إعداد: اكرام زيادة، باحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
أعاد “داعش” في الآونة الأخيرة تنظيم صفوف ما تبقى من قواته وخلاياه النائمة ، بعد مرور سنوات على إعلان “النصر” وانتهاء المعارك الرئيسية ضد تنظيم داعش وإعلان العراق في التاسع من ديسمبر 2017 هزيمة تنظيم داعش واستعادة كل المناطق العراقية من قبضة التنظيم. واستأنف أسلوبه القديم في التخفي بين التضاريس الوعرة وشن هجمات مباغتة على طريقة حرب العصابات مستهدف النقاط العسكرية والأمنية، واغتيال قادة محليين، ومهاجمة شبكات لنقل الكهرباء ومنشآت نفطية. إذ أعاد التنظيم صياغة استراتيجياته القتالية وفقاً للوقائع الجديدة على الأرض مُستغلاً مشاكل العراق الداخلية والاستفادة من مناطق جغرافية نائية وغير مألوفة.
تقديرات متباينة لمقاتلي داعش
ذكر تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في فبراير 2021 إلى أنه لا يزال هناك حوالي 10,000 مقاتل من مقاتلي داعش بين العراق وسوريا. هذه الأرقام تفوق بكثير تقديرات المخابرات العراقية، التي تقدر عدد مقاتلي تنظيم داعش في العراق بـ 2000 إلى 3000، بينهم 500 مقاتل تسللوا إلى البلاد من أصل 859 مقاتلاً فروا من معتقل قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر 2019. فيما قد تكون كل هذه التقديرات أكثر من الأعداد الحقيقية لمقاتلي داعش الذين يشنون هجمات على أهداف محددة وينصبون كمائن ويزرعون عبوات ناسفة ويخطفون ويغتالون قادة اجتماعيين وسياسيين وينفذون عمليات أخرى تتماشى مع أولويات التنظيم الاستراتيجية. تنظيم داعش واقع الترتيبات الميدانية والقدرات القتالية
الموارد المالية للتنظيم
من المرجح، أن التنظيم قد تمكن من الاحتفاظ بموارده البشرية والمالية، واستطاع إخفاءها ليستخدمها من جديد. وتقدر الموارد المالية لداعش بأكثر من 100 مليون دولار، وفقاً لتقرير مجلس الأمن الدولي الصادر في فبراير 2021. فضلاً عن امتلاك التنظيم عائدات محدودة من الإتجار بالمخدرات والاختطاف والإبتزاز وأخذ الاتاوات. وقد أكد مسؤولين أمنيين عراقيين، أن داعش تمكن من تمويل نفسه ذاتياً عن طريق تهريب المخدرات، كما شهدت صحاري الأنبار مرات عديدة نقل شُحنات من المخدرات عبر أراضيها .
هجمات متصاعدة
كانت هناك تكهنات وتحذيرات عدة في الآونة الأخيرة من عودة ظهور داعش إلى الواجهة من قبل سياسيين وعسكريين محليين وغربيين، فقد صرح بعض المسؤوليين العراقيين لصحيفة “فيغارو” الفرنسية في 28 يونيو 2021، خلال زيارته لفرنسا أن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال يشكل تهديداً خطيراً لأمن العراق، وأنه قد يحتل من جديد مدن عراقية مختلفة.
وفقاً لتقرير المفتش العام ربع سنوي المقدم إلى كونغرس الولايات المتحدة في 4 نوفمبر2021، تبنى تنظيم داعش عدداً أقل من الهجمات خلال الربع الثالث من عام2021 مقارنة بالربع الثاني، لكنه ظل مترسخاً باعتباره تمرداً منخفض المستوى، كما قد نفذ عدة هجمات معقدة، مما يشير إلى مستوى أعلى من النضج العملياتي، بينما في سوريا، بدا أن الجماعة تتماسك في الصحراء وتستعد لزيادة نشاطها فيما وصفته وكالة استخبارات الدفاع بـ “المرحلة التالية من تمردها”.
الخبير السياسي هاردي مييد، إلى أنه من بين 995 هجوماً تم تسجيلها على مستوى البلاد بين يناير إلى نوفمبر 2021، وقع 655 هجوماً في مثلث كركوك وصلاح الدين وديالى”، معلقاً إلى أنه “قد يكون داعش الآن قادراً على الاستيلاء على مدينة، هذه مرحلة جديدة: إنها تتحول من الهجمات المستهدفة إلى السيطرة الإقليمية”.داعش ـ الدول الهشة الأكثر عرضة للإرهاب ـ ملف
أبرز هجمات داعش الأخيرة في العراق
- 18 ديسمبر 2022 ـ أعلن تنظيم داعش يوم 18 ديسمبر 2022 في منشور على تليغرام مسؤوليته عن هجوم أسفر عن مقتل تسعة من أفراد الشرطة العراقية في كركوك. وهذا الهجوم يعدّ من بين الهجمات الأكثر دموية التي شنّها التنظيم في الأشهر الأخيرة في العراق.
- 20ديسمبر 2022 ـ في هجوم دموي ، استهدف تنظيم داعش الإرهابي، مدنيين بإحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى شرقي العراق، ما أسفر عن مقتل ثمان أشخاص شخصا.
- 21 يناير 2022: لقي 11 جندياً عراقياً مصرعهم في هجوم لداعش استهدف مقراً للجيش العراقي في محافظة ديالى على بعد أكثر من 120 كيلومترا شمال العاصمة بغداد، ومن أعنف الهجمات التي استهدفت الجيش العراقي في الأشهر الأخيرة.
- 16 يناير2022: قام عناصر تنظيم داعش بإعدام 4 صيادين في إحدى المناطق الزراعية شمال قضاء سامراء، فيما نجا خامس بأعجوبة بعد ساعات على اختطافهم جنوبي محافظة صلاح الدين.
- 5 ديسمبر 2021: أعلنت داعش السيطرة على قرية “لهيبان” في كركوك شمالي العراقي، قبل أن تستردها قوات البيشمركة والقوات العراقية بعد نحو ساعات من الهجوم.
- 4ديسمبر2021: قُتل خمسة من البيشمركة وجرح أربعة آخرون بعد أن استهدف عناصر داعش آليتهم العسكرية، شمالي محافظة ديالى، جنوبي إقليم كردستان.
- 3 ديسمبر 2021: نشطت حركة الخلايا النائمة لتنظيم داعش في نقاط التماس بين بغداد وأربيل، وتسببت في مقتل 23 مدنياً وعسكرياً من قوات البيشمركة في هجوم على قضاء مخمور الواقع بين جنوب شرقي الموصل وجنوب غربي أربيل.
- وفي مطلع العام 2021، نفذ داعش أول هجوم بعد الهزيمة باستهداف العاصمة العراقية بغداد بهجومين مزدوجين في سوق بساحة الطيران وسط العاصمة ما أدى لسقوط 32 شخصاً على الأقل.
قواعد التنظيم – التوزيع الجغرافي
لم يعد التنظيم يمتلك مقومات القوة التي تمكنه من السيطرة على مدن وأراض جديدة، بسبب الضربات الموجعة التي أدت إلى ضعف قدراته العسكرية والبشرية والمادية، وعدم وجود حاضنة شعبية داعمة له، ولكنه رغم ذلك لا يزال مستمراً وناشطاً، واستطاع أن يعيد بناء قدراته وبناه التحتية التي يحتاجها لاستئناف عملياته القتالية.
وتشير تصريحات مسؤولين أمنيين عراقيين إلى أن التنظيم يعتمد على قواعد نائية في عمق الصحراء في الأنبار ونينوى وسلاسل الجبال والوديان والبساتين في بغداد وكركوك وصلاح الدين وديالى لإيواء مقاتليه والمراقبة والسيطرة. وإقامة نقاط لتأمين طرق الإمداد، كما تستخدم هذه القواعد لإنشاء مراكز قيادة ومعسكرات صغيرة للتدريب وحفر الأنفاق واستغلال الكهوف في المناطق الجبلية.
استراتيجية ثابتة
يقول مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر في 23 مارس 2021 إن “تنظيم داعش يحافظ على نسق ثابت”، حيث أن القرار المتخذ قبل أعوام بالتخفّي واعتماد قيادة لا مركزية ما زال سارياً. ورغم اختلاف التوزع الجغرافي، تطبّق فروع التنظيم استراتيجية ثابتة، تقوم أولاً على استغلال عدم استقرار الدولة ودفع القوات المسلحة إلى نوع من حرب الاستنزاف، ثم ثانياً إجبار أعداء الجماعة على الفرار من المنطقة وتقديم نفسها كضامن لأمن السكان. أما المرحلة الثالثة، وهي الخلافة، فتأتي لاحقاً، لكن هل يحتاج تنظيم داعش حقاً لإدارة أراضٍ وسكّ عملة؟ يجيب تشارلز ليستر أنه “في عقول أعضائه، لا تزال الخلافة قائمة”، مُوضحاً أن فكرة إلغائها تستند إلى تصوّر غربي، غريب عن الجماعة نفسها. ملف: داعش ـ الهيكل التنظيمي من الداخل
عوامل مساهمة
ترافق استئناف عمليات تنظم الدولة مع تصاعد حدة الخلافات والتجاذبات السياسية، وتردي واسع للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي، فيما بدا أن التنظيم راهن على الاستفادة من الثغرات الأمنية، وحالة التراخي الناجمة عن تعدد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وما يظهر من قلة التنسيق بينها، بل وحتى التنافس والتوتر أحياناً – بين القوات العراقية الاتحادية والقوات الكردية وهي حالة فاقم منها، تراجع الدور العسكري المسانِد للتحالف الدولي لاسيما القوات الأميركية، بعدما تصاعد التوتر بين واشنطن من جهة، وبين طهران والميليشيات المؤيدة لها في العراق من جهة أخرى. كما وفرت المناطق الصحراوية والجبلية غير المأهولة ملاذا للتنظيم، الذي يحاول أيضاً اللعب على وتر التوترات الطائفية والعرقية في المنطقة.
التصدي لداعش
تظهر العمليات الأمنية ضد داعش في العراق أن معظمها لا يؤدي إلى اعتقال أو قتل أعداد كبيرة من مقاتلي داعش. وتشارك في هذه العمليات وحدات عسكرية من مختلف أفرع القوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي، وتحالف المليشيات الشيعية، بما في ذلك الوحدات العشائرية، من عدة محافظات، والتي تدعمها القوات الجوية للجيش العراقي والتحالف الدولي وتغطي مساحات واسعة من أكثر من محافظة. وتشمل هذه، على سبيل المثال، عملية “أسود الجزيرة” التي انطلقت في مايو 2020 وشملت محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين. غالباً ما تكشف هذه العمليات عن الأنفاق التي تعد – بالإضافة إلى الكهوف – أماكن أساسية تسمى “بيوت الضيافة” لإيواء مقاتلي داعش والعثور على أحزمة ناسفة وعبوات ناسفة.
أعلن جهار مكافحة الإرهاب العراقي في 24 يناير2022، أن عدد قتلى عناصر تنظيم داعش خلال العامين (2020/2021) بلغ 343 إرهابياً، كما تم إلقاء القبض على 622 داعشياً وإحالتهم للقضاء. مضيفاً إلى أنه قد تم تدمير 422 “مضافة” لتنظيم داعش الإرهابي، فيما بلغت عدد الضربات الجوية المنفذة 595 ضربة خلال عامين.
ومن أبرز عمليات جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، إلقاء القبض على سامي جاسم الجبوري، نائب الزعيم السابق لتنظيم داعش، في عملية “مخابراتية خارج الحدود، حسبما أعلنت الحكومة العراقية في 11 اكتوبر 2021. كما أعلن الجيش العراقي أنه زود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بمعلومات قادت إلى مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو إبراهيم القرشي في عملية إنزال للقوات الخاصة الامريكية في إدلب شمال غربي سوريا يوم 3 فبراير 2022.
التحالف الدولي
كان دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أساسياً في هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، نفذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أكثر من 34 ألف غارة جوية ومدفعية ساهمت في ذلك إلى حد كبير في السيطرة على جميع مناطق سيطرة داعش في سوريا والعراق بحلول مارس 2019.
تعرضت جهود مكافحة الإرهاب لانتكاسة كبيرة، بعد أن أعلن التحالف رسمياً في 9 ديسمبر 2021 سحب الولايات المتحدة قواتها المتمركزة في سوريا والعراق وقوامها في البلدين ثلاثة آلاف جندي، كما فعلت في أفغانستان. وتبدو مسألة الانسحاب الأمريكي من المنطقة منطقية في إطار المراجعة الأمريكية للحرب على الإرهاب، بإعادة التوازن والتنافس بين الدول، وأولوية “المحور الآسيوي” لمواجهة الصين.
بالتالي، يبدو أن تنظيم “داعش” يحاول إعادة ترتيب صفوفه من أجل ملء الفراغ الذي يمكن أن ينتج من هذا الانسحاب، خصوصاً مع ترجيح تراجع العمليات الدولية ضد التنظيم ما بعد الانسحاب، بما يعزز فرص التنظيم في استعادة السيطرة على بعض المناطق داخل العراق.داعش ـ هل يتخذ من أفغانستان نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية دولياً؟
التقييم
من المؤكد أن ما أنجز في العراق وسوريا هو القضاء على “خلافة تنظيم الدولة” الجغرافية وإنهاء سيطرته المكانية فقط، إذ سرعان ما تكيّف التنظيم مع الهزائم وعاد للعمل كمنظمة، ورغم تراجع قدرات التنظيم على شن هجمات خارجية وداخلية كبيرة، فإنه احتفظ بقدراته على شن هجمات مباغتة وشبه منتظمة، بعد أن تحول من نهج الحروب الكلاسيكية والسيطرة المكانية والتمكين، إلى نهج الاستنزاف وحرب العصابات والنكاية، وانتقل إلى العمل بمرونة من حالة المركزية إلى اللامركزية.
عودة تنظيم داعش في العراق وسوريا ممكنة، إذ لا يزال الاستقرار بعيد المنال. فقد شهد العراق تصاعداً لهجمات “داعش” في ظل ديمومة “المظلومية المناطقية”، وتنامي المشاعر الطائفي، وصعوبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن شيوع الفساد وفشل سياسات الحكومة المحلية. فالركائز الأساسية لخطاب تنظيم داعش تتجذر في مناصرة بعض المناطق ذات مكون واحد في العراق وسوريا، وعدم معالجة الإخفاقات الشديدة في الحوكمة، وهو ما أدى إلى موجة جديدة من الاحتجاجات في العراق في أكتوبر 2019.
لا يمكن إنهاء التهديد الذي يشكله داعش دون وجود سياسيات متكاملة غير ناقصة، وتوزيع عادل للسلطة وفق قانون انتخابات يضمن الديمقراطية، وإعادة بناء المدن التي دمرتها الحرب على داعش التي استمرت منذ عام 2014 حتى عام 2018، وتعزيز قدرات القوات الأمنية والعسكرية العراقية.
التقاعس في ملاحقة الخلايا النائمة لداعش، وخلق عد استقرار وفراغ أمني، ونجاح داعش في مهاجمة السجون وتحرير عناصرها، يمكن أن يؤدي إلى استعادة داعش لقدرته في العراق. لذا فالمطلوب إعادة تنشيط جهود الاستخبارات والعمل مع القوات المحلية للكشف عن الخلايا النائمة وملاحقتها والضغط المستمر عليها واجبارها على مغادرة العراق.
أن وقوع هجومين كبيرين في العراق ، مدينتا: كركوك وديالى على التوالي هو مؤشر خطير على أن التنظيم الإرهابي يسعى إلى تنشيط عملياته في العراق.
بات ضروريا ان يكون هناك جهد استخباراتي أكثر من تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في المناطق التي يتواجد فيها تنظيم داعش، والتي تنحصرفي مناطق التماس ما بين القوات الاتحادية العراقية وقوات البيشمركة الكردية في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى.
الهوامش
In Iraq, ISIS is back in business
https://bit.ly/3B81DmE
Islamic State takes border station in Iraqi desert with ‘drug smuggling wali’
https://bit.ly/3GDb6Dk
داعش” التنظيم الأكثر وحشية في التاريخ الحديث لا يزال نشطا وخطرا
https://bit.ly/3LfHuiV
Lead Inspector General for Operation Inherent Resolve Quarterly Report to the United States Congress
https://bit.ly/3HBkQiS
Twelfth report of the Secretary-General on the threat posed by ISIL (Da’esh) to international peace and security and the range of United Nations efforts in support of Member States in countering the threat
https://bit.ly/3GBjSSe
تنظيم الدولة الإسلامية: بعد أربع سنوات من هزيمته، التنظيم يصعّد هجماته في العراق ويستهدف البشمركة
https://bbc.in/3oz0IX7
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: