نوران عوضين
على خلاف ما شهده العام الماضي من تصعيد خارجي، صدّرت السياسة التركية عن نفسها خلال عام 2021 سعيها نحو التهدئة وحل الخلافات، فيما استمرت الأزمة الداخلية سواء الاقتصادية أو السياسية في العصف بمؤشرات شعبية الرئيس التركي وحزبه الحاكم.
تجاذبات الداخل التركي خلال عام 2021
من المتوقع أن يظل الداخل التركي بعيدًا عن تأييد النظام الحاكم، طالما لم يحدث أي تعافٍ اقتصادي. فعلى الرغم من محاولات الحكومة التركية إنعاش الاقتصاد وطمأنة المواطنين، لا تزال التوقعات سلبية إزاء قدرة الاقتصاد التركي على تجاوز أزمته. في أواخر ديسمبر 2021، أعلن الرئيس التركي عن مجموعة من الإجراءات التي من شأنها استعادة الثقة في الليرة التركية، وبالتالي تخفيض معدلات التضخم. تمثلت بداية هذه الإجراءات في الإعلان عن رفع الحد الأدنى للأجور بنحو 50%. أعقب ذلك في 20 ديسمبر 2021، إعلانه عن اتجاه البلاد نحو إطلاق أداة مالية جديدة، تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة، وبالتالي حماية الودائع بالليرة من الخسائر التي قد تحدث بسبب تقلبات سعر الصرف.
على الرغم مما حققه هذا القرار من انتعاش نسبي لليرة التركية في مقابل الدولار، لم تتضح بعد آلية تمويل تلك الأداة، ومن ثم مدى فعاليتها في مواجهة تراجع الاقتصاد التركي، وسيظل إصرار الرئيس التركي في التدخل في سياسات البنك المركزي لدفعه نحو خفض أسعار الفائدة عائقًا أمام أي تصور للنهوض بالاقتصاد التركي من عثرته. فعلى الرغم مما ينشده أردوغان من تأثير لخفض الفائدة على ارتفاع التصدير وجذب للسياحة وخلق فرص عمل جديدة، لم تسفر سياسة خفض الفائدة سوى عن تراجع الاستثمارات، وانخفاض تصنيف تركيا الائتماني لدي الوكالات الدولية. بحسب وكالة موديز، فإن استمرار ارتفاع التضخم في تركيا سيحد من التوسع الاقتصادي، ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 4% في عام 2022.
وفي حال استمرار تراجع الأداء الاقتصادي، من المتوقع أن تستمر حالة السخط الداخلي ضد النظام التركي، طالما لم تسفر السياسات الاقتصادية عن تحسن ملموس في مستوى معيشة المواطنين ورفع قدرتهم الشرائية. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن ترتفع نسبة التضخم العام المقبل لتصل إلى ما يقرب من 30 % نتيجة لارتفاع أسعار الواردات.
من ناحية أخرى، فإن استمرار تراجع الأداء الاقتصادي سيصب في المقابل في مصلحة المعارضة التي ارتفعت أسهم شعبيتها خلال عام 2021 في مقابل الحزب الحاكم. بحسب استطلاعات العديد من المراكز والمؤسسات المتخصصة في دراسة اتجاهات الرأي العام داخل تركيا، من المتوقع حصول حزب العدالة والتنمية – في الانتخابات المقرر عقدها منتصف عام 2023 – على نسبة لا تتعدى (40%) من الأصوات، وبعضها يتدنى بالنسبة إلى نحو 33%. في المقابل، قد تحصل المعارضة، والتي في حال تجمعها معًا (لاسيما أحزاب الشعب الجمهوري، والخيّر، والشعوب الديمقراطية)، على ما نسبته 55%، وفي حال توحد فقط الشعب الجمهوري مع حزب الخيًر، قد تتراوح النسبة حول 42%.
ومن المتوقع أن تعمل المعارضة على اجتذاب تأييد المزيد من المواطنين، لاسيما الطبقة المتوسطة والمحايدين المتضررين من السياسات الاقتصادية للعدالة والتنمية، الأمر الذي سيترافق معه تكثيف المعارضة لدعواها المتعلقة بإجراء انتخابات مبكرة، والتي من المتوقع خلال عام 2022 أن تظل مجرد دعوة، بالإضافة إلى استمرارهم المناداة بالعودة إلى النظام البرلماني وإنهاء النظام الرئاسي.
وفي إطار مقاومة تحركات المعارضة، من المتوقع أن يتحرك النظام الحاكم خلال عام 2022 عبر أربعة مسارات متوازية:
أولًا، المسار التشريعي، وذلك عبر الدفع نحو إقرار البرلمان التركي تعديل “قانون الانتخابات والأحزاب السياسية”، والذي يدور مضمونه حول خفض العتبة الانتخابية إلى 7%، ومنع انتقال النواب إلى الأحزاب الجديدة الناشئة مؤخرًا، وإلغاء شرط 50%+1 اللازم للفوز برئاسة البلاد واستبداله بفوز المرشح صاحب أعلى نسبة أصوات من الجولة الأولى، وإلغاء الجولة الثانية.
ثانيًا، المسار الإعلامي، وذلك عبر توجيه الإعلام الموالي للنظام التركي الضوء على الانشقاقات التي يشهدها جانب المعارضة لاسيما حزبي الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، بالإضافة إلى العمل على سن تشريعات جديدة من شأنها إضفاء سيطرة أكبر للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد المتنفس الأخير للمعارضة بعد إحكام الحكومة السيطرة على ما نسبته 95% من وسائل الإعلام التقليدية.
ثالثًا، استمرار الرئيس التركي في محاولاته إعادة الثقة للحزب سواء من جانب المنتمين إليه، أو من جانب قاعدته الشعبية. ففي سبيل الحيلولة دون انشقاق أعضاء آخرين، كشفت مخرجات المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية مارس 2021 عن ازدياد عدد أعضاء اللجنة التنفيذية بالعدالة والتنمية، في خطوات يراها المحللون بكونها محاولة من الرئيس التركي لإرضاء عدد كبير من الأسماء في الحزب، وعدم إقصاء بعضهم على حساب البعض. من جانب آخر، تضمنت مخرجات المؤتمر أيضًا إشراك بعض الأقليات والطوائف الدينية والعرقية، مثل الأكراد والعلويين والأرمن بما يدلل على محاولة الحزب اجتذاب موالين جدد، وتوسيع إطار قاعدته الشعبية.
رابعًا، من المتوقع أن يسير النظام التركي في اتجاه تكثيف الحوار مع الأحزاب الصغيرة في محاولة منه لاجتذابهم إلى صفه في الانتخابات المقبلة. يستدل على ذلك اجتماع الرئيس التركي مع رئيس حزب السعادة نوفمبر 2021، الحزب الذي من المفترض قد شارك في الانتخابات المحلية الأخيرة تحت مظلة تحالف المعارضة. ولكن، لا يتمثل هدف الرئيس التركي وحزبه الحاكم من اجتذاب الأحزاب الصغيرة من توسيع قاعدة شعبيته أو اختراق صف المعارضة فحسب. وإنما، يتمثل الغرض الآخر في تجاوز العدالة والتنمية لضغوط حزب الحركة القومية (شريكه بالتحالف الحاكم)، التي أسفرت عن هيمنة تصورات الحركة القومية على العديد من سياسات الحزب، وأدت في النهاية إلى انشقاق العديد من المنتمين للعدالة والتنمية. ولكن، سيظل من غير المتوقع أن ينهار تحالفهما القائم.
على صعيد تحركات المعارضة، فمن غير المتوقع أن تحقق المعارضة اختراقًا جديدًا ضد النظام الحاكم، ما لم يقرروا التوحد جميعًا في جبهة واحدة. يزيد من هذا الاحتمال ما تشهده أحزاب المعارضة الرئيسية من انشقاقات، ستؤدي في النهاية إلى تشتت الأصوات، الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة التحالف الحاكم. فعلى سبيل المثال، ارتفع معدل الانشقاق عن حزب الشعب الجمهوري خلال العام 2021، احتجاجًا على غياب/تراجع الديمقراطية داخل الحزب، وعدم نجاح المحاولات السابقة لإصلاح بعض الأخطاء من داخله، إضافة إلى رفض بعض الخيارات السياسية مثل تقارب الحزب مع حزب الشعوب الديمقراطي (الذي يعدونه ذراع سياسية لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية).
لا تتوقف أزمة حزب الشعب الجمهوري عند حد الانشقاق، وإنما تمتد إلى اتجاه عدد من المنشقين إلى تشكيل أحزاب جديدة معبرة عن رؤاهم، بما يختصم من الرصيد الشعبي لحزب الشعب الجمهوري. وفي هذا السياق، أعلن مصطفى ساريغول عن تشكيل حزب جديد هو “حركة التغيير”، فيما أعلن مرشح الحزب السابق للرئاسة التركية في انتخابات عام 2018 محرم إينجه عن انشقاقه أيضًا وتشكيله حزب “الوطن”.
وبحسب العديد من التقارير، فمن المتوقع أن يشهد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي انشقاقات داخل صفوفه، بسبب الاتهامات الموجهة للحزب بالتعاون مع تنظيم حزب العمال الكردستاني، وهو الأمر الذي إذا ما حدث سيعزز من رواية الحكومة بأن أجنحة بالحزب تقدم الدعم فعليًا للتنظيم، وسيمكن الحكومة من تكثيف الإجراءات الهادفة إلى تصفية الحزب سياسيًا ومؤسسيًا.
لا تنحصر أزمة المعارضة –أو تحالف الأمة- عند حد ما تشهده من انشقاقات داخلية، إنما تشتمل أزمتها أيضًا على عدم التوافق فيما بينها حول تحديد مرشح منهم متوافق عليه. بالرغم من إعلان رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار أوغلو علنًا استعداده الترشح للانتخابات الرئاسية في حال ما إذا قرر التحالف اختياره، يبدو حتى اللحظة ميل باقي أحزاب التحالف للدفع بشخصيات تضمن لهم الفوز أمام أردوغان مثل منصور يافاش حاكم بلدية أنقرة، أو أكرم إمام أوغلو حاكم بلدية أسطنبول، وهو الأمر الذي يعارضه كليشيدار أوغلو خشية خسارة الحزب – في حال ترشح أي منهما- رئاسة أي من البلدتين لصالح العدالة والتنمية الذي يمتلك بالفعل أغلبية في المجلس المحلي لكلا البلدتين.
سياسة خارجية أكثر أقل صخبا
شهد عام 2021 تحركات تركية على الصعيد الخارجي أقل صخبا مقارنة بتلك المتبعة خلال عام 2020. وبناءً عليه، من المتوقع أن تسير السياسة التركية عبر أربعة مسارات رئيسية خلال العام 2022:
أولًا، حل الأزمات: في إطار السعي نحو مسايرة الوضع العام الحالي في منطقة الشرق الأوسط حيث إدراك الأطراف مدى الكلفة التي خلفتها التوترات والصراعات، وبالتالي يصبح من الأولى والأجدى لدول المنطقة تبني منهج تعاوني حواري لمعالجة الخلافات. لذلك، قد تلجأ تركيا إلى مسايرة الوضع الراهن أملًا في أن ينعكس هذا على وضعها الاقتصادي الداخلي، حيث زيادة الصادرات واجتذاب استثمارات أجنبية، فضلًا عن رغبتها في تهدئة جبهات الصراع من حولها للتركيز على معالجة أزمة النظام السياسية والاقتصادية الداخلية. وبالتالي، قد تشهد الفترة المقبلة سعيًا تركيًا نحو توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع كلًا من الإمارات وقطر، إلى جانب الاستمرار في إرسال إشارات إيجابية، والاستمرار في المحادثات الهادفة إلى تسوية خلافاتها مع كلًا من السعودية ومصر وإسرائيل.
لا يتوقف الأمر عند تسوية الخلافات مع دول الشرق الأوسط، بل برز اتجاهًا مؤخرًا نحو احتمال سير تركيا في اتجاه للتسوية مع أرمينيا، ومن ثم تطبيع العلاقات بينهما. يستدل على ذلك تعيين الجانبيين ممثلين للحوار مع بعضهما البعض.
ثانيًا، الحفاظ على الوضع الراهن: من المرجح أن تشهد السياسة التركية جمودًا في الملفات الخاصة بتدخلاتها العسكرية الخارجية. ففي ليبيا، من المتوقع أن تلتزم تركيا باستمرار حضورها السياسي والعسكري، مع إبداء موافقة رسمية على مسار ومخرجات العملية الانتخابية، ودون إجراء أي تصعيد ميداني من شأنه إجراء أي تغيير على المشهد الراهن.
في العراق، من المرجح استمرار التواصل السياسي والتجاري الرسمي مع الحكومة العراقية، بجانب القيام بعمليات نوعية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الحدود العراقية، والتفاوض بشأن إنشاء قواعد عسكرية جديدة في شمال العراق، وهو الأمر الذي سيكون محل للخلاف التركي مع الحكومة العراقية، مضاف إليه الخلاف حول السدود التركية المقامة على نهر دجلة، والتي تعرض حصص العراق المائية للخطر.
في سوريا، وتبعًا للمتغيرات الإقليمية الجارية، لاسيما التوجه العربي العام نحو الاعتراف بشرعية النظام السوري، وفي ظل استمرار الرغبة التركية في استثمار المرحلة الراهنة من التوافق، فمن غير المرجح القيام بعملية عسكرية جديدة داخل سوريا، يستدل على ذلك تراجعها عن تنفيذ تهديداتها بشن هجوم عسكري على مناطق بالشمال السوري، وإطلاقها في المقابل لعملية (أرن الشتاء) داخل حدودها المحاذية لكلًا من سوريا والعراق. ولكن، سيظل من المحتمل استخدام تركيا للقضية السورية كورقة مساومة على صعيد علاقاتها الخارجية، أو على صعيد كسب الشعبية الداخلية، بالإضافة إلى استمرارها في تنفيذ سياسات تتريك مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرتها وربط تلك المناطق إداريًا مع الولايات التركية التي لها حدود مع سوريا.
ثالثًا، استمرار تصعيد الأزمات: على خلاف سياسة معالجة الخلافات مع الدول العربية، استمرت تركيا خلال عام 2021 في ممارسة أعمال تصعيدية في منطقة شرق المتوسط – وإن كان ذلك بوتيرة أقل مقارنة بتصعيدها الممارس سابقًا خلال عام 2020-. تمثلت مؤشرات التصعيد في إعلانها في نوفمبر 2021 عن جولة جديدة من التنقيب عن الغاز في تلك المنطقة بحلول منتصف عام 2022، وذلك باستخدام سفينة التنقيب الرابعة، التي تسلمتها أنقرة مؤخرًا وتعرف بالجيل السابع من سفن التنقيب. سبق ذلك في مايو 2021 الإعلان عن اتجاهها نحو حفر آبار جديدة للبحث عن الغاز في مناطق متنازع عليها مع قبرص، وهو ما أدى بالاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2021 إلى تمديد عقوباته المفروضة على أنقرة لمدة عام إضافي. وفي ديسمبر 2021، قرر الاتحاد تعليق مفاوضات انضمام تركيا إليه، الأمر الذي ينذر بتصعيد تركيا لممارساتها المعادية ضد دول الاتحاد، لاسيما في ملفات الهجرة والتنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها بين تركيا وقبرص واليونان، فضلًا عن احتمال المضي قدمًا في تنفيذ مشاريع اقتصادية داخل منطقة فاروشا (مرعش) -الواقعة على الخط الفاصل بين شطري قبرص التركي والرومي- من شأنها فرض الأمر الواقع لصالح القبارصة الأتراك، الأمر الذي سيثير انتقادات أمريكية أوروبية لكونه مخالف للقانون الدولي. وبجانب احتمالات التصعيد، قد تعمل تركيا خلال الفترة المقبلة –سواء خطابيًا أو إجرائيًا- التأكيد على محورية موقعها الجغرافي وعلاقاتها السياسية الوثيقة مع أذربيجان في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي، وهذا في ظل احتمال استمرار تصاعد الخلاف الروسي الغربي على خلفية أزمة الحدود الروسية الأوكرانية.
