د. أسعد كاظم شبيب
اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة في العراق يدخل ضمن أجندات الحراك الشعبي المتصاعد في العراق، وبعض الجهات الداخلية والخارجية، بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الشعبية في العراق، وعاما واحداً على تشكيل الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي.
قد يتحول هذا المطلب إلى أهم مطالب الحركة الاحتجاجية إذا ما توجت الضغوط الشعبية بتعديل قانون الانتخابات وفقاً لما يرغب به أغلبية المتظاهرين والرأي العام المتمثل بقانون الانتخابات القائم على أساس فردي بصورة كاملة ودوائر متعددة وفق النسب السكانية وبما أقره الدستور العراقي النافذ، بمعنى أن الفترة المقبلة سيتجه الحراك الشعبي باتجاه الضغط بإقرار مجلس النواب بالانتخابات المبكرة بعد أن يحل نفسه، أو بطلب من رئيس الجمهورية مثلما نصت المادة (64) من الدستور:
أولاً: يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.
ثانياً: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل.
وما يشجع على هذه الأطروحة أن البديل لرئيس الوزراء المستقيل قبل ما يقارب عشرين يوما لم يتوفر، فعلى مستوى مرشحي الكتل السياسية يواجه رفضا من قبل المتظاهرين والحراك الاحتجاجي، إذ أنهم فقدوا الثقة بالمرة في أي مرشح من داخل العملية السياسية، وبيان ذلك في سقوط الأسماء واحدا بعد الآخر، أما على المستوى الشعبي، حتى لو بدا متماسك على مستوى الأهداف إلا أنه لم يكن متفق في أن يطرح شخصا أو عدة أشخاص ليكون بديلا للرئيس المستقيل بصورة خاصة والطبقة الحاكمة الشيعية منها بصورة عامة بحكم بيئة وجغرافية حركة الاحتجاجات، وعليه سنكون أمام مرحلتين من المطالب هما:
المرحلة الأولى: تعديل قانون مفوضية الانتخابات والنظام الانتخابي
نعرف جيدا أن قانون الانتخابات قبل أن يعدل كان قد أقر في بنوده بأن يقسم (مجلس المفوضين) أهم ركائزه على الكتل السياسية، والمكونات العرقية والمذهبية، وبفعل الضغط الشعبي عدل القانون وبموجب المادة (3) توزع مجلس المفوضين على الآتي:
أولاً: خمسة من قضاة الصنف الأول يختارهم مجلس القضاء الأعلى من بين مجموع المرشحين مع مراعاة العدالة بين المناطق الاستئنافية.
ثانياً: اثنان من قضاة الصنف الأول يختارهم مجلس القضاء الأعلى من بين مجموع المرشحين يرسلهم مجلس القضاء إلى إقليم كردستان مع مراعاة توزيعهم على المناطق الاستئنافية في الإقليم.
ثالثاً: اثنان من أعضاء مجلس الدولة من المستشارين حصراً والمرشحين من مجلس الدولة يختارهم مجلس القضاء الأعلى.
وذهبت الفقرة رابعاً بأن يتم اختيار المذكورين في البنود (أولاً وثانياً وثالثاً) بالقرعة المباشرة في مجلس القضاء الأعلى بحضور ممثل الأمم المتحدة ومن يرغب من وسائل الإعلام والمنظمات والنقابات، على أن يراعي المجلس وجود المرأة فيه، وبالرغم من أن هذا القانون ألغى المحاصصة الحزبية لكنه أبقى على شكل من أشكال المحاصصة المكوناتية بتوزيع القضاة على المحافظات ليضمن تمثيل كل المكونات.
من جانب ثاني يجري العمل على تعديل قانون الانتخابات بطريقة مختلفة عن قانون سانت ليغو بتعديله إلى قانون قائم على أساس فردي ودوائر متعددة لكل محافظة وفق النسب السكانية، وإذا ما أقر هذا التعديل نكون قد قطعنا الشوط الأول من مرحلة التغيير المطلوب لكن هذا لا يعني أن هذا القانون إذا ما شرع فإنه خالي من العيوب، لكنه أفضل من سابقيه إذ أنه سيساهم من دون شك في صعود المستقلين، ويكون محاسبة النائب من قبل ناخبيه بصورة مباشرة بفعل الدائرة الصغيرة التي ينتمي لها، في حين أن قانون سانت ليغو كان يصب لصالح الكتل والأحزاب الحاكمة والمتنفذة، وهناك إشكال آخر أيضا من أن يعزز التعديل المقترح من العشائرية قبل وبعد الانتخابات بحكم الطابع العشائري للمجتمع العراقي.
المرحلة الثانية: اختيار رئيس وزراء استثنائي أو الذهاب إلى الانتخابات المبكرة
من المعروف عن الطبقة السياسية أنها تقاسمت السلطة بعد كل دورة انتخابية، وهي اليوم تريد أن تزج بمرشحها لرئاسة الوزراء لما تعده مرشح من داخل العملية السياسية، وأن لم تكن منسجمة فيما بينها بحكم الصراع حول الكتلة الأكبر الغامضة دستوريا ولنفترض أنها تمكنت من طرح رئيسا للوزراء نال الثقة من قبل مجلس النواب توافقياً، فهنا أمامنا سؤالين:
الأول/ هل سيتقبل جمهور المحتجين برئيس الوزراء من داخل العملية السياسية؟.
والسؤال الثاني مدى قدرته على إقناع الجمهور ببرنامجه وخطته في تطوير البلد وإنهاء مشاكله؟.
رغم أن ذلك ممكن إذا ما رفعت الكتل السياسية الضغط عنه وبتوفير بيئية قانونية وإدارية وسياسية مختلفة، لكن مثلما اشرنا أن الجمهور فقد الثقة بالمرة بالطبقة السياسية، وهنا ربما سندخل بالمرحلة الثانية من الاحتجاجات والإضرابات التي تطالب بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية، ولا ننسى أن هناك كتل سياسية كانت قد طرحت هذا الخيار ككتلة النصر وسائرون، وكذلك دعم مكتب السيد السيستاني لهذا الخيار مثلما جاء في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله في مدينة كربلاء: “إن أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب إلى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي هو الرجوع إلى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة”.
وبقدر إدراك مساهمة مثل هكذا خيار في تهدئة الشارع من قبل المرجعية الدينية فإن عدد من الكتل السياسية التي حققت حضوراً برلمانيا مؤثراً تخشى من أي انتخابات مبكرة في ظل الوضع الراهن وبكل ما يمثله من نقمة على الأحزاب والكتل السياسية، فإنه يبدو خياراً كارثياً لهم حتما سيغير شكل الخارطة السياسية والبرلمانية بعد الانتخابات إذا ما أجريت بصورة مبكرة، حيث ستظهر قوى أخرى يسيطر عليها اطروحات ومطالب الجمهور المنتفض ضد الطبقة السياسية لا سيما وأن المرجعية الدينية قد أعطت الضوء للنخب الفكرية في طرح برامجها للتصدي للعمل السياسي من أجل بناء البلد.
ومما تقدم، يبدو أن فشل التوافق على رئيس وزراء استثنائي يحظى برضا الجمهور المنتفض، يعني أن خيار الانتخابات المبكرة سيطرح بقوة في مرحلة ما بعد تعديل قانون الانتخابات، وستبقى الفترة الفاصلة بين مخرجات انتخابات عام 2018 وإلى الانتخابات المبكرة، فترة شتاء ملتهب، تحاول من خلاله كل الأطراف كسب تأييد أكبر من الجمهور والرأي العام العراقي وطرح شعارات التغيير والإصلاح وما إلى ذلك للحصول على مكاسب انتخابية، وقد تتجه بعض الكيانات إلى خيارات أخرى كخيار اللجوء إلى العنف في هذه المرحلة وهو أكبر تحدي يواجه السلم الأهلي العراقي.
وعليه، فإن خيار سلمية المظاهرات وعقلانيتها وارتباطها بالأهداف الوطنية المحلية ستقلل من مخاطر العنف، كما أن بلورة مشروع وطني سياسي عصري ناضج وقيادات نزيهة ومعروفة سترسم عند الجمهور والرأي العام صورة واضحة عن الاحتجاجات وأهدافها ومستقبلها.
رابط المصدر: