حقيقة الأنفاق في قطاع غزة

المؤكد في هذه المرحلة من عمر الحرب على قطاع غزة أن بنيامين نتنياهو؛ وكثير من ضباط الجيش الإسرائيلي قادة الصف الثاني بالخصوص، في احتياج ملح لغطاء اعلامي سميك يضمن ويوفر لهم ذريعة، كي تستمر الآلة العسكرية في الدوران والهدير. لهذا خرجت للنور قضية “الأنفاق” المزعومة التي تربط بين قطاع غزة وسيناء المصرية، باعتبارها وفق الرواية والإلحاح الإعلامي الإسرائيلي هي التي تمثل، شريان التدفق الذي مكن عناصر حماس من الوقوف على أقدامهم حتى الآن، بعد مضي ثمانية أشهر من عمر الحرب. السؤال المقابل المنطقي، وهل تحتاج إسرائيل لغطاء أو لأية ذرائع كي تستمر في الحرب، في الوقت الذي تبدو ماضية في خططها التدميرية للقطاع، دون أن تأبه للحظة لاستقبال الآخرين لفعلها المشين أي كان هؤلاء الآخرين، مجتمع دولي أو حلفاءها الاستراتيجيين أو حتى جوارها الإقليمي.

إجابة هذا السؤال، هو أن إسرائيل بالتأكيد طوال الوقت تحتاج للذرائع طالما هي دولة في “حالة حرب”، وداخل فصول تلك الحرب وضمان استمراريتها يلزمه طوال الوقت عشرات الذرائع الصغيرة أو التفصيلية التي تخدم تحركات وأفعال بعينها. بالمناسبة هذا الأمر ليس قاصرا على إسرائيل وحدها، فكافة الحروب تستخدم فيها هذا النمط الدعائي الذي قد يستند على حقيقة، أو نصف حقيقة، أو في بعض الأحيان يستدعي حقيقة ماضية يتسربل بها كغطاء لسردية تعاني في المقابل من انكشاف المصداقية، تماما كما الحال في فرية “الأنفاق” الواصلة بين غزة وسيناء. في حروب أخرى عديدة يستخدم هذا النمط طوال الوقت، الحرب الروسية الأوكرانية نموذجا معاصرا وهي مليئة بالذرائع من كلا الطرفين، وفي التاريخ النماذج أكثر من أن تحصى لكن ربما أشهرها الحرب العالمية الثانية، التي اندلعت ومضت بين أطرافها في سنواتها السبع تحت أستار كثيفة من الذرائع والأكاذيب الصغيرة والكبيرة، وصولا لاستخدام القنبلة الذرية في النهاية.

لم يجد بنيامين نتنياهو الوصول مع مصر “الوسيط” لاتفاقية هدنة، وتبادل للأسرى والانصياع المرغم لضغوط عدة بالداخل والخارج، ما يخدم مصالحه في التوقيت الذي كان الجميع يرى أن الصفقة نضجت بما فيه الكفاية، للتوقيع ومن ثم نزع فتيل “معركة رفح” أو إرجائها لمدى غير محدد على الأقل. في تلك المحطة بالتحديد كان ضروريا لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحول مصر من “وسيط” نزيه فعال، يحظى بدعم كافة شركاءه في الوساطة وغالبية الأطراف الأخرى ذات الصلة، إلى “خصم” لدى إسرائيل معه بعض من الإشكاليات والتناقضات المحسوبة، أو المؤقتة التي قد يسهل تجاوزها لاحقا. الخطوة الميدانية التي تحقق هذه “الخطة الصغيرة”؛ هي تقدم القوات الإسرائيلية للسيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وهي خطوة بالتأكيد تضمن إثارة الغضب المصري، والبدء بعدها مباشرة في اصطناع الخلافات بما جرى تسريبه لوسائل إعلام أمريكية، حول تلاعب الجانب المصري بوثائق الوساطة التي جرى تبادلها بين وفد حماس والوفد الإسرائيلي. بعد أن تهاوت سريعا هذه القصص الصحفية المثيرة، التي كان من السهل نسفها، فالأمر كان يتم مصريا بالجدية التي يلزمها جهود دقيقة من هذا النوع. لكن المستهدفات الميدانية التي احتاج إليها قادة الصف الثاني من العسكريين، كانت في حاجة لأن تتقدم للوصول للشريط الحدودي الملاصق للحدود المصرية بداخل قطاع غزة “محور فلاديلفي”، من أجل استثمار الوقت الذي وفرته تلك الخلافات بصب مزيد من الأكاذيب، حتى تصل القوات الإسرائيلية لحالة “تموضع نموذجية” قبل انخراطها مرة أخرى في التفاوض، تحت السقف الذي أحرزته على الأرض.

طوال الأشهر الأولى من عمر الحرب الإسرائيلية، ظلت تل أبيب تروج للدور الإيراني باعتباره الرئيسي في دعم حركة حماس، وقد جرى في هذا المسار كثير من الوقائع والمحطات حتى وصل لذروته في الهجوم الإيراني على إسرائيل وما تبعه من الرد الإسرائيلي. الثابت أن تدخلا أمريكيا جرى بين الطرفين؛ لضبط إيقاع الفعل الإيراني والرد الإسرائيلي على حد السواء، ويبدو أن هذا التدخل امتد لما بعد ذلك فقد خفتت الاتهامات الإسرائيلية لإيران بشكل ملحوظ فيما يخص، امداد حركة حماس بالأسلحة والصواريخ التي تستخدمها في مقاومة الجيش الإسرائيلي. لهذا ليس صعبا كثيرا ملاحظة سحب هذه الرواية الإسرائيلية التي ظلت معتمدة لشهور، واستبدالها بدور لأراضي سيناء كونها المشغل الرئيسي لحركة حماس، عبر الأنفاق التي تحظى برعاية رسمية مصرية في بعض المزاعم وغير رسمية في أخرى. بل ذهبت بعض الادعاءات الإسرائيلية المتهورة، إلى أن قادة حماس في جناحها العسكري بالضرورة استخدموا تلك الأنفاق للهروب من قطاع غزة، والاختباء داخل الجانب المصري وربما يكون صحبتهم أيضا المحتجزين الإسرائيليين !

الإعلان منذ أيام عن اكتشاف فتحات 20 نفق داخل غزة بالقرب من الحدود مع مصر، يستكمل جوانب السردية الإسرائيلية المطلوب تسويقها بداية للداخل الإسرائيلي، المتلهف لأن يتابع أي انجاز عسكري، وهذا يضعه أمام قصة مثيرة تبرر له بالأخص اخفاق الجيش الإسرائيلي حتى الآن في الوصول لقادة حماس ولذويهم من المحتجزين،  وتسكينا للأطراف الدولية التي ضاقت ذرعا باستمرار تلك الحرب وتلح يوميا على ضرورة إيقاف الآلة العسكرية. هذه الفتحات المشار إليها والتي لم ولن يلتقط لها أبدا صورة واحدة كاملة، من المعلوم يقينا أنها من مخلفات الأنفاق التي دمرتها السلطات المصرية من جانبها داخل الأراضي المصرية، خلال الأعوام من 2014 وحتى 2020 تقريبا تاريخ الانتهاء من تطهير كامل تلك المنطقة، وبناء منطقة عازلة حديثة ومتطورة، بأحدث التقنيات الأمنية والانشائية لمناطق الحدود فوق الأرض وتحتها، ومعززه بمخطط كامل لمنطقة عازلة مراقبة على مدار ساعة.

هذه معلومات يعلمها يقينا الجانب الإسرائيلي، فمصر لم تقم بذلك في الخفاء انما مثل هذا التغيير الكبير في المنطقة الحدودية، أحد الفصول المهمة التي قامت بها في حربها على الإرهاب، ولم تكن لتحقق الانتصار وتطهر سيناء دون انجاز تلك الخطوة. هذا المشروع الكبير مسجل في سجلات الدولة المصرية، بتكلفة بلغت 3.2 مليار جنيه مصري شاملا التعويضات التي خصصت لأهالي تلك المناطق، التي استلزم نقلهم لأماكن بديلة داخل أراضي سيناء.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/46137/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M