رابعًا، تحركات نشطة: من المتوقع أن تستمر تركيا في تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي بمنطقة آسيا الوسطى، لاسيما مع الدول الناطقة بالتركية، حيث من المرجح أن تنتهج الحكومة التركية سياسات من شأنها تأكيد رابطتها القومية مع هذه الدول. يستدل على ذلك استضافة أسطنبول في نوفمبر 2021 لقمة المجلس التركي، الذي تحول إلى “منظمة الدول التركية”. بلا شك، سيسهم هذا التحول في التأكيد على محورية الدور السياسي التركي في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ما سيحمله الأمر من رفع شعبية النظام لدي القوميين الأتراك بالداخل. ومع الأخذ في الاعتبار أيضًا الحضور التركي الراهن في الأزمة الأفغانية، والاتجاه التركي نحو التسوية مع أرمينيا، يمكن القول إن تركيا عبر تكثيف حضورها بتلك المنطقة ستتمكن من اكتساب ورقة مناورة جديدة إزاء روسيا يمكن أن تستخدمها سواء في مسار علاقاتهما الثنائية أو على صعيد تدخلاتهم الخارجية سواء في سوريا أو ليبيا أو ناجورنو كاراباخ. فضلًا عن تعزيز صورتها كقوة إقليمية إزاء الصين، بحيث يمكن تصور تركيا متحدثًا عن دول المنظمة مع الصين حول أفق التعاون الاقتصادي والسياسي بينهما، لاسيما في ظل ما تمثله دول المنظمة من أهمية ضمن مشروع “مبادرة الحزام والطريق”.
على صعيد آخر، من المتوقع أن تعمل تركيا أيضًا على تكثيف نشاطها سواء السياسي أو الاقتصادي الموجه إلى القارة الأفريقية. ففي ديسمبر 2021، استضافت أسطنبول أعمال القمة التركية الأفريقية الثالثة، سبق هذه القمة انعقاد منتدى الأعمال التركي الأفريقي في أكتوبر 2021، الأمر الذي يعني وجود رغبة لدي الجانب التركي للانخراط الاقتصادي المتزايد داخل القارة الأفريقية. وبحسب الرئيس التركي، فقد تجاوز حجم التجارة التركية مع القارة الأفريقية نحو 25.3 مليار دولار عام 2020، مع مستهدف لرفع حجم التبادل التجاري إلى 50 مليار دولار، الأمر الذي يفتح الباب أمام المزيد من الصادرات التركية الموجهة إلى القارة.
إلى جانب تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي، من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تعزيزًا للحضور الدفاعي العسكري التركي داخل القارة، وذلك عبر ما تمنحه منتجاتها العسكرية من جاذبية معززة لهذا الحضور. بالفعل، يتواجد بالقارة الأفريقية نحو 37 مكتبًا عسكريًا تركيًا، فضلًا عن قاعدة عسكرية في الصومال. وتشير تقارير إلى أن الجيش في توجو قد تم تحديثه بدعم تركي. يضاف إلى ما تقدم مبيعات المُسيرات التركية إلى دول عدة داخل القارة، منها المغرب وتونس وأثيوبيا وأنغولا، والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعًا في حجم الطلب عليها نظرًا لما أثبتته من فعالية في المعارك التي ظهرت بها، فضلًا عن رخص ثمنها، الأمر الذي معه من الممكن أن تصير السياسة التركية في أفريقيا قائمة على دبلوماسية “المُسيرات”.
إجمالًا، من المرجح أن تدور سياسة النظام التركي سواء الداخلية أو الخارجية خلال العام 2022 في فلك تعزيز ودعم شعبية الرئيس التركي وحزبه الحاكم، في مقابل تكثيف المعارضة لتحركاتها الهادفة إلى اجتذاب المزيد والمزيد من المواطنين إلى صفهم عبر تسليط الضوء على إخفاقات إدارة العدالة والتنمية، وذلك لكون نتائج سياساتهما خلال العام 2022 ستنعكس بشكل محوري في نتائج انتخابات 2023، المتزامنة مع الذكرى المئوية لتأسيس الدولة التركية.
وبالتالي، فإن نتائج تحركات النظام أو المعارضة التركية خلال عام 2022 إما أن تؤكد على كون أردوغان هو الرئيس صاحب الشعبية الأعلى في تاريخ تركيا الحديثة، باعتباره صاحب أطول مدة بقاء في السلطة، أو أن تسفر تلك التحركات عن قرار الأتراك – لأول مرة منذ عشرين عامًا- العدول عن اختيار العدالة والتنمية وترجيح كفة المعارضة، التي سيكون مطلوب منها حينئذ تقديم تصورات وسياسات مبتكرة عن تلك التي نفذها الحزب الحاكم طوال فترة إدارته.