على الرغم من حالة الارتباك التنظيمي التي يعاني منها “داعش” في ضوء مقتل زعيمه “الهاشمي القرشي” وعجزه عن تعيين خليفة جديد له، إلا أن ذلك لم يمنعه من التعقيب على الحرب الأوكرانية؛ إذ جاءت افتتاحية العدد الأخير من صحيفة النبأ والتي صدرت في 4 مارس الجاري تحت عنوان “حروب صليبية- صليبية”، في محاولة منه لتفنيد الأحداث، واستعراض وجهة نظره فيها، الأمر الذي يحمل في طياته جملة من الملاحظات يمكن تناولها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تتعلق بتحليل التنظيم لأسباب اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ إذ فسرها على أساس أنها ترجمة طبيعية للتنافس الأمريكي الروسي للسيطرة على أوروبا الشرقية، وسعي الولايات المتحدة إلى اتباع نهج الاحتواء لدول أوروبا الشرقية، ما زاد من تخوفات روسيا أن تنصرف تلك السياسة إلى إسقاط نظام الحكم في موسكو وتدشين نظام موالٍ للأولى. الأمر الذي يعكس إدراك التنظيم لواقع النظام الدولي الحالي، والمتغيرات المرتبطة به، وسعيه إلى تفكيك أبعاد المشهد في ضوء رؤيته لذاته كفاعل ضمن فواعل النظام الدولي.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى تنبؤ التنظيم بتوسع نطاق الحرب، فقد رأى أن الحرب سواء طالت أو قصرت فما هي إلا بداية لنمط جديد من الحروب “الصليبية- الصليبية” التي من المحتمل أن تمتد إلى مختلف الدول الأوروبية. وأضاف “أن هناك تبعات كبيرة لهذه الحرب” ستنصرف إلى تغيير كثير من قوانين “السلم والحرب” في العالم. وبالنظر إلى هذا الطرح نجد أنه يأتي مخالفًا للطرح الغربي الذي ساد لعقود والمتعلق بمقولات “صامويل هنتنجتون” حول صدام الحضارات؛ إذ جادل الأخير بأن الصراع القادم سيكون بين الحضارة الغربية والإسلامية غير أن “داعش” تبنى نهجًا مناقضًا لهذا التناول.
الملاحظة الثالثة: تتطرق إلى موقف التنظيم من المشاركة في الحرب، إذ حذر المسلمين القاطنين في روسيا وأوكرانيا من المشاركة في الحرب، وهذا الرأي توافق مع رأي أبو محمد المقدسي” الذي يعد من أبرز منظري تيار الجهادية السلفية” فقد قال الأخير في حسابه على تويتر الذي يحمل اسم “العتيبي” “يجب على المسلمين في روسيا وأوكرانيا أن يتجنبوا المشاركة في أي قتال تحت راية الطواغيت”. وبالتالي يمكن القول إن التنظيم سعى إلى أن يكون على الحياد في الأزمة؛ وذلك كنتيجة طبيعية لقناعاته الأيديولوجية التي تنظر إلى مشهد الحرب على أساس أنه “عقاب مسلط عليهم لكفرهم بالله” طبقًا لافتتاحية النبأ سالفة الذكر.
الملاحظة الرابعة: تأتي حول انعكاسات مشهد الحرب في أوكرانيا على نشاط التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيم “داعش”، فعلى الرغم من سعي التنظيم إلى عدم الانخراط في المشهد الحالي، إلا أن هذا الموقف لا ينفي وجود جملة من التداعيات على ساحة الإرهاب العالمي؛ يتعلق أولها باستغلال التنظيمات الإرهابية انشغال القوى الدولية بالحرب في أوكرانيا من أجل إعادة بناء هياكلها التنظيمية وإيجاد ثغرات تستطيع أن تنفذ منها إلى بعض الدول الأوروبية. وينصرف ثانيها إلى توظيف العناصر الإرهابية الموجودة في دول آسيا الوسطى من أجل تهديد الأمن الروسي، وتجدر الإشارة إلى قيام الأمن الروسي في 27 فبراير الماضي بإحباط هجوم إرهابي في مقاطعة “كالوغا”، وكان من المفترض أن ينفذ الهجوم عنصر من عناصر “داعش” من إحدى دول آسيا الوسطى.
ويتصل ثالثها بتعزيز نشاط اليمين المتطرف في الدول الأوروبية، وذلك في ضوء دعوة الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” للمقاتلين الأجانب بدعم أوكرانيا، وتأكيده في 3 مارس الجاري وصول 16 ألف مقاتل أجنبي للأراضي الأوكرانية، ما يحمل في طياته ارتدادات عكسية في المقابل. بعبارة أخرى، تصاعد نشاط الإرهاب الراديكالي كرد مباشر لتصاعد إرهاب اليمين المتطرف.
مجمل القول، سعى تنظيم “داعش” إلى تسليط الضوء على مشهد الحرب في أوكرانيا رغبةً منه في التأكيد على أنه ما زال فاعًلا في النسق الدولي؛ بهدف إثبات قدرته على تجاوز التحدي الهيكلي الذي يواجهه في الوقت الحالي والمتعلق بغياب خليفة له. إلا أنه من المحتمل أن تنصرف تداعيات الحرب في أوكرانيا إلى ساحة الإرهاب العالمي في حال استمرار التصعيد الحالي وعجز الأطراف عن الوصول إلى تسوية سياسية، وذلك في ضوء تبني التنظيمات الإرهابية ولا سيما “داعش” “فقه استغلال الأزمات”.
.
رابط المصدر: