فى مشهد يعيد للأذهان حوادث العنف السياسى فى أمريكا، سنتيمتر واحد فقط فصل الرئيس الأمريكى السابق والمرشح للانتخابات الأمريكية الرئاسية، دونالد ترامب، عن الموت، بعدما تعرض لمحاولة اغتيال أثناء مخاطبته حشدا من مؤيديه فى تجمع انتخابى بولاية بنسلفانيا. محاولة اغتيال ترامب ليست هى الحادثة الأولى التى يتعرض لها رئيس أمريكى أو مرشح رئاسى، إذ شهد التاريخ الأمريكى عدة محاولات اغتيال منها من أدت الى وفاة المستهدفين منها، ومنها من خرج منها ناجيا بأعجوبة.
للتذكير، فى عام 1865، اغتيل أبراهام لينكولن فى مسرح فورد بواشنطن على يد جون ويلكس بوث، الممثل المعروف والمتعاطف مع الكونفيدرالية فى الحرب المدنية التى مزقت البلاد بين 1861 و1865. وفى عام 1881 تم إطلاق النار على جيمس جارفيلد فى محطة قطار بواشنطن وتوفى متأثرا بجروحه بعد ذلك بشهرين ونصف الشهر. اما أشهر عملية اغتيال، فهى العملية التى استهدفت الرئيس جون كيندى، عام 1963، فى مدينة دالاس، فى إطلاق نار على يد عنصر البحرية السابق، هارفى أوزوالد، الذى استهدف موكبه. وفى عام 1968، قتل روبرت كيندى (شقيق الرئيس جون كيندى) والذى كان يسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى له للانتخابات الرئاسية، فى إطلاق نار فى فندق أمباسادور فى لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا.
اذا كانت العمليات سالفة الذكر قد أودت بحياة رؤساء أمريكا، فإن عمليات أخرى استهدفت رؤساء آخرين لكن دون ان تتمكن منهم. فى 1912 كان تيودور روزفلت مرشحا للبيت الأبيض ورئيسا سابقا عندما أطلق عليه النار فى ميلووكى بولاية ويسكنسن. بقيت الرصاصة فى صدر روزفلت طيلة حياته بعدما اخترقت خطابا مطويا من 50 صفحة وعلبة فولاذية لحفظ النظارات كانت فى جيبه. كما نجا الرئيس المنتخب فرانكلين ديلانو روزفلت من محاولة اغتيال فى عام 1933 فى ميامى بولاية فلوريدا. ونجا جيرالد فورد من محاولتى اغتيال منفصلتين نفذتهما امرأتان فى سبتمبر 1975 فى كاليفورنيا فى فترة لم تتجاوز 17 يوما.
وفى عام 1981، تعرض الرئيس رونالد ريجان لإطلاق نار وأصيب بجروح خطيرة لدى مغادرته فاعلية فى فندق هيلتون بواشنطن، ليمضى 12 يوما فى المستشفى. قبل ذلك، وتحديدا فى عام 1972، تعرض جورج والاس، خلال نشاطات حملته للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى له للانتخابات الرئاسية، لإطلاق نار فى مركز تسوق فى لوريل بولاية ماريلاند وأصيب بشلل دائم.
كل العمليات السابقة كانت لها تداعيات على المشهد السياسى الأمريكي. أيضا محاولة اغتيال ترامب سيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة وعلى الوضع الأمنى فى ضوء التسخين المتزايد للخطاب السياسى المتداول. احدى هذه التداعيات ان صورة ترامب وهو ينزف من أذنه ستؤدى الى زيادة دعمه وتحفيز قاعدته الشعبية فى نوفمبر المقبل. من شأن ذلك ان يفتح له الطريق نحو فترة رئاسية ثانية، خاصة لو تبين من التحقيقات أن لاستهدافه دوافع سياسية انتخابية. ومن أجل استغلال الحادث، توحد الحزب وراء ترامب، معتبرين انه أظهر شجاعة ورباطة جأش فى تعامله مع محاولة الاغتيال. محاولة اغتيال ترامب ستؤدى، أيضا، إلى زعزعة الوضع الأمنى من خلال زيادة كرة العنف فى أمريكا. بعدما هدد ترامب بوقوع حمام دم ان لم يفز فى انتخابات 2020، قام مجموعة من أنصاره بهجوم على مبنى الكونجرس ومحاولة قلب نتائج الانتخابات فى بداية عام 2021. تصريحات ترامب التى تحث على العنف أعاد تكرارها مرات عديدة أخرى، أثناء فترة محاكمته الأخيرة والتى تزامنت مع تهديدات موالين له بحرب أهلية أمريكية جديدة. مقابل ذلك، تميز التنافس الانتخابى بين المرشح الجمهورى والمرشح الديمقراطى الى التراشق الحاد بين الطرفين مع استخدام لغة تصفية الحسابات. وربما أدت تصريحات بايدن التى قال فيها آن الديمقراطيين بحاجة إلى وضع ترامب فى مركز الهدف.. الى نوع من التحريض المضاد الذى قاد، ربما الى التفكير والتحرك لاغتيال ترامب. رغم من ان الرئيس بايدن تحرك سريعا فى محاولة لنزع فتيل التوتر، وندد بمحاولة اغتيال ترامب واصفا الحادثة بأنها عنف سياسى غير مقبول، وقام بسحب الإعلانات الانتخابية التى تهاجم ترامب، فإن ذلك لا يعنى إخماد فتيل الفتنة وإيقاف مد العنف الذى يمكن ان يستمر لوقت طويل، مادام سيجد هناك من ينفخ فيه من أجل الضغط السياسى او تبرير الإخفاق.
المصدر : https://ecss.com.eg/46979/