يبدو أن تصريحات المسؤولين الأمريكان بأن الحرب ضد داعش ستستمر لسنوات أصبحت قريبة من الواقع ، فكلما اقتربنا من معاقل داعش بدأت المعركة تشتد ضراوة وقوافل الشهداء لا تنقطع والنازحون بلا هوادة ، وها نحن على مقربة من معركة عنيدة تواجهها القوات الأمنية الرسمية بمساندة الحشد الشعبي وبعض العشائر الأنبارية ضد داعش ، وهذه المعركة تبدو منذ البداية أنها عصيبة خاصة إذا استذكرنا تاريخ الأنبار في العشر سنوات الأخيرة فإننا نعلم أن داعش سيكون وضعها متزن ومتماسك ، فكما كانت (القاعدة) معشعشة بين أهالي الأنبار خصوصاً في الفلوجة فكذلك داعش التي خلفتها في الأيديولوجية والأهداف والوسائل ، وستلحق مهمة الأنبار وطرد داعش بإذن الله مهمة نينوى التي بالتأكيد سوف تكون الحاسمة بالنسبة لداعش .
إن عدواً مثل هذا ينبغي أن يعد له العدة في كل الميادين وبكل الطرق والسبل الممكنة ، فلا يدّخر المعنيون وسيلة إلا وسلكوها ، فمن الناحية الميدانية لا بد من هجمة عسكرية عنيفة بخطط مدروسة وبكل أصناف القوات المسلحة (جوية ، برية ، نهرية) ، وغياب إحدى هذه الصنوف سيؤثر سلباً على القضاء على داعش ، فوجود قوات برية بلا غطاء جوي سيزيد من عدد الضحايا لأن الحرب حرب عصابات وشوارع ، وإذا غابت القوات البرية بوجود هجمات جوية فسوف لن يتحقق الانتصار المنشود وإرجاع العوائل النازحة والمشردة ، وعدم تدخل القوات النهرية ممكن أن يستغل الدواعش هذا الغياب فيتسللون عبر الأنهار أو كسر السدود وبث السموم المميتة للبشر والحيوان على حد سواء .
ومن هنا جاءت مشكلة القضاء على داعش ، فالتنسيق بين تلك الأصناف يبدو أنه من الصعب تحقيقه ، فالسلاح الجوي تسيطر عليه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ، والقوات البرية تنقسم الى قسمين : الأول رسمي تسيطر عليه الحكومة العراقية والقيادة العامة للقوات المسلحة ، والثاني هم متطوعو الشحد الشعبي الذي حققوا إنجازات لم تكن بالحسبان ، وهذا القسم في حقيقة الأمر يسيطر على الجزء الأكبر منه الإيرانيون ، لذا نجد تلك الصعوبة في التنسيق بسبب اختلاف القيادات الميدانية ، لا بل الأشد من ذلك هو وجود تقاطع بين بعضها وهو نلمسه جلياً بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وفصائل الحشد الشعبي الذي تقوده خططه إيران ، وهذا التقاطع هو انعكاس للصراع الأمريكي الإيراني في كثير من ملفات المنطقة مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق إضافة الى ملفات خاصة مثل الملف النووي الإيراني .
ويمكن تفكيك هذا الصراع الى صراع بين إيران وحلفاء الأمريكان في المنطقة وهي السعودية بدرجة اساس وقطر وتركيا ودول الخليج عموماً والأردن ومصر ، وهذا الصراع لا يتوقع أن ينتهي في السنوات القليلة القادمة ، وبالتالي فإن داعش قد استفادت كثيراً من ذلك الصراع بل هي وليدة ذلك الصراع ، والطرفان تمكنا من استثماره أفضل استثمار لصالحه ، فدول الخليج استخدمته للتدخل في العراق وسوريا وحتى اليمن من دون أي ردود فعل دولية يمكن أن تعرقل تدخلها هذا ، وإيران كذلك تمكنت من بسط نفوذها بشكل لم تعهده الساحة العراقية وأمام مرأى الجميع ، فأغلب فصائل الحشد الشعبي جهّزتها إيران بأحدث ومختلف الأسلحة وتستعرضها بين الحين الآخر أمام وسائل الإعلام من دون أن يدّعي أحد أن هذا التجهيز من قبل الدولة لا علنياً ولا سرياً ، وهي بذلك تقفز قفزة طويلة نحو بسط سيطرتها العسكرية والتي ممكن أن تؤثر على المشهد السياسي وبالتأكيد الاقتصادي والثقافي .
وهذا النفوذ الإيراني سيجعل من العراق قريباً من محور الممانعة الذي تقوده إيران بالتعاون سوريا وحزب الله في لبنان وبإسناد من روسيا ، وإذا كان العراق ككل يصعب أن يكون طرفاً في محور الممانعة فإن الشيعة على الأقل سيكونوا كذلك خاصة إذا تحققت خظة بايدن في تقسيم العراق ونجح السنة في إقامة إقليم سني بعد الإقليم الكردي .
ففي ظل هذا التعقيد الإستراتيجي الذي أوصلته دول جوار العراق وبوصايا دولية من قبل الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوربية سوف لن نتوقع – ونأمل أن يكون توقعنا ليس في محله – أن يكون القضاء على داعش بهذه السهولة إلا أن يتحقق منه الهدف الذي من أجله نشأت داعش ، أو لأسباب تكتيكية فرضتها المرحلة ، أو هو نهاية لمرحلة من مراحل التطرف الذي اعتاد المستكبرون على استغلاله لمصلحتهم كي تبدأ مرحلة ثانية منه بإسم آخر ، فكما كان الإرهاب في السابق بإسم (القاعدة) وبن لادن والظواهري فأصبح الآن (داعش) والبغدادي والعدناني ، لذا قد نقضي على داعش ولكن علينا أن نتهيأ للوريث والخليفة الجديد لها .
والأمر مرهون بوعي الشعب العراقي وسياسييه وقياداته المبسوطة اليد والمؤثرة في المجتمع العراقي ، فإذا تمكن الشعب العراقي من فهم ما يحدث في محيطه من مخططات يمكن أن ينتج عنه ساسة واعون يفكرون بمصلحة بلدهم ويتركوا مصالحهم الشخصية والحزبية ، وسيكون الشعب في المرصاد لكل من يغير من هذه السياسة الوطنية ، وبعكس ذلك فسوف تكون الحرب على داعش أكثر من ثلاث سنوات (المدة التي أعلنها البيت البيضاوي الأمريكي ) لأننا سنبقى أسراء بأيدي غيرنا تابعين متأثرين مخدرين ببعض العناوين البراقة والمقدسة التي تسوقنا يمنة ويسرة الى مصير مجهول .