فراس إلياس – باحث
جاءت عملية تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني؛ لتمثِّل -بدورها- محطةً جديدةً من محطات العلاقة بين العراق وتركيا، التي شهدت -ومنذ عملية التغيير في العراق عام 2003- حالة عدم استقرار سياسي وأمني، ممَّا انعكسَ بدوره على مجمل العلاقات بين البلدين، إذ ستجد حكومة السوداني نفسها مضطرة للتعامل مع عديد من الملفات التي فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في حلها مع الجانب التركي، ومن أبرزها ملفات المياه والأمن، ومع أنَّ الفشل العراقي في الوصول لنتائج حاسمة مع تركيا في هذه الملفات نابعٌ بالأساس من حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها البلاد، إلا أنَّ الإصرار التركي من جهة أخرى على عدم حلها، جعل العراق يواجه عقبات مهمة، وهو ما يعرض -بدوره- تساؤلاً مهماً يتمحور حول مدى قدرة حكومة السوداني على حسم هذه الملفات العالقة مع الجانب التركي.
تحاول هذه الدراسة تسليطَ الضوء على التعاطي التركي مع تشكيل حكومة السوداني، وأهم الملفات العالقة، والكيفية التي ستتعامل بها حكومة السوداني مع تركيا، وانعكاس ذلك بالمجمل على مستقبل العلاقات العراقية التركية في المرحلة المقبلة.
التعاطي التركي مع مسار تشكيل حكومة السوداني
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ تركيا -وكغيرها من القوى الإقليمية الأخرى المجاورة للعراق- لها مساحة نفوذ واضحة في الداخل العراقي، ويمكن تلمُّس مساحة النفوذ بصورة واضحة في الدور الذي قامت به عبر الدفع بتحالف السيادة الذي يقوده رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، إلى جانب علاقاتها الطيبة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، للتوافق مع قوى الإطار التنسيقي، لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وإنهاء حالة الانسداد السياسي التي مر بها العراق بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
إذ حاولت تركيا -وعبر تحركات سفيرها في العراق علي رضا كوناي، إلى جانب الزيارات المتكررة لرئيس المخابرات التركية هاكان فيدان- الدخول بصورة مباشرة على خط تشكيل الحكومة العراقية، مدفوعة بحاجات داخلية ومخاوف خارجية من أن تؤدِّي استمرار حالة الانسداد السياسي التي مر بها العراق، إلى مزيدٍ من الاستنزاف العسكري، سواءً على مستوى المواجهة مع حزب العمال الكردستاني (PKK ) في سنجار، أم على مستوى العمليات العسكرية التركية على الجانبين العراقي والسوري، إذ شهدت المواقع التي توجد فيها القوات التركية عديداً من الهجمات بالطائرات المسيرة وصواريخ (الكاتيوشا)، كما أنَّ الهجوم الذي وقع في مصيف برخ التابع لمحافظة دهوك في إقليم كردستان في يوليو/ تموز الماضي، والذي راح ضحيته عديد من القتلى والجرحى، ممَّا أدخل العلاقات بين البلدين في منعطف خطير.
أدَّى هذا الهجوم إلى تصاعد حالة السخط الشعبي العراقي من الدور الذي تقوم به تركيا في العراق، والأكثر من ذلك أدَّى هذا الهجوم إلى لجوء العراق لمجلس الأمن الدولي لإدانة القصف التركي، وتحميل تركيا مسؤولية الخسائر التي تعرَّض لها العراق، ولم تتوقَّف الردود العراقية عند هذا الحد، بل برزت مطالبات شعبية لمقاطعة البضائع التركية، كما تعرضت القنصلية التركية في محافظة نينوى لهجمات صاروخية، إلى جانب مقرات عسكرية تركية في زليكان، وبامرني، وغيرها.
سبق هذا القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية في فبراير/ شباط 2022، والقاضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، الذي يتناول في جزءٍ منه التعاملات الغازية بين أربيل وأنقرة، إلى جانب انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلدين بفعل الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد، ممَّا جعل الداخل التركي يعاني من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، فاندلاع الأزمة الأوكرانية، واستمرار العقوبات الاقتصادية على إيران، زاد من اعتمادية الجانب التركي على التعاملات التجارية والطاقوية مع العراق، وهو ما راكم بدوره من التعقيدات التي شهدتها تركيا إزاء استمرار حالة الخلافات السياسية في العراق.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: