ينعقد المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” 2023، في الفترة من 16 إلى 20 يناير، تحت عنوان “التعاون في عالم مجزأ”، وذلك وسط أزمات عالمية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن هناك محاولات لإظهار بعض السعي للعمل من أجل وضع حلول فعالة قد تخفف من الركود الاقتصادي العالمي، مرورًا بأزمة التغير المناخي، وليس انتهاءً بالحرب التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، حيث وضعت هذه الحرب العالم أمام تحدٍ صعب وهو كيفية القدرة على تخطى آثارها المدمرة التي طالت العالم بأجمعه.
سيجمع المنتدى نحو 2700 مسؤول من 130 دولة، ويشمل الحضور هذه السنة أكثر من 370 شخصية عامة تمثل حكومات ومنظمات دولية، وأكثر من 1500 من قادة الأعمال و90 مبتكرًا. ويشارك في الاجتماع 56 وزيرًا للمالية و19 محافظًا للبنوك المركزية و30 وزيرًا للتجارة و35 وزيرًا للخارجية؛ لمناقشة العديد من الموضوعات المتداخلة والمتشابكة، ولا توجد قضية تطغى على أهمية الأخرى. وتتمثل الموضوعات المطروحة للمناقشة في: كيفية تجنب مخاطر حدوث ركود عالمي في عام 2023، وكيفية ضمان عدم تراجع الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ، وأزمة الطاقة العالمية، وعدم الاستقرار الجيوسياسي، ومخاطر الأمن السيبراني، والأمراض والأوبئة.
لذا فإن المشاركين في المنتدى هذا العام يدركون حجم التحديات التي تواجههم، وإن كان أبرز أولوياتهم هو العمل على تفادي فترة الركود الاقتصادي والتي تبدو شبه حتمية، وهو ما أشار إليه رئيس منتدى “دافوس” بورغه برنده أن المنتدى ينعقد هذه السنة “في ظل وضع جيو – سياسي وجيو – اقتصادي هو الأكثر تعقيدًا منذ عقود”.
ذلك إلى جانب الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعيتها على الاقتصاد والأمن الغذائي والطاقة حول العالم، وهو ما سعى المنتدى إلى تخصيص حيز واسع لبحث تباطؤ جهود مكافحة التغير المناخي، والتي توجد على التوازي مع مظاهرات واسعة تندد بافتتاح مناجم فحم جديدة في ألمانيا والمملكة المتحدة، وتطالب بالالتزام ببنود اتفاقية باريس 2015، وإن لم تنجح هتافات المتظاهرين في تذكير قادة العالم بالتهديد المناخي، فإن تراجع كثافة الثلوج كفيل بذلك.
الأزمة الاقتصادية العالمية تؤثر على مستوى الحضور
تلاحظ أنه للسنة الثانية على التوالي لم يوجه المنتدى دعوة للمسؤولين الروس للحضور؛ ردًا على الحرب التي تشنها ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي. وفي المقابل، أكدت أوكرانيا مشاركتها بوفد رفيع، وسط توقعات بأن يشارك الرئيس زيلينسكي عبر تقنية الفيديو، ويُتوقع أيضًا أن يكرر دعواته إلى تسليح بلاده وضرورة حماية القانون الدولي واحترام سيادة الدول. وتوقع البعض أن يستغل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش المنتدى لتوحيد صفوف المجتمع الدولي وراء مقترح لوقف إطلاق النار بموافقة الجانبين الروسي والأوكراني، بالتزامن مع حلول عام على اندلاع الحرب.
وبالتالي نجد أن الأزمة الاقتصادية العالمية كان لها تأثير كبير على مستوى الحضور، إذ تقتصر مشاركة قادة مجموعة السبع هذا العام على المستشار الألماني أولاف شولتس، واكتفت الولايات المتحدة بوفد رفيع يقوده المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري، ويُتوقع أن تمثل الاتحاد الأوروبي رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، وفي ظل محاولات الصين للعمل على طي صفحة جائحة “كوفيد-19” وتعزيز دورها، فقد أوفدت الصين نائب رئيس وزرائها “ليو هي”، في أرفع مشاركة لها في المنتدى منذ بداية الجائحة، وبالتوازي مع مشاركة بكين، خصص المنتدى عدة جلسات لبحث التحديات الجيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتعطل سلاسل الإمداد العالمية.
تحذيرات مخيفة
حذر المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير صادر له بعنوان “المخاطر العالمية 2023” والذي صدر قبل أيام من عودة مخاطر سابقة ووجود مخاطر جديدة، وتتمثل المخاطر السابقة في: التضخم، وارتفاع أسعار المعيشة، والحروب التجارية، وتدفق رؤوس الأموال خارج الأسواق الناشئة، وتفشي الاضطرابات الاجتماعية، والخلافات الجيوسياسية، وشبح الحرب النووية.
وتتمثل المخاطر الجديدة في أن أزمتي جائحة “كوفيد-19” والتي تلتها “الحرب الروسية- الأوكرانية”، شكلتا أزمة زيادة أسعار الغذاء نتيجة التضخم، وهو الخطر العالمي الأول خلال العامين المقبلين، والذي قد يسبب توترات شديدة في عدة مناطق من العالم، ويرفع أعداد الفقراء حول العالم، ويتجاوز المخاطر المناخية، بسبب الضغط على إمدادات الغذاء والطاقة والمتوقع أن يستمر. وعلاوة على ذلك، تشكل أزمة التغير المناخي أزمة عالمية على المدى الطويل.
وذكر المنتدى في تقريره أن أهم مخاطر تظهر مدى شدتها خلال العالم 2023، هي (أزمة إمدادات الطاقة – أزمة تكلفة المعيشة- ارتفاع معدلات التضخم – أزمة الإمدادات الغذائية – الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية).
وأضاف التقرير أن هذه المخاطر تمثل تهديدات طويلة الأمد، وخاصة تغير المناخ وانهيار التنوع البيولوجي. ومن خلال استبيان في التقرير الصادر عن المنتدى ضم 1200 خبير وصانع قرار أشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تعاون عالمية عاجلة. وأوضح التقرير أن الوباء العالمي والحرب في أوروبا أديا إلى وضع أزمات الطاقة والتضخم والغذاء والأمن في المقام الأول، وخطورة الوصول إلى خطر استقطاب المجتمعات عبر التضليل أو حتى الحروب جيو – اقتصادية.
وحذر التقرير من أنه إن لم يبدأ العالم في التعاون بشكل فعال بشأن التكيف المناخي، فإن السنوات العشر القادمة ستؤدي إلى مزيد من الاحتباس الحراري والانهيار البيئي توازيًا مع الأزمات المرتبطة بالتنافس الجيوسياسي، في ظل غياب الاستثمارات في الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، مما يفاقم من تآكل التماسك الاجتماعي.
وبالتالي يمكن القول، إنه من المفترض أن يتفق هؤلاء القادة على الخروج بخطط وبرامج واضحة حول إصلاح الوضع الراهن، خاصة وأن هذا المنتدى ينعقد في وقت شديد الحساسية؛ ما بين دول تنهار اقتصاديًا وأزمات غذاء عالمية، ودول تواجه كوارث مناخية، ودول تحت وطأة الفقر والجوع نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، والصراعات التي شكلت تهديدًا واضحًا على سلاسل إمداد الغذاء العالمية.
.
رابط المصدر: