اعداد : بوطالب محمد أمين – المركز الديمقراطي العربي
الصراع التركي – اليوناني.
يعتبر الصراع التركي – اليوناني إحدى أبرز نماذج التوترات الدولية سواءا على مستوى الدراسات في علم العلاقات الدولية كعلم قائم أو كحقيقة مفروضة في الساحة دولية و شرق المتوسط و منطقة بحر ايجة تحديدا منذ أكثر من قرن و نصف من الزمن. بغض النظر عن الأصول الكرونولوجية عاد هذا الصراع ليبرز إلى المشهد الإقليمي من جديد على إثر النشاطات الدولية الهادفة للتنقيب عن مصادر الطاقة في ذات المنطقة و الإتفاقيات التي عقدتها اليونان مع العديد من دول المنطقة كمصر و إسرائيل و قبرص الجنوبية في هذا الشأن و التقارب السياسي و العسكري المرافق لها و التي صنفته تركيا كتهديد جيو- استراتيجي امني و طاقوي سارعت هي الأخرى إلى عقد إتفاقيات مع دول المنطقة التي توافقها وجهات النظر كليبيا و قبرص الشمالية في مجالات ترسيم الحدود البحرية و التعاون السياسي و العسكري مما أحدى إلى تزايد حدة التوتر بين أثينا و أنقرة.
هدنة طارئة
فجر يوم السادس من فبراير 2023 ضرب زلزال تركيا بقوة 7,4 على مقياس ريختر مخلفا الالاف القتلى و الجرحى و المتحتجزين تحت أنقاض ركام البنايات ، على إثر هذه الكارثة الطبيعية اتجهت أنظار العالم إلى تركيا و توجهت قوافل الإغاثة الدولية إليها، في هذا الصدد لم تتوانى أثينا عن إرسال المساعدات إلى تركيا بحمولة 80 طنا كما تم توجيه قرابة 50 فردا من عناصر الحماية المدنية اليونانية إلى تركيا للمساعدة في عمليات الإجلاء كما عبر رئيس الوزارء اليوناني كرياكوس ميتوتاكيس عبر صفحته الرسمية على تويتر عن تضامن اليونان مع تركيا حكومة و شعبا كما توجه وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى محافظة آضنة التركية لتفقد المناطق المتضررة برفقة وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو الذي صرح بأن تركيا سوف تسير إلى خيار إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.
بناءا على ماسبق ، فإن هذه الإجراءات و ما تلاها من تصريحات رسمية من البلدين توضح بشكل جلي على أن الفترةالمقبلة قد تشهد تحولا ملحوظا في خفض حدة التوتر بين أثينا و أنقرة ما من شأنه التأثير على إستقرار المنطقة بالإيجاب و التوصل إلى خارطة طريق لحل مختلف القضايا العالقة بين البلدين بشكل خاص و دول المنطقة بشكل عام عن طريق الحوار.
من خلال ما تقدم آنفا ، فإننا ملزمون بأخذ هذه التطورات إلى بعد التنظير و التحليل لإدراك تأثير هذه الخطوات
و التصريحات على السياسة الخارجية للدول و بالتالي محاولة إختبار متغيرات جديدة في حقل العلاقات الدولية.
سلم من رحم كارثة
منذ بدايات القرن الماضي حرص العديد من الباحثين الأكاديمين في هذا الحقل و صناع القرار الخارجي و الذين شكلوا ما يعرف بالبراديم الليبيرالي على إيجاد حلول سلمية مجدية لتقليل التوترات و النزاعات في العالم من خلال العديد من الأطر القانونية و المؤسسية ، كما أكدوا على ان النظام الدولي يجب أن يقوم على الإعتماد المتبادل لتحقيق المصالح لكل الدول فالمصلحة القومية متغير ثابت إلا ان الروى بحولها متناظرة ، فالبراديم الواقعي أشرس منافسي البراديم الليبيرالي يؤكد على ان تحقيق المصلحة القومية مرهون بتعزيز الدول لقوتها في إطار التنافس في ظل فوضوية النظام الدولي فيما تراها الليبيرالية عملية تنافسية تقود إلى التكامل.
