أندرو غرايس
لا داعي للقلق إذا فاتتك الاستدارة الأخيرة للحكومة إلى الخلف، فستكون هناك استدارة أخرى مماثلة قريباً. وتتعلق آخر الاستدارات تلك بالتوجيه الحكومي حول ضرورة ارتداء غطاء الوجه من قبل الطلاب في الأماكن المشتركة داخل المدارس الثانوية في إنجلترا. فبعد ساعات من إبلاغنا من قبل زملائِه الوزراء بأن الكمامات ليست ضرورية، تراجع غافين وليامسون (وزير التعليم) تراجعاً حاداً في الاتجاه المعاكس. وقد سبق أن أبلغنا وزير التعليم نفسه، أنه لن يتراجع في قضية نتائج الامتحانات، ثم فعل. كان الاختلاف الوحيد هو أن التراجع في موضوع الامتحانات استغرق يومين.
في غضون ذلك، يشد النواب المحافظون ما تبقى من شعرهم، وقد تحول إحباطهم إلى يأس وغضب، وهم يرون نمطاً واضحاً. تقول الحكومة إن العلم يظهر أن ارتداء الكمامات ليس ضرورياً. ثم تعلن نيكولا ستورجين أن الحكومة الأسكتلندية تفرض الكمامات للحفاظ على سلامة الناس. من ناحيته، ينظر حزب العمال إلى اتجاه الرياح ويقول، إنه كان يدعو إلى ارتداء الكمامات منذ البداية، ويجدد اتهامه للحكومة بعدم الكفاءة، وهي تستحق ذلك. وينفي الوزراء في لندن نيتهم الاستدارة إلى الخلف، ثم يتراجعون ويختبئون وراء نصيحة علمية مختلفة وأكثر ملاءمة.
من دون كثير من التفكير، أستطيع ذكر 12 حالة نفذت فيها الحكومة استدارة إلى الخلف متراجعة عن قراراتها خلال جائحة فيروس كورونا. وتتمثل هذه الحالات في تقديم وجبات مدرسية مجانية (من قبل لاعب كرة القدم الشهير ماركوس راشفورد)، وإنهاء رسوم خدمات الصحة الوطنية الإضافية لعمال الصحة الأجانب، وتمديد حظر الإخلاء، وعودة جميع تلاميذ المدارس الابتدائية قبل العطلة الصيفية، وإجراء اختبارات كورونا في المجتمعات المحلية، وإطلاق تطبيق للاختبار والتتبع، وإشراك السلطات المحلية في تتبع المخالطين، والسماح لأعضاء البرلمان بالتصويت عن بعد، وفرض الحجر الصحي الشامل على القادمين إلى المملكة المتحدة، واعتماد تقييمات المعلمين في تحديد درجات طلاب الشهادة الثانوية العامة (GCSE)، والشهادة الثانوية العامة A Level، وارتداء الكمامات في المحال التجارية، والآن في المدارس. (وبعد المراجعة، اكتشفت أنني أغفلت مسألة تمديد برنامج دعم أهالي العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين ماتوا بسبب الفيروس). وكل هذا قبل أن ندرج التراجع عن دور هواوي في بناء شبكة الجيل الخامس.
دخل مصطلح “الاستدارة إلى الخلف” أو التراجع في الاتجاه المعاكس (U-turn) المعجم السياسي، عندما أجرى رئيس الوزراء المحافظ الأسبق إدوارد هيث، تغييراً رئيساً في سياسته الاقتصادية في عام 1972. ويصر الوزراء على أن التغييرات الأخيرة بعيدة كل البعد عن ذاك الحد، وتعكس الحاجة لتنقيح السياسات في أزمة غير مسبوقة. وفي جولة من المقابلات الإعلامية التي أجريت معه الخميس الماضي، استخدم وليامسون على نحو غير مقنع الخدعة القديمة المتمثلة في القول، إن الحكومة تبقي كل هذه الأمور “قيد المراجعة”. لكن بالنسبة للنواب المحافظين، فإن ذلك يجعل الحكومة تبدو سائرة على غير هدى ومن دون تخطيط، ومتأخرة كما لو أنها “تختلق الخطوة التالية اختلاقاً بينما نمضي قدماً”، على حد تعبير النائب هيو ميريمان لـ”راديو بي بي سي 4″ التابع لـ”هيئة الإذاعة البريطانية” صباح الخميس الفائت.
ويعد هذا مهماً، لأن غياب رسالة منسجمة بشأن فيروس كورونا منذ الدعوة إلى “البقاء في المنزل” يترك الجمهور في حيرة إزاء القواعد المتغيرة باستمرار، إضافة إلى العاملين الأساسيين مثل الرؤساء والمدرسين في الخطوط الأمامية.
إن الحالة الوحيدة التي لا يتراجع فيها بوريس جونسون هي مسألة إقالة الحلفاء، مثل دومينيك كامينغز، أو روبرت جينريك، أو وليامسون، الذين ربما كانوا سيرحلون جميعاً في ظل نظام مختلف. وفي هذا الصدد، يقول مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت في رسالة جريئة “إننا لا نجري المحاكمة من طريق وسائل الإعلام”. ومع ذلك، فإن هذه الرسالة انتقائية جداً، إذ إن المستشارين الذين يحملون عبء أخطاء الحكومة لحماية الوزراء من التعرض للوم، مثل سالي كوليير رئيسة “مكتب شؤون المؤهلات وتنظيم الامتحانات” (أوفكوال)، أو رؤساء الصحة العامة في إنجلترا، يمكن الاستغناء عنهم وتشويه صورهم في وسائل الإعلام.
يجب أن تتم الاستدارة التالية إلى الخلف في السياسات، في برنامج ريتشي سوناك للإجازات المفتوحة، وهي على الأرجح ستكون كذلك. ووزير المالية مصر على أن ينتهي (برنامج الدعم) في أكتوبر (تشرين الأول) ذلك البرنامج الموضوع أصلاً لدعم الأجور. والآن عليه أن يقول إنه إذا فتح الباب لمساعدة القطاعات المتضررة بشدة، فسيتشكل على الفور طابور طويل جداً، وسيتعين عليه مساعدتهم جميعاً.
مع ذلك فإن تمديد برنامج الإجازات المفتوحة للحفاظ على الوظائف الحقيقية بدلاً من المنتهية التي لن تعود أبداً، سيكون ذا مغزى اقتصادي وسياسي، خاصة في الحزام الأحمر (العمالي)، الذي تحول إلى أزرق (محافظ) في شمال ووسط البلاد. وقد يكون مثل هذا النهج قاتماً بالنسبة إلى قطاع الضيافة، لكنه قد يكون حبل نجاة لقطاعات الطيران والسياحة والترفيه والفنون.
ستقترب البطالة من ثلاثة ملايين بحلول نهاية هذا العام، وستصبح حتماً القضية السياسية الأولى. وبحسب “معهد بحوث السياسة العامة”، ستظل ثلاثة ملايين وظيفة تعتمد على الإجازات المفتوحة عند انتهاء برنامج دعم الأجور هذا. وبحسب مركز البحوث، سيضيع مليونا وظيفة صالحة، ما لم يتم تمديد برنامج دعم الأجور للعام الجديد.
وفي أقل تقدير، ستكون هناك حاجة إلى شكل من أشكال الإجازات المفتوحة في المناطق التي تتأثر فيها الشركات بإغلاق محلي. وتعمل دول مثل ألمانيا وفرنسا على إطالة أمد برامج دعم الأجور الخاصة بها إلى نهاية عام 2021 تقريباً، مما يجعل المملكة المتحدة معزولة على هذا الصعيد، وغير منسجمة مع الآخرين.
خاض سوناك حرباً جيدة جداً ضد فيروس كورونا، وأدى برنامجه الجريء للإجازات المفتوحة إلى حماية أكثر من تسعة ملايين وظيفة، ما يمثل نحو 30 في المئة من القوة العاملة، في ذروة البرنامج. لكن، من غير المرجح أن تكون مكافأته المقدرة بـ1000 جنيه إسترليني لأصحاب العمل عن كل عامل يعود إلى منصبه ويظل فيه حتى يناير (كانون الثاني)، حافزاً كافياً.
من المفهوم أن سوناك يشعر بالقلق إزاء تكلفة تمديد برنامج يكلف 14 مليار جنيه إسترليني في الشهر. لكن لطالما أراده أن يكون “جسراً” لمساعدة الأفراد والشركات على تجاوز هذه الأزمة. وبما أننا لا نزال بعيدين عن تجاوزها، فإن جسر الإجازات المفتوحة هذا لا يزال يتمتع بالأهمية البالغة ذاتها.
رابط المصدر: