أقرّ تحالف أوبك بلس في نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر 2022 خفْضاً في الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً، يبدأ تنفيذه في نوفمبر 2022 وحتى نهاية عام 2023. ويعادل الخفض المقرر حوالي 2% من الناتج الإجمالي العالمي للنفط. وجاء القرار مفاجئاً لعدد من الأطراف، على رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بالنظر لضخامة حجم التخفيض المقرر، والذي يُعد الأكبر منذ بداية جائحة كورونا في عام 2020، حيث مضت دول أوبك بلس في قرار الخفض ولم تَنظُر إلى الضغوط التي مُورِسَت من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية على بعض دول التحالف لعدم إقرار خفْض كبير في الإنتاج.
ويعكس قرار تحالف أوبك بلس استجابة لعدم اليقين والضبابية التي تسود سوق النفط والاقتصاد العالمي مع تزايد التوقعات بالاتجاه نحو التباطؤ وربما الركود، فيما لم يكن القرار في التوقيت المناسب بالنسبة للولايات المتحدة التي يُحاول رئيسها عزل روسيا، وفي الوقت نفسه خفْض أسعار الوقود للأمريكيين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر المقبل.
ترصد هذه الورقة أبعاد قرار أوبك بلس الأخير، ودلالاته، وردود الأفعال الدولية المختلفة حوله، لاسيما الأمريكية والأوروبية، والتداعيات المحتملة للقرار، مع استقراء مستقبل سوق النفط العالمي في ضوء هذا القرار.
أبعاد قرار “أوبك بلس” الأخير ودلالاته
يُعدّ الخفْض المعلن عنه من قبل “أوبك بلس” خفضاً اسمياً فقط وليس خفضاً فعلياً، إذ قدَّر وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن الخفض الحقيقي في إنتاج النفط سيتراوح بين مليون و1.1 مليون برميل يومياً، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الدول الأعضاء في تحالف أوبك بلس كانت تُنتج بالفعل أقل من حصتها المقررة، ويمكن النظر إلى هذا القرار بوصفه إجراءً شكلياً أكثر منه فعلياً، لأن إنتاج أوبك بلس بالفعل يقل بحوالي 3.6 مليون برميل عن سقف الإنتاج المسموح به وفقاً لآخر اتفاق، وهو ما يعني أن عدداً كبيراً من دول التحالف لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها نتيجة لمتغيرات فنية وسياسية مختلفة، لذا فالأمر لا يعني تخفيضاً كبيراً، بل هو محاولة لكبح جماح أي زيادة مستقبلية في الإنتاج، عدا عن كونه محاولة لتعديل أوضاع السوق التي تنخفض فيها الأسعار، أي أن القرار يُشكِّل ضغطاً على الأسواق لتحسين الأسعار.
ويُدرِك تحالف أوبك بلس أن القرار نابع من أسباب فنية صرف لا علاقة لها بأية حسابات جيوسياسية أو مصالح سياسية معينة؛ فالدافع الأساسي للقرار نابعٌ من قلق التحالف بشأن انخفاض أسعار النفط، وعدم استجابة سوق النفط لقوى العرض والطلب. فعلى رغم انخفاض مخزونات النفط العالمية، وارتفاع الطلب على النفط، فإن الأسعار لم تستجب لتلك المتغيرات، وبدلاً من الارتفاع اتجهت للانخفاض، وبعد أن سجلت الأسعار مستويات تدور حول 140 دولاراً للبرميل في مارس 2022، انخفضت الأسعار لتدور حول مستويات 80 دولاراً للبرميل في سبتمبر 2022، ما أثار مخاوف دول التحالف من احتمالية حدوث ركود في أسواق النفط، أو أن تتراجع الأسعار لمستويات أقل من 50 دولاراً للبرميل مرة أخرى، مما يُهدد اقتصادات الدول المصدرة للبترول، ويُزعزع الاستقرار الاجتماعي بها. لذا تستهدف دول أوبك بلس تحفيز السوق للعودة لمسار الصعود من جديد، حيث لم تعد أسعار الطاقة تسير وفق أساسيات العرض والطلب، أو أساسيات السوق، وإنما وفق الخوف من تباطؤ الاقتصاد، والتوقعات المرتبطة بالقضايا الجيوسياسية.
يأتي هذا القرار قبل شهرين فقط من الحظر الذي يُخطط الاتحاد الأوروبي لفرضه على النفط الروسي مع التوجه لتحديد سقف لسعره، ما يعني أن القرار سيُقلل من تأثير الخطط الأوروبية الأمريكية لتحجيم عائدات روسيا من الطاقة، مع إثبات فاعلية سياسة روسيا بالوجود في تحالف نفطي قوي يُغيِّر من سياسات سوق الطاقة على نحوٍ يدعم مصالحها، إذ تُظهر هذه الخطوة أنه لا يزال بإمكان روسيا الاعتماد على تحالف أوبك بلس لمساعدتها في تعزيز إيراداتها والصمود في وجه العقوبات الغربية، ويعد القرار بالنسبة لروسيا انتصاراً على المستوى الجيوسياسي في مواجهة التحالف الغربي الذي حاول إقناع عدد من دول أوبك بلس بعدم المضي نحو قرار الخفْض.
من ناحية أخرى، يُعبِّر قرار التخفيض عن سياسة تقودها المملكة العربية السعودية داخل تحالف أوبك بلس هدفها الاستعداد لأي أزمات طارئة في سوق النفط، مثل تأثُّر صادرات النفط الروسية نتيجة للقرارات الأوروبية الأمريكية المحتملة في نهاية العام الجاري، والحاجة إلى الحفاظ على بعض الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد من الصين بالتزامن مع بدء تخفيف سياسات الإغلاق المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا.
وقد أظهر القرار أن الضغوط الأمريكية والغربية على بعض دول أوبك بلس، وخاصةً السعودية، لم تنجح في تحقيق نتائج ملموسة، إذ فضلت دول التحالف السَّير في اتجاه تحقيق مصالحها بغض الطرف عن النظر في الحسابات أو الخسائر الأمريكية والأوروبية في أسواق النفط والطاقة العالمية. كما بيَّن القرار أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يستطيع إلى الآن الحدَّ من تأثير تحالفات الطاقة على الاقتصاد الأمريكي، وعلى مستويات الأسعار المرتفعة ومعدل التضخم المتزايد، خاصةً في أسعار المحروقات.
يُدرِك تحالف أوبك بلس أن قرار تخفيض الانتاج بواقع مليوني برميل يومياً نابع من أسباب فنية صرف لا علاقة لها بحسابات جيوسياسية أو مصالح سياسية معينة؛ فالدافع الأساسي للقرار نابعٌ من قلق التحالف بشأن انخفاض أسعار النفط، وعدم استجابة سوق النفط لقوى العرض والطلب
ردود الفعل الأمريكية والأوروبية
جاء رد فعل الولايات المتحدة على القرار سلبياً للغاية، بالنظر لحجم التداعيات المتوقعة على الاقتصاد الأمريكي، حيث أكدت الإدارة الأمريكية أن القرار لا ينظر لمستقبل سوق النفط، ولا يُراعي الدول الفقيرة. وقد أمر الرئيس الأمريكي بالإفراج عن 10 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي في نوفمبر 2022 من أجل مواجهة ارتفاع أسعار النفط في محطات الوقود، مع الاستمرار في اللجوء إلى احتياطي النفط الاستراتيجي كلما اقتضت الحاجة، كما أُعلِنَ عن أن الرئيس بايدن سيُجري مشاورات مع أعضاء الكونجرس للبحث عن أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكُّم أوبك بلس في أسعار الطاقة، وتقليص اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للوقود الأحفوري، وتسريع ضخ الاستثمارات في الطاقة النظيفة. وتذهب دول أوبك بلس إلى أن الولايات المتحدة التي تقول بأن الخفْض يضر بالدول الفقيرة لا تَنظُر بعين الاعتبار لارتفاعات أسعار الغاز أو المواد الغذائية التي تضرّ كذلك بالدول الفقيرة.
من ناحية أخرى، خرج بعض المصادر غير الرسمية ليعلن أن الولايات المتحدة تُصنِّف القرار في مستوى العمل العدائي، خاصةً من جانب السعودية، وأنه يعد مساندة منها للجانب الروسي، إلا أنه لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن أي قرار قد يمسّ العلاقات الأمريكية السعودية، عدا الإعلان عن توجه الإدارة “لإعادة تقييم” العلاقة مع الرياض، لكن من المتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات غير مسبوقة ضد أوبك بلس لتقليص نفوذها في السوق النفطية، وفي الأثناء أخذت أصوات داخل الكونجرس الأمريكي تدعو لإعادة النظر في العلاقات مع السعودية، مع طرح مشروع قانون يطالب إدارة الرئيس بايدن بسحب أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكي، و3000 جندي من منطقة الخليج.
ومن الواضح أن قرار أوبك بلس جاء في وقت حرج بالنسبة للرئيس بايدن، حيث يأمُل حزبه الديمقراطي في الحفاظ على السيطرة على الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل. كما أن القرار يُقدِّم مبررات للتحالفات الداخلية التي تضغط من أجل التنقيب عن المزيد من النفط في الأراضي الأمريكية وهو ما يتعارض مع سياسة بايدن وحزبه الداعية للحفاظ على المناخ، وتقليل الاستثمارات في قطاع الوقود الأحفوري واستبدالها بسياسات الطاقة الخضراء والنظيفة. ومن ناحية أخرى، سلَّط قرار أوبك بلس الضوء على التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في إدارة سياستها الخارجية والاقتصادية في وقت يواجه الاقتصاد العالمي خطر الركود. وأصبحت سياسات الطاقة مكوناً أساسياً في الصراع الروسي الأوكراني، وتتزايد أيضاً ضغوط أسعار النفط في الولايات المتحدة بسبب عوامل داخلية أخرى، فالسوق الأمريكية فعلياً تُعاني من قلة عدد المصافي بسبب انقطاع المصافي الإقليمية في الساحل الغربي والغرب الأوسط، إذ غالباً ما تتم صيانة المصافي في الخريف عندما ينخفض الطلب، لكن في خريف هذا العام، اضطر بعض المصافي إلى إغلاق وحداتها دون سابق إنذار بسبب مشاكل في البنية التحتية.
على المستوى الأوروبي، أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن قرار أوبك بلس يأتي كرد فعل على قرار الاتحاد الأوروبي بتحديد سقف لسعر النفط الروسي، وأن الطاقة تحولت إلى سلعة سياسية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. ويمكن القول إن الجانب الأوروبي ربما يملك الوقت للرد على القرار أو التعامل معه، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تكافح قبل الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2022 لتخفيض التضخم، بينما تعمل أوروبا على تأمين إمدادات الطاقة على المدى المتوسط للتخلص من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، لكن القرار الأخير لأوبك بلس سوف يؤثر على فاعلية التوجه الأوروبي لوضع سقف لتسعير النفط الروسي وحظره، وسيزيد من تكلفة تأمين إمدادات النفط في القارة الأوربية مع ارتفاع الأسعار، خاصةً في فصل الشتاء الذي سيدخل فيه قرار حظر النفط الروسي قيد التنفيذ، لذا فإن الاتحاد الأوروبي يُخطط لتأسيس منصة مشتركة لمشتريات الغاز على غرار منصة لقاحات كورونا التي أثبتت نجاحها، وربما يمتد الأمر لإنشاء منصة مشتركة لمشتريات النفط لمواجهة التحديات الراهنة.
التداعيات المحتملة للقرار
1. على مستوى سوق النفط: بدأت الأسعار في الارتفاع بشكل تدريجي بعد القرار، الذي أظهر أن “أوبك بلس” ستبقى قوة أساسية لاستقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أن تواصل الأسعار ارتفاعها خلال الربع الأخير من عام 2022، لتصل إلى مستويات 100 دولار للبرميل، بصورة أسرع مما كانت متوقعاً من قبل، فيما قد تصل الأسعار إلى 120 دولاراً للبرميل نتيجة ارتفاع الطلب خلال فصل الشتاء. وقد أكد بنك مورجان ستانلي أن خفض الإنتاج يخاطر بتضييق السوق بشكل كبير، خاصةً مع انتظار الكيفية التي سيتم بها تحديد سعر إنتاج النفط الروسي بمجرد دخول الحظر الأوروبي حيز التنفيذ، ورفع البنك توقعاته لخام برنت 5 دولارات ليصل إلى 100 دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، فيما زاد بنك جولدمان ساكس من تقديره لخام برنت في الربع الرابع من عام 2022 بمقدار 10 دولارات ليصل إلى 110 دولارات.
2. على مستوى الاقتصاد العالمي: من المتوقع أن تتزايد الأسعار الخاصة بمعظم المنتجات والمواد الغذائية والسلع لارتباطها بمنتجات الطاقة، مما يرفع من الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة وأوروبا، ويخفض من توقعات نمو الاقتصاد بهما. وهذا الأمر – بحسب تقديرات بعض المحللين الغربيين – قد يزيد من فرص الركود في الاقتصاد العالمي، ومن مخاطر عدم الاستقرار المالي العالمي، ويُعَرِّض العديد من الاقتصاديات النامية والناشئة للعديد من المخاطر المالية.
في مواجهة قرار أوبك بلس الأخير، تبقى خيارات الإدارة الأمريكية تجاه التحالف النفطي الأكبر في العالم محدودة على المديين القريب والمتوسط، بالنظر لحجم الضغوط التي تواجهها الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، وحجم التعقيدات في المواقف الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة
الاتجاهات المستقبلية لسوق النفط العالمي في ضوء قرار أوبك بلس
يمكن القول إن المشهد الحالي يتسم بالضبابية في سوق النفط، سواءً على المستوى الاقتصادي أو على المستوى السياسي العالمي، لذا فإن أهم الاتجاهات المتوقعة لسوق النفط العالمي ستتمثَّل في الآتي:
1. على المديين القريب والمتوسط: سيستمر الضغط الحالي على الأسعار في سوق النفط من جانبي العرض والطلب؛ فعلى مستوى العرض، لا تزال أوبك بلس ترى أهمية الحفاظ على مستويات متوسطة من العرض لا تُخِلّ بالأسعار، كما أن المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية ستُحدِّد بشكل كبير مستوى العرض من جانب المنتجين الرئيسين، والذي قد ينخفض نتيجة لارتفاع المخاطر وتصاعد الأزمات الدولية. أما على مستوى الطلب، فإن تصاعد التضخم العالمي، واحتمالية حدوث ركود، سيؤثران بشكل كبير على الطلب الذي قد يشهد انخفاضاً نسبياً، خاصةً مع اتجاهات ارتفاع الأسعار الحالية، لكن المتغير الجيوسياسي مع وجود رغبة من الجانب الأوروبي في تأمين الإمدادات وزيادة المخزون، سيبقيان مؤثّرين مهمين في مستوى التغير المستقبلي في الطلب.
2. على المدى الطويل: سيتحدد شكل سوق النفط العالمي حسب قدرة تحالف أوبك بلس على الاستمرار بدورها كموجه أساسي للأسعار في السوق، مع تخطيط الولايات المتحدة الأمريكية للتأثير على قدرات التحالف والاتجاه نحو نوعيات طاقة جديدة تُغيِّر من شكل مزيج الطاقة العالمي، بما يُقلل من الضغوط الجيوسياسية على القرار الأمريكي والأوروبي. لكن الواقع العملي يُثبِت أن النفط سيبقي لفترة طويلة أحد أهم عناصر مزيج الطاقة العالمي، خاصةً مع تزايُد الأزمات السياسية والاقتصادية التي تحد من خطط التحول نحو مصادر الطاقة الجديدة، ووجود الكثير من التحديات اللوجستية والمالية أمام هذه المصادر، حيث أثبتت الأزمة الأوروبية الحالية في قطاع الطاقة أن الوقود الأحفوري كان – وسيظل – الحل الأمثل في وقت الأزمات.
خلاصة وتوقُّعات
واجه قرر تحالف أوبك بلس بخفض إنتاجه من النفط بداية من نوفمبر 2022 بواقع 2 مليون برميل يومياً، انتقادات أمريكية وأوروبية قوية، بالنظر لتأثيره المباشر على أسعار النفط التي ارتفعت بعد إصدار القرار، ومن المتوقع أن تواصل أسعار النفط ارتفاعها خلال الربع الرابع من عام 2022 وحتى نهاية الربع الأول من عام 2023، مع توقعات بارتفاعات مستقبلية مرتبطة بالضغوط السياسية والاقتصادية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، والأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عنها.
وتعتقد القوى الغربية أن ارتفاع أسعار النفط يزيد من الضغوط الاقتصادية في ظل تزايد التضخم واحتمالية التحول نحو الركود العالمي، ومن الناحية السياسية زاد القرار من الضغوط على الإدارة الأمريكية التي تحاول تخفيض أسعار منتجات الوقود لتخفيض التضخم قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل.
وفي مواجهة هذا القرار، تبقى خيارات الإدارة الأمريكية تجاه تحالف أوبك بلس محدودة على المديين القريب والمتوسط، بالنظر لحجم الضغوط التي تواجهها الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، وحجم التعقيدات في المواقف الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة. ورغم تزايُد الحديث عن قانون يُسقِط الحصانة السيادية في دعاوى مكافحة الاحتكار من أجل مُقاضاة أعضاء تحالف أوبك بلس، إلا أن الأمر يبقي قيد التهديد غير القابل للتنفيذ نتيجة لتعقيدات العلاقات والمصالح الأمريكية مع عدد كبير من أعضاء أوبك بلس، ويمكن القول إن الحديث عن هذا القانون أصبح لازمةً مُتكررةً في كل مرة يحدث فيها خلاف في المصالح بين دول أوبك والولايات المتحدة الأمريكية.
كما تبقى أيضاً خيارات الرئيس الأمريكي بايدن، في مواجهة تبعات هذا القرار، مُقيَّدة ومحدودة هي الأخرى؛ فاللجوء للاحتياطيات أمر صعب وغير مجدي على المديين المتوسط والطويل، واللجوء للتنقيب يخالف سياسته الانتخابية، والتحول للطاقة الجديدة يحتاج لوقت، ولا يتعامل مع الارتفاع الحالي في الأسعار، وربما ستحاول الولايات المتحدة ممارسة أوراق ضغط أخرى على دول أوبك بلس، خاصةً السعودية، لكن المواجهة المباشرة معها، وتحديداً في سوق النفط، مُستبعَدة إلى حدٍّ كبير، نظراً للمصالح المشتركة بين الجانبين في مختلف القطاعات، لذا سيكون تأثير القرار على العلاقات الأمريكية السعودية مرحلياً، إلا أن الولايات المتحدة قد تحاول تفكيك تحالف أوبك بلس أو تقليص فاعليته على الأقل، وتحجيم تأثير أي تحالف دولي في سوق الطاقة بما يخدم مصالحها، وقد تشهد الفترة المقبلة صراعا أمريكياً روسياً متعلقاً بأسلوب تسعير النفط في الأسواق العالمية.
وعلى المستوى الاقتصادي العالمي، من المحتمل أن تلجأ الكثير من دول العالم إلى مزيد من تشديد السياسة النقدية، ورفع أسعار الفائدة، لكبح جماح التضخم المتوقع جراء قرار أوبك بلس، ورفع تكاليف الإقراض بغرض خفْض السيولة في الأسواق.
.
رابط المصدر: