حاتم حميد محسن
يُعتبر الفيلسوف اورتيغا من أكثر الفلاسفة ملائمة للقرن العشرين وربما لجميع الأوقات. فهو بدلا من الصورة النمطية للفيلسوف والجلوس في برج عاجي كان اورتيغا منهمكا مع حياة مجتمعه ومشاكله. في أعماله العظيمة، بما فيها (تأملات حول كيخوته)، و(ثورة الجماهير)، كان يمكن تطبيق افكاره الفلسفية مباشرة لفهم القضايا التي واجهت اسبانيا والمجتمع الاوربي في ذلك الوقت.
وُلد اورتيغا في 9 مايو 1883 في مدريد لعائلة ثرية، كان لوالديه عدة ارتباطات مع الثقافة والسياسة الأسبانية. كان ابوه محررا في صحيفة المحايد (EI Imparcial) الأسبانية البارزة (أسّسها جده لامه عام 1867). وبفضل هذه الارتباطات، كان يأتي وبانتظام أهم الرموز السياسيين والمثقفين كضيوف لبيت العائلة. كان ابواه سعداء في السماح له واخوته للاشتراك بالنقاشات، لذا فان ذهن الفيلسوف الشاب كان مثقفا منذ وقت مبكر.
أحد المشرفين الأوائل كان أول من لاحظ عبقرية اورتيغا، وذكر انه كان اكثر التلاميذ ذكاءً مدّعيا ” احيانا يحصل لدي انطباع انه يعرف الجواب قبل ان اضع السؤال”. ذهب اورتيغا لحضور المدرسة اليسوعية في مالغا، التي كان لها تأثيرا كبيرا على افكاره، عندما شهد القبضة القوية للكنيسة الكاثوليكية على المجتمع الاسباني. اصبح اورتيغا مقتنعا ان المحافظة الراديكالية في اسبانيا انذاك كانت تقيّد البلاد اجتماعيا وثقافيا. هذا القلق كان واضحا في جميع اعمال اورتيغا لأجل الاصلاح الاجتماعي والثقافي.
اتجاه المنظورية perspectivism
بعد إكماله دراسة الدكتوراه في مدريد، ترك اورتيغا اسبانيا عام 1905، في اول رحلاته الى المانيا. كان امضى سنة في ليبزك حيث كرس نفسه للفلسفة للتحقيق في أعمال عمانوئيل كانط. في عام 1907 زار البلاد مرة اخرى، هذه المرة بقى في ماربورغ. بعد ذلك عاد الى نفس المدينة عام 1911 كبروفيسور في الميتافيزيقا متوقعاً اول اولاده الاربعة من روزا التي تزوجها قبل سنة.
اكبر ابنائه Miguel German، وهو اشارة لأهمية تأثير البلد(المانيا) على اورتيغا. العلم والثقافة الالمانية وفرتا كما يبدو شعورا عقلانيا وموضوعيا في الفرد وفي المجتمع، وهو ما بدا بالضبط ما كانت تحتاجه اسبانيا للتحرك الى الامام. لكن اورتيغا اعتقد ايضا بان “حيوية البحر المتوسط” كانت خاصية هامة لشعب اسبانيا لا يجب فقدانها.
ان تأثير المانيا على افكار اورتيغا حول بلده يمكن رؤيته في اول اصدار كبير له وهو، تأملات في الكيشوت(1914)، الكتاب الذي لم يكن مجرد تعليق على رواية اسبانية شهيرة، وانما كان بمثابة تلخيص لفكر اورتيغا. كان اورتيغا قد تأثر بفكرة البايولوجي (جاكوب فون اوكل) بان الكائنات الحية يجب دراستها ضمن بيئتها لكي يمكن فهمها، وهو ما دفعه ليجادل بان حياة الانسان يجب ايضا فهمها من خلال ظروفها: “الواقع الظرفي يكوّن النصف الآخر لي كفرد: انا احتاجه لأتصور نفسي ولأكون ذاتي الحقيقية”، هو كتب ان، المكانة الاجتماعية، الفترة التاريخية، القومية، الموقع الجغرافي، والموقف الاقتصادي كلها ملائمة عندما نأتي لفهم كيف ينظر المرء للعالم ولنفسه، طالما هي تقرر منظورنا.
هذه الفكرة تلخصت في أشهر أقوال اورتيغا: “انا وظروفي، اذا انا لم أضعها بالإعتبار، فسوف لن أعتبر نفسي”(1). وبنفس الطريقة التي يخرج بها اورتيغا الى العالم عند نهر غادرما قرب مدينته، او عندما يخرج المصريون القدماء الى نهر النيل، نحن ايضا نخرج للعالم من مكاننا الأصلي. وبصرف النظر عن عدد الأفكار الجديدة التي انت تنفتح عليها، لا يهم كم هي ستغير طريقتك في التفكير، فانك دائما ستبقى تتصور، تجاربك الماضية، طفولتك، المكانة الاقتصادية والاجتماعية، قوميتك، مرحلتك التاريخية، وجميع تلك العوامل هي هامة وحيوية في تعريفك كفرد.
بينما كان يتجول في الغابة قرب دير السكوريل خارج مدريد، وحيث تمضي العائلة رحلتها الصيفية، اعترف اورتيغا بانه على الرغم من ان فكرة الغابة تنطوي على مدى واسع من الأخشاب، لكنها في الواقع لاتجسّد نفسها ابدا بهذه الصورة. بدلا من ذلك، نحن لا نرى سوى مقدار ضئيل من الغابة عندما نمشي خلالها – هناك فقط عدد قليل من الاشجار وممرين اثنين. وعندما نتجه نحو ممراتها الضيقة المضللة، فان اجزاءً جديدة من الغابة تكشف نفسها تدريجيا عندما نترك تلك التي بقيت في الخلف. من المهم ان نتذكر ان كامل الغابة لاتكشف نفسها ابدا لنا. وبنفس الطريقة، الفلاسفة هم مثل أي شخص آخر حين يبحثون عن أي نوع من الحقيقة الموضوعية، يجب ان يكونوا واعين بظروفهم. ولكي نعمّم، فان الزاوية المعينة التي ترى منها الاشياء حتما ستؤثر على الطريقة التي تبدو بها، وبالتالي تقرر منظورك حول الواقع. ومع ان موقفنا يقرر منظورنا، لكننا نستطيع ايضا تحسين منظورنا عبر السعي النشط لتوسيع وجهات نظرنا، وبذل الجهد للحصول على فهم افضل لكل من ظروفنا وظروف الآخرين.
ماذا يعني هذا لنا كأفراد؟
للإجابة على هذا السؤال من المفيد النظر الى عبارة اورتيغا الشهيرة بالكامل:(انا انا وظروفي، واذا انا لم اعتبرها، فهي سوف لن تعتبرني”. لذا انها ليست فقط الحالة التي نتقرر بها بفعل الظروف، وانما نحن لدينا واجب تجاهها، نحن نجد انفسنا ألقي بنا في هذا العالم، حيث اننا محاطون بمجموعة من الظروف يجب علينا التعامل معها. العقل هو استجابتنا الادراكية لهذه الحقيقة، محاولتنا لجعل معنى لكل الغابة وراء الجزء الصغير الذي نتصوره مباشرة. اورتيغا قلب استنتاج ديكارت رأساً على عقب، “انا افكر اذا انا موجود” بقوله، “انا أعيش اذا انا افكر” (انظر ماهي الفلسفة؟، 1929، الترجمة الانجليزية، 1963).
هو يعني ان تفكيرنا هو نتيجة لحياتنا وظروفها: انه امر حيوي بالنتيجة ان نقبل رغم عقلانية الاعتقاد ان س يتبعه ص، لكن الناس في موقف مختلف ربما يفكرون وبشكل شرعي ان ص يتبعها س. العقل الحيوي شكّل الاساس لأفكار اورتيغا السياسية والفلسفية. فمثلا، كتاب Invertebrate Spain الذي نُشر عام 1921، نفس سنة ميلاد بنته سولداد، عرض رؤية لأسبانيا والتي بدلا من كبح وتجاهل التنوع المناطقي لكتلونيا اقليم الباسك وصفهم اورتيغا كـ “أعضاء” جميعها تكوّن جزءاً من مركّب عضوي أكبر.
جميع مشارع اورتيغا الاجتماعية والسياسية حاولت خلق هذه الرؤية التعددية لحقيقة اسبانيا الموحدة. فكرة التعددية لبلده سوف تشكل لاحقا الاساس لفهمه لاوربا التي قارنها بسرب من النحل يطير في نفس الاتجاه.
الجماهير
في عام 1930 تنازل الملك الثالث عشر الفونسو عن العرش وبدأت جمهورية اسبانيا الثانية. وكغيره من المثقفين، اعتقد اورتيغا ان هذه كانت فرصة لتنفيذ تغييرات يحتاجها البلد. كونه استقال من وظيفته كأستاذ في الميتافيزيقا في جامعة مدريد قبل عدة سنوات، فان فصلا سياسيا جديدا قد بدأ في حياة الفيلسوف. في عام 1931 أسس اورتيغا (مؤسسة الخدمة للجمهورية)، وهي جماعة من المثقفين لخدمة الجمهورية. ورغم نواياه النبيلة لكن عمله السياسي تضائل عندما استقال من المنظمة بعد سنة. وبعيدا عن إحداث تقدم، أصبح المجتمع الاسباني أكثر قطبية عندما ازداد التوتر بين معسكري اليمين واليسار. الإضرابات والتمردات والاحتجاج العام اصبح شبه دائم، حتى بلغ ذروته عام 1936 مع اندلاع الحرب الاهلية الاسبانية التي انتهت عام 1939 بتأسيس الدكتاتورية الفاشية للجنرال فرانكو.
لم يكن كل ذلك مفاجأة لاورتيغا. في عمله الشهير (تمرد الجماهير، 1930)، طوّر اورتيغا فكرته عن الرجل العادي mass man، الفرد “لأجل ان يعيش عليه ان يكون في كل لحظة ما كان عليه سلفا، دون ان يُفرض عليه اي جهد نحو الكمال، انه مجرد عوامة تطفو على الأمواج.” رغم ان ميوله الطبيعية هي ان يتّبع ما حوله، لكن اورتيغا إعتقد ان هذا الشخص سيطر على المجتمع الحديث. سيطرة هؤلاء الناس، ليس فقط في اسبانيا، وانما في كل اوربا، قد تكون لها نتائج مرعبة. ميولهم فقط في تقليد القيم والعادات والموضة التي حولهم بدلا من التفكير والتصرف المستقل(او بالتعبير الوجودي، الأصيل) قد تكون له انعكاسات خطيرة. واذا كان هذا قاد الى عدة اتهامات بالنخبوية، لكن تجدر ملاحظة ان الرجل العادي لم يُعرّف بطبقته او مكانته الاجتماعية. يرى اورتيغا “كل الطبقات لها جماهيرها”. الجماهير تتميز عن الاثنيات المنتقاة بشخصيتها. الفرد “المتوسط” راض بالاندماج مع الجماهير، يفتقر الى أي رغبة لتطوير نفسه وتحسينها كفرد. مقتنعا بعمل من حوله مهما كان، هو بذلك يهرب من مسؤولية القرارات والاهتمام بالوزن الأخلاقي لأفعاله. بالمقابل، “الاثنيات المنتقاة” تكافح لتحسين ذواتها لتصبح احسن حالا ولن تشعر ابدا بالإحساس التام للإنجاز، لا اهمية لمقدار ما تعمل. كلا النوعين من الفرد، يمكن ان يوجدا في كل مناحي الحياة، دون اي اعتبار لمقدار الثروة، او الألقاب، او الشهادات العلمية في التمييز الجوهري بين الاثنين.
الرجال العاديون، ومع عدم وجود اي اهتمام بفهم العالم الذي حولهم، يفتقرون الى معنى المنظور. هذا يمكن رؤيته، مثلا، في علاقاتهم مع التكنلوجيا. هم يمضون حياتهم اليومية يفكرون بالأشياء كالسيارة والتلفاز والتلفونات الذكية كسمات بسيطة للعالم. حقيقة اننا وُلدنا في عالم نستطيع فيه بسهولة ان نشعل الضوء ونرسل الرسائل النصّية او نقود السيارة الى أي مكان، يعني انه من السهل ان نأخذ هذا الاشياء كمسلمات بديهية، متجاهلين عدة سنوات من البحث في تطوير التكنلوجيا، بالاضافة الى كفاح الأجيال السابقة الذي قاد الى تطويرها. في رؤيته لهذا النقص في المنظور التاريخي، يرى اورتيغا ان هذا الطفل المزعج هو نتاج للمجتمع الحديث، وهو يحتقره كما يحتقر المراهق المشاغب لأبويه. ظروفك تجعلك منْ انت، لذا يجب ان تعرفها.
كان اورتيغا متأكدا ان عقلية الجماهير في المجتمع كانت السبب في صعود الايديولوجيات السياسية الراديكالية التي قادت الى انتشار الأنظمة الفاشية في اوربا في ذلك الوقت، ولا ننسى النظام الذي أجبره على مغادرة بلده. اذا كانت عقلية الجماهير شيئا مثيرا للقلق في الثلاثينات، نحن يجب ايضا ان نقلق بشأنها الآن. ماذا يقول لنا اورتيغا الآن ونحن نحدّق في شاشات التلفونات ونتجول في عناوين الاخبار مستهلكين معلومات واسعة ومتّبعين آخر أشكال الموضة؟
الدولة القومية وتوحيد اوربا
بعد ان عاش في فرنسا والارجنتين والبرتغال، عاد اورتيغا بالنهاية الى اسبانيا عام 1945، رغم حقيقة ان الرقابة الصارمة المفروضة من سلطات فرانكو الدكتاتورية جعلت من الصعب عليه الاستمرار في النشاطات الفكرية. معظم مؤتمراته ومحاضراته اللاحقة عُقدت في دول اوربية اخرى، حيث ان افكاره يمكن التعبير عنها بحرية. هو قابل الفيلسوف الالماني المثير للجدل مارتن هايدجر(1889-1976) في مؤتمر في مدينة دارمستد الالمانية عام 1951. ومن المؤتمرات الهامة الاخرى مؤتمر عقد في برلين بعنوان “تأملات في اوربا”.
كتاب تأملات في اوربا، الذي نُشر بعد وفاته عام 1960، يناقش فيه اورتيغا الدولة القومية، دورها ومستقبلها. وبعد ان اُجبر على مغادرة بلده من جانب نظام الفاشي، ومعاناته لحربين عالميتين، ليس من المستغرب ان تكون الدولة القومية موضوعا هاما لاورتيغا. هو اعتقد ان القضية تكمن جزئيا في حقيقة انه، بينما الدولة القومية تولّد مقدارا كبيرا من التعصب، لكننا عادة غير قادرين على توفير تعريف دقيق لها – وهو الشيء الذي فعله اورتيغا سلفا قبل وقت طويل من “ثورة الجماهير”. هو يذكر في المؤتمر: “انا سوف اعيدها مرة اخرى: الحقيقة التي نسميها الدولة هي ليس مجيء تلقائي لاولئك المتّحدين بروابط الدم. الدولة تبدأ عندما تنقسم الجماعات طبيعيا وتجد نفسها ملزمة للعيش المشترك. هذا الإلزام لن يُفرض عليهم بالعنف، وانما ينطوي على هدف محفز، مهمة مشتركة توضع أمام الجماعات المنقسمة. فوق كل ذلك، الدولة هي خطة للعمل وبرنامج للتعاون. الناس يُدعون اليها لكي يقوموا بشيء مشترك. الدولة لا هي وحدة قرابة ولا وحدة لغوية، لا وحدة اقليمية ولا وحدة من القرب السكني. انها ليست شيئا ماديا ناقصا وثابتا. انها دينامية خالصة – الرغبة بعمل شيء ما مشترك – وبفضل هذا لم تكن امام مفهوم الدولة أية حدود مادية”.
تماما مثل أي مشروع آخر، الدولة القومية لها عدد من القيم، والعلامات المميزة المعترف بها (علم)، ومجموعة عامة من العادات التي توحّد أعضائها، يخلق تماسكا ثقافيا بينهم. الدولة القومية بُنيت على التنوع والانتماء اليها لا يعني ان جماعات فرعية تفقد فرديتها. لتكن كاتلونيا في اسبانيا او اسكتلندا في المملكة المتحدة، الانتماء الى دولة قومية لايزيل روحها كوجودات منفصلة. وبنفس الطريقة، كل الجماعات الاخرى التي تشكّل أعضاء الدولة لن تفقد هويتها عندما يصبحون جزءاً من الامة: كونك اسباني لا يعني انك ذو ايمان معين او عمر او جنس، وبينما يُفترض انك تتحدث الاسبانية، لكن ليس من الضروري ان تتحدث بلسان امك.
حتى الحدود التي ربما تبدو معرّف ثابت للامة هي النتيجة الحالية لقرون من الصراع والمفاوضات. انها تغيرت باستمرار خلال التاريخ ولا يوجد هناك سبب للاعتقاد انها لن تكون كذلك مرة اخرى في المستقبل. لذا بدلا من فهم الامة كشيء ثابت مرتبط بارتباطات ميتافيزيقية، يجب النظر اليها كشيء ديناميكي نقوم به بدلا من شيء نحن فيه. بفضل السجلات التاريخية، هناك سجل موثق لروما منذ بداياتها وحتى سقوطها. الاوربيون شهدوا ايضا ولادة دولهم القومية الحديثة من أنقاض الامبراطورية الرومانية، بما في ذلك نموها وتعاون الجماعات المجاورة لها. لكن الدول القومية تميل ايضا للانكماش والتمزق، وربما تموت. ومع التقدم في العمل، ليست الامم سمات خالدة يمكن ان توجد طبيعيا على وجه الارض، تترك الامم عرضة لأي مصير تناله. كديناميكية، ومشاريع دائمة التغيير، يجب على الامم ان تكون منفتحة للتغيير ولإندماج الجماعات الجديدة التي ربما تساهم افكارها بحل مشاكلها والوصول لأهدافها.
يرى اورتيغا ان اوربا موحدة سيسمح بحدوث هذا لأسبانيا. امم اوربا تقاسمت تاريخيا التجارب والافتراضات الثقافية بالاضافة الى المشاكل والاهداف المشتركة. لذلك فان تعاون الدول الاوربية كان ضروريا لتطويرها. ولكن مثلما ان الدولة القومية لم تترك الجاليات التي تكوّنها مجردة من فردياتها، اعتقد اورتيغا ان لاسبب هناك لاوربا الموحدة لتزيل سيادة او هوية اممها. مقارنا اوربا باليونان الهلينستية هو يقترح ان “الاثنيين، مثلا، يشعرون شعورا مزدوجا بكونهم اثنيين وهيلنستيين، مثل الالمان يشعرون كآلمان ويعرّفون انفسهم كاوربيين”. وبقدر ما يتعلق الامر بالهوية، افترض اورتيغا سلفا وقبل وقت طويل انه في اوربا ” “كل مبدأ موحّد جديد كان مخصّبا للتنويع “. اوربا الموحدة لا يجب ان تهدد السيادة الوطنية، ولا ان الاهتمامات الوطنية والمصالح تُعتبر تهديدا للوحدة الاوربية.
الميراث
توفي اورتيغا في مدريد عام 1955، دون ان يرى وحدة اوربا التي اعتبرها حاسمة للتقدم في المستقبل. ولم ير ايضا سقوط نظام اسبانيا الفاشي الذي اجبره على النفي لحوالي عشرين سنة. ولو اردنا التنبؤ ما اذا كان يوافق ام لا يوافق على الاتحاد الاوربي، لا شك انه توقّع الحاجة الحتمية للتعاون بين الدول الاوربية لحل القضايا المشتركة – تماما كما فعلت ذلك عدة مرات طوال التاريخ.
قضايا اخرى في عمله استمرت لتبقى ملائمة منذ وفاته. وكنتيجة لزيادة الاعتماد على الجماهير واستخدامنا المستمر للشبكات الاجتماعية كمصدر للمعلومات، فان التهديدات التي شكّلتها عقلية الجماهير هي اكثر الحاحا الان من اي وقت مضى، دعك من وجود الراديكالية في عدة زوايا من المجتمع. وبالرغم من ان افكاره كانت كما يبدو مبعثرة باسلوب غير متماسك عبر العديد من المقالات والكتب التي كتبها طوال عمله الغزير، لكن اورتيغا كان متماسكا جدا في إعطاء فلسفة حيوية حقا، تذهب الى ما وراء الاكاديمية وتوفر اتجاها لكل مظاهر حياتنا سواء كانت محلية او اجتماعية او سياسية، تماما مثل فلاسفة اليونان القديمة وروما الذين بدأوا قبل اكثر من الفين سنة.
……………………………………….
الهوامش
(1) في هذه العبارة الشهيرة يشير اورتيغا الى الاتحاد القوي بين منْ نحن وما يحيط بنا، انه من المستحيل فهم احدهما دون الآخر، وبهذا فان قراراتنا مشروطة بمنْ نحن وكذلك بظروف المكان والزمان.
رابط المصدر: