د. أحمد عدنان الميالي
بعد حالة الانسداد السياسي الحاصلة في العراق منذ جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وعدم جدوى المبادرات السياسية المطروحة من القوى السياسية المتنافسة على تشكيل الحكومة، ونظرا لتجاوز المدد الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، والتي اساساً لم تحدد هويتها رسميا.
طرحت مواقف معلنة من بعض اطراف القوى السياسية والحكومية لحل البرلمان واعادة الانتخابات النيابية، من جهة، او الدعوة الى حكومة طوارئ او انقاذ وطني، او التمديد والتفويض للحكومة الحالية. فضلا عن المبادرات السياسية المطروحة التي لم تحقق اي تجاوب سياسي لغاية الان.
ورغم ان هذه الدعوات قد تبدو لأول وهلة سياسية ودعائية اكثر منها واقعية او معبرة عن مواقف سياسية موحدة ورسمية للداعين لها، لكنها في الواقع تكرس التجاذبات السياسية بين الفرقاء حول القضايا الجوهرية وخاصة مسألة مخرجات الانتخابات من استكمال انتخاب رئيس الجمهورية وتحديد هوية الكتلة الاكبر وتكليف مرشحها لتشكيل الحكومة، هذه الدعوات المتضاربة قد تدخل البلد ازمة حكم حقيقية تتيح للأطراف الدولية والاقليمية انخراطا اكثر في الساحة العراقية.
فيما يخص مسألة حل البرلمان العراقي واعادة الانتخابات، فأن طريق حل البرلمان ورد في الدستور العراقي النافذ للعام ٢٠٠٥ وفق المادة (٦٤) منه، فهنالك اتجاهان في هذه المادة، الاولى: تحتاج الى تصويت البرلمان نفسه اي الحل الذاتي بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاءه بناءً على طلب من ثلث اعضاءه غير مقرون بطلب من السلطة التنفيذية، والثاني بناءً على طلب السلطة التنفيذية مع وجود تفسرين للحل بناءً على طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية فقط، وهذا حقيقة تأخذ بها غالبية الانظمة البرلمانية، الاتجاه الاخير رغم انتشاره باعتباره يشكل عنصر التوازن بين السلطات لكنه لا يعبر عن ارادة الشعب في اتخاذ قرار الحل لان البرلمان هو الممثل الرسمي لإرادة الشعب في الانظمة البرلمانية المنتخبة ويعكس استجابة المطالب الشعبية، اذا لم يتضمن الدستور حق الحل الشعبي، فالحل الوزاري او النابع من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، يشكل سلاحا موجهاً ضد البرلمان، اكثر منه لإعادة ضبط التوازن بين السلطتين وعادة ما يجعل البرلمانات غير مستقرة، وقد لا يمثل مبدأ الحل وفق هذه الطريقة الخيار الشعبي او ينسجم مع الرغبة الشعبية.
اما التفسير الثاني وهو الحل الذاتي للبرلمان المتلازم لجزئية المادة (٦٤) من الدستور العراقي، وهو ما استقر عليه الواقع الدستوري والسياسي حاليا، في المنظور الواقعي فإن سلطة حل البرلمان في العراق غير واردة الان؛ لأنها سلاح ذو حدين للقوى السياسية التي تطالب بهذا الخيار، وهو وان كان خيار لمواجهة الانسداد السياسي والرهان على انتاج وضع سياسي جديد، لكن من جهة اخرى، فان القوى المطالبة بخيار الحل تعرف انها لن تحقق اكثر مما حققته في الانتخابات المبكرة لان جمهورها ثابت الى حدٍ ما، اما الطرف الممانع فإن اضطره الواقع السياسي للذهاب الى حل البرلمان واعادة الانتخابات فمن المحتمل تراجع مقاعده لصالح المستقلين مما يفقده عناصر الضغط الذي يملكه من خلال الثلث المعطل، ما يعني وضعاً سياسياً اكثر انسداد من الواقع الحالي.
عند اعادة الانتخابات لان النتائج ستكون متقاربة او فيها تراجعات مؤكدة في حال اجراءها وفقا لهذه الظروف والمعطيات، اما خيار الذهاب الى حكومة طوارئ، فيجب ان نوضح ماذا تعني حكومة الطوارئ، اذ هنالك التباس سياسي في تفسير هذا النوع من الحكومات فحكومة الطوارئ لا تعني ازاحة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة اخرى بديلة تدير البلاد بشكل انتقالي او مؤقت انما تعني ان تقوم الحكومة الحالية بإعلان حالة الطوارئ لمدة زمنية معينة في حالات معينة واهمها الحرب والتدهور الامني والكوارث الطبيعية او انتشار الاوبئة، بما يهدد سيادة الدولة واراضيها وامنها الداخلي، ويتيح للحكومة ان تسير اعمالها وفقا لتحديات المرحلة الحالية، وليس وفقا لمعايير الدستور والقانون وحقوق الانسان، وفي الانظمة الديمقراطية تحتاج الحكومات اجازة السلطة التشريعية للمصادقة على قرارها، وفي الحالة العراقية نصت المادة (٦١) تاسعا من الدستور النافذ، على صلاحيات السلطة التشريعية ومن ضمنها اعلان حالة الطوارئ والتي تكون وفق الشروط الاربعة الاتية:
أ- الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناء على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.
ب- تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، بالموافقةٍ عليها في كل مرة بأغلبية بسيطة.
ج- يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانونٍ، بما لا يتعارض مع الدستور.
د- يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الاجراءات المتخذة والنتائج، اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.
العراق بحاجة الى تشريع قانون وفق المادة ٦١ تاسعا (ج)، لتحديد ملامح واجراءات وسياقات حالة الطوارئ لان قانون السلامة الوطنية الصادر عام ٢٠٠٤ ابان حكومة اياد علاوي لم يعد نافذا بعد نفاذ الدستور لعام ٢٠٠٥، فالعراق قد يحتاج اعلان حالة طوارئ تقوم بها الحكومة الحالية تحقيقيا لمقتضيات المصلحة العليا للدولة وفق الاشتراطات الدستورية اعلاه، اذا ما كانت هنالك ضرورات امنية جزئيا في بعض المناطق لا تشمل المحافظات الامنة او اقليم كردستان وهذا جائزا دستوريا وقانونيا لحين تحقيق الغرض المطلوب، لكن ما يفهم من بعض التصريحات والدعوات ان المقصود ليس حالة طوارئ بل حكومة طوارئ جديدة يكون الكاظمي رئيسها مما يستدعي تعطيل البرلمان والغاء نتائج الانتخابات، وهذا مستعبد لعدم وجود الية دستورية لتنفيذ مثل هكذا حكومة ولعدم وجود اصطفافات سياسية ترجح هذا الخيار، كما ان مسألة تحقيق نصاب الثلثين مستحيلة وفقاً للانقسام السياسي الحاصل بل ان اساس التجاوز على التوقيتات الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية ناجم من غياب نصاب الثلثين.
اما اذا كان الخيار بمعنى سحب الثقة من الحكومة الحالية وتكليف حكومة مؤقته او مصغرة لإدارة وتصريف شؤون الدولة فهذا لا يتطابق مع حيثيات مفهوم حكومة الطوارئ، بل يعني استبدال حكومة بأخرى رغم استبعاد امكانية اللجوء الى هذا الخيار سياسيا.
اما الطرح الاخر المتمثل بحكومة الانقاذ الوطني فهي ايضا معرض التباس عند النخب السياسية والقوى والاطراف الداعية لها فمثل هكذا حكومة يتم اللجوء اليها في حالات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار العام لكل مفاصل الدولة السياسية والاجتماعية والامنية، او حينما يحصل هنالك انقلاب سياسي او عسكري، اذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة او ايقاف اسباب الانحدار نحو الحرب الاهلية، فحكومة الانقاذ هي احد اليات منع الحروب الاهلية تشكل من شخصيات مقبولة او مستولية، في ظل صراعات سياسية لا يمكن ادارتها وتنعكس سلبا على الدولة.
وقد عالج ميثاق الامم المتحدة في الفصل السابع ظروف اعلان حكومة الانقاذ الوطني لكن لا ننسى انها ستبقي الدولة فيما بعد تحت طائلة هذا البند وهذه دوامة جديدة لتقييد سيادة الدولة واستقرارها الخارجي وجعلها تحت الوصاية فضلا عن مشاهد التعقيد الداخلي.
اذن حكومة الانقاذ الوطني او حكومة الطوارئ او التمديد للحكومة الحالية او تفويضها الصلاحيات الكافية لإدارة البلاد، تأتي وفق ظروف تعني وضع الدستور على الرف وادارة الشأن العام لتأسيس وضع سياسي جديد وقد يكون ايضا هنالك دستور جديد او احكام عرفية، لتكون بديلا عن مشاهد التوجه صوب الاستحقاقات الدستورية التي عجزت القوى السياسية عن احترامها.
ان البقاء في حالة الانسداد السياسي والتجاوز على الدستور والتلويح بحكومة طوارئ او انقاد وطني او تمديد وتفويض للحكومة الحالية يخدم المصالح الخارجية ويفتح ابواب تحقيق مقتضيات التدخل في الشأن العراقي بشكل اوسع، اضافة الى ارتباك مؤكد للمشهد الداخلي الذي سيفرز حالة سياسية مغايرة لا يمكن تخمين محاسنها وإيجابياتها على العراق اطلاقا، ولهذا لا يوجد امام القوى السياسية الا الخيارات الآتية:
الاول/ التوصل الى توافق او تفاهم سياسي للمضي باستكمال مخرجات الانتخابات المبكرة وعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم تكليف رئيس حكومة توافقي اشبه بسيناريو تكليف عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي دون الاشارة الى من هي الكتلة الاكبر ومن هو الطرف المسؤول عن هذه الحكومة.
الثاني/ ترجيح مبادرة زعيم التيار الصدري او مبادرة زعيم تيار الحكمة او الاطار التنسيقي، وهي تنسجم في بعض مفاصلها مع الواقع السياسي الحالي واستثمار فرص الكتل السياسية او النواب المستقلين لإدارة البلاد، مع ان هذين الخيارين الاول والثاني فيهما تجاوزات على المدد الدستورية ما يعني ان اي فعل سياسي رسمي ينشأ عن ذلك سيكون قابل للطعن كونه فعلا وضع غير دستوري رغم الحاحات اللجوء اليه.
الثالث/ افضل الحلول يتمثل بحل البرلمان والدعوة الى انتخابات نيابية جديدة وفقا للدستور وما ذكرناه اعلاه، بعد تهيأة مستلزماتها التي يجب ان يتم تجاوز كل الاخفاقات والمؤشرات السلبية التي رافقتها وخاصة مسألة شفافيتها ونزاهتها وسرعة اعلان نتائجها، وما يسهم في تحقيق ذلك وجود مجلس نواب منتخب وشرعي قادر على ان يكون الجهة الحاسمة لكل الثغرات والعيوب التي شابت الانتخابات المبكرة، واهمها ضعف المشاركة السياسية، التي نعتقد انها اهم عنصر لشرعية الانتخابات فيما لو ارتفعت نسبة هذه المشاركة؛ لأنها ستكون حاسمة في تغيير المشهد السياسي الحالي بشكل واضح يمكن من خلاله التأسيس لوضع سياسي مختلف افضل من السابق.
لكن لا توجد في الحقيقة اي ارادة سياسية تذهب الى التماس الخيارات التي فيها صالح للوطن والمواطن، بل يشكل التعطيل والانسداد والصراع والتنافس على المصلحة الخاصة للقوى السياسية الفائزة في الانتخابات افضل الخيارات الماثلة امام هذه القوى، ولهذا فإن تحريك المشهد والواقع السياسي نحو الافضل صوب المصلحة العامة بات مستحيلا في ظل الاوضاع الراهنة.
.
رابط المصدر: