علاء اللامي
* أما في لبنان مثلا، حيث “تخضع كل طائفة لقانون أحوال شخصية (15 قانوناً)، ترفض المحكمة الجعفرية رفع سن حضانة الأم المطلقة لأطفالها (عامين للذكر و7 للأنثى) وهو الحد الأدنى -الملزم – في لبنان على مستوى الطوائف”، ويستند المشرع الجعفري اللبناني هنا – كما يظهر – الى آية الرضاعة التي تقول (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ… البقرة- 233)، ولكن هذا التخريج القضائي للآية القرآنية لا يفرق بين الحضانة والرضاعة التي هي جزء من كل، وهو يأخذ بالجزء الأول من الآية ويقفز على الجزء الآخر منها والذي يقوم على قاعدة عدم المضارة (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ).
* في لبنان ذاته، كانت النساء من الطائفة الشيعية وغيرها يتطلعن إلى النموذج العراقي ويقارنَّ الوضع في لبنان به، وبعضهن يحتج بأن المرجعية للمحاكم الجعفرية في لبنان مركزها العراق، أجازت الحضانة لأكثر من عامين ولم ترفض مادة الحضانة 57 التي تصل بالحضانة للأم إلى 15 عاما. ويبدو أن الحال ستنقلب الآن في العراق الذي لم يعد يقدم المثال الحسن في التقدم والتطور الحضاري بسبب هيمنة أحزاب ومليشيات الفساد وتشكيل نظام حكم المكونات الطائفية والعرقية بعد الاحتلال.
أما لدى الطوائف المسيحية الكاثوليكية بلبنان فيصل حد عمر الطفل المحضون من قبل الأم الى سنتين للجنسين ولكنه حدٌّ غير ملزم للأم. فالقضاة الكاثوليك يتّخذون قرار الحضانة وفقًا لمصلحة الطفل الفضلى، فلا شيء يجبر الأم على تسليم طفلها أو طفلتها إلى الأب بعد فترة السنتين. وعدم الإلزام خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنها خطوة محدودة وغير كافية وبديلها يكون في قانون لبناني جديد غير طائفي للأحوال الشخصية لدولة مواطنة لا دولة طوائف كما هي الحال في لبنان اليوم ومنذ قيامه.
* وفي لبنان أيضا، نجد أن الفقهاء مختلفون في مقاربة المسألة داخل الطائفة الشيعية، إذْ كان للمرجع الراحل محمد حسين فضل الله رأي مختلف حول سنّ الحضانة، وأفتى بأنّ الأم أحقّ بحضانة الولد، “ذكراً كان أو أنثى، إلى عمر سبع سنين، إلا إذا كانت الأم أقدر على حضانة الولد من الأب، لعدم قدرته على القيام بمسؤولياته، فإنه يعود إلى الأم”. ويمضي المفتي أحمد طالب الذي يتبع مرجعية فضل الله أبعد من ذلك في خطوة تقدمية تقارب مفهوم الحضانة المشتركة وأولية مصلحة الطفل فيقول: “إنّ باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة، وهناك آراء متعدّدة، وحتى أنّ بعض الاجتهادات تقول بوجوب الحضانة حتى سن البلوغ”. ويضيف المفتي قائلا: “إن موضوع الحضانة بات مسألة أمن اجتماعي، وما نراه من مظالم ناتج عن التصلّب الفقهي في التطليق، وعن عدم وجود لجان مختصة لدى المحاكم الجعفرية لتحديث القوانين، والأمثل هو التوجه نحو مبدأ الحضانة المشتركة وفقًا لمصلحة الطفل، وذلك لا يتناقض مع الشرع لناحية حماية الطفل من الضرر”.
وحتى في إيران التي تتبنى نظام ولاية الفقيه، حدثت تعديلات توحي بأنها إيجابية حيث نجد مقاربة واعدة في المادة 1169 من القانون المدني الإيراني التي تنص على “الأولوية في الحضانة للأم حتى سن السابعة” أي إنهم يأخذون بفتوى السيستاني هنا أيضا” ولكنهم يزيدون عليها خطوة متقدمة رغم أنها فضفاضة وغير مدعومة بآليات ملموسة وواضحة تقول ” إذا حصل الاختلاف بين الوالدين في الحضانة، فالمحكمة تبت فيمن له الحق بالحضانة وفقا لتشخيصها لمصلحة الطفل”، والحاجة ماسة هنا لسنِّ مواد قانونية يُحْكَم بموجبها لا أن تترك القضايا لمزاج القاضي في دولة دينية.
وبمناسبة ما يقال عن تحديد ساعات قليلة في الشهر يرى فيها الأب ابنه فهذا أكثر من إجحاف بحقه بل هو يتجاوز الإجحاف ليكون عقابا لا مبرر له للأب، وبالمناسبة فالمحاكم السويسرية مثلا – حيث القضاء في هذا البلد منحاز تماما للمرأة الأم والزوجة التي يتعاظم دورها في قيادة الدولة والمجتمع – تضمن حقوقا كبيرة للأب في التواصل مع الأبناء إذا كانوا في حضانة الأم، وهم مطلقا في حضانة الأم التي تكون بعد الطلاق صاحبة المنزل الزوجي بعد أن يخرج الزوج الطليق منه بحكم القانون. حيث تنص أحكام الطلاق التي تصدر عن المحاكم السويسرية على مادة نمطية هي الثالثة عادة بين مواد الحكم بالطلاق في جميع الحالات تقول:
(3-يحتفظ السيد “…” /الأب الطليق، بحق واسع في زيارة ابنه، وهذا الحق سيمارس، ما لم يتفق الوالدان على خلاف ذلك، بمعدل عطلة نهاية أسبوع واحدة من إثنين، ونصف العطل المدرسية).
وهذا يعني أن الأب من حقه أن يزور أو يستقبل ابنه في مقر إقامته من مساء الجمعة أو صباح السبت إلى مساء الأحد كل أسبوعين، إضافة إلى نصف أيام العطل المدرسية، فإذا كانت أسبوعين يبقى في عهدة الأب أسبوعا وإذا كانت شهرين في العطلة الصيفية يبقى في عهدة أبيه شهرا كاملا.
خلاصة القول في صدد البديل المطموح إليه في بلادنا أعتقد أن حضانة الطفل ينبغي تكون للأصلح والأقدر وبشكل توافقي بين الأم والأب وتحت إشراف الدولة وقضائها، والأم بصفتها هذه ولأسباب بيولوجية واجتماعية وإنسانية وثقافية تحوز الكثير مما يجعلها الأصلح والأكفأ، ولكن هذا التعميم قد لا ينطبق على جميع النساء، فهناك حالات استثنائية لأسباب شتى قد لا يستطعن القيام بأعباء الحضانة وهذا الاستثناء تقرره المحاكم والجهات الطبية والنفسية في حال وجد ما يبرر اعتباره استثناء، ولا ينبغي أن تكون هذه الصفة الأمومية دافعا للإجحاف بحقوق الأب في حضانة ابنه والإشراف عليها أو نقيضا لهذه الحقوق واستبدادا ضده ليحل في مراكز متأخرة في حضانة أبنائه، وهذا المبدأ مأخوذ به اليوم في الدول والمجتمعات المعاصرة شرقا وغربا وبشكل مضطرد مع منح دور أكبر للإشراف الاجتماعي والطب النفسي وتحت رقابة القضاء.
علاء اللامي
…………………
* الصورة: تظاهرة سنة 2017 لنساء لبنانيات “مسلمات شيعيات” ورجال يساندونهن ضد قضاء طائفتهن الذي يرفض إعطاء الحضانة للأمهات لأكثر من الفترة القصيرة المسموح بها.
.
رابط المصدر:
https://www.almothaqaf.com/a/opinions/956831#.YO10M6OBgRs.twitter