خمسة مُقابِل واحد: الاستحقاق الرئاسي الإيراني بين تشتت المحافظين وإجماع الإصلاحيين

  • يخوض التيار المحافظ في إيران الانتخابات الرئاسية بخمسة مرشحين، وتُعدُّ مهمة توحيد الصف المحافظ التحدي الأهم أمام التيار. وتُظهِر المعطيات تحرُّكاً حثيثاً من وجوه التيار المحافظ لإقناع عدد من المرشحين بالتنازل لصالح مرشح أساسي، مقابل ضمان حصص في كعكة السلطة.
  • تركز استراتيجية المحافظين الانتخابية على محاولة الحدّ من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ومنع التيار الإصلاحي من إنشاء الموجة التي يُمكنها تعبئة الرأي العام، اعتقاداً منهم بأن انخفاض نسبة المشاركة (أو حبسها ضمن بعض الحدود) كفيل بضمان النتائج لصالحهم.
  • ركّز الإصلاحيون على ميزة وحدة الصفوف لخوض معترك الانتخابات الرئاسية هذه المرة، وساعدهم في ذلك انفراد مرشحهم مسعود بزشكيان، وحصوله على مباركة رموز التيار. لكنّ التحدّي الحقيقي يكمُن في حثّ أنصار التيار على المشاركة بقوة في التصويت.
  • تُرجّح استطلاعات الرأي العام في إيران أن تشهد الانتخابات الرئاسية عزوفاً شعبيّاً عن المشاركة. وتُبيِّن نتائج غالبية هذه الاستطلاعات أن التنافس الأساسي سيجري بين محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي من التيار المحافظ، ومسعود بزشكيان من التيار الإصلاحي.
  • يُتوقَّع عدم حصول أي من المرشحين الأساسيين على أغلبية الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات، والذهاب إلى جولة ثانية ستكون منفتحة أمام حالة “مرشح محافظ (قاليباف أو جليلي) مقابل مرشح إصلاحي (بزشكيان)”، أو حالة “مرشح محافظ (قاليباف) بوجه مرشح متشدد (جليلي)”. 

 

تضمَّنت تركيبة الأسماء التي أعلنها «مجلس صيانة الدستور» الإيراني لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في 28 يونيو الجاري، خمسة محافظين مقابل مرشح واحد ينتمي إلى التيار الإصلاحي: سعيد جليلي (الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الذي يقع على نهاية يمين التيار المحافظ)، وعلي رضا زاكاني (عمدة طهران المنتمي إلى جبهة الصمود)، وأمير قاضي زادة (مساعد الرئيس إبراهيم رئيسي المنتمي إلى الجزء المتشدد من المحافظين)، ومصطفى بور محمدي (أمين جامعة روحانية مبارز الجناح الكلاسيكي للتيار المحافظ)، ومحمد باقر قاليباف (رئيس البرلمان المنتمي إلى التيارات الوسطية من المحافظين)، ثم مسعود بزشكيان (وزير الصحة في حكومة خاتمي) الذي يمثل التيارات الوسطية من الإصلاحيين.

 

الاستراتيجية الانتخابية للإصلاحيين: فرص وتحديات

اشترط التيار الإصلاحي تزكية أحد ثلاثة أسماء قدَّمها قُبيل الإعلان عن نتائج التزكيات للمشاركة في السباق الرئاسي، وسبق للتيار أن أعلن عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس الماضي بداعي عدم توافر مترشحين يمثلونه.

 

وعَدَّ المراقبون تزكية إصلاحي واحد مقابل خمسة محافظين فرصة ذهبية؛ لأنها تمنح التيار الإصلاحي فرصة للإجماع بينما تضع التيار المحافظ أمام انقسامات يصعب حلّها .وتلقّف التيار الإصلاحي الفرصة؛ إذ التلفَّ رموز التيار حول مسعود بزشكيان، وكان على رأس الداعمين الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ونائبه محمد رضا عارف، وإسحق جهانغيري؛ نائب الرئيس المعتدل حسن روحاني. وأظهرت مختلف الأحزاب الإصلاحية دعمها لبزشكيان، وعلى رأسها المجلس التنسيقي الأعلى للقوى الإصلاحية، وحركة الأمل. كما أسهمت شبكة واسعة من الصحف، والمواقع الإصلاحية، ومحلليها، منذ اللحظة الأولى في دعم حملة بزشكيان الانتخابية.

 

وركّز الإصلاحيون على ميزة وحدة الصفوف لخوض المعترك الرئاسي هذه المرة، وساعدهم في ذلك انفراد بزشكيان، وحصوله على مباركة رموز التيار. لكنّ التحدّي الحقيقي يكمن في إمكانية حثّ أنصار التيار على المشاركة في التصويت. ولا تزال قدرة التيار الإصلاحي على اجتذاب الشرائح الشابة تمثّل تحدّياً؛ إذ تُظهِر معطيات غير رسمية أن معدل أعمار أعضاء اللجنة المركزية للمرشح الإصلاحي تبلغ نحو 61 عاماً، وهي الأكبر بين معدلات أعمار أعضاء اللجان المركزية لجميع المترشحين. ويُضيفُ غيابُ ما يطلق عليه في الأدبيات السياسية الإيرانية بـ”مرشح التغطية” عقبة أخرى أمام الإصلاحيين في هذا السباق الرئاسي العاجل. وتتمثل مهمة مرشح التغطية بدعم المرشح الأساسي في خلال المناظرات التلفزيونية التي باتت تشكل العمود الفقري للدعاية الانتخابية نتيجة ضيق الوقت. ومع غياب “مرشّح تغطية” ظلّ بزشكيان عُرضة للنقد اللاذع الذي يوجهه له المرشحون الخمسة المنتمون إلى التيار المحافظ.

 

أظهرت مختلف الأحزاب الإصلاحية دعمها لمسعود بزشكيان، في ترشحه للانتخابات الرئاسية (AFP)

 

استراتيجية المحافظين الانتخابية: الوحدة على المحك

تتلخص استراتيجية المحافظين بوجهٍ عام في محاولة الحدّ من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ومنع التيار الإصلاحي من إنشاء الموجة التي يُمكنها تعبئة الرأي العام، اعتقاداً منهم بأن انخفاض نسبة المشاركة (أو حبسها ضمن بعض الحدود) كفيل بضمان النتائج.

 

ويخوض التيار المحافظ المعترك الرئاسي -كما أشرنا- بخمسة مرشحين، وتُعدُّ مهمة توحيد الصف المحافظ التحدي الأهم الذي يجب على التيار معالجته. وتظهر المعطيات تحرُّكاً حثيثاً من وجوه التيار المحافظ لإقناع عدد من المرشحين بالتنازل لصالح مرشح أساسي، مقابل ضمان حصص في كعكة السلطة. كما تُظهِر تذبذب بعض المرشحين، واحتمال خروجهم من السباق، بعد أو أثناء جولات المناظرات التلفزيونية. لكنّ مواقف بعض المرشحين، مثل سعيد جليلي، أو طبيعة توزيع القوى داخل البيت المحافظ، تجعل تلك المهمة صعبة للغاية؛ إذ تشير المعطيات إلى تقلص دور المتشددين الأصوليين غداة مقتل الرئيس الإيراني المتحالف معهم، وخسارتهم فرصة الحصول على رئاسة البرلمان، ورئاسة مجلس خبراء القيادة. ويبدو أن مختلف أطياف التيار المحافظ الأخرى ترغب في خفض صوتهم؛ ما يقلص إلى حدّ كبير إمكانية تنازل مرشحي هذا التيار الأصولي (جليلي، وزاكاني، وقاضي زادة) لصالح قاليباف، أو أيّ مرشح غير جليلي.

 

حرب استطلاعات الرأي في الشارع الإيراني

لا يبدو أنّ موجة الانتخابات انتقلت إلى الشارع الإيراني حتى الآن؛ الأمر الذي يثير مخاوف الوجوه الإصلاحية، ويريح بال وجوه التيار المحافظ. وتُرجّح استطلاعات الرأي أن تشهد الانتخابات عزوفاً شعبيّاً عن المشاركة. وأفادت نتائج استطلاع نشره مركز تابع للحكومة في 10 يونيو، أن 44.4% لن يشاركوا قطعاً، وأن 28.7% لن يشاركوا، فيما قال 7.3% فقط إنهم يشاركون على الأغلب. وأظهر استطلاع ثان أجراه المركز ذاته في 15 يونيو، أن نسبة المشاركة (الحتمية والمرجحة) استقرت عند 49%. ويتطابق ذلك إلى حد كبير مع أرقام استطلاع رأي آخر، أجراه مركز شبه رسمي في 16 يونيو، أظهر أن 52% سيشاركون في الانتخابات، مقابل 29.2% أعلنوا مقاطعتها، فيما أعلن 18.7% أنهم لم يقرروا بعدُ. وأشارت استطلاعات رأي أخرى أجرتها مراكز مستقلة إلى مستويات أكبر من المقاطعة.

