استنادا إلى الدروس المستخلصة من حرب عام 2006، يتوجب على إسرائيل أن تركز على تحقيق نتائج استراتيجية، بما في ذلك تحسين تأمين حدودها مع لبنان.
في أعقاب الأداء الباهت للجيش الإسرائيلي خلال حربه الأخيرة مع “حزب الله” عام 2006، وثقت لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية أوجه القصور في الأداء التكتيكي للجيش، حيث سلطت الضوء على “القصور في التفكير الاستراتيجي” الذي شاب قرار شن الحرب، مما أدى إلى تبني أهداف مبهمة وغير واقعية. وقد خلصت” لجنة فينوغراد” المسماة نسبة إلى رئيسها، إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعداً بشكل كافي لحرب 2006 من الناحية الاستخباراتية فحسب، بل أخفق أيضاً في تنبيه صناع القرار السياسي إلى التناقضات بين ما كان يأمل في تحقيقه وبين الإجراءات التي سمح صناع القرار للجيش باتباعها في ساحة المعركة.
وبعد مرور 18 عاماً، عاد جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جنوب لبنان. ولكن هذه المرة، أصبح المخططون العسكريون والاستخباراتيون الإسرائيليون يستفيدون من المعلومات الاستخباراتية لإنتاج إطار عمل عملياتي جديد تمامًا يستند إلى “عملية تعلم نقدية معمقة” أدارها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي خلال فترة ولايته من 2019 إلى 2023. من الواضح أن الجيش الإسرائيلي قد عمل على تطبيق الدروس المستفادة لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتكتيكات الميدانية التي تستهدف “حزب الله”. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت إسرائيل قد تمكنت من معالجة أوجه القصور الاستراتيجية في حربها الأخيرة مع “حزب الله” بشكل كافي. ففي حين حققت إسرائيل مكاسب إستراتيجية ملحوظة في الأسابيع الأخيرة، فإن تحويل هذه المكاسب إلى نجاحات استراتيجية دائمة سيكون مهمة صعبة ومعقدة. تتطلع الحكومة الإسرائيلية إلى تحقيق مجموعتين من الأهداف الاستراتيجية: تشمل الأولى، ضمان بقاء وكيل إيران الرئيسي أضعف من أن يشكل تهديدًا خطيرًا على أمن إسرائيل، وهو أمر غير قابل للتفاوض. أما الثانية، فهي كبح نفوذ “حزب الله” على الساحة السياسية اللبنانية، وهو طموح كبير. ومن ثم، يمكن للدروس المستخلصة من الحرب الأخيرة أن تسهم في تحديد كيفية تحقيق إسرائيل لهذه الأهداف وما هو خارج عن سيطرة السياسة الإسرائيلية.
إنجاز مهمة “السهام الشمالية”
في غضون أسبوعين، قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ سلسلة من الهجمات التي استندت إلى المعلومات التي جمعتها وكالات الاستخبارات في البلاد على مدى 18 عامًا منذ نهاية حربه الأخيرة مع “حزب الله”. أدت تلك الهجمات إلى تقويض الحزب لدرجة أنه أصبح الآن مجرد ظل لما كان عليه في السابق. علاوة على ذلك، أدت سلسة الهجمات التي قامت بها إسرائيل والتي شملت تفجير أجهزة الاستدعاء وأجهزة اللاسلكي الخاصة بعناصر “حزب الله”، واستهداف زعيم الحزب “حسن نصر الله” وقتله في مقر القيادة العسكرية، إلى إضعاف قيادة الحزب وقدرته العملياتية بشكل كبير. علاوة على ذلك، يبدو أن إسرائيل قد حققت أهدافًا تكتيكية واضحة ضد الحزب خلال حملة “السهام الشمالية” التي شنتها في الأسابيع القليلة الماضية، حيث أظهرت مستوى من الهيمنة الاستخباراتية غير المسبوقة، حتى بالنسبة للعملاء المخضرمين الذين وجدوا نطاق العمليات مذهلًا. كما أفادت التقارير بأنه تم تدمير ما بين نصف إلى ثلثي ترسانة الصواريخ والقذائف التي يمتلكها “حزب الله”، بينما تعمل قوات المشاة التابعة للجيش الإسرائيلي بجد على تفكيك أنفاق ومخابئ الحزب، وقتل العناصر والقادة المحليين، وتعطيل تمويل الحزب، والاستيلاء على مخابئ الأسلحة على طول الجانب اللبناني من الحدود.
لا ينبغي التقليل من تأثير هذه الإنجازات التكتيكية، فليس من المبالغة القول إن “حزب الله”، الذي يمثل محور المقاومة الإيرانية، لم يعد كما كنا نعرفه، فلا يزال الحزب يحتفظ بآلاف المقاتلين ويمتلك أسلحة خفيفة بكميات كافية. ومع ذلك فإن فقدان الحزب لقيادته ومراكز القيادة والصواريخ والبنية التحتية على طول الحدود مع إسرائيل يعني أنه لم يعد يشكل تهديدًا استراتيجيًا واضحًا وقائمًا لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، لا يزال الحزب قادرا على إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار عبر الحدود، وذلك رغم تراجع قدراته على إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية. كما لا يزال الحزب قادراً على تنفيذ أعمال إرهابية دولية، رغم أنها لا يشكل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل. إذا كانت هذه الإنجازات هي كل ما تمكنت إسرائيل من تحقيقه، فسيعتبر الإسرائيليون أن الحملات الجوية والبرية للجيش الإسرائيلي قد كانت مثمرة للغاية.
ما وراء المكاسب التكتيكية: أهداف إسرائيل الاستراتيجية المزدوجة
تسعى إسرائيل إلى تحقيق هدفين استراتيجيين في حربها مع “حزب الله”. أولاً، إحباط إستراتيجية إيران التي ترمى الى تمكين وكلائها من شن هجمات مستمرة ضد إسرائيل. حتى الآن، وعلى الرغم من الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالحزب، أعلن القائم بأعمال زعيم الحزب أن الحزب يعمل وفق “حسابات جديدة” تجمع بين الدعوة إلى وقف إطلاق النار والالتزام بإلحاق الأذى بإسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هدفها غير القابل للتفاوض هو التصدي لإيران ووكلائها، لفرض واقع جديد في الشرق الأوسط، تواجه فيه إسرائيل “دائرة من النار” لا هوادة فيه. وقد قاد “حزب الله” منذ فترة طويلة الجهود الرامية لجعل هذا المفهوم حقيقة واقعة، حيث تحدث نصر الله عن “توحيد الجبهات” في عام 2015. ومع ذلك، استغرق الأمر من الحزب تسع سنوات أخرى لتنفيذ الهجمات المنسقة التي تصورها ضد إسرائيل في عام 2023. وعلى الرغم من التنسيق والدعم الذي كان “حزب الله” وإيران مستعدان لتقديمه عندما حانت لحظة الحسم في عام 2023، لم يرقى هذا الدعم إلى مستوى توقعات “حماس”، إلا أن إيران ضاعفت هذه الاستراتيجية منذ وفاة نصر الله. ومع ذلك، تعهد المرشد الأعلى “علي خامنئي” بأن “مصير هذه المنطقة ستحدده قوى المقاومة، وفي مقدمتها “حزب الله”. ومن جانبها، تسعى إسرائيل جاهدة لمنع اندلاع ما تسميه بـ “حرب متعددة الجبهات” تهدف الى تدمير البلاد، كما توعدت بالرد بقوة في أي لحظة تتعرض فيها للهجوم، وذلك في محاولة لإعادة إرساء قدر من الردع ضد إيران ووكلائها
ومع ذلك، أدركت إسرائيل على مدى العام الماضي حدود الردع وتكلفة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا لمنع خصم مسلح يمتلك تسليحًا جيدًا من الاستعداد لاستخدام تلك الأسلحة يومًا ما لمهاجمة إسرائيل. وبناءً على التجارب السابقة، من المرجح أن تسعى إيران لتمويل انتعاش “حزب الله” وإعادة تسليح ميليشياته، كما فعلت بنجاح في أعقاب حرب 2006. كما أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي تم تبنيه خلال عام 2006 والذي دعا إلى وقف إعادة تسليح “حزب الله” وعدم انتشار قوات الحزب جنوب نهر الليطاني، لم ينفذ بالشكل المطلوب. فقد أعادت إيران تزويد “حزب الله” بأسلحة أكثر تطورا وبأعداد مضاعفة مقارنةً بما كان يملكه الحزب في عام 2006. ورغم نشر قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل “المكونة من 10,058 جنديًا من 50 دولة في جنوب لبنان، قام “حزب الله” بنشر قوات تفوق عدد قوات “اليونيفيل”، وأسس بنية تحتية هائلة جنوب نهر الليطاني وصولًا إلى (أسفل) الخط الأزرق نفسه. وفي الواقع، وضع “حزب الله” العديد من أنفاقه ومواقع إطلاق الصواريخ الخاصة به على مقربة من قوات “اليونيفيل” مباشرة، وغالبًا ما كانت تلك المواقع تقع على بعد 200-300 متر من مواقع اليونيفيل، مما دفع بعض المراقبين إلى التشكيك في جدوى المنظمة وأهميتها في المستقبل.
تسعى إسرائيل إلى الاستفادة من المكاسب التكتيكية التي حققتها في الحرب بهدف مواصلة تقويض موقع “حزب الله” العسكري في جنوب لبنان، وبشكل أوسع، تقويض موقعه السياسي في البلاد. ويرى بعض المحللين في القدس وواشنطن أن النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل ضد حزب الله قد تكون ساهمت بالفعل في تقويض قوته العسكرية لدرجة أن الحكومة اللبنانية قد تعمد أخيرًا إلى نشر القوات المسلحة اللبنانية لتأكيد سيادتها على البلاد أخيرًا، وتكريس احتكارها لاستخدام القوة، الأمر الذي قد يفضي إلى تهميش الحزب كقوة سياسية وعسكرية في لبنان.
في بيان مصور موجه للشعب اللبناني، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “يجب أن يستعيد لبنان أيام هدوئه“. وتابع قائلاً:” انهضوا واستعيدوا بلدكم.” واعتبر نتنياهو أن الإجراءات الإسرائيلية ضد “حزب الله” قد منحت لبنان “فرصة لم تتوفر له منذ عقود”. ومن جه أخرى، يرى المسؤولون الأمريكيون أن هناك فرصة مماثلة، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أن الولايات المتحدة تأمل في أن يسهم هذا الوضع في “كسر قبضة “حزب الله” على البلاد، بل وكسر القبضة الخانقة التي يسيطر بها على لبنان وإنهاء الفيتو الذي يفرضه على رئاسة الجمهورية”. وفي اتصال هاتفي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، شدّد بلينكن على أنّ لبنان لا يمكن أن يسمح لإيران أو “حزب الله” بالوقوف في طريق أمن لبنان واستقراره.
لكن رغم أن العديد من اللبنانيين يتفقون مع رأى رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، الذي أتهم “حزب الله” بـ ” اختطاف” الحكومة اللبنانية وحمّله مسؤولية اندلاع الحرب الحالية، إلا أن الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لديهما تاريخ طويل في تجنب الصراع مع الحزب. وعلى الرغم من أن” عدداً قليلاً نسبياً من اللبنانيين يدعمون الحزب، إلا أن استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الباروميتر العربي لعام 2024 أظهر أن مطالبة القوات اللبنانية بمواجهة الحزب بشكل عام قد يكون مطلباً مبالغاً فيه في الوقت الراهن، وربما يفسر ذلك سبب وضع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأمر في خانة الأمور التي ترغب الولايات المتحدة في إنجازها في “نهاية المطاف” ولكن ليس بشكل فوري.
وبعيداً عن هذا الهدف الطويل الأمد، فإن ما ينبغي القيام به في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان مباشرة هو العمل على التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي لم يتم تنفيذه من قبل، بما في ذلك بذل جهود منسقة ومتعددة الجنسيات لمكافحة تهريب الأسلحة الإيرانية، والانتشار الكامل للجيش اللبناني على امتداد الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
ترجمة المكاسب التكتيكية إلى فوائد استراتيجية
تتطلب ترجمة المكاسب التكتيكية التي حققتها إسرائيل إلى فوائد استراتيجية أولاً تجنب تورط إسرائيل في لبنان. لكن إذا قامت إسرائيل بتدمير البنية التحتية العسكرية والأسلحة الأمامية التي راكمها “حزب الله” خلال الثماني عشر عاماً الماضية، وشرعت في اجتياح جنوب لبنان ثم انسحبت، فإن تمكين الجيش اللبناني من ملء الفراغ ونشر قواته على طول الحدود بأكملها سيشكل الخطوة الأولى نحو التنفيذ الفعلي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. في ظل وجود روسيا والصين كعضوين دائمين في مجلس الأمن، من غير المتوقع إصدار قرار جديد أكثر قوة، مما يجعل التنفيذ الكامل للقرار 1701 وتطبيقه أفضل خيار متاح، وهو خيار يحظى بدعم المسؤولين الإسرائيليين إذا ما تم تنفيذه بشكل فعلي. من الناحية العملية، رغم أن عودة عناصر “حزب الله” الذين يسكنون في الجنوب قد تكون مؤكدة، فإنه يجب منع الحزب من إعادة إنشاء مناطق عسكرية مغلقة وأنفاق ومخازن أسلحة جنوب نهر الليطاني. وحتى يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار على طول الحدود والقيام بدورياته جنوب الليطاني، سيحتاج إلى نشر قوة كبيرة بما يكفي، ويستلزم ذلك ضمانات من القوى الغربية لدعمه وتوفير المعدات اللازمة لإنجاز هذه المهمة. ومن جهته، لن يقبل الجيش اللبناني الانتشار إلا في ظل وقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق دبلوماسي يتعهد بموجبه “حزب الله” بعدم إعادة الانتشار على الحدود. كما تفيد التقارير بأن المسؤولين الإسرائيليين يرغبون في التوصل إلى اتفاق يضمن عدم تعريض المدنيين اللبنانيين للخطر جراء أي عمليات عسكرية.
سيتطلب تحقيق هذا الهدف تشكيل تحالف من الدول التي ستستفيد من الموارد الاستخباراتية والعسكرية الضرورية لمواجهة جهود إيران لإعادة تسليح “حزب الله” ووكلائها الآخرين، بما في ذلك حركة “حماس” و”الحوثيون”. وفى هذا السياق، أشار الحرس الثوري الإيراني بالفعل إلى أن هذا بالضبط هو ما يخطط للقيام به. من جهته، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن إسرائيل لن توافق على أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يمنع الحزب من إعادة التسلح أو تنظيم صفوفه. ورغم عدم وجود ضمانات لتحقيق هذا الهدف، إلا أنه يظل ضمن نطاق الممكن.
هناك مجموعة من الأهداف أكثر طموحًا تسعى إلى إزاحة “حزب الله” كقوة عسكرية وسياسية في لبنان. وتكمن المشكلة هنا في أنه في حين يبدو أن إسرائيل في طريقها إلى القضاء على جزء كبير من التهديد الاستراتيجي الذي شكّله حزب الله، إلا أن ذلك لا يقلل من قدرة الحزب على القتال من أجل مواقعه داخل لبنان. فلا يزال الحزب يمتلك آلاف المقاتلين والكثير من الأسلحة الخفيفة، وهذا يكفيه للاستمرار في ترهيب اللبنانيين أنفسهم حيث يمتلك الحزب تاريخ في رفع سلاحه ضد معارضيه اللبنانيين، ومن غير المتوقع أن يتغير هذا النهج. على سبيل المثال، استولى الحزب على وسط بيروت بقوة السلاح في عام 2008، ولا يزال يمتلك فريق اغتيالات مخصص – الوحدة 121 – لتصفية خصومه اللبنانيين. وبصرف النظر عن الإرادة السياسية، لن يفكر أحد في لبنان حتى في مواجهة هذا الحزب الذي لا يزال بإمكانه محاربة منافسيه في الداخل رغم تراجع قدرته على مواجهة إسرائيل.
تتمثل الخطوة العملية الأولى في هذا الاتجاه في ممارسة الضغط على القادة اللبنانيين، وخاصة رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل نبيه بري، للدعوة إلى عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومواجهة جهود “حزب الله” المستمرة منذ عامين لمنع انتخاب أي مرشح لا يروق له. من غير المرجح أن يُقابل انعقاد مجلس النواب تحت ضغط دولي، برد فعل عنيف من قبل الحزب، بخلاف ما قد يحدث عند محاولة نزع سلاحه. كما أن لدى بري حوافز قوية لدعم هذا الإجراء؛ فمع تراجع الدعم الشعبي للحزب، فإن كسر الجمود السياسي الذي يفرضه هذا الأخير سيكون خطوة تحظى بتأييد شعبي واسع.
إعادة قراءة تقرير “لجنة وينوغراد” في تل أبيب
قد يكون من الأفضل للقادة الإسرائيليين أن يتوقفوا لبضع دقائق لمراجعة النتائج التي توصلت إليها لجنة فينوغراد، خاصة تلك التي تركز على التفكير الاستراتيجي. فقد أشارت اللجنة إلى أنه عند اتخاذ قرار الحرب في عام 2006،” لم تنظر الحكومة [الإسرائيلية] في مجموعة كاملة من الخيارات، بما في ذلك خيار الاستمرار في سياسة الاحتواء، أو الجمع بين التحركات السياسية والدبلوماسية والضربات العسكرية دون مستوى التصعيد”. وخلصت اللجنة إلى أن “هذا الإخفاق يعكس ضعفًا في التفكير الاستراتيجي. آنذاك، كما هو الحال الآن، تولى الجيش مهمة تحديد كيفية ترجمة التوجيهات السياسية المبهمة إلى خطط عسكرية لتحقيق أهداف سياسية غير واضحة. وبحسب الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي، تم تحديد الأهداف اليوم من قبل مجلس الوزراء الأمني المصغر”، بعبارات غامضة لأسباب سياسية – تحالفية، وبالتالي اضطر الجيش الإسرائيلي، كما في كل حرب إسرائيلية، إلى ترجمة هذه القرارات إلى مصطلحات ملموسة“.
يجب على إسرائيل أن تواصل الضغط في الجنوب بهدف القضاء على أسلحة” “حزب الله” “المتمركزة في المواقع الأمامية والأنفاق والمخابئ علاوة على استهداف صواريخه المتوسطة والبعيدة المدى، بما في ذلك صواريخه الموجهة بدقة. بعد ذلك، ينبغي على إسرائيل العمل على إضعاف التهديد الاستراتيجي الذي يشكله الحزب، وإعادة جنودها إلى ديارهم والتركيز على الجهود الدبلوماسية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في جنوب لبنان، وبناء تحالف لمواجهة شحنات تهريب الأسلحة الإيرانية.
أما بالنسبة للفرصة المتاحة للبنان لاستغلال زوال “حزب الله” واستعادة البلاد من قبضة إيران، فربما تكون إسرائيل قد خلقت هذه الفرصة، لكن اللبنانيين وحدهم هم من يقررون ما إذا كانوا سيغتنمونها أم لا. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد نجحت على ما يبدو في إبطال مفعول 18 عاماً من تعزيزات “حزب الله” منذ نهاية حرب 2006، فإن ما سيحدث في لبنان وخارجه بعد توقف إطلاق النار وتبدد الغبار سيحدد ما إذا كانت نسخة هناك جديدة من هذا التنظيم ستظهر مع مرور الوقت لتشكل تهديداً لإسرائيل ولبنان معاً.
الدكتور ماثيو ليفيت، هو زميل أقدم في برنامج الزمالة “فرومر وويكسلر” ومدير “برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات” في معهد واشنطن.