عكس الانقلاب العسكري في النيجر جُملة من المتغيرات الجديدة في السياق الإقليمي والدولي لمنطقة الساحل الأفريقي بغرب أفريقيا، ومدى الاختلاف بين حالة النيجر والدول المجاورة التي شهدت انقلابات مماثلة خلال الفترة الأخيرة، ونهج المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الذي اتسم بالتصعيد في بداية الأزمة ثم التراجع لمسارات بديلة وإمكانية الحلول الدبلوماسية. من هذا المنطلق، سيتم توضيح التطورات المتسارعة في مواقف إيكواس والمجلس العسكري في النيجر، في ظل الاقتراب من ساعة الصفر للتدخل العسكري المُحتمل، وفرص نجاح الجهود السلمية الأخيرة، انطلاقًا من فرضية إيكواس بعدم تعارض التحضير للحرب والاستعداد للسلام في النيجر.
مخرجات اجتماع أكرا
اجتمع رؤساء أركان مجموعة إيكواس على مدار يومي 17 و18 أغسطس 2023 بالعاصمة الغانية (أكرا) بحضور 11 دولة من أصل 15 دولة عضوًا في المجموعة، باعتباره الاجتماع الاستثنائي الثاني والأخير قبل عملية التدخل العسكري، وكان من المقرر عقده في 12 أغسطس 2023، وتأجل لأسباب فنية، من أجل مناقشة خطوات وملامح التدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري في النيجر، مع التأكيد أن هذا النهج ليس مجرد الرد على الأحداث، ولكن رسم مسار استباقي يؤدي إلى السلام ويعزز الاستقرار في غرب أفريقيا.
ووفق التصريحات الرسمية، تمّ الاتفاق تحديد موعد التدخل، لكن لم يتم الكشف عنه والاستعداد للتدخل فور صدور الأمر، وسيكون أي تدخل في النيجر قصير الأجل، مع التحذير من سياسة الحوار إلى ما لا نهاية، وتجديد الدعوة لإطلاق سراح الرئيس “محمد بازوم”. على الرغم من ذلك، لم يتم التوصل بعد إلى إجماع سياسي بشأن التدخل في النيجر، في ظل عدم التوافق بين إيكواس والدول الأعضاء في اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي الأخير، وحالة التباين في المواقف الإقليمية والدولية حيال التدخل.
جاء اجتماع أكرا بعد قرار إيكواس في قمتها الاستثنائية الثانية، في 10 أغسطس 2023، بتفعيل القوة الاحتياطية التابعة للمجموعة، والتي تتألف من حوالي 2700 فرد وتشمل كتيبة مشاة غربية بقيادة السنغال وكتيبة شرقية بقيادة نيجيريا مع وحدة لوجستية مركبة تدعم كليهما، وحددت ساحل العاج (كوت ديفوار) عدد القوات التي سترسلها بكتيبة قوامها 850 جنديًا.
تحركات جديدة
تسابقت التطورات المتسارعة جراء انقلاب النيجر سواء على مستوى الجهود الدبلوماسية، وتحديد مسار المرحلة الانتقالية، والدعم الشعبي والإقليمي، ونهج المصالح أولًا في الموقف الأمريكي. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
• تكثيف المساعي الدبلوماسية: بعد رفض لقاءات وفود دبلوماسية تابعة لمجموعة إيكواس في 3 أغسطس 2023، وصل وفد إيكواس في 19 أغسطس برئاسة رئيس نيجيريا الأسبق “عبد السلام أبوبكر”، كمحاولة دبلوماسية أخيرة للحل السلمي، ولأول مرة تم مقابلة الرئيس “محمد بازوم”، ورئيس المجلس الوطني لحماية الوطن “عبد الرحمن تشياني”. بالتزامن مع جهود الممثل الخاص للأمم المتحدة لغرب أفريقيا والساحل، “ليوناردو سانتوس سيماو”، لتسهيل التوصل إلى حل سلمي. في حين برزت أهمية الدبلوماسية العامة والقيادة التقليدية والدينية كبديل لاستخدام القوة، حيث تمكن القادة الدينيون في نيجيريا مثل أمير كانو السابق، “محمدو سانوسي الثاني”، من مقابلة الجنرال “تشياني”، في 9 أغسطس 2023. على الرغم من كافة مساعي حلحلة الأزمة لم تُسفر عن نتائج إيجابية مع تمسك قادة الانقلاب بسياسة الأمر الواقع.
• براجماتية الموقف الأمريكي: دفع تطور الوضع في النيجر الولايات المتحدة الأمريكية للتفكير في وجودها العسكري ومصالحها الاستراتيجية في البلاد، في ظل تواجد حوالي 1100 جندي أمريكي، والقاعدة الجوية (201) في مدينة أجاذير بشمال النيجر، وأهميتها لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول مُكافحة الإرهاب في المنطقة. انطلاقًا من هذه الدوافع، اتسق التعاطي الأمريكي في مجموعة من الخيارات المفتوحة، بالتركيز على أولوية الجهود الدبلوماسية، ورفض التدخل العسكري، وتمثل ذلك في زيارات كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية، وتعيين “كاثلين فيتزجيبون”، سفيرة فوق العادة ومفوضة للولايات المتحدة لدى النيجر، وعدم إطلاق وصف انقلاب على ما حدث في النيجر، لضمان الحفاظ على الاتفاقيات والمساعدات العسكرية بين البلدين، واستبعاد تقارب النيجر مع خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين.
• خطوات متقدمة في مسار المرحلة الانتقالية: في 19 أغسطس 2023، قال الجنرال “تشياني” إن مدة المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تتجاوز ثلاث سنوات، وضرورة عقد حوار وطني لصياغة مقترحات للنظام الدستوري الجديد خلال 30 يومًا، وقبل هذه الإجراءات تشكّلت حكومة انتقالية جديدة برئاسة رئيس الوزراء الجديد “علي الأمين زين” الذي يتمتع باحترام كبير وعلاقات وطيدة في الداخل والخارج، وما قام به من جولات خارجية فور تعيينه في المنصب إلى تشاد لإيجاد حلول سلمية للأزمة.
• الاصطفاف الشعبي والتجنيد الطوعي من المدنيين: أحدثت موجة الانقلابات في منطقة غرب أفريقيا ظهور مفارقة نوعية ونمط جديد من التأييد الشعبي، في ظل التقاء المصالح بين الشعوب وتوجهات النخب العسكرية الجديدة في التخلص من عملاء الاستعمار وسياسات الأبوية، ومُعالجة أسباب الفقر والتخلف، وارتفاع الطلب على تعزيز الأمن في مقدمة الأولويات الشعبية بعد إخفاق المقاربات الأمنية كما حدث في مالي وبوركينافاسو وغينيا كونكاري والنيجر. ضمن هذا السياق، انطلقت مبادرة تقودها مجموعة من السكان المحليين في نيامي لتجنيد عشرات الآلاف من المتطوعين من جميع أنحاء البلاد للتسجيل في المتطوعين للدفاع عن النيجر، وتقديم المساعدة في الرعاية الطبية، وتوفير الخدمات اللوجستية استعدادًا للقتال ضد أي تدخل مُحتمل. بالإضافة إلى ذلك، تنامي المشاركات النسائية في حشود داعمة لقادة الانقلاب ورافضة للتدخل العسكري في البلاد، ولم يقتصر الدعم الشعبي المحلي في النيجر، بل امتد لشعوب المنطقة.
• دعم إقليمي من دول الجوار (مالي وبوركينافاسو): منذ بداية أحداث النيجر، أبدت البلدين موقفهما الداعم للقوات المسلحة والشعب النيجري، ورفضهما قرارات إيكواس، وإعلان سياسة الدفاع المشترك ضد أي تدخل عسكري في النيجر، فيما شكّل رابطًا جديدًا من إظهار الوحدة الأفريقية بين هذه الدول الثلاث، وظهر ذلك جليًا في نشر الطائرات الحربية من طراز سوبر توكانو في 19 أغسطس 2023 لدعم النيجر في حال حدوث أي تدخل عسكري، مع التهديد بالانسحاب من إيكواس.
تحديات التدخل العسكري
تظل عملية التدخل العسكري مهمة محفوفة بالمخاطر، وتفاقم التحديات على الجبهات الداخلية، والافتقار لاستراتيجية شاملة للخروج الأمن، حيث تتمثل الصعوبة الرئيسية لعملية التدخل المُحتمل في تقييد استخدام المجال الجوي من قبل بعض دول المنطقة الرافضة للتدخل، وصعوبة اقتحام العاصمة (نيامي) من ناحية البر أو بمساعدة طائرات عسكرية بدون صواريخ بعيدة المدى.
بالإضافة إلى ذلك، انقسام برلمان إيكواس حول التدخل العسكري، وتصاعد المعارضة المحلية، وقد يؤدي الاختلاف في وجهات النظر وانعدام التنسيق الإقليمي إلى تمزيق حالة التضامن والتماسك المطلوبين لنجاح العملية من حيث الاختلافات في التكتيكات العسكرية وهياكل القيادة وبروتوكولات الاتصال المعرقلة لفعالية العملية. كما تتعرض الدول الأعضاء في مجموعة إيكواس مثل نيجيريا، التي تتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، لضغوط داخلية من قبل مجلس الشيوخ والمجتمعات المحلية الرافضة للتدخل في النيجر.
كما يُمثل نقص الموارد المالية اللازمة داخل مجموعة إيكواس تعثر عملية التدخل. فيما تُشكّل الاختلافات الثقافية واللغوية بين دول إيكواس تحديات إضافية في مجال الاتصالات والخدمات اللوجستيات، مما يزيد من تعقيد جدوى نجاح التدخل العسكري. علاوة على ذلك، تعدد الحسابات المعقدة لعملية التدخل سواء السياسية أو الشعبية، والحسابات العسكرية مع دول الجوار وتحديدًا نيجيريا، في ظل القرب الجغرافي لسبع ولايات في شمال نيجيريا مع جنوب النيجر، وتداعيات الخطر المحتمل للضربة العسكرية على التشابكات الأثنية، وتشتت القوات النيجيرية عن مُعالجة تحديات الجبهات الأمنية المتعددة في الداخل.
حاصل ما تقدم، فرض انقلاب النيجر تحديًا في مصداقية مجموعة إيكواس، ومدى قدرتها على مُعالجة ظاهرة العدوى الانقلابية في منطقة غرب أفريقيا، مع تغير شكل التحالفات السياسية، ومعادلات القوى الدولية داخل المنطقة، في ظل مخاطر التدخل العسكري على نطاق واسع في المنطقة، بما في ذلك، استغلال الجماعات الإرهابية اهتمام الجيوش بالتدخل لتصعيد هجماتها الإرهابية، وتصاعد النزعات الانفصالية من قبل الجماعات المتمردة، وتفاقم السيولة الأمنية والفوضى الإقليمية، وتزايد تدفقات موجة اللاجئين.
.
رابط المصدر: