أحمد بيومي
يفترض الباحثون في مجال طاقة الهيدروجين أن التقدم التكنولوجي المستمر سيؤدي لاحقًا إلى اقتصاد الهيدروجين، وهو ما يعني أن الاقتصاد بالكامل سيعتمد على الهيدروجين كوقود، حيث يتم تشغيل جميع القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل القطاع الصناعي من خلال محطات توليد الطاقة الهيدروجينية. ولتحقيق هذا الهدف تم رسم سيناريوهات لمستقبل الطاقة، وبذل الجهود اللازمة لتوفير التشريعات اللازمة للانتقال إلى اقتصاد قائم على الهيدروجين والمستهدفات الزمنية المختلفة لتحقيق ذلك الهدف.
الولايات المتحدة الأمريكية
تصورت الولايات المتحدة الأمريكية انتقالها لاستخدام الهيدروجين الأخضر بسرعة كبيرة، حيث شرعت أمريكا في وضع خطة لذلك التحول منذ عام 2002، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة تنظر إلى تلك التكنولوجيا على أنها فرصة مستقبلية لتوفير احتياجات أمريكا المتنوعة من الطاقة، لكن ذلك الأمر كان يحتاج إلى استثمارات ضخمة، خاصة في مجال تقنيات تخزين وتحويل الهيدروجين والتي لا تزال تعاني من ارتفاع كبير في تكلفتها يعيق قدرة استخدامها على نطاق واسع في البلاد. أمر آخر كان ينظر إليه بشيء من الاهتمام هو أن سياسات الطاقة في ذلك الوقت كانت لا تنظر إلى التكاليف البيئية والأمنية الخارجية التي من شأنها أن تشجع على استخدام الهيدروجين على نطاق أوسع، وكانت دوافع الولايات المتحدة لاستخدام ذلك النوع من الطاقة متعددة (الجدول رقم 1)، وتلك الدوافع دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لعقد العديد من الاجتماعات (اجتماع رؤية الهيدروجين الوطنية، وورشة عمل خارطة طريق الطاقة الهيدروجينية الوطنية) مع أصحاب المصلحة بهدف وضع خارطة طريق لاعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على تلك الطاقة، وقد تم الاتفاق على خارطة طريق لتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى اقتصاد الهيدروجين بحلول عام 2030، حيث سيتم تنفيذ الخطة على مدار 4 عقود بدأت في عام 2002 ومستمرة حتى عام 2030.
جدول رقم (1)
النقاط التي تدعم التحول | التحديات | دعم وتحديات |
الأمن القومي الأمريكي وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية لتقليل واردات النفط | صعوبة الحصول على توافق وطني من الجهات المتعددة حول أولويات سياسة الطاقة على المدى الطويل | التطور السريع في التكنولوجيا التي تدعم الهيدروجين وتتنافس في تخزينه |
التغيرات بالمناخ والحاجة إلى تقليل الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري | عدم وجود بنية تحتية للهيدروجين الأخضر والتكلفة المرتفعة لبنائها | يؤدي التوافر الحالي للوقود الأحفوري منخفض التكلفة نسبيًا إلى الاستنزاف الحتمي لهذه الموارد |
عدد السكان المتزايد والنمو السكاني عالميًا | عدم توافر الأجهزة لإنتاج وتخزين الهيدروجين وتحويلها تجاريًا بشكل منخفض التكلفة[1] | تفضيلات المستهلكين المتفاوتة بين الحفاظ على البيئة أو الحصول على مصدر طاقة منخفض التكلفة |
الحاجة إلى إمدادات طاقة جديدة ونظيفة وبأسعار معقولة | قضايا السلامة الخاصة بالهيدروجين | |
الحفاظ على جودة الهواء وتقليل الانبعاثات من المركبات | الحاجة إلى إنتاج تكنولوجيا جديدة تساهم في عزل الكربون تكون منخفضة التكلفة |
من جانب آخر، وخلال اجتماع ورشة عمل خارطة الطريق الذي انعقد في الفترة من 2 إلى 3 أبريل 2002، بمشاركة أكثر من 220 خبيرًا ومتمرسًا في الصناعة من جانب القطاع العام والخاص بحضور 7 من كبار القطاع الصناعي، والأوساط الأكاديمية، وقد تم خلال تلك الورشة تحديد الأدوار التي تناسب الصناعة والحكومة والجامعات والمختبرات الوطنية، والإطار الزمني لتحقيق تلك الأنشطة.
