للأسف هناك ثقافة لم نفهمها لحد الآن ونتمنى أن نفهمها في المستقبل وهي ثقافة النظر للأمور من عدة زوايا ، فنجد السياسيين مثلاً عندما يريدون اتخاذ قرار معين – سياسي أو قانوني – فإنهم ينظرون له من زواية مصالحهم فقط ، ربما تكون المصالح بوصلة السياسيين في ظرف معين ولكنها – أي المصالح – قد تتغير بحسب الظروف وبالتالي فإن اتجاه البوصلة سيكون خاطئاً بالنسبة لهم ومضراً ، وهذا ما حدث عندما سعت كتل سياسية لإقرار قانون يحدد ولاية رئيس الوزراء بدورتين ، والأمر معروف وجلي للجميع أن المشروع أُسِّس – من قبل مناوئي المالكي (الأحرار والمجلس الأعلى ومتحدون والعراقية) – لتقويض المالكي وتحديد نفوذه لذا نجد المعارضين لمشروع القانون هم دولة القانون وحلفاؤها ، فأخفق الطرفان في فهم ثقافة النظر من عدة زوايا ، فلا المؤيدون لمشروع القانون حسبوا لمستقبل مصالحهم ولا المعارضون ، وكأن المالكي هو الوحيد الذي سيبقى في رئاسة الوزراء ولا يمكن لأحد آخر أن يعتلي هذا المنصب ، فدولة القانون ترى بأن رئاسة الوزراء حكراً لها ونسوا أنه يأت يوم ويكون رئيس الوزراء من غيرهم وقد ينفرد بالسلطة ويستغل هذا القانون لتقوية نفوذه وبالتالي فمعارضتهم لهذا القانون سيضرهم ويضر مصالحهم في المستقبل ، والمؤيدون – العراقية بقيادة علاوي وحلفاؤها – يريدون سن قانون فقط لتكبيل يدي المالكي ونسوا أن رئاسة الوزراء ممكن أن تكون لهم في المستقبل وبالتالي فإن تحديد ولاية رئاسة الوزراء ستضرهم في المستقبل .
على كل حال هذا حال سياسيينا فلا يقيّموا مصالحهم فكيف لهم أن يقيّموا مصالح غيرهم ، ويبدو مما سبق أن المصالح التي يسعى لها سياسيو اليوم هي مصالح فردية وأنها لم تكن وحتى مصالح حزبية أو طائفية أو قومية لأن مصالح الحزب والطائفة والقومية عادة تكون بعيدة المدى ( أكثر من 50 سنة ) أما التفكير لسنوات قلائل فهذه مصالح فردية بحتة .
أما موضوع حكومة الأغلبية السياسية الذي طال الحديث عنه فله علاقة وثيقة بالثقافة التي قدمنا لها ، فدولة القانون والمالكي على وجه الخصوص طالب منذ فترة بعيدة بتشكيل حكومة أغلبية سياسية معتبراً إياها مشروعاً لانقاذ البلد من الفساد والإرهاب ، وهذا أمر متفق عليه فكل الديمقراطيات في العالم تعتمد نظام الأغلبية السياسية في حكمها ولكن ذكرنا في مقالة سابقة مقومات نجاح حكومة الأغلبية السياسية في تلك البلدان وعدم توفرها بنسبة 90% في العراق ، فالبرلمان قوي يضاهي قوة الحكومة والقضاء مستقل الى درجة كبيرة والوزراء ورئيسهم موظفون حالهم حال باقي الموظفين والإعلام حر ومستقل وصانع للرأي العام ومحترم من قبل الحكّام ويعمل على تثقيف الأمة بواجباتها وحقوقها ومؤسسات المجتمع المدني قوة ضاغطة نحو ترشيد الحكومة وتوجيهها وتنبيهها وهي عنصر فعال في توعية الشعب وتوفير ما تتعمد الحكومة التقصير فيه خصوصاً في الجانب المعنوي ، وهذه المقومات لا أعتقد أنها موجودة في العراق وأعتقد أن الكثير يتفق معي في هذا .
أما المعارضة التي تمثل الطرف الثاني في الديمقراطيات الناجحة وهي كذلك تحتاج الى مقومات نجاح ، فالمعارضة حتى تكون ناجحة يجب أن تسعى لتقويم الحكومة وترشيدها وتوجيهها نحو الاتجاه الذي يخدم المواطن لا أن تعرقل القوانين وتربك عمل الحكومة وتقيل وزيراً وترفع الحصانة عن آخر لحسابات سياسية لتسقيط الحكومة وإفشالها ، والشق الثاني موجود وبجدارة في المشهد السياسي العراقي فهل ستنجح حكومة أغلبية سياسية في ظل ظروف معارضة غير مناسبة ؟
من جانب ثاني لو قبلنا بفرضية أن معارضي المالكي ائتلفوا وشكّلوا كتلة برلمانية أكبر كي يكون رئيس الوزراء منهم لأن كتل (المواطن والأحرار والأكراد ومتحدون والوطنية) قد تصل عدد مقاعدهم الى أكثر من 160 مقعد بمعنى سيكونوا أغلبية فضلاً عن كونهم كتلة أكبر ، فهل ستنجح هذه الكتلة الكبيرة والأكبر من دولة القانون وحلفائها من تشكيل حكومة أغلبية سياسية باعتبارها الحل الأمثل للوضع في العراق ؟ وهل ستنجح الحكومة المشكلة في القضاء على الإرهاب والفساد باعتبارها حكومة أغلبية سياسية ولها صلاحيات واسعة وغير مقيدة باتفاقات سياسية في أربيل أو النجف أو غيرها ؟ وهل ستقبل كتلة دولة القانون وحلفاؤها بهذه الحكومة التي شكلها منافسوهم ؟ وهل سيدعمون مثل هذا الخيار ويقوّمون الحكومة ويرشّدونها ؟ وهل سيقبلون بأن يكونوا في المعارضة ويتركوا المطالبة بتشكيل الحكومة وإرادة الناخب وغيرها من الدواعي ؟ وهل ستكون معارضتهم وطنية مبينة على اساس خدمة المواطن والوطن أم سيحاولون أن يفشلوها حتى تنتقل لهم القيادة من جديد ؟
هل فكّر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي – إذا تمكّن من تشكيل حكومة أغلبية سياسية – بأن المعارضة ( وهم المواطن والأحرار والأكراد ومتحدون والوطنية ) ستكون حجر عثرة في طريق نجاح حكومته ؟ لأنهم يرونه فاشلاً للفترة الماضية فكيف سيتركوه لتولي نفس المنصب بهذه السهولة ، طبعاً هذه المحاولة من هذه الكتل ليس بالضرورة أن تكون موجودة بالفعل ولكننا نريد أن ننظر من زاوية دولة القانون ، فالطرفان يريد أن يقصي الاخر كي يثبت نجاحه وفشل خصمه ، فإذا تحقق هذا الاحتمال كيف سيتمكن المالكي من إنجاح حكومته في ظل معارضة قوية حادة لسيوفها لإسقاطه منذ مراحل متقدمة قبل الانتخابات وعند الانتخابات ، فإن كان غير مدركٍ لما يخطط له المعارضون لحكومته فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم لأن مع هكذا تخطيط يقابله هكذا إصرار فهذا يعني أن للمالكي خططاً قد يستطيع من خلالها تهميش الآخرين بصورة تزيد من انفراده بالسلطة والتحكم بالوضع السياسي كيفما تشاء أهواؤه ومصالحه ، وإلا كيف سيواجه هذه المعارضة التي كانت ساكتة لحصولها على بعض المناصب السيادية والحكومية فهل ستسكت وترى من عملت كل جهدها كي تنحيه من منصبه يريد أن يقصيها ؟
في كل الأحوال المواطن يدفع الثمن .