 

وعلى صعيد توزيع الأصوات بين المرشحين، ثمة “حرب استطلاعات رأي” أخرى تجري بين التيارات المتنافسة؛ إذ تظهر مواقع تابعة للإصلاحيين أن المرشح الإصلاحي يتصدر التوقعات، فيما تظهر مواقع تابعة للتيار المحافظ تقدم كل من قاليباف أو جليلي. أما على مستوى مراكز الاستطلاع المختصة فإن النتائج المتوقعة تبدو متقاربة إلى حدّ بعيد. وتشير نتائج استطلاع أجراه مركز رسمي في 15 يونيو إلى أن قاليباف (26%)، وجليلي (24%)، والمرشح الإصلاحي بزشكيان (18%) يتصدرون القائمة، بينما أعلن 26% أنهم لم يقرروا بعد. وتشير نتائج الاستطلاع ذاته إلى أن نسبة الذين لم يقرروا انخفضت بنحو 4% في غضون ثلاثة أيام لتدعم سلة أصوات قاليباف وبزشكيان بالدرجة الأولى. وتتشابه نتائج الاستطلاع مع آخر أجراه مركز شبه رسمي في 16 يونيو، أظهر أن قاليباف يتصدر أصوات الذين يرجحون المشاركة بواقع 29%، يليه بزشكيان بواقع 21%، ثم جليلي بواقع 18%، بينما أعلن 19% أنهم لم يقرروا بعدُ.

 

وتُبيِّن نتائج غالبية استطلاعات الرأي أن التنافس الأساسي يجري بين قاليباف وجليلي من التيار المحافظ وبزشكيان من التيار الإصلاحي. وتعكس الاستطلاعات انقساماً واسعاً داخل المعسكر المحافظ؛ ما يعرقل تنازل أي من المرشحين للآخر. كما تُظهِر الاستطلاعات أن التيار الإصلاحي لم ينجح بعدُ في تحريك الشارع الإيراني، وتعبئة جمهوره للتصويت لصالح بزشكيان. وستكون الأيام التي تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي مصيرية بالنسبة للتيار الإصلاحي لتحريك الشارع، وضمان مشاركة أوسع فيما يحتاج المحافظون لتوحيد الصفوف، وإقناع المرشحين بالتنازل لصالح مرشح واحد.

 

التنافس داخل التيار المحافظ الإيراني يكاد ينحصر بين محمد باقر قاليباف (يمين) وسعيد جليلي (يسار الصورة) (AFP)

 

الاحتمالات والسيناريوهات

لا يمنح توزيع الأصوات أي مرشح، الحظ الأوفر لضمان النتائج في الاستحقاق الرئاسي الإيراني، إلّا في بعض السيناريوهات الافتراضية التي تتمثل على مستوى الإصلاحيين بتعبئة الشارع، وضمان نسبة مشاركة أكثر من 70% (وهو احتمال مستبعدٌ حتى الآن)، كما تتمثل على مستوى المحافظين بتوحيد الصفوف خلف مرشح واحد: قاليباف أو جليلي (وهو أيضاً احتمال مستبعدٌ حتى الآن)، وضمان نسبة مشاركة متدنية.

 

وبشكل عام فإن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ستكون منفتحة على ثلاثة احتمالات نظرية:

 

  1. استقرار نسبة المشاركة بين 40 و50% على غرار الجولات السباقة من الانتخابات في الأعوام الأربعة الماضية. ويُفضِّل المحافظون هذه النسبة من المشاركة لأنها تضمن لهم فوز مرشحهم؛ إذ تعني عزوف فئات يعول عليها التيار الإصلاحي.
  2. استقرار نسبة المشاركة بين 50 و60%. ولا يعني ذلك ضمان خسارة المحافظين، وإنما يعني دخول نسبة كبيرة من الأصوات الرمادية إلى المشهد، يمكنها أن تغير المعادلات، وتنقل المعركة إلى الجولة الثانية، خصوصاً إذا استمر الخلاف داخل التيار المحافظ، وحال دون التوصل إلى إجماع على مرشح واحد.
  3. استقرار نسبة المشاركة بين 60 و70%. وعلى الرغم من أن السيناريو يبدو مستحيلاً، ولا ترجحه أي من استطلاعات الرأي، حتى تلك التي أجرتها مراكز مقربة من التيار الإصلاحي، فإنه مع ذلك يعني احتمال فوز المرشح الإصلاحي من الجولة الأولى، خصوصاً في حال استمر الشرخ المعيق للوحدة داخل صفوف التيار المحافظ.

 

وانطلاقاً من هذه الاحتمالات، يمكن تصوُّر السيناريوهات الآتية حول نتائج الانتخابات المتوقعة:

 

السيناريو الأول، فوز مرشح محافظ (جليلي أو قاليباف) في الجولة الأولى على غرار تجربة انتخابات 2021 التي أدت إلى فوز إبراهيم رئيسي. ويفترض هذا السيناريو إجماع التيار المحافظ على مرشح أساسي واحد، يرجح أن يكون إما جليلي أو قاليباف. كما يفترض، من جهة ثانية، بقاء نسبة المشاركة عند أقل من 50% أو أكثر منها بقليل. وإذ يضمن ذلك أن موجة الدعم التي يُعوِّل عليها الإصلاحيون عند ارتفاع المشاركة لنحو 60% أو أكثر لم تحدث فإنها تضمن أن تتركز أصوات المحافظين وراء مرشح أساسي واحد على غرار التجربة الرئاسية السابقة. إلا أن السيناريو يواجه صعوبات، منها: عمق الانقسام داخل الخط المحافظ، واعتبار بعض الخطوط المتشددة داخل التيار المحافظ نجاح جليلي ضروريّاً لضمان حظوظهم في الخريطة السياسية الإيرانية في ضوء الاعتقاد بأن كل التيارات بما فيها الخطوط الوسطية داخل التيار المحافظ ترغب بإقصائهم من المشهد.

 

السيناريو الثاني، تكرار تجربة انتخابات 2013 (التي أدت إلى فوز حسن روحاني) من خلال فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان من الجولة الأولى. ويتطلب أن تستقر نسبة المشاركة فوق 60% أو أكثر، كما يتطلب استمرار انقسام المحافظين، أو أن يُمثِّل إجماع المحافظين على مرشح متشدّد مثل سعيد جليلي عامل تخويف للشارع الإيراني، ويدفعه نحو التصويت لصالح المرشح الإصلاحي. غير أن كلا الشرطين يصعب تحققه حتى الآن، فضلاً عن أن المعطيات الميدانية والتطورات الاجتماعية تستبعد أن تحمل الوجوه الإصلاحية مثل خاتمي سلطة اجتماعية كتلك التي امتلكوها على أعتاب انتخابات 2013 تُخوِّلهم بتعبئة الشارع بطريقة واسعة.

 

السيناريو الثالث، عدم حصول أي من المرشحين الأساسيين على أغلبية الأصوات في الجولة الأولى التي ستجرى في 28 من يونيو الجاري، وذهاب الانتخابات إلى جولة ثانية، ضمن عدة احتمالات من ضمنها تجربة انتخابات 2005. وتدعم هذا السيناريو نتائج الاستطلاعات، وتوزيع الأصوات حتى الآن، والتي تفترض إخفاق الإصلاحيين في تحريك الشارع، ورفع نسبة التصويت إلى مستوى السيناريو النظري الثالث، كما تفترض عدم إجماع الخط المحافظ على مرشح واحد لمواصلة السباق.

 

وتظهر الاستطلاعات أن التنافس يحتدم بين كل من قاليباف وجليلي من المحافظين، وبزشكيان من التيار الإصلاحي مع فوارق ضئيلة حتى الآن في نسبة الأصوات؛ ما يعني أن تكون الجولة الثانية منفتحة أمام حالة “مرشح محافظ (قاليباف أو جليلي) مقابل مرشح إصلاحي (بزشكيان)”، أو حالة “مرشح محافظ (قاليباف) بوجه مرشح متشدد (جليلي)”. ويفتح أي من هذين الاحتمالين المشهد السياسي الإيراني على مستجدات مختلفة في خلال الجولة الثانية التي يحدد موعدها القانون الإيراني في الخامس من يوليو المقبل، أي بعد أسبوع من موعد الجولة الأولى.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/khamsa-muqabil-wahid-alaistihqaq-alriyasi-al-irani-bayn-ijmae-alislahiiyn-watashatut-almuhafizin

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M