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية تصميمًا فعالًا لنظامها في التحول نحو اقتصاد الهيدروجين باستخدام نهج إعادة تشكيل النظام بالكامل، حيث صممت سياسات تعالج إنتاج الهيدروجين، تخزينه، تسليمه، وتحويله إلى طاقة، ثم العناصر التي تخص البيئة المحيطة بذلك النظام والتي تشمل تطبيقات استخدام الهيدروجين الأخضر، والتعليم والتوعية. وقد عالجت تلك السياسات البيئة التشريعية واحتياطيات السلامة، وعوامل قبول المستهلك، والإطار الخاص بدعم أنشطة البحث والتطوير، ثم استكشاف مسارات مختلفة لاستخدام الطاقة المتولدة من الهيدروجين على نطاق واسع والتي تشتمل على تكاليف توليد أنواع الطاقة الأخرى من الأنظمة المماثلة، وأخيرًا سهولة الوصول إلى معلومات حول تقنيات الهيدروجين للجهات العاملة في تلك الصناعة.
أما المرحلة الثانية فهي التكامل، وهي المرحلة التي تتكامل فيها أجزاء ذلك النظام بحيث تسهل العوائق الفنية أو السوقية الرئيسية التي تعيق تطوير النظام، والتنسيق بين المنتجين والمستخدمين النهائيين الذين يتطلب استخدامهم درجة نقاء وضغط معين للهيدروجين، ثم برامج تسريع تحويل الاقتصاد للاعتماد على الطاقة المتولدة من الهيدروجين، وأخيرًا التنسيق بين العرض والطلب في السوق. فعلى سبيل المثال، يرغب مصنعو السيارات في التأكد من توافر الهيدروجين الأخضر بالسوق، بينما يرغب الموردون في التأكد من وجود طلب كافٍ على الهيدروجين قبل التوسع في الإنتاج.
أما المرحلة الثالثة فهي بناء رؤية قومية لاستخدام وإنتاج الهيدروجين بين الأفراد والمجتمع من خلال خطة حكومية واضحة حددت الأنشطة طويلة الأجل التي ستعتمد على الهيدروجين، وآلية تطوير الأسواق المحلية والدولية لإنتاج الطاقة الهيدروجينية لتسخير النمو المتوقع للطلب على الطاقة في الدول النامية خلال نصف القرن القادم.
خطط الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للتحول نحو الهيدروجين الأخضر
يُعتبر عام 2020 منتصف خارطة الطريق للولايات المتحدة الأمريكية، فوفقًا للخطة المعلنة من المفترض أن تكون أمريكا انتهت من وضع السياسات العامة التي تنظم عملية الإنتاج، والتسليم، والتخزين، والتحول نحو تكنولوجيا الهيدروجين، والاستخدام النهائي بالسوق، وانتهت من تصميم خطوط وأنابيب النقل، والشاحنات التي تستطيع نقل الهيدروجين المضغوط، والاحتراق وتكرير الوقود. ومن المنتظر أن تشهد الفترة بين 2020-2030 التحول نحو تغويز الفحم “وهي عملية يتم فيها أكسدة الفحم جُزْئِيًّا بالهواء أو الأكسجين أو البخار أو ثاني أكسيد الكربون في ظل ظروف خاضعة للرقابة لإنتاج غاز الوقود، ثم يتم لاحقًا تبريد غاز الوقود الساخن في مبادلات حرارية، مع إنتاج البخار، وتنظيفه قبل الاحتراق في التوربينات الغازية”. ومن المفترض أن تشهد الفترة من 2030 وحتى 2040 التحول إلى الإنتاج الكثيف للهيدروجين والتوسع في إنشاء الأساطيل التجارية القادرة على تخزين ونقل الهيدروجين واكتمال التحول إلى اقتصاد الهيدروجين من خلال نشر ثقافة الاعتماد على طاقة الهيدروجين في الاستهلاك.
وأعلنت أوروبا هي الأخرى عن خطتها للتحول نحو الاعتماد على الهيدروجين الأخضر وخلايا الوقود خلال فعاليات في الندوة الدولية حول اقتصاد الهيدروجين من أجل التنمية المستدامة، وخطة الاتحاد الأوروبي أكثر تفصيلًا من مثيلتها التي تم عرضها أعلاه والخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وشملت الخطة عنصرين رئيسيين هما: إنتاج وتوزيع الهيدروجين، وتطوير خلايا الوقود وأنظمة الهيدروجين ونشرها. ووفقًا لخارطة الطريق الأوروبية فإن الإنتاج الكبير والكثيف للهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك تغويز الكتلة الحيوية سيكون ممكنًا بحلول عام 2020، وتتصور خارطة الطريق كذلك أن الإنتاج المباشر لغاز الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة سيبدأ بحلول عام 2050. وقد اشتملت الخطة على بندين أساسيين، الأول خلال الفترة من 2020-2020 والتي شملت تقديم الحكومة حوافز كبيرة للقطاع الخاص تضم برامج لتمويل عمليات البحث والتطوير، والبحوث التطبيقية، وتقديم خلايا الهيدروجين للصناعة لاستخدامها في النسخ الكهربائية والهيدروجينية من المركبات، والتوسع في عملية إنتاج ونقل الهيدروجين. أما المرحلة التالية التي بدأت في عام 2020 وتستمر حتى عام 2050 فتشتمل على المكتسبات التي تحصل عليها الحكومة والفوائد التي تعود على القطاع الخاص والتي تشمل التحول نحو إنتاج وتوزيع الهيدروجين التجاري على نطاق واسع والتي تضم عمليات إنتاج ونقل وتخزين والاستخدامات المختلفة في المحطات، ويمكن تسميتها بشكل عام باسم الانتشار في السوق.
ورغم الخطط التي سبق ذكرها لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إلا أنه لا يزال يتم إنتاج الهيدروجين عالميًا من مصادر تعتمد بالأساس على الوقود الأحفوري، حيث إن 95% من الإنتاج يتم من خلال الغاز والفحم الأحفوري التي تتسبب في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وفقًا لتقرير إمدادات الهيدروجين عن عام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. أما عن استخدامات الهيدروجين، فوفقًا لبيانات عام 2020، لا يزال يذهب أكثر من 60 % من الاستخدامات في سوق الهيدروجين العالمي بقيمة تبلغ 150 مليار دولار لإنتاج الأمونيا، تليها الاستخدامات في تكرير النفط وغاز الميثانول، ولا تزال تطبيقات استخدام الهيدروجين كمصدر للوقود في سيارات الركوب والحافلات وحتى المكوكات الفضائية محدودة عالميًا، لكن وفقًا للخطط السابق عرضها والجهود العالمية فمن المحتمل أن تبلغ قيمة تلك الصناعة 600 مليار دولار بحلول عام 2050 ليتم استخدام الهيدروجين بشكل أساسي في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والكيمياء والإنشاءات.
[1] على الرغم من أنه يتم انتاج الهيدروجين في الوقت الحالي بتكلفة معقولة عن طريق إعادة التكوين البخاري للميثان “steam reformation of methane” إلا أن هذا المصدر يعتمد على وقود أحفوري (الغاز الطبيعي) ويطلق غازات تسبب الاحتباس الحراري وهي ثاني أكسيد الكربون.
.
رابط المصدر: