مثلت الإجراءات الجمركية التي فرضتها السعودية على البضائع الإماراتية دافعاً لشن تصريحات ناقدة بين الرياض وأبو ظبي حيال قضايا مختلفة بينهما. وقد عُدَّت هذه الانتقادات العلنية الأولى من نوعها ضمن مسار العلاقات الثنائية الطويل بين البلدين. جاء ضمن تلك الانتقادات تصريح وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، حول الخلاف السعودي الإماراتي عقب موقف الإمارات من قضية التوافق حول إنتاج النفط، التي تناقش ضمن اجتماعات أوبك+.
وتشترك كلٌّ من الرياض وأبو ظبي في إدارة مجموعة من الملفات المعقدة في المنطقة، التي تشكل بمجملها قاعدة تدفع الطرفين إلى تنحية ملفات الخلاف من أجل الحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية. وتزامنت التصريحات المتبادلة بين الطرفين مع مجموعة من المستجدات التي طرأت على العلاقات الثنائية بين البلدين وتسببت في خلق توتر وفتور واضح بينهما.
يبحث تقدير الموقف في حالة الفتور في العلاقات السعودية الإماراتية ومآلاتها، إضافة إلى انعكاسات ذلك على الملفات المشتركة بينهما.
سياقات الخلاف
تنقسم السياقات التي أدت إلى فتور العلاقات بين الطرفين وتوترها إلى سياقات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وتتعلق المباشرة منها بقضيتي الخلاف حول إنتاج النفط، وقضية التعديلات الجمركية.
إذ إنه على الرغم من حرص كل من الرياض وأبو ظبي على تغليب منطق المصالح المشتركة على نقاط الخلاف بينهما فإن المستجدات التي تشهدها المنطقة تسببت في ظهورها بشكل جلي لأول مرة؛ فمن جهة انتقدت الإمارات علناً حليفتها الاستراتيجية بسبب تمسكها بزيادة غير مشروطة للنفط في اجتماعات أوبك+؛ لأن ذلك لا يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، ونتيجة لتمسكها برأيها طالبها وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان بـ”قليل من التنازل والعقلانية”، لجعل ثالث اجتماع لمجموعة منتجي النفط “أوبك+” ناجحاً.
إضافة إلى ذلك، أجج حدةَ الخلاف بين الرياض وأبو ظبي القرار الذي أعلنته السلطات السعودية باستبعاد السلع التي تنتجها شركات بعمالة تقل عن 25 في المئة من العمالة المحلية، والمنتجات الصناعية التي تقل نسبة القيمة المضافة فيها عن 40 في المئة بعد عملية التصنيع، من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي، ومن ثم فكل البضائع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعد محلية الصنع. وطبقاً لما جاء في القرار الوزاري المنشور بالجريدة الرسمية السعودية (أم القرى) لن يسري الاتفاق الجمركي الخليجي على البضائع التي يدخل فيها مكون من إنتاج الكيان الإسرائيلي أو صنعته شركات مملوكة بالكامل أو جزئياً لمستثمرين إسرائيليين أو شركات مدرجة في اتفاق المقاطعة العربية للكيان الإسرائيلي.
هذا القرار يهدد الاقتصاد الإماراتي؛ لكون المناطق الحرة تعد من المحركات الرئيسية لاقتصادها، وعُدَّ هذا القرار رداً غير مباشر على التطبيع الإماراتي الإسرائيلي المتنامي في المنطقة.
كذلك فإن قرار منع سفر المواطنين، المباشر أو غير المباشر، دون الحصول على إذن مسبق من الجهات المعنية إلى كل من إثيوبيا والإمارات وفيتنام، بسبب استمرار تفشي جائحة كورونا، عُد مؤشراً إضافياً لفتور العلاقة بين الطرفين.
ومن حيث السياقات غير المباشرة يأتي التنافس السياسي والاقتصادي بين البلدين على رأس هذه السياقات، والملف اليمني، إضافة إلى قضية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي. إذ جاء التطبيع الإماراتي الإسرائيلي ضمن مساعي الإمارات لتصبح قوة إقليمية، خصوصاً بعد أن كشفت مصادر خليجية أن الإمارات تعتزم إقامة قاعدة عسكرية “إسرائيلية” في مناطق حدودية واقعة بالقرب من السعودية. فمن خلال التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تحاول الإمارات أن تمد نفوذها في المنطقة لتبدو مؤهلة لأن تصبح حليفاً استراتيجياً في المنطقة. وقد عُدَّت التحركات الإماراتية بمنزلة محاولات لتهميش الدور السعودي، وهو ما دفع الأخيرة إلى السماح بظهور خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، على إحدى القنوات التابعة لها. والذي أعلن صراحة أن مشروع حركة حماس هو للمقاومة والتحرير لا لشن الحروب، ومن ثم فقد كان ظهوره يمثل رسالة موجهة لأبو ظبي حيال الموقف السعودي من قضية التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.
ملفات الخلاف
تواجه العلاقة بين الطرفين منعطفاً حاداً نتيجة لبروز مجموعة من التغيرات في المنطقة، إضافة إلى وجود ملفات خلاف سابقة لم تأخذ حظها من الانتباه قبل الخلاف الأخير بين الطرفين.
أولاً: التنافس السيادي والاقتصادي
تباينت أسباب الخلاف بين الرياض وأبو ظبي، لكنها توافقت في تأثيرها في طبيعة العلاقة بين الطرفين، فعلى الرغم من اشتراكهما في الأهداف التكتيكية بدا الخلاف بينهما جلياً فيما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية؛ فالسعودية التي عُرفت بمكانتها الإقليمية تراجع دورها خلال العقود الأخيرة، وصارت تشهد تنافساً لا من الأطراف الإقليمية وحسب، بل حتى من حليفتها المفترضة، التي بدا من خلال تحركاتها الأخيرة أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أولى خطواتها في مشروعها الإقليمي، وإن كان ثمنه التضحية بعلاقتها الاستراتيجية مع حليفها القديم.
من جانب آخر تشهد الرياض وأبو ظبي تنافساً محموماً من أجل جذب المستثمرين والشركات ضمن سعيهما لتنمية اقتصادهما وتأثيرهما السياسي، فالسعودية تسعى لأن تكون أكبر دولة مستوردة في المنطقة، فوفقاً لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يُستهدف “أن تكون الرياض من أكبر 10 اقتصاديات مدن في العالم، وتأتي هي اليوم ضمن أكبر 40 اقتصاداً في العالم كمدينة”، كما تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، وفي الوقت نفسه توفير المزيد من الوظائف لمواطنيها، وبالمثل تسعى الإمارات لتكون مركزاً إقليمياً اقتصادياً، وبهذا تتصادم أهدافهما الاستراتيجية في الجانب الاقتصادي.
ثانياً: الملف اليمني
على الرغم من الاتفاق العام حول إدارة الأزمة اليمنية والأهداف المشتركة بين السعودية والإمارات فإن هناك العديد من نقاط الخلاف ومؤشرات التوتر؛ منها:
- اختلاف الأهداف الاستراتيجية بينهما، ففي حين تسعى السعودية بشكل أساسي إلى الحفاظ على أمنها تركز الإمارات من خلال مشاركتها في التحالف على تعزيز نفوذها بما يخدم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
- تركز السعودية على المناطق الشمالية المحاذية لحدودها من أجل حماية حدودها البرية وحفظ أمنها، في حين تركز الإمارات جلياً على المنافذ البحرية اليمنية، وتسعى إلى السيطرة عليها من خلال دعم مختلف الجماعات والميليشيات في مناطق الجنوب.
- ضمن مساعيها للحفاظ على أمنها تدعم السعودية الشرعية بمختلف أطرافها سياسياً وعسكرياً، في حين تقدم الإمارات دعماً غير محدود للمجلس الانتقالي وبعض الجماعات الخارجة عن الشرعية.
ثالثاً: العلاقات الإماراتية الإيرانية
على الرغم من أن إيران تحتل جزراً إماراتية منذ السبعينيات فقد حرصت الإمارات على الحفاظ على علاقتها الدبلوماسية مع إيران خشية من تضرر مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. فالأهداف الاقتصادية التي تحرك الإمارات بشكل عام تدفعها إلى تبني سلوك براغماتي في تعاملها مع إيران، إذ لم توجه الإمارات أي تهمة للجانب الإيراني بشأن استهداف أربع سفن تجارية في ميناء الفجيرة في منتصف مايو/أيار 2019؛ بل على العكس أرسلت وفداً إماراتياً، في أواخر يونيو/حزيران 2019، من أجل إعادة المباحثات المنقطعة مع إيران منذ 2013، كما أنها أنكرت عمليات استهداف مطارها بصواريخ حوثية في وقت سابق، وهو ما عُدَّ سلوكاً براغماتياً يتماشى مع حرصها على عدم خلق توترات تؤثر في سمعتها بصفتها بيئة آمنة للاستثمار الخارجي.
إضافة إلى ذلك، وبحسب تصريح لرئيس غرفة التجارة الإيرانية الإماراتية المشتركة، فرشيد فرزانكان، فإن الإمارات كانت ثاني أكبر شريك تجاري لإيران في عام 2020، وقد جاء هذا التصريح عقب قرار الإمارات حظر إصدار تأشيرات الدخول للرعايا الإيرانيين إلى جانب بعض الدول الأخرى.
رابعاً: المصالحة الخليجية
اعتبرت المصالحة الخليجية إنجازاً مهماً لكونه أعاد الاستقرار إلى البيت الخليجي، لكن الإمارات كان لها موقف آخر من المصالحة الخليجية، إذ إن سرعة تطبيع العلاقات بين الرياض والدوحة وتجاوز معظم نقاط الخلاف السابقة أسهم في تأجيج التوتر بين أبو ظبي والرياض. ويُشار إلى أن أبو ظبي لا تزال حتى الآن تتحرك لإفشال المصالحة الخليجية؛ فهي لا تزال متمسكة بموقفها من قطر؛ بسبب رغبتها في ضرب دول المنطقة وشعوبها بعضها ببعض؛ ليسهل عليها السيطرة والتحكم، إذ إن محمد بن زايد يَعُدَّ السعودية هي العقبة الكبرى أمام مشروع السيطرة والزعامة على الدول العربية.
خامساً: التطبيع الإماراتي الإسرائيلي
من الملفات الحرجة التي تؤجج الخلاف السعودي الإماراتي سرعة سير عمليات التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، التي تسعى الإمارات من خلالها إلى تجاوز قدراتها المحدودة إلى تبوء مكانة إقليمية أمنية، خصوصاً في ظل الإعلان عن تعاون أمني وعسكري بين الطرفين يتضمن إنشاء قاعدة إسرائيلية على الحدود السعودية، وهي خطوة تأتي ضمن مساعي الإمارات للترويج لنفسها بأنها الأكفأ في المنطقة لممارسة دور الحليف الاستراتيجي.
من جهة أخرى تخشى الرياض من تراجع دورها الإقليمي لحساب أبو ظبي، صحيح أنهما تشتركان في موقفهما المناهض للعودة إلى الاتفاق النووي بشروطه السابقة، غير أن الأخيرة تبنت سياسة “أكثر انفتاحاً ومرونة” في مقاربتها مع طهران، كما أنها تشهد حالة تقارب من الموقف الأمريكي بعد تطبيعها اللامحدود مع الكيان الإسرائيلي.
سادساً: أوبك+ والقرارات المتعلقة بإنتاج النفط
في الخامس من يوليو/تموز 2021 دخلت السعودية في خلاف علني نادر مع حليفتها التقليدية الإمارات بشأن اتفاق مهم لإنتاج النفط؛ إذ تنص الخطة المطروحة على زيادة إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر ابتداء من أغسطس/آب وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2021، بحيث تصل كمية النفط الإضافية المطروحة في السوق بحلول نهاية السنة إلى مليوني برميل في اليوم.
وبينما تدفع كل من السعودية وروسيا باتجاه اعتماد هذا الاتفاق حتى ديسمبر/ كانون الأول عام 2022، فإن الإمارات تقول إن الوقت مبكر للموافقة على التمديد حتى نهاية العام المقبل، وترغب في إعادة مناقشة مستويات الإنتاج بحلول نهاية الاتفاق الحالي في أبريل/ نيسان 2022. إذ أن الإمارات- حسب تصريح وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي- تطالب “بالعدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/نيسان”، إذ “لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر مما صبرنا وضحينا”.
مسألة حجم الإنتاج تقع في قلب الخلاف بين الرياض وأبو ظبي، الذي من خلاله تُحسب حصة كل دولة؛ إذ تصر الإمارات على رفع خط الإنتاج الأساسي 600 ألفبرميل يومياً إلى 3,8 ملايين برميل، بناء على أن النسبة الحالية (3,17 ملايين)، المحددة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لا تعكس طاقتها الإنتاجية الكاملة.
تمسك الإمارات بموقفها قد يفشل المباحثات القائمة في المجموعة بما يكون له أضرار سلبية على أسواق النفط، وهو ما سينعكس سلباً أيضاً على الاقتصاد العالمي.
التداعيات
الخلاف المعلن مؤخراً سينعكس بشكل متفاوت على الملفات والمجالات التي تشترك فيها كل من الرياض وأبو ظبي، ومن أبرز الملفات التي ستشملها تداعيات هذا الخلاف الملفات التالية:
ملف إنتاج النفط
على الرغم من الانتقادات الواضحة التي وجهتها الرياض لأبو ظبي فقد تمسكت الأخيرة برأيها في مواجهة كل الأعضاء في اجتماعات أوبك+، إذ تشعر أبو ظبي أنها ظلمت في قرارات المجموعة، وتريد أن تعيد النظر في مضمون تلك القرارات بما يتيح لها القدرة على إنتاج المزيد من النفط، خصوصاً أنها تحتاج إلى مزيد من الموارد التي تأتي من تصدير هذا النفط لتمويل مجموعة من الاستراتيجيات الاقتصادية والجيوسياسية.
قد يؤدي الفشل في الوصول إلى اتفاق إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط الخام، ما يهدد التعافي العالمي الضعيف بسبب جائحة كوفيد-19، كما يهدد الخلاف أيضاً بإمكانية تفكيك “أوبك+”، ما قد يتسبب بحرب أسعار ستؤدي إلى فوضى اقتصادية عالمية على غرار ما حدث في العام الماضي، حيث أدّى خلاف بين موسكو والرياض إلى تدهور سعر الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ.
التحالف في اليمن
على الرغم من انطلاق عمليات التحالف من أرضية مصالح مشتركة بين كل من السعودية والإمارات، على مدار السنوات المنصرمة من أداء التحالف، يتضح أن ثمة هوة كبيرة تفصلهما، ففي حين تتمسك الرياض بالأهداف التي انطلقت من أجلها عملية عاصفة الحزم، المتمثلة بضرورة دعم الشرعية، يخالف سلوك الإمارات هذه الأهداف المعلنة، حيث نشطت خارج إطار التحالف في عملياتها العسكرية في الجنوب، وبمرور الوقت اتضح أن مسألة تحركها في التحالف جاء ليخدم أهدافها ومصالحها الاستراتيجية. مثل هذه الخطوات الفردية تشكل بمجملها عملية استنزاف لقدرات التحالف، وهو ما يتطلب من السعودية أن تنتهج سياسة أكثر وضوحاً مع الإمارات ما دام أنها بقيت جزءاً من التحالف؛ درءاً لإفشال عمليات التحالف وأهدافه في نهاية المطاف.
السيناريوهات
بناءً على المعطيات السابقة يتضح أن العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين ستشهد أحد السيناريوهات التالية:
سيناريو تأزم العلاقة
يفترض هذا السيناريو وصول العلاقة بين البلدين إلى طريق مسدود، يتمسك فيه كل طرف بمصالحه الخاصة دون وضع اعتبارات للمصالح المشتركة، وهو ما قد يؤدي إلى تأزم العلاقة بين الرياض وأبو ظبي. ويعزز احتمالية تحقق هذا السيناريو عاملان:
الأول يتعلق بتطور أداء أبو ظبي وقدرتها على كسب ثقة مختلف الأطراف الدولية بسبب تقاربها مع الكيان الإسرائيلي، وبسبب الأداء الضعيف للمملكة خلال المرحلة السابقة.
أما العامل الثاني فيرتبط باشتداد وتيرة الخلافات التي دفعت الطرفين لأول مرة إلى إظهار خلافهما للعلن.
ويضعف إمكانية تحقق هذا السيناريو تعقد بعض الملفات المشتركة بين الرياض وأبو ظبي، والتي تتطلب تعاونهما من أجل إدارتها، إذ من الصعب إدارتها من قبل أحد الطرفين، ومن ثم فهما يدركان أنه على الرغم من خلافاتهما ينبغي أن يحافظا على علاقتهما الاستراتيجية.
سيناريو التهدئة
يفترض هذا السيناريو ميل الطرفين إلى تهدئة حدة الخلافات بينهما بدلاً من الاستمرار في التصعيد، سواء على الصعيد الإعلامي أو السياسي، ويعزز إمكانية تحقق هذا السيناريو السلوك الطرفين المعتاد في التعامل مع كثير من القضايا المتداخلة؛ إذ اعتادت الرياض التغافل عن بعض تجاوزات الإمارات سواء ضمن عمليات التحالف أو في قضايا أخرى من أجل أن تحافظ على علاقتها بها، والإمارات أيضاً تعتمد على سياسة النفس الطويل، وهو ما يدفعها في كثير من الأحيان إلى تجنب الصدام مع السعودية.
لكن ثمة عوامل تضعف إمكانية تحقق هذا السيناريو؛ وهي أن كلاً من الرياض وأبو ظبي تتنافسان في نفس المجال الحيوي والجغرافي، وهو ما يفسر مستوى الانتقادات المتبادلة بين الطرفين، فالخلاف في حقيقة الأمر لا يتعلق بخلافات أوبك، أو بمنع استيراد البضائع الإماراتية ومنع السفر إليها، بل يتعلق بأن الإمارات بدأت تشعر أنها أصبحت قوة منافسة للسعودية، وهو ما أثار حفيظة الأخيرة التي لجأت، ولأول مرة منذ بدء عاصفة الحزم، إلى الضرب على وتر الإخوان من أجل إثارة مخاوف أبو ظبي.
سيناريو المراوحة
وهو السيناريو المرجح، ويفترض هذا السيناريو استمرار العلاقة بين البلدين، ولكن ليس بنفس الوتيرة السابقة؛ بسبب ظهور مستجدات على علاقتهما. ويعزز إمكانية تحقق هذا السيناريو تشابك المصالح الخليجية وتعقدها وارتباطها بأسواق النفط، وهو ما سيدفع أطرافاً دولية للتدخل من أجل منع تفاقم الوضع، وذلك سيدفع كلاً من الرياض وأبو ظبي إلى الالتزام بالأهداف المشتركة، لكن ليس بنفس الثقة المتبادلة سابقاً.
كذلك مما يعزز إمكانية تحقق هذا السيناريو أنه على الرغم من تقارب الرياض من الأطراف التي قاطعتها سابقاً، على غرار تركيا وقطر، لم تقطع علاقتها بالإمارات، بل صرحت أكثر من مرة بأنها تعد الإمارات حليفاً استراتيجياً. وبالمثل رغم اشتداد وتيرة وحدة التنافس بين الإمارات والسعودية، حرصت الأولى على إظهار ولائها والتزامها بعلاقتها الاستراتيجية مع السعودية.
يواجه هذا السيناريو نقاطاً تضعف من إمكانية تحققه، فالسلوك الجديد للإمارات يؤكد رفضها أداء دور الشريك الصغير، لكونها صارت ترى نفسها قوة إقليمية من خلال التقارب مع الكيان الإسرائيلي، ومن خلال الوجود العسكري في مياه البحر الأحمر والنفوذ في اليمن الذي يهدد السعودية، وهذا يعني أن دورها سيكون أوسع وأكبر، كل هذه العوامل تجعل من الصعب على الإمارات أن تعود لخانتها الضيقة القديمة وقد ذاقت النفوذ والتوسع بوسائل مختلفة.
.
رابط المصدر: