د. أسعد كاظم شبيب
بدأت الكتل والمجوعات السياسية العراقية بجميع اتجاهاتها مع تحديد موعد نهائي لما سمي بالانتخابات المبكرة والتي ستجري في تشرين الأول من هذا العام، بدأت الكتل السياسية في ترتيب أوراقها السياسية وتنظيم شكل تحالفاتها واختيار من يمثلونها في مجلس النواب القادم، يأتي ذلك مع رغبتها في الخروج بما يحفظ لها امتيازاتها السياسية في ظل قانون انتخابي جديد، فهو بقدر ما سيكون من صالح القوى والتيارات الجماهيرية، فأنه قد يقلل من حضور قوى أخرى لاسيما تلك التي يكون جمهورها متناثرا في المحافظة الواحدة، وعندما كانت تجري الانتخابات البرلمانية العامة في الدورات السابقة، كان يعدها القانون دائرة انتخابية واحدة، أما القانون الذي ستجري بموجبه الانتخابات البرلمانية، فأنه يعتمد على الدوائر المتوسطة، أي تكون المحافظة من ثلاثة دوائر فصاعدا وحسب حصة كوتا النساء لكل محافظة، كما أن القوانين الانتخابية السابقة كانت تشجع الأحزاب والكتل السياسية في الانضواء تحت قائمة واحدة لكل محافظة لأسباب كثيرة منها: إن أغلب القوائم الانتخابية لاسيما الكبيرة منها تعتمد على بعد الشخوص في القائمة خاصة رئيس القائمة أو من يدعمون القائمة من قادة أحزاب أو حركات وتنظيمات سياسية وكان العديد من الأصوات تصل إلى مئات الآلاف التي يحصل عليها رئيس القائمة تذهب لصالح أعضاء من نفس القائمة لم يحصلوا حتى على بضعة الآلاف، أما القانون الذي ستجري بموجبه الانتخابات النيابية القادمة فأنه يميل لصالح الترشيح الفردي، وأن الفائز في الدائرة الانتخابية هو الذي يحصل على أعلى الأصوات، ومن ثم الفائز الثاني الذي يليه مباشر وهكذا، بغض النظر عن القائمة أو التكتل السياسي، وأن رئيس القائمة إذا ما كان نافذا في القوانين السابقة فأن الأصوات تذهب لرئيس القائمة فقط وتهدر الأصوات الفائضة، من هنا تتحفظ هذه القوى على هذا القانون وتحاول جاهدة أن تتكيف معه عبر بعض الخطوات التي اتخذتها.
من جهة أخرى يظهر من حجم الحراك الدائر هذه الأيام بين الكتل والأحزاب السياسية نفسها أن هذه الكتل ستكون كما كانت تعبر عن حالة الجغرافية السياسية المكوناتية من خلال التمثيل السياسي المناطقي والطائفي والعرقي، حيث ستدخل الأحزاب والكتل السياسية الشيعية في مناطق التكوين المذهبي، وهذا ما سيكون أيضا في دخول الأحزاب والكتل السياسية السنية في مناطق تكوين التمثيل المذهبي، وهذا ما يلاحظ أيضا في التمثيل القومي للكُرد في إقليم كردستان ومناطق أخرى من ديالى وكركوك والموصل.
مما تقدم، ستبدو التحالفات والخارطة الانتخابية الشيعية على أصناف تحالفية إضافة إلى قوى وأشخاص عشائرية ومستقلة، الصنف الأول تحالف سائرون والذي اختار هذه المرة أن يدخل بصفته الكتلة الصدرية وهو ما يمثل في نهج العودة إلى انتخابات عام 2014 في حين ظهر في انتخابات الأخيرة لعام 2018 تحت تحالف مختلف من خلال ضم قوى مدنية وقومية كالحزب الشيوعي وجبهة سعد عاصم الجنابي ولكن لم يكتب لهذا التحالف الاستمرار من خلال انسحاب أغلب القوى هذه، وبقى التيار الصدري فقط من خلال كتلة سائرون بواقع 54 نائبا في البرلمان، ويأمل التيار الصدري في الانتخابات المرتقبة في الحصول على نسبة مريحة من مقاعد مجلس النواب تمكنه من الحصول على رئاسة مجلس الوزراء، وهو أمر بالتأكيد ليس بالأمر السهل في ضوء تنافس القوى الشيعية على مقاعد مجلس النواب في مناطق تمثيل المكون الشيعي، ورغبة أغلب القوى في رئاسة الوزراء، في حين سيدخل المالكي في قائمة منفردة تحت اسم دولة القانون ومثلما تراجع تكتل المالكي، تبدو المعطيات في مؤشرات تراجع أخرى مع الانتخابات القادمة، لاسيما وأن القاعدة التي كان يعتمد عليها تكتل المالكي انشطرت إلى قوى وأحزاب أخرى منها: قوى عسكرية، وتكتل حيدر العبادي الذي يحرص في الدخول بقائمة مع تكتل عمار الحكيم بقائمة موحدة تحت اسم الدولة الوطنية، في إشارة إلى تمايزه بهذه الصفة في قبالة ما يعده قوى اللادولة وهو معيار يحتاج إلى الكثير من المصداقية والابتعاد عن لغة الشعارات والتخوين والتسقيط، في حين قرر شريك العبادي وهو عدنان الزرفي رئيس حركة الوفاء الدخول في الانتخابات المرتقبة بقائمة منفصلة ستخوض الانتخابات في عدد من المحافظات منها العاصمة بغداد والبصرة إضافة إلى ما يعده الزرفي ثقله السياسي والشعبي وهي محافظة النجف كونه عمل لسنوات محافظا لها ومن ثم نائبا عنها في الانتخابات الأخيرة، فيما ستدخل قوى تحالف الفتح بقائمة موحدة أبرزها تكتلات شبه عسكرية كالعصائب بزعامة قيس الخزعلي، وحزب الله وحركة سيد الشهداء، وتنظيم بدر بزعامة هادي العامري.
والملفت قرار رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عدم خوضه الانتخابات على الرغم من أنه كان راغبا في الدخول بقائمة تضم مجموعة قوى سياسية أبرزها تكتل العبادي والزرفي من خلال تشكيلين سياسيين هما ما سمي بـ(تيار المرحلة) و(تيار الازدهار). لكنه يبدو من خلال قرار الانسحاب فضل أن يناور لمرحلة ما بعد الانتخابات فيما قد يطرح كمرشح تسوية لرئاسة الوزراء لولاية ثانية، وهي مسألة غير محروزة في ضوء رغبة أغلب القوى في الحصول على هذا الموقع، وقد يعول في المقبولية الخارجية أو طرح نفسه كمرشح مقبول من قوى مختلفة كقوى النصر وسائرون من جانب، والاحتجاج التشريني من جانب ثاني التي هي الأخرى ستدخل الانتخابات المقبلة في قوائم منفصلة حسب كل محافظة وتحاول أن تنظم صفوفها، ولكن يبدو إلى الآن أنها غير قادرة على مواجهة القوى السياسية التقليدية أو محاكاة الأغلبية الصامتة التي يعول عليها في كل انتخابات لأسباب كثيرة ومختلفة منها: التشتت وغياب البرامج وهو ما ينطبق على أغلب القوى السياسية من كل المكونات والاتجاهات.
أما عن أبرز الكيانات السياسية التشرينية التي أعضاؤها ومؤسسوها من ساحات الاحتجاجات، فهي (البيت الوطني) الذي جرى الإعلان عنه في مدينة الناصرية إحدى أهم معاقل الاحتجاج التشريني ويتزعمه عدد من شباب التظاهرات، وكذلك (الاتحاد العراقي للعمل والحقوق) ومقره في بغداد، وكذلك (حركة امتداد) التي يتزعمها علاء الركابي من الناصرية، إضافة إلى قوى أخرى كتكتل الاتحاد العراقي وما شابه في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.
ومن المهم الإشارة أيضا إلى أن هناك أشخاص من شرائح مختلفة أغلبها عشائرية وأكاديمية ومن مجالس المحافظات المنحلة ورياضيين وبعض الوزراء والنواب السابقين أو الحاليين، ستخوض الانتخابات القادمة في أغلب المحافظات العراقية بصورة مستقلة وتفضل الترشيح في الضواحي والمدن ذات الامتدادات العشائرية، وهذا الصنف الأخير يشمل أيضا القوى المكوناتية الأخرى كالسنة والكُرد والتركمان حسب الخارطة الجغرافية السكانية.
من جانب آخر تظهر التحالفات والقوائم السنية التي ستخوض الانتخابات البرلمانية القائمة على الشكل الآتي تحالف بقيادة خميس الخنجر أو ما سمي بتحالف (العزم) ويضم شخصيات سنية كانت أطراف مساهمة في السلطتين التشريعية والتنفيذية مثل سليم الجبوري، وخالد العبيدي، وجمال الكربولي (اعتقل قبل أيام بتهم فساد كبيرة وتم الإفراج عنه)، فيما يعتزم رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، خوض الانتخابات من خلال تحالف (تقدم)، الذي أسسه خلال الفترة الماضية. ويبرز التحالف الثالث تحت مسمى (المشروع الوطني للإنقاذ)، وهو برئاسة أسامة النجيفي، ومشاركة شخصيات سياسية أخرى من محافظة نينوى؛ فيما تشير بعض التقارير إلى عزمه مشاركة خالد سلطان، نجل سلطان هاشم وزير الدفاع في عهد رئيس النظام البائد صدام حسين. وبالنسبة إلى ائتلاف الوطنية الذي يحاول طرح نفسه كبديل وطني يعبر عن كل الطوائف وهو خليطا من إسلاميين وعلمانيين وقوى سياسية سُنية، وبعض المستقلين من الشيعة، سيدخل الانتخابات أيضا بهذا التكتل ويبدو حظوظه تشبه حظوظ المالكي في التراجع، لاسيما وأن إئتلاف علاوي كان يعول على المناطق السنية وهي الآن بكل تأكيد غيرت من ولائها لقوى صاعدة أبرزها تكتل لرئيس البرلمان الحلبوسي، وخميس الخنجر فضلا عن أن المنافسة بينه وبين القوى السنية الطائفية التقليدي التي تذهب إلى أن إئتلاف علاوي يحصد أصواته من السنة وهو لا يعبر عنهم كونه شخصية من أصول شيعية، ويطرحون أنفسهم بأنهم الممثل الوحيد لأهل السنة وهذا ما يظهر في تقسيم المناصب على مستوى الحكومة والبرلمان.
وستدخل القوى الكردية عبر عدد من قوائم بصورة منفردة أبزرها قائمة لحزب الاتحاد الكردستاني وقد يكون أحد أبرز مرشحيها رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، وقائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، وقائمة الحزب الإسلامي، وستدخل قائمة التغيير بزعامة ساشوار عبد الواحد بقائمة منفصلة وقد تكون مفاجئة الانتخابات على مستوى إقليم كردستان لاسيما وأنه شكل معارضة سياسية طوال السنوات الماضية إذا ما استطاعت القائمة جذب الجماهير المحتجة والمتذمرة من السياسات المتبعة من قبل قادة الحزبين الكرديين التقليديين على مستوى الإقليم والحكومة الاتحادية.
ومما تقدم نستطيع القول: “إن هناك قوى تقليدية -كما أشرنا- تحاول أن تحافظ على وجودها التمثيلي على مستوى السلطة التشريعية ومن ثم في السلطة التنفيذية هذا من جانب، وإن هناك فواعل اجتماعية جديدة ستدخل في الانتخابات القادمة بعضها يرجع إلى قوى أفرزت من الحراك الاحتجاجي وأخرى من شخصيات أكاديمية وعشائرية مستقلة من جانب ثاني، ويبدو إلى الآن أنها أي الفواعل الاجتماعية الجديدة خاصة على مستوى قوى حراك تشرين الاحتجاجي لا تشكل مفاجئة الانتخابات لأسباب مختلفة أغلبها تعود إلى غياب المشروع والبرامج والتشتت وسيطرة المصالح والانغماس في حسابات شخصية.
ومما يجدر الإشارة إليه في خاتمة هذه الورقة أن القانون الانتخابي الذي ستجري بموجبة انتخابات تشرين الأول من هذا العام، والذي يعتمد على الدوائر المتوسطة بدل الدائرة الواحدة لكل محافظة عراقية سيكون له دوراً كبيرا في صعود قوى سياسية، وتراجع أخرى، ولذلك كون هذا القانون يشجع من صعود القوى التي لها جمهور سياسي إضافة إلى أنه سيساهم في صعود قوى وأشخاص عشائرية سواء كانت مستقلة أو ضمن أحزاب وتحالفات سياسية.
كما أن التمثيل النيابي الذي ستفرزه الانتخابات من الصعب القول أن يكون أغلبية لأي حزب أو تحالف انتخابي وهذا راجع إلى تركيبة المجتمع وتمركز الأحزاب والمجموعات السياسية هنا وهناك في حين لم تتقدم قيم المواطنة السياسية في الحسابات الاجتماعية والسياسية وبقت رهينة الشعارات ليس إلا، رغم مرور ثمانية عشر عاما من التغيير الذي إحدى أبرز عيوبه المحاصصة المكوناتية والحزبية.
والمسألة الأخيرة في تحقيق شفافية ونجاح الانتخابات تحتاج إلى توافر مجموعة عوامل أهمها: إبعاد المال السياسي والانتخابي، ومراقبة الكتل والأشخاص خاصة وأن مجلس النواب أعطى لأعضائه صلاحية الاستمرار في توافر الحصانة والصلاحيات لغاية ما قبل يوم الانتخابات بيوم واحد فقط، وهذا يعني قدرة النواب والجهات التي ينتمون لها في ممارسة من يريدون من ضغوطات وما شابه، وهذا ما ينطبق على السلطة التنفيذية في حدود معينة، لابد أيضا من منع كافة وسائل العنف والتهديد، ومن ثم لابد من إشراف مهني داخلي وخارجي من الساعة الأولى لإجراء الانتخابات وحتى مرحلة إعلان النتائج والمصادقة عليها، لضمان عدم حدوث عمليات تزوير التي غالبا ما تكون حاضرة في أي حديث سياسي مع وبعد كل انتخابات نيابية.
رابط المصدر: