دانية الزعيمي
تبرز نظرية المؤامرة مع كل حدث عالمي كبير، ويبلغ التشكك بالكثيرين حد الاعتقاد بأن كل شيء يُقضى بليلٍ وأن الأيادي الخفية تقف وراء كل ما يحدث… مثل أن “شركات الأدوية تقف وراء جائحة كورونا”! وأن لقاح الفيروس سيحول الناس إلى عبيد!!
موغلة في التاريخ
التآمر في اللغة العربية من فعل تآمر ويعني التشاور بين اثنين أو أكثر لفعل أمر ما. الفعل غالبا ما يحيل على الشر. فإذا قيل ائتمروا بفلان أو تآمروا عليه، فمعنى ذلك أنهم تشاوروا في إيذائه.
أما الموسوعة العربية العالمية، فتعرّف المؤامرة؛ أي نتيجة فعل التآمر، بأنها اتفاقٌ بين شخصين أو أكثر للقيام بعمل ضد القانون.
اشتبكت المؤامرة مع السياسة عندما دخلت البشرية عصر الملكيات والإمبراطوريات… حين نعود إلى الأحداث التاريخية في هذه الفترة، نخلص إلى أنها عبارة عن سلسلة من المؤامرات تستهدف الإيقاع بالآخرين لحيازة السلطة.
هذا العمل قد يكون ضد أشخاص عاديين أو اعتباريين (مؤسسات مثلا)، ويُعدّ جريمة تصل عقوبتها في بعض البلدان إلى الإعدام.
ظهر مفهوم المؤامرة حديثا في مقالة اقتصادية عام 1920[1]، ثم جرى تداوله على نطاق واسع ستينيات القرن الماضي قبل أن يدخل قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية عام 1997[2].
غير أنه، حيثما عدنا في التاريخ، نجد ثمة شيئا من المؤامرة حتى يكاد المرء يحسم أنها نشأت مع نشوء الوعي البشري وظلت تلازم تطوره إلى اليوم.
فما قبل العقل السببي، كان لكل حدث في الحياة دافع مجهول يعزى إلى قوة خارقة. نجد في الأساطير الآلهة تكيد لبعضها أيضا.
لاحقا، كما يرد في القرآن مثلا: “وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين”[3].
يجد بعض السياسيين في فكرة المؤامرة ما يمد خطابهم بالسحرية والبعد التراجيدي الذي من شأنه أن يؤثر في الجماهير.
أما الاشتباك مع السياسة، فقد حدث عندما دخلت البشرية عصر الملكيات والإمبراطوريات… حين نعود إلى الأحداث التاريخية في هذه الفترة، نخلص إلى أنها عبارة عن سلسلة من المؤامرات تستهدف الإيقاع بالآخرين لحيازة السلطة.
آخر التفسير… المؤامرة!
ما من داع لدراسة نظرية المؤامرة أكثر من ارتفاع عدد الذين يؤمنون بها، وهو ما تثبته العديد من استطلاعات الرأي.
مثلا، في استطلاع أجراه موقع إلكتروني مؤخرا، اعتبر نحو 29 بالمائة من المغاربة أن انتشار فيروس كورونا المستجد ليس سوى مؤامرة.
المؤامرة كنظرية (أو تحت أي مسمى آخر) هي الاعتقاد بأن أياد خفية تقف وراء الأحداث ورفض أي تفسير رسمي لما حدث.
قبل ذلك كان أحد الوجوه السياسية المغربية قد صرح بكل ثقة أن الوباء مصنوع وأنه يندرج ضمن نظرية المؤامرة.
الأمثلة تطول في هذا الصدد… القوميون العرب مثلا يرون أن “الأمة العربية” تتعرض لمؤامرة كبرى بدأت مع وعد بلفور ومعاهدة سايكس بيكو.
لكن، في حين تظهر ملامح العدو واضحة عند هؤلاء، نجدها لدى الإسلاميين هلاميية غير محددة، فالكل لديهم عدو متآمر؛ أي أنهم يُلبسون التهمة لمن يشاؤون ممن يخالفهم[4]…
أما اليسار، ففي المجمل، كان أقل تأثرا بالنظرية واكتفى بالإمبريالية والرأسمالية عدوا تجب مجابهته[5].
البعض يفترض أن أي حدث كبير لا بد أن يكون وراءه سبب كبير. لا يعقل مثلا أن يقف وراء اغتيال كنيدي شخص مجنون فقط!
مفهوم العدو إذن أحد ركائز نظرية المؤامرة حتى إنها لا يمكن أن تقوم دونه. فإن لم يوجد أُوجِد[6]!
في الغالب يكون نتاجا لفشل في التفسير… نوع من العوز في التحليل، وعدم اليقين والقدرة على التوقع[7]. أما أحيانا أخرى، فيجد بعض السياسيين في فكرة المؤامرة ما يمد خطابهم بالسحرية والبعد التراجيدي الذي من شأنه أن يؤثر في الجماهير.
تحتمل الصواب والخطأ!
لم يسلم أي حدث من “شبهة” المؤامرة في العصر الحديث… مقتل الرئيس الأمريكي جون كيندي كمثال ذائع، الهبوط على سطح القمر أيضا، أحداث الـ11 من شتنبر، والأحدث في سلسلة لا تنتهي؛ جائحة فيروس كورونا المستجد ولقاحه.
المؤامرة كنظرية (أو تحت أي مسمى آخر) هي الاعتقاد بأن أياد خفية تقف وراء الأحداث ورفض أي تفسير رسمي لما حدث.
ولهذه النظرية عدة ملامح أساسية:
- أن المتآمرين فيها يتسمون بِشرّ هائل، ويتمتعون بقدرات غير عادية، ذلك أنهم قادرون على إدارة شؤون العالم وإثارة الحروب ونشر الأوبئة…
- البراهين التي تقدمها في العادة غير قوية… كل ما تقوم عليه، اصطياد أو رصد مشاهد منفردة من الحدث، أو ثغرات في الرواية الرسمية.
- لو أن ثمة دليل على صحتها، لما كانت نظرية. لكن، بالمقابل، لا يمكن أيضا إثبات خطئها لأنها تقوم على التشكيك[8].
هكذا، هناك ثلاثة مواقف من هذه النظرية؛ الأول مهوّل، الثاني مستهين، والثالث يقف في ما بينهما.
لماذا؟
تميل عقولنا في الغالب إلى الاعتقاد بأنه لا مجال للصدفة فيما يقع وأن كل الأحداث مقصودة وذات هدف.
ثم إن البعض يفترض أن أي حدث كبير لا بد أن يكون وراءه سبب كبير. لا يعقل أن يقف وراء اغتيال كنيدي شخص مجنون فقط[9]!
الإيمان بهذه النظرية إلى حد كبير، حتى يغدو المرء بها متشككا على نحو مرضي، قد يكون مؤذيا للغاية.
أضف إلى ذلك أن الإنسان يتميز بقدرته على إيجاد نوع من الترتيب بين ما هو عشوائي.
تزداد هذه القدرة عندما يشعر الناس بالعجز، حتى إن بعضهم يرى لفظ الجلالة في أوراق الشجر مثلا، وقس على ذلك.
إجمالا، ينبع حافز الاعتقاد بنظرية المؤامرة لثلاثة أسباب:
- تجعل من يؤمن بها يشعر بالرضا عن نفسه والجماعة التي ينتمي إليها؛
- تساعد من يؤمن بها على إيجاد معنى في عالم مربك؛
- تدفع من يؤمن بها إلى الشعور بالأمان والسيطرة[10].
غير أن الإيمان بهذه النظرية إلى حد كبير، حتى يغدو المرء بها متشككا على نحو مرضي، قد يكون مؤذيا للغاية.
قد يدفع الاعتقاد مثلا بأن شركات الأدوية هي التي تقف وراء جائحة “كوفيد-19” إلى عدم التزام التباعد الجسدي أو عدم تلقي اللقاح في حال توفره[11]… وذلك لن يفضي سوى إلى مزيد من الأموات!
[1] عن مقال الباحثة سهف عبد الرحمن: “نظرية المؤامرة وفلسفة المتاهة؛ حقيقة أم وهم؟”.
[2] عن كتاب الباحث علي بن إبراهيم النملة: “هاجس المؤامرة في الفكر العربي بين التهوين والتهويل”.
[3] سورة القصص، الآية 20.
[4] عن مقال الباحثة سهى عبد الرحمن.
[5] المصدر نفسه.
[6] عن كتاب الباحث علي بن إبراهيم النملة.
[7] عن مقال الباحث محمد عبد السلام: “لماذا تصاعدت أعمال التآمر على الساحة الإقليمية؟”.
[8] عن مقال الباحث سمير الشناوي: “لماذا نصدق نظريات المؤامرة؟ قراءة في كتاب عقول متشككة”.
[9] المصدر نفسه.
[10] عن مقال لمجلة “العربي الجديد”، بعنوان “لماذا تعد نظريات المؤامرة جذابة؟”.
[11] عن مقال لمجلة “أنا أصدق العلم”، بعنوان “لماذا تنتشر نظريات المؤامرة بكثرة خلال الأزمات؟”.
.
رابط المصدر: