مقدمة
أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال أبرز قائد ميداني في حزب الله، فؤاد شكر، “ردًّا” على حادثة مجدل شمس التي قضى فيها، بحسب المصادر الإسرائيلية، 12 شخصًا. وقد اغتيل شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في مربع أمني لحزب الله، وأعلن الحزب عن استشهاد خمسة من المدنيين وإيراني إضافة إلى شكر، لتنكسر بذلك قواعد الاشتباك الهشة بين الطرفين، التي تقوم على تحييد المدنيين وحصر الحرب بشكل رئيسي في منطقة الجنوب اللبناني وشمال “إسرائيل”.
وقبل أن يعلن حزب الله انتشال جثمان شكر من تحت أنقاض المبنى الذي استهدف فيه، جرى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج، إسماعيل هنية، في طهران، دون أن تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية.
يركز هذا التعليق على طبيعة المواجهة على الحدود اللبنانية: ما إذا كانت لا تزال حرب إسناد للمقاومة في غزة أم أنها باتت حربًا مفتوحة، وقد تتحول إلى حرب إقليمية؟
حرب الإسناد أولًا
ربط أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في كلمته بمناسبة تشييع شكر، في الأول من أغسطس/آب 2024، بين ما جرى من اغتيالات في الضاحية وطهران وما سبقها من استهداف لمنطقة جرف الصخر في العراق، بتاريخ 30 يوليو/تموز 2024، والهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في اليمن في 20 من نفس الشهر. ورأى أن هناك حربًا على جبهات المساندة لغزة لإسكاتها، وأنها حرب مفتوحة على كل الجبهات. وأكد نصر الله استمرار الحزب في حرب الإسناد، وأن لا شيء تغير على هذا الصعيد. لكنه أكد أيضًا أن الرد على مقتل شكر محسوم، وأن الرد الإيراني على اغتيال هنية سيأتي لا محالة.
إنَّ وضع حزب الله وقفَ الحرب على غزة في مركز معركته، وعدم الذهاب بعيدًا عن حرب الإسناد، يؤشر إلى أن الرد على اغتيال شكر قد يكون استهدافًا نوعيًّا، لكنه سيبقى في إطار هذه الحرب مع الاستمرار في رفع حدتها. ولن يبادر الحزب إلى خوض حرب شاملة، بل سيواصل استعداده للتعامل معها في حال وقوعها. كما يستبطن هذا الموقف استمرار اعتماد الحزب على المشاغلة طويلة الأمد، وعلى معادلة المواجهة مع إسرائيل بمراكمة النقاط لإجبارها على وقف الحرب في غزة. ولا يريد لحربه مع إسرائيل أن تتحول إلى حرب ثنائية قائمة بذاتها، أو أن تتحول إلى حرب إقليمية تغطي على حرب غزة، رغم أن كل عناصر هذه المواجهة باتت مكتملة.
حرب الحزب الكبرى
قد تبدو المواجهات على الجبهة اللبنانية تفصيلًا في صورة أكبر بعد اغتيال هنية في طهران. فالمواجهة باتت أقرب إلى الطبيعة الإقليمية، خاصة أن إيران تقع في القلب منها، وقد سبق لإسرائيل أن استهدفت قنصلية إيران في دمشق، في أبريل/نيسان 2024، واستطاعت المنطقة تفادي مواجهة واسعة، بعد رد إيراني محدود ومحسوب.
لكن هذه المرة كان الاستهداف لأحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية في طهران العاصمة، ولا يمكن لإيران إلا أن ترد. وسواء أكان الرد محدودًا أو أكثر من ذلك، فإنه سينعكس بالتأكيد على “عموم الساحات” وعلى الساحة اللبنانية بوجه خاص. ومن شأن ذلك أن يعزز دور حزب الله في هذه المواجهة، بما يتجاوز حرب الإسناد التي أعلنها الحزب منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك لعدة أسباب نورد ثلاثة منها في ما يلي:
أولًا: إن لحزب الله ارتباطًا يتجاوز التحالف العسكري والسياسي مع إيران إلى الارتباط الديني بولاية الفقيه، وليس سرًّا أن جزءًا من وظيفة حزب الله الأساسية تتمحور حول ولاية الفقيه ورؤاها وأولوياتها في إيران، حماية لها وتحقيقًا لأهدافها. لذلك، فإن مواجهة مع إيران سيكون الحزب في قلبها.
ثانيًا: إن اغتيال فؤاد شكر وتوسع سياسة الاستهداف الإسرائيلية، يجعلان الحرب على الجبهة الشمالية أكثر من كونها حرب إسناد، لاسيما أن الحزب خسر أكثر من 400 من مقاتليه في هذه الحرب. كما أن الصراع بين حزب الله وإسرائيل له أسبابه الذاتية قبل الطوفان، بل حتى قبل قيام سلطة حماس في غزة. وكانت المؤشرات على احتمال قيام حرب بين حزب الله وإسرائيل تتعزز، لاسيما أن تل أبيب تعلن بمناسبة وبلا مناسبة عن خشيتها من تعاظم قوة الحزب على حدودها الشمالية نظرًا لما يملكه من قوة صاروخية وتشكيلات عسكرية تتجاوز قدراتها التسليحية القدرات العسكرية لبعض الدول في المنطقة.
ثالثًا: ربط حزب الله توقف الحرب على الجبهة اللبنانية بتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة. وهذا يعني إلى حدٍّ بعيد احتمال توسع الحرب على الصعيد الإقليمي ما استمرت وامتدت الحرب على غزة. ويدرك الحزب ذلك بإدارتيه، السياسية والعسكرية، عندما اتخذ هذا القرار.
في المحصلة، إن حرب الإسناد التي يخوضها حزب الله، باتت تشكل مقدمة لحرب إقليمية محتملة تتعدد فيها الجبهات وتتداخل. وقد تدحرجت هذه الحرب المحدودة وتجاوزت ثلاثمائة يوم، ارتباطًا بالحرب الإسرائيلية على غزة. وتزداد عوامل اتساعها ما دامت إسرائيل تمعن في استهداف إيران، مركز المحور، بهدف الضغط عليها وتحييدها عن هذه الحرب أو توريطها في حرب إقليمية أوسع.
خاتمة
إن حرب الإسناد لحزب الله تستبطن الاستعداد لحرب كبرى محتملة، ولا تخلو من بعض عناصرها وقد تكون إحدى مقدماتها. لهذا لم يتردد نصر الله في وصف هذه الحرب بالكبرى، رغم كونها لا تزال حرب إسناد وأكد أنها تستحق الثمن الكبير الذي يدفعه الحزب.
ولا يزال حزب الله حريصًا على استمرار الحرب وفق نهجها الحالي وضمن قواعد الاشتباك الراهنة، ويراهن على عامل الزمن لإجبار إسرائيل على وقف حرب غزة لكنه في ذات الوقت يستكمل تعزيز قوته والاستعداد لحرب إقليمية باتت أكثر احتمالًا من ذي قبل، سواء في سياق حرب إسناد غزة، أو في حرب منفصلة لا تفتأ إسرائيل تستعد لها.
المصدر : https://studies.aljazeera.net/ar/article/5988