريحات عنصرية لأحد عناصر جماعة الهوية خلال تحريضه على قتل واستهداف المسلمين، قائلا: “إذا أصبت يوما ما بمرض مزمن لا يرجى منه الشفاء، فسأشتري مسدسا، وسأرتكب مجزرة في مسجد مثلا”.

ورغم ثبوت التهم بالدليل القاطع، إلا أن الرئيس ماكرون، الذي لا يترك فرصة إلا ويتهجّم فيها على الإسلام بحجة حماية حرية التعبير والحفاظ على نمط العيش الفرنسي، لم يتحدّث أبدا عن هذه القضية ولا عن هذه الحركة المتطرّفة، وهي خطوة ليست منتظرة أو متوقعة، وإنما تشير إلى ازدواجية معاييره وعنصريته العمياء تجاه الإسلام، ولا سيما أن الشرطة الفرنسية تسجل اعتداءات ضدّ المهاجرين ينفّذها عناصر “جيل الهوية”، بحسب نون بوست.

حل الحركة وارد

وفي أول رد على طلب النائب، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، غابرييل أتال، في تصريحات صحفية:” إن مسألة حل الحركة مطروحة حالما يكون هناك دليل على وجود دعوة للعنف والكراهية، سيتم اتخاذ القرارات اللازمة” يشار إلى أن الحركة للحل سنة 2019، بعد أن تقدم المدير العام لجمعية “فرنسا أرض اللجوء”، بيير هنري، بطلب لحلها نظرا للانتهاكات التي تقوم بها في حق المهاجرين، معتبرا أنها ليس لها مكان في الجمهورية.

وفي السياق، خرجت تظاهرات في عدة مظاهرات في مدن فرنسية لمناهضة فكر الحركة اليمنية، والدعوة في المقابل إلى التسامح وفتح الحدود أمام المهاجرين أيا كانت جنسيتهم وعرقهم ودينهم، وحركة “هوية جيل” هي أحد أشهر فروع “حركة الدفاع عن أوروبا” في فرنسا، التي تأسست أواخر القرن الماضي، بهدف الدفاع عن هوية أوروبا وحمايتها بحسب قولهم من التغيرات الاجتماعية والديمغرافية التي تسببها الهجرة، بحسب سكاي نيوز عربية.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/25258

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M