كلا المنظورين لديهما القدرة على التحليل و التفسير على مختلف المستويات لكن السؤال المطروح هل تمتلك دولة معينة القوة القومية الكافية لمواجهة تهديدات الطبيعة؟ نعود هنا إلى النموذج المذكور سالفا تركيا و اليونان العدوان اللدودان اللذان جمعهما الزلزال نظرا لعدم قدرة تركيا كوحدة قومية منفدرة على تخطي تبعات هذا الزلزال و إطلاق نداءات الإستغاثة.
بناءا على هذا الطرح فإننا نعتقد بأن المصلحة المشتركة الدولية متغير أساسي أثبت جدارته مؤكدا طرح الليبيراليين، فأغلب التهديدات اليوم تحتاج سياسات دولية مشتركة لمجابهتها على غرار السياسة الدولية لمحاربة الإرهاب و الإستراتيجية الدولية لمكافحة التغيرات المناخية التي جمعت أشرس القوى الدولية العظمة المتنافسة بالتالي يمكن اتخاذ ذات النهج في مواجهة الكوارث الطبيعية و الصناعية.
بالعودة للتأصيل النظري في حقل السياسة الخارجية المنبثق عن حقل العلاقات الدولية، فإننا نجد أن الإطار النظري لهذه المقاربة في إطار نظرية التكامل و الإندماج قد تم الخوض فيه منذ عقود و قد شهد العالم أنواعا عدة من نماذج التكامل
و الإندماج على المستويين التكامل الوظيفي و الأمن الجماعي بين العديد من دول العالم سواءا على المستويات الثنائية
و الإقليمية و حتى الدولية بين وحدات دولية تجمعها مصالح مشتركة سواءا تلك الأمنية أو الاقتصادية أو الثقافية إلا أن من الملحوظ أن التكامل في المجال الإغاثي يفتقر للإطار المؤسسي و القانوني و حتى النظري الفعال و الملزم لهذه الوحدات
و حتى مستوى الوحدات الدولية بشكل منفرد فإنه يغلب عليه ضعف القيمة المعطاة له.
دبلوماسية الكوارث
يسعى القانون الدولي الإنساني لحماية الفرد من كافة التهديدات المقوضة للأمن الإنساني في حالة السلم و الحرب والأزمات بناءا على هذا فإن الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب و الهلال الأحمرين و الحركة الدولية للصليب و الهلال الأحمر يعتبران أكبر شبكة إنسانية في العالم تسعى لتقديم يد العون لكافة سكان المعمورة دون تمييز و بناء السلم الدولي بالإضافة إلى مكتب الشؤون الإنسانية و الأمم المتحدة و الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ و التي تعتبر نوعا من التكامل الدولي المشار إليه سابقا.
إنطلافا من هذه الأهداف الأساسية فإنه حري بفواعل النظام الدولي دعم جهود الإغاثة الدولية و إعتبارها كمنطلق دبلوماسي إستباقي من شأنه حل التواترات و النزاعات في مختلف المناطق في العالم. إستنادا إلى هذا فإن أبرز المقترحات الممكنة في سبيل تحقيق هذا الهدف تتمثل في :
أ- على المستوى العملي:
- – المبادرة بنقاش دولي حول إستراتيجية دولية لمواجهة الأخطار الطبيعية و الصناعية أكثر فعالية و إلزاما لفواعل المجتمع الدولي.
- – إدراج هذا النقاش لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة و مجلس الأمن كونه يعتبر بعدا أمنيا.
- – إيجاد إطار مؤسسي دولي و إقليمي إغاثي.
- – تبادل الخبرات الدولية و التكوين و إنشاء شبكة علاقات بين المنظمات الغير الحكومة ذات الإهتمام المشترك.
- – عقد الإتفاقيات الثنائية و التعددية بين الدول ذات التهديدات الطبيعية و الصناعية المشتركة.
- – تطوير سبل إدارة الأزمات الدولية.
- – وضع مجال مجابهة الإخطار و الكوارث الكبرى الطبيعية و الصناعية في خانة الأولويات الأمنية لدى الدول.
- – تعزيز مفهوم الأمن الجماعي بإدخال مفاهيم الأمن و الحماية من الكوارث الطبيعية والصناعية.
- – تكوين أطقم التدخل الخاصة في حالات الكوارث و الأزمات الطبيعية و الصناعية ذات البعد الدولي على أسس العمل
و الحوار الدبلوماسي لتكون قناة دبلوماسية بين الدول. - – تعزيز عملية التدخل الإنساني بمفهوم جديد مختلف عما هو معهود.
- – إعطاء بعد أخر للعمل الدبلوماسي يمكن تسميته بالديبلوماسية الإغاثية.
ب- على المستوى التنظيري:
بالنسبة للجانب التنظيري فإنه من الأهمية بمكان العودة لدراسة نظرية التكامل و الإندماج و في حقل السياسة الخارجية بشكل خاص كونها تعزز البناء النظري لهذه النظرية بشقيها شق التكامل الوظيفي بفرعيها هي الإخرى التكامل الوظيفي التقليدي و التكامل الوظيفي الجديد و شقها الثاني و المعني بالأمن الجماعي.
بناءا على هذا فإن الأرضية النظرية لتعزيز الجهود الدولية للإغاثة و التدخل الإنساني بمفهومه الحرفي لا تتنافى و طرحنا في هذا الخصوص.
بالعودة لجانب التنظير في حقل العلاقات الدولية فإن النظرية الليبرالية من جهتها أكدت على أن التفاعل بين فواعل المجتمع الدولي قائم على الإعتماد الدولي المتبادل ، بناءا على هذا الطرح ظهرت النظريات الجزئية الداعمة لهذا الطرح و أبرزها النظرية المذكورة أعلاه و وفقا للمنظور الليبرالي إن تقيد المجتمع الدولي بقواعد الإعتماد المتبادل من شأنه تخفيف مستويات الفوضى في البيئة الدولية و تقليل التوترات و الصراعات و بناء السلام لمستويات ملحوظة.
بالنسبة للنظريات النقدية و ما طرحته من أنساق معرفية جديدة خصوصا في المجال الأمني و ما ساهمت مدرسة كوبنهاغن في الدراسات الأمنية و ظهور مفاهيم التدخل الإنساني و الأمن الإنساني و حماية الأفراد على كافة المستويات العمودية
و الأبعاد الأفقية و ما ساهمت به في تطوير مفهوم الأمن ، إلا أن النقاش بخصوص أمن الإنسان و حمايته من الكوارث الطبيعية و الصناعة يبرز أثناء هذه الظواهر ليعود و يختفي بعد مرور هذه الأحداث.
بناءا على هذا فإن مفاهيم الأمن الإنساني و التدخل الإنساني يجب أن تعاد صياغتها لتتضمن هذه الجزئيات محل النقاش في هذا المقال.
الخاتمة:
وفقا لمنظورنا ، إن زلزال تركيا لم يخلف فقط خسائر مادية و بشرية بل خلف بشكل إيجابي منطلق نقاش حول ضرورة التواصل و التعاون الدولي أثناء هذه الظواهر و ما يمكن أن يساهم به في تخفيض مستويات التوتر و التآزم الدوليين و الذ يمكن ان تكون أيضا منطلقا تطويرا لمختلف النظريات و المفاهيم المتداولة في حقلي السياسة الخارجية و العلاقات الدولية و تبقى الحاجة إلى إرادة حقيقية لتجريب هذا النسق على المستوى الواقعي.
.
رابط المصدر: