خفض الانبعاثات: كفاءة الطاقة في قلب مسارات العمل المناخي

فجرت أزمة الطاقة التي سببتها الأحداث العالمية المتصارعة منذ 2019 جرّاء أزمة كوفيد-19 وما تبعها من أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي كان سببًا في تصعيد المخاوف بشأن أمن الطاقة والتأثيرات التضخمية التي قد يخلفها ارتفاع أسعار الطاقة على اقتصادات العالم، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى التداعيات السلبية البارزة لتغير المناخ وتأثيرها المباشر على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وضرورة تسريع الحلول المتعلقة بخلق نظام طاقة عالمي مرن ومستدام وبمأمن عن تلك التغيرات المحتملة سواء في الأسعار أو الإمدادات. وبجانب إجراءات التحول للطاقة النظيفة وتنوع مصادر الطاقة، تظهر الحاجة إلى زيادة معدلات كفاءة استخدام الطاقة في كل القطاعات والتي يمكن أن تحقق حوالي ربع تخفيضات الانبعاثات المطلوبة بحلول عام 2050، وفقًا لسيناريو الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) عند 1.5 درجة مئوية.

إن التحسينات الفنية لكفاءة استخدام الطاقة والتي تجسدها الأجهزة الأكثر كفاءة، والمركبات الكهربائية، والمضخات الحرارية، جنبًا إلى جنب مع استراتيجيات الاستخدام المباشر للكهرباء، تشكل أهمية هائلة في إبطاء نمو الطلب على الطاقة بالإضافة إلى تقليل استهلاك الوقود الأحفوري والانبعاثات في جميع قطاعات الاقتصاد، وخاصة قطاعات الاستخدام النهائي مثل المباني والنقل. أما بالنسبة للقطاعات الصناعية، تلعب التحسينات المستمرة في كفاءة الطاقة دورًا مهمًا في خفض الوقود الأحفوري المستخدم وخاصة في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة وكثيفة الانبعاثات، وخاصة صناعة الصلب والإسمنت والكيماويات.

كما تنطبق معايير وملصقات أداء الطاقة الآن على أكثر من 100 نوع من الأجهزة والمعدات في القطاعات التجارية والصناعية والسكنية. حيث وضعت جميع البلدان تقريبا معايير دنيا إلزامية لأداء الطاقة للأجهزة الأكثر شيوعًا. حيث تغطي المعايير والملصقات الإلزامية حوالي 90٪ من استهلاك الطاقة العالمي للاستخدامات النهائية الرئيسية مثل التبريد والتدفئة، وحوالي 80٪ في الإضاءة، وتغطية حوالي 50% من معايير كفاءة المحركات الكهربائية والمركبات من استخدام الطاقة العالمي.

لذا تعد كفاءة استخدام الطاقة هي الإجراء الأكثر أهمية لتجنب الطلب على الطاقة في سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، وقد أحرزت تقدمًا في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، للمضي قدمًا في هذا السيناريو، يجب أن يكون معدل التحسن في كثافة الطاقة العالمية أعلى بكثير من المعدلات التاريخية، فالتوقعات تشير بضرورة مضاعفة معدلات كفاءة الطاقة بحلول 2030 وصولًا لعام 2050.

بموجب سيناريو الوكالة الدولية للطاقة لصافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، فإن زيادة كفاءة استخدام الطاقة للاستخدامات النهائية يشكل عنصرأ رئيسيا في نظام تحول الطاقة العالمي، حيث تلعب التدابير والتقنيات التي تحسن من كفاءة استخدام الطاقة إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وبالتالي إلى تحسين أمن الطاقة وخفض الفواتير لمستهلكي الطاقة، بالإضافة إلى التخفيف من تغير المناخ عبر ممارسات وتدابير أقل تكلفة، ولكن ذات جدوى ملحوظة، الأمر الذي جعل كفاءة الطاقة في قلب مسارات العمل المناخي، وتشير التوقعات إلى إسهامها بما يقارب 25% من خفض الانبعاثات بحلول عام 2030 وحوالي 40% بحلول عام 2050.

كما أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن كهربة قطاعات الاستخدام النهائي مثل النقل والمباني ستشهد ارتفاعًا في الاستخدام المباشر للكهرباء في إجمالي استهلاك الطاقة النهائي من 22٪ في عام 2020 إلى 29٪ في عام 2030. وتحدد المؤشرات في النقل والمباني كما في الجدول التالي:

المؤشر 2022 2030
النقل (المركبات الكهربية – الهجينة)  10 مليون سيارة 359 مليون سيارة
المباني مباني معدلة لكفاءة الطاقة 1% 2%
العدادات الذكية 130 مليون وحدة 1200 مليون وحدة
تركيبات المضخات الحرارية 58 مليون وحدة 447 مليون وحدة
القدرة المركبة للمضخة الحرارية 1159 جيجاوات 8937 جيجاوات

وبجانب زيادة الاعتماد على الكهرباء بدلًا من الوقود الأحفوري، فإن زيادة مرونة الطلب على الكهرباء تتناسب بشكل أفضل مع العرض المتغير. وستكون القدرة على تحويل الطلب في الوقت المناسب دون فقدان الخدمة بمثابة مساهمة قيمة في كفاءة نظام الطاقة العالمي. وبدون الاستجابة للطلب يمكن أن تؤثر التحولات في مجال الطاقة النظيفة سلبًا على سلامة واستقرار شبكة الكهرباء. ومع ذلك فإن سياسات كفاءة الطاقة التقليدية تتطور لدعم تبديل الوقود وجعل الطلب أكثر مرونة.

قامت البلدان التي تمثل أكثر من 70% من استهلاك الطاقة في العالم بإدخال سياسات جديدة أو معززة لكفاءة الطاقة منذ عام تصاعد أزمة الطاقة العالمية، وأطلقت العديد من البلدان خططًا واستراتيجيات لكفاءة الطاقة بحلول 2030.

وافق الاتحاد الأوروبي على قواعد أقوى لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة في مارس 2023، وهذه القواعد تعادل ضعف معدل توفير الطاقة السنوي تقريبًا، وتلتزم دول الاتحاد الأوروبي بتوفيرها في المتوسط ​​كل عام من 2024 إلى 2030، لتصل إلى 1.49%، ارتفاعًا من 0.8% سنويًا في السابق. ويؤدي هذا إلى ارتفاع هدف توفير الطاقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى 11.7% بحلول عام 2030 مقارنة بالتوقعات الأساسية في عام 2020.

أعلنت الولايات المتحدة عن تمويل جديد في عام 2022، بموجب قانون الحد من التضخم (IRA)، والذي من المتوقع أن يعزز بشكل كبير إجراءات كفاءة الطاقة التي تخفض فواتير الطاقة، ويشمل ذلك برنامج الخصم للكهرباء المنزلية عالي الكفاءة بقيمة 4.5 مليارات دولار أمريكي، والذي يوفر ما يصل إلى 14000 دولار أمريكي لكل أسرة لترقية أنظمة التدفئة، والتبريد، والعزل، وعزل الهواء، والأنظمة الكهربائية، بما في ذلك الإضاءة والأجهزة.

وعززت الصين سياسات كفاءة الطاقة الصناعية في عام 2022 بخطط جديدة لتحسين كثافة الطاقة في هذا القطاع بنسبة 13.5% بحلول عام 2025 مقارنة بمستويات عام 2020، ويتضمن ذلك أهدافًا وخططًا تفصيلية للصناعات السبع عشرة الأكثر استهلاكًا للطاقة مثل الصلب والألمنيوم والإسمنت، ويتضمن ذلك أيضًا أهدافًا جديدة لترقية المحركات والمحولات الكهربائية القديمة، حيث يستخدم 70% و80% من المخزون على التوالي نماذج جديدة فعالة لكفاءة الطاقة بحلول عام 2025.

أصدرت الهند قوانين جديدة لتعزيز كفاءة البناء وكذلك سياسات تغطي الأجهزة والمركبات والمرافق الصناعية والمباني التجارية. وأطلقت مبادرة Mission LiFE التي هدفت إلى دعم حركة جماهيرية عالمية بقيادة الهند لدفع الإجراءات الفردية والمجتمعية لتوفير الطاقة وتعزيز الاستخدام الأكثر وعيًا للموارد والبيئة.

ارتفع الاستثمار في كفاءة الطاقة بنسبة 16٪ ليصل إلى 600 مليار دولار أمريكي في عام 2022، نتيجة لبرامج التحفيز الحكومية التي تدفع الإنفاق على زيادة السيارات الكهربائية، وكفاءة المباني، كما زادت مبيعات المضخات الحرارية بأكثر من 10٪ على مستوى العالم في عام 2022 وبنسبة 40٪ تقريبًا في أوروبا. وبلغت حصة السيارات الكهربائية في مبيعات السيارات العالمية في عام 2022، حوالي 14٪ ومن المتوقع أن ترتفع إلى 18٪ في عام 2023، وتشير التوقعات إلى تباطؤ النمو في الاستثمار في كفاءة الطاقة إلى أن اتجاهات الكفاءة العالمية ستظل أقل بكثير من ثلاثة أضعاف مستويات الاستثمار اللازمة لرفع التحسن السنوي في الكثافة إلى 4٪ سنويًا بما يتماشى مع سيناريو الوكالة الدولية لطاقة.

لا شك أن إجراءات تحسين كفاءة الطاقة في مصر من شأنها أن تدعم تأمين إمدادات الطاقة وانخفاض الطلب على النفط والغاز الطبيعي، ناهيك عن تحقيق الأهداف المناخية وخفض ما يقدر بـ 5 جيجا طن ثاني أكسيد كربون مكافئ سنويًا، من هنا أصدرت مصر خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة (NEEAP-II) 2018- 2019/ 2021-2022، بعد موافقة مجلس الوزراء لتتماشى مع استراتيجية مصر للطاقة المستدامة 2035، وتعمل على رفع معدلات كفاءة الطاقة في المجالات المختلفة. كما أطلقت مصر في قمة المناخ بشرم الشيخ “كوب 27″ التقرير الأول عن كفاءة الطاقة في مصر بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ” جايكا”، والذي يسلط الضوء على الإنجازات في مجالات ترشيد الطاقة بكل من العرض والطلب، والذي يؤدي بدوره إلى الحد من انباعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما توضح الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها لزيادة كفاءة الطاقة. كما تضمنت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 أهدافًا لتحسين كفاءة الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية في قطاعات متعددة على رأسها النقل والصناعة والطاقة والمباني، وتستهدف الدولة ترشيد حوالي 18% سنويًا من الطاقة في قطاع الكهرباء بحلول عام 2035، وتتابع بشكل مستمر شركات الإنتاج والتوزيع للتأكد من معايير وإجراءات كفاءة الطاقة كشرط لسريان الترخيص من خلال جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك.

ومن أهم إجراءات كفاءة الطاقة المستخدمة: زيادة إجراءات رفع الكفاءة الحرارية والتحسين البيئي في محطات إنتاج القائمة – وضع وتفعيل أكواد كفاءة الطاقة في المباني- زيادة أعداد العدادات الذكية ومسبقة الدفع حيث بلغت أكثر من 10 ملايين عداد وهناك خطة سنوية لزيادة تلك الأعداد – تحديث البنية الرقمية في جميع القطاعات وتطوير مراكز التحكم – زيادة الاعتماد على لمبات الليد في الإنارة – معامل اختبارات كفاءة الأجهزة المنزلية والالتزام بوضع الملصق المحدد للكفاءة – التدريب وبناء القدرات في مجال التسخين الشمسي وكفاءة الطاقة – إنشاء وحدات تحسين كفاءة الطاقة في القطاعات المحتلفة مثل الصناعة والسياحة والإسكان – حملات توعية قومية بكفاءة استهلاك الطاقة في المباني والقطاع السكني والقطاع الصناعي الأكثر استهلاكًا للطاقة.

المصدر : https://ecss.com.eg/38619/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M