- دينس روس
- روبرت ساتلوف
تشكل العلاقات الأمريكية السعودية إحدى المواقف التقليدية التي كان على واشنطن التوفيق فيها بين المخاوف والاحتياجات والمصالح. ولكن في أعقاب صدور التقرير الأخير عن جمال خاشقجي، يدعو الكثير من السياسيين الأمريكيين إلى إعادة تقييم العلاقة مع السعودية وضبطها، بسبب النمط المقلق لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
*تم نشر النسخة الانكليزية من هذا المقال قبل الإعلان الأخير عن جمال خاشقجي، لكن لم تتم ترجمته مباشرة بعد صدوره. ووفقاً لذلك تم تعديل بعض الكلمات في الجملة الأولى.
خلص الصدور المتوقع لتقرير استخباراتي رُفعت عنه السرية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان [وافق على “عملية للقبض” على] المساهم في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي [“أو قتله”] في عام 2018، مما سيزيد من حدة الغضب إزاء المملكة العربية السعودية. وسيكون لكيفية رد إدارة بايدن تداعيات هائلة على سياستها الأوسع في الشرق الأوسط.
تشكل العلاقات الأمريكية السعودية إحدى المواقف التقليدية التي كان على واشنطن التوفيق فيها بين المخاوف والاحتياجات والمصالح. فعلى مدى أكثر من 70 عاماً قامت هذه العلاقات على مقايضة أساسية تقوم فيها الولايات المتحدة بتوفير الأمن للسعوديين مقابل توفيرهم سوق نفط مستقرة ودعمهم أعداء مشتركين، من المتطرفين العرب إلى النظام المدعوم من الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وقد أولت واشنطن القليل من الاهتمام لطريقة الحكم في المملكة التي غالباً ما تشابه حكم العصور الوسطى أو إلى التفسير غير المتسامح والبغيض للإسلام – ما يسميه النقاد بالوهابية – الذي فرضته مؤسستها الدينية محلياً وصدّرته دولياً.
ولكن مع تضاؤل اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط وشعورها المتزايد بالإجهاد من الصراعات الإقليمية، خضعت هذه العلاقة لمزيد من التدقيق.
صحيح أن الأسئلة الجدية بدأت تُطرح في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر، عندما كان 15 من الخاطفين التسعة عشر سعوديين، إلا أن الدافع لتحدي العلاقة ظهر منذ مدة قصيرة. وتزامن وقوعه مع تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، وسيطرته على جميع أدوات السلطة الرئيسية واستخدامه لتلك القوة بطرق غالباً ما تبدو مندفعة ومتهورة. وتشمل هذه: شن حملة لمكافحة الفساد بدا أنها تستهدف المعارضين أو تطهّر المنتقدين؛ واعتقال المدافعين عن حرية التعبير وحقوق المرأة بتهم مشكوك فيها؛ وبدء الخلافات مع كندا وألمانيا بسبب انتقادات معتدلة نسبياً لسياسات حقوق الإنسان في السعودية؛ واعتقال رئيس الوزراء اللبناني السابق؛ وبالطبع، المشاركلة في الحرب في اليمن لإعادة الحكومة الشرعية ولكن القيام بما تَحوّل في كثير من الأحيان إلى حملة قصف جوي عشوائي مع عواقب إنسانية وخيمة.
وإذا لم يكن كل ذلك كافياً، فإن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول تجاوز كل الخطوط ودفع الكثيرين في واشنطن إلى السعي ليس فقط لنبذ محمد بن سلمان ولكن حتى لإبعاده من منصبه – كما لو أن الولايات المتحدة يمكنها فعل ذلك.
إن مجرد قيام دونالد ترامب بحماية الرياض من أي عقوبة من أجل بيع الأسلحة، زاد من الغضب المتزايد لدى الحزبين في الكونغرس الأمريكي بشأن ضرورة قيام الأمير بن سلمان والسعودية بدفع الثمن.
وحتى الآن، حاول الرئيس بايدن التعامل بشكل متوازن مع المملكة حيث وعد – حين كان لا يزال مرشحاً للرئاسة الأمريكية – بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن قيمها من أجل النفط أو بيع الأسلحة. وقد أمر بإنهاء الدعم المادي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، لكنه أعاد التزام واشنطن بالدفاع عن وحدة الأراضي السعودية. وبينما أوقفت الإدارة الأمريكية بيع الأسلحة الهجومية، إلّا أنها ستوفر أسلحة دفاعية لمساعدة السعوديين في مواجهة صواريخ كروز وهجمات الطائرات بدون طيار التي يشنها الحوثيون في اليمن ووكلاء إيران على المدن السعودية، من بينها الرياض نفسها.
إن الرئيس بايدن محق في التأكيد على التوازن في العلاقة.
وبغض النظر عن اشمئزاز الأمريكيين من بعض الإجراءات السعودية، إلّا أنه ما زالت لدى واشنطن مصالح فعلية في السعودية، حيث ليست هناك مشكلة مهمة في الشرق الأوسط يمكن فيها تطبيق استراتيجية ناجحة إلا بدعم فاعل من الرياض. فمن احتواء إيران إلى محاربة الإرهاب، وإلى البناء على التطبيع العربي مع إسرائيل (واستخدام ذلك لكسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين) أو محاولة إنهاء الصراعات في اليمن وسوريا أو تقليلها، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تعاون سعودي. علاوة على ذلك، أن إدارة عملية الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة تستوجب أسعار نفط مستقرة وقابلة للتوقع تجعل البدائل، من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين، تنافسية من حيث التكلفة – مع منع الانهيار المفاجئ لصناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة. وهنا أيضاً يُعتبر السعوديون مهمين.
وربما الأهم من ذلك كله، أن لدى واشنطن مصلحة في أن يكون التغيير الجوهري للمعايير الاجتماعية والاقتصادية في السعودية يتم بقيادة الزعيم نفسه المسؤول عن تلك الأفعال الاندفاعية المتهورة: أي ولي العهد. فالأمير محمد بن سلمان، رغم كل أخطائه، يدرك أن مملكته – وعائلته – لن تنجو من هلاك اقتصاد الوقود الأحفوري في النهاية بدون تكيّفات جذرية. فجاء ردّه بشكل “ثورة من الأعلى”، أي “خطة التحول الوطني”، يصبح فيها التحديث والقومية مصدراً للهوية والشرعية عوضاً عن التقليدية والوهابية.
وفي الممارسة العملية، كان ذلك يعني توسيع الحقوق المدنية والفرص الاقتصادية للمرأة، لأن الاقتصاد السعودي سيضعف إلى الأبد دون مساهمة نصف سكانه. كما كان يعني إصلاح المدونة القانونية والكتب المدرسية بطرق قد تبدو متواضعة بالنسبة للمراقب الأجنبي ولكنها مثيرة في السياق السعودي. ويعني ذلك تمكين رجال الدين الذين يدافعون عن إسلام أكثر تسامحاً وشمولية، بينما يفرضون قيوداً صارمة على أولئك الذين يرفضون التخلي عن الأساليب القديمة.
لدى الولايات المتحدة مصلحة في نجاح هذه المساعي. وفي حين قد يرتاب المشككون من الأهداف الطموحة لـ “خطة التحول الوطني” – وقد يكونون على حق – إلا أن الأهم من ذلك هو وجهة التغيير، والتزام النظام المستمر به. وتتمثل مسؤولية واشنطن في التواصل مع السعوديين على جميع المستويات لتشجيع التقدم وتقديم المساعدة الفنية وتوضيح أن حجم الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه المملكة للنجاح لن يأتي أبداً في جو من الخوف أو بدون التطبيق الثابت لسيادة القانون.
لذلك من الضروري التعامل بصراحة مع القيادة السعودية، وهذه هي الغريزة الطبيعية لجو بايدن. وفي هذا الإطار، يجب على الرئيس الأمريكي إرسال شخص مقرّب منه لإجراء محادثة سرية مع الأمير محمد بن سلمان من أجل إعادة ضبط حدود علاقات البلدين، مع توضيح ما ستدعمه الولايات المتحدة وما ستنتقده أيضاً.
يجب أن تصر واشنطن على سياسة ذات اتجاهين “دون مفاجآت”. كما عليها أن تطالب بصيغة “المساءلة” – وفقاً للتسمية التي أعطاها بايدن – عن مقتل خاشقجي، ويشمل ذلك الالتزامات المحددة التي تضمن عدم تكرار مثل هذا الاعتداء على حياة شخص. وينبغي أن ترسي هذه المناقشة المبكرة الأساس لحوار استراتيجي حول مجموعة واسعة من القضايا الرئيسية في المنطقة.
إن إدارة بادين محقةٌ في حسها الغريزي لإنهاء “الشيك على بياض” مع السعوديين، ولكن التعامل مع شريك مشوب بالعيوب لا يشبه مواجهة خصم مصمم. وهي محقة أيضاً في حسها الغريزي لإيجاد توازن في العلاقة.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن. دينيس روس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في المعهد، وقد عمل سابقاً كمساعد خاص للرئيس أوباما، ومنسق خاص لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس كلينتون، ومديراً لموظفي تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية في الإدارة الأولى للرئيس بوش الإبن.
رابط المصدر: