يحمل النزاع بين إيران وإسرائيل نوعين من النزاعات، فإسرائيل في أغلب الأحيان تنتهج فكرة حروب الظل وهي التي ترتكز على الأعمال الاستخباراتية والاغتيالات داخل حدود الدول وهو ما حدث أخيرًا عند اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية بينما تتمسك إيران بالرد العسكري كنوع من أنواع النزاع المسلح
وهو ما يجعلنا نتناول المسألة ومحاولة فهم النزاع المسلح الدولي التي تنتهجه إيران وحروب الظل التي تنتهجها إسرائيل ومآلات ذلك.
فالنزاع المسلح الدولي هو كل نزاع مسلح تتصف أطرافه بوصف الدولة وقد تأخذ تلك النزاعات صورًا أخرى في حالة عدم اتصاف الطرف الآخر بوصف الدولة، ودولية النزاع ترجع في الأساس إلى فكرة المصلحة فأي مساس بالمصالح الدولية يعد نزاعًا مسلحًا دوليًا وتنطبق أحكام القانون الدولي الإنساني على تلك النزاعات ويكون بين طرفين أو أكثر، فالنزاع المسلح الدولي يوجد أساساً عندما يحدث صدام مسلح بين دولتين أو أكثر، وتأسيساً على ذلك فالنزاع المسلح يتمثل في الحرب المعلنة، أو أي نزاع مسلح آخر بين دولتين أو أكثر حتى إذا لم تعترف إحداها بحالة الحرب.
ففي عام 1949 وضعت اتفاقيات جنيف الأربع لتشمل حالات الحروب المعلنة والاشتباكات المسلحة أيًا كانت وبأي شكل، حتى وإن كان أحد الأطراف فيها لا يعترف بقيام حالة الحرب المعلنة من الطرف الآخر، وبذلك فإن هذه الاتفاقيات قطعت الطريق أمام الدول المتمسكة بالذرائع والادعاءات التي تضعها هذه الدول للتملص من أداء التزاماتها،
وهو ما يحدث حاليًا بين إيران وإسرائيل، فبداية النزاع المسلح ليس بالضرورة استخدام قوات مسلحة مباشرة في النزاع، فالإعلان أو الإنذار أو التصريح يستهدف بدأ النزاع المسلح بين الأطراف المتحاربة، وهو ما قامت به دولة إيران بعد مقتل إسماعيل هنية على أراضيها.
فبينما تنتهج إيران فكرة النزاع المسلح الدولي وهو المتمثل في مهاجمتها لإسرائيل عن بعد سواء في الداخل الإسرائيلي أو في أماكن أخرى تمثل قيمة استراتيجية لإسرائيل.
تنتهج إسرائيل حروب الظل وتُعد حروب الظل وهي العمليات الاستخباراتية، والعمليات النوعية مثل التخريب واغتيال شخصيات سياسية وعسكرية وعلميّة في دول معادية، أحد أركان العقيدة الأمنية الإسرائيلية
فمفهوم حروب الظل يستخدم وبشكل كبير عند الحديث عن حالات الصدام العسكري التي تركز على إعلان وإظهار المصداقية في التهديد، أو إرسال الرسائل التي تفيد بأن المواجهة الشاملة سوف تكون حقيقة واقعة ومؤلمة ومكلفة لجميع الأطراف، وربما تكون هذه الحروب أيضًا متزامنة مع عمليات تفاوضية جارية ولخدمتها بالفعل، ومن أمثلة حروب الظل في منطقتنا حاليًا هي التي بين إسرائيل وإيران وعبرت فيها تل أبيب وبشكل واضح عن استعدادها لممارسة الضغط العسكري بكلّ أشكاله وذلك لمنع إيران من زيادة صادرات الأسلحة من الصواريخ الدقيقة والمسيرات باتجاه حزب الله ومليشياتها في سوريا، وفي الواقع حرب الظل هي غير مباشرة وغير تقليدية، وعادة ما تستخدم فيها أعلى المستويات الحروب السيبرانية والإلكترونية.
ورغم أن طهران وتل أبيب تتفقان في الغالب على تجنب المواجهات التي تهدد برفع مستوى التصعيد وتنذر بحرب شاملة، ورغم استمرار حرب الظل الإسرائيلية بوتيرة متصاعدة منذ ذلك الوقت، لم تكن إيران ترد عليها بالاستراتيجية نفسها، واتبعت بدلًا من ذلك سياسة النزاع المسلح المتمثل في دعم التنظيمات المسلحة المعادية لإسرائيل خاصة حزب الله اللبناني، وجماعتي حماس والجهاد الفلسطينيتين في غزة والضفة الغربية، بالإضافة لسعيها الدئوب لزرع الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
والجدير بالذكر أن سرعة حرب الظل وقوتها معضلة كبرى فعادة ما تكون هذه الحرب مقدمة وتمهيدًا لاندلاع حروب كبيرة، فعقب اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية تصاعدت المؤشرات على تبادل وشيك للضربات بين إيران وإسرائيل، وسط تحركات دولية متسارعة لاحتواء التوتر الذي يهدد باتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط.
وهو ما أكدته إيران بعد اغتيال هنية في حقها في الدفاع عن أمنها القومي وسيادتها وسلامة أراضيها هو حق لا جدال فيه، وكذلك أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن اغتيال إسماعيل هنية في طهران انتهاك صارخ للقوانين والأنظمة الدولية وسيادة إيران والأعراف السياسية الدولية.
وعلى ذلك فإن ما قامت به إسرائيل من اغتيال هنية على إقليم الدولة الإيرانية هو انتهاك واضح للقانون الدولي ومبدأ سيادة الدولة، وتدخل لفرض إرادة إسرائيل واستعراض قوتها داخل إقليم دولة إيران، فالأساليب التي يتم بموجبها التدخل متعددة ومتنوعة، إلا أن الغرض واحد وهو إظهار القوة ومدى الوصول إلى عمق الدولة، وكذلك انتهاك ميثاق الأمم المتحدة عام1945 من الفقرة (7) من المادة (2)حيث ينص على مبدأ عدم التدخل في شئون الدول الأخرى.
مآلات النزاع المسلح وحرب الظل بين الطرفين:
إن المعادلة الجديدة التي خلقتها الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران مؤخرًا، ستختبر حقيقة قوة الردع للطرفين، فإذا واصلت إسرائيل العمليات التي تستهدف قادة الحرس الثوري الإيراني، ولم تقم إيران بتنفيذ الوعد الذي أطلقه وزير خارجيتها، فإن مصداقية ردعها لإسرائيل ستكون على المحك، وفي المقابل إذا ما تفادت إسرائيل توجيه ضرباتها لقادة الحرس الثوري مستقبلًا فإن إيران يمكنها أن تزعم أن هجماتها على إسرائيل أثبتت نجاحها وأفلحت في ردع إسرائيل بالفعل. ويشكل هذا الوضع الافتراضي قوة ضغط على الطرفين، يجعل من السهل تجدد المواجهات المباشرة بينهما مستقبلًا.
بالنسبة لإسرائيل فحرب الظل الإسرائيلية ضد إيران لن تتوقف، بل يمكن أن تزداد كثافتها في الفترة المقبلة، ورغبة إسرائيل في إعادة ترسيخ صورة لما يمكن أن تفعله بأعدائها، فقد أدت عشرة أشهر من الحرب في غزة إلى تراجع صورة القوة العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ومن خلال قتل شخصيتين كبيرتين من مسافة قريبة، في موقعين بارزين، واستخدام قدرات عسكرية واستخباراتية واضحة لا تمتلكها أي جهة أخرى في المنطقة، ربما كانت إسرائيل تأمل في إعادة تأكيد قوتها بأسلوب دراماتيكي.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن إسرائيل وإيران لا تريدان حربًا شاملة ومواجهة فعلية بينهما فإسرائيل لا تتحمل فتح جبهة كبيرة مع إيران في الوقت نفسه التي تقوم به قوات الاحتلال من حرب إبادة لقطاع غزة وكذلك حربها في جنوب لبنان، وبالتالي تعد حرب الظل أفضل الخيارات لإسرائيل لتجنب اندلاع حرب إقليمية.
بالنسبة لإيران ستنشط إيران أزرعها في المنطقة سواء لبنان أو سوريا أو اليمن للرد على حرب الظل الإسرائيلية، وإذا كان ذلك لن يفتح نزاعًا مسلحًا دوليًا مباشرًا بين إسرائيل وايران على أراضيهم، فإنه يجر المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق نتيجتها صفرية لا رابح فيها.
وقد تلجأ إيران للرد المتأخر، أي أنها ستضيف مقتل شكر وهنية إلى القائمة الطويلة من الهجمات الإسرائيلية التي وعدت بالرد عليها في نهاية المطاف. وبدلاً من ذلك، قد تقرر التحرك على الفور من خلال ضرب هدف عسكري أعمق داخل إسرائيل بدلًا من حصر هجماته في الشمال أو مرتفعات الجولان.
ومن الممكن أن تقوم إيران بتنسيق وابل من الهجمات المتزامنة من جانب
حزب الله والحوثيين في اليمن والمليشيات التابعة لها في العراق وهو ما يعرف “بطوق النار”.
وختامًا فإن ما تفعله إسرائيل على كافة الجبهات يعد انتهاكًا للقانون الدولي ولكافة القواعد الدولية وتوسيعًا للصراع، وخطوات سريعة على مسار يجر المنطقة بأكملها لصراع دولي، فالواقع الفعلي على الساحة الدولية يحتم على كل الأطراف السعي لعدم تفاقم الأوضاع فاعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره.
المصدر : https://ecss.com.eg/47383/