- يتمثل الهدف العملياتي الرئيس لإدارة بايدن في تقليص قدرات الحوثيين على استهداف السفن في البحر الأحمر، غير أنه ما لم يكن هناك تغيير كبير في السياسة فإن نطاق الضربات الأمريكية في اليمن سيظل تكتيكياً ومحسوباً.
- يسمح تصنيف الحوثيين “مجموعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص” للحكومة الأمريكية بتجميد أصول أفراد وكيانات تقدم الدعم للجماعة وأي فروع أو واجهات أو شركاء تابعين لها، مع بعض الاستثناءات.
- يمكن للضربات الجوية المستمرة العمل على تقليص بعض قدرات الحوثيين العسكرية بشكل بطيء، خاصة قدرتهم على إطلاق الصواريخ المضادة للسفن، غير أنه ليس بوسع هذه الهجمات فعل الكثير لمنع استخدام المسيرات والألغام البحرية ضد السفن.
- في ظل الظروف الراهنة، تبرز ثلاثة أولويات أمام الولايات المتحدة لاحتواء التهديدات الحوثية: مصادرة الأسلحة القادمة من إيران عبر البحر؛ والعثور على مواقع إطلاق الصواريخ ومهاجمتها؛ وزيادة حدة الضربات الجوية لإضعاف الحوثيين وإبقائهم في حالة الدفاع.
تشنّ الولايات المتحدة وبريطانيا منذ 12 يناير 2024 ضربات ضد أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، في الوقت الذي تواصل الجماعة المدعومة من إيران استهداف السفن التجارية في أثناء عبورها البحر الأحمر. وأشارت الضربات إلى عزم إدارة بايدن شنَّ حملة مستدامة ومفتوحة ضد الجماعة التي عرقلت حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وتواصل الهجمات الأمريكية والبريطانية ضرب أهداف متعددة في كل موقع باليمن على نطاق أوسع من سلسلة الهجمات المحدودة ضد مواقع منفردة لصواريخ الحوثيين. وتركزت سلسلة الضربات الأخيرة على مواقع للصواريخ وأنظمة الرادار وقدرات المسيرات التي تُعَدُّ ضرورية لشن الحوثيين اعتداءات ضد حركة النقل التجاري في المياه ا لدولية.
ويتمثل الهدف العملياتي الرئيس لإدارة بايدن في تقليص قدرات الحوثيين، غير أنه ما لم يكن هناك تغيير كبير في السياسة فإن نطاق الضربات يُعَدُّ تكتيكياً ومحسوباً، وتُشكِّل محاولاتٍ لتحديد قواعد للاشتباك، وإضعاف قوة نيران الحوثيين، وتوجيه رسالة للحركة بأنها ستتعرض لمزيد من الاستهداف الدولي في المستقبل على نطاق أكثر كثافة واتساعاً في حال استمرار الاعتداءات ضد الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ولعل من غير المفاجئ، على المستوى الفني، اتخاذ التحالف الأمريكي-البريطاني قراراً بالتصرف. وبعثت الولايات المتحدة بعدد من المدمرات التي تحمل نظام “إيجيس” القتالي للمساعدة في حماية الملاحة الدولية، والقيام بدور مزدوج يَتَمَثَّلُ باعتراض مسيرات الحوثيين وصواريخهم، ومساعدة السفن التجارية التي قد تواجه مشكلات. وأرسلت بريطانيا السفينة “دايموند” التي تُعَدُّ واحدة من أفضل سفنها الحربية. ويُعَدُّ نظام “إيجيس” القتالي أحدث نظام للقتال البحري لدى سلاح البحرية الأمريكي، حيث يحتوي كل نظام على نحو 100 صاروخ. لكنْ لا يمكن إعادة تزويد أي من السفن الأمريكية أو البريطانية في أثناء وجودها في البحر، ما يعني أن قدراتها على “البقاء في المعركة” محدودة في حال استمرار المعارك لمدة طويلة على نطاق أوسع. كما أن استخدام أنظمة الدفاع الصاروخي مكلف، حيث تصل كلفة صاروخ من طراز “أس أم-2” إلى نحو 2.1 مليون دولار. كما يستغرق إنتاج هذه الصواريخ وقتاً يصل إلى سنوات.
وأثبت الحوثيون قدرتهم على رفع طاقتهم الهجومية، وذلك بشن هجمات ضد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية باستخدام صواريخ بالستية مضادة للسفن. وامتنع الحوثيون في الماضي عن مهاجمة السفن الحربية الأمريكية، واعتمدوا في هجماتهم على المسيرات الانتحارية وصواريخ كروز المضادة للسفن. وتتسم مسيرات الحوثيين بالبطء في التحليق، إضافة إلى استخدامها محركات صغيرة تعمل بالبنزين ومراوح للدفع أو بطاريات. كما تتسم هذه المسيرات بالتحليق لمسافات قصيرة. لكنَّ صواريخ كروز المضادة للسفن التي يستخدمها الحوثيون تُعَدُّ أكثر فاعلية لأنها تعمل بمحرك صاروخ نفاث، وتسير ما دون سرