السيد سعد البحراني
لقد سادت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية دعوات واتجاهات تركز على الحدود الفاصلة بين الجماعات والانتماءات المتنوعة، لتصنع من خلالها جداراً سميكاً يعزل كل جماعة عن الأخرى، ويوجد لها عالمها الخاص في الأفكار والمشاعر والمصالح، مع أنها تعيش على صعيد وطن واحد، ويجري هذا في عالم تهاوت فيه الحدود، وانهارت الحواجز، حيث أصبح قرية واحدة حسب التعبير الشائع، وكأن هذه الدعوات لا تعترف بكل هذا التطور الواقع ، وتصر على طروحاتها الضيقة المنغلقة، منطلقة من فهم ديني خاطئ ، لا ينسجم مع إنسانية الإسلام، وعالمية دعوته ، ولا يتوافق مع ثوابت نظامه الاجتماعي، كالوحدة والعدل والإحسان .
إن التمايز بين الناس في اديانهم و مذاهبهم و توجهاتهم، لا يعني التنكر لوحدتهم الإنسانية، التي يقررها القرآن الكريم في آيات كثيرة .
يقول تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) ١ النساء
كما يذكر القرآن الكريم أبناء البشر بانتمائم إلى أب واحد ، هو آدم ، فيخاطبهم بصفة انتسابهم إليه كقوله تعالى( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ) ٢٧ الأعراف
هذه المنهجية في الخطاب القرآني ليست عفوية ولا عبثاً وإنما هي تذكير وتأكيد على حقيقة الإشتراك والمشاركة بين أبناء البشر، وإن تنوعت اعرافهم واديانهم و توجهاتهم، فهم من أصل واحد، وينتمون إلى عائلة واحدة، إن الالتفات إلى هذه المنهجية القرآنية، يربي الإنسان المسلم على النظر إلى جميع أبناء البشر كأشقاء له في الإنسانية، ونظراء له في الخلق، وشركاء معه في الحياة ، مما يؤسس لعلاقة إيجابية، تتخطى التمايزات الثانوية، كاختلاف العرق أو الدِين .
يرى الإسلام ان اصلاح الناس اصلاحاً شاملا إنما يكون باتباع هدى العقل، ونبذ تسويلات الجهل، ذلك لأن العقل لا يميز الخير للناس عن الشر فقط ، بل يدفع الفرد إلى العمل بالخير ونبذ الشر…. وإذا أتبع الناس عقولهم، أدوا حقوق بعضهم البعض وزادوا بالإحسان إلى بعضهم البعض . وهل ترى سعادة خيرا من هذا .
أما إذا غلب على الناس الجهل فانكب كلٌ على عبادة ذاته والعمل لمصالحه الخاصة وتطرف كلٌ في جلب الملاذ لها ، فهناك يعم الظلم والطغيان والفوضى واستعباد الآخرين .
كما أن للمعاملة الحسنة تأثيراً في كسب قلوب الناس، فإن للمعاملة السيئة تأثيراً في ابتعاد الناس ، وقد لخص النبي محمد صلى الله عليه و آله ، بقوله ( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممَّن كُملت مروَّته وظهرت عدالته، ووجبت أُخوَّته، وحُرمت غيبته ) ١
١ : تحف العقول : ص٤٠
رابط المصدر:
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1193973050961263&id=929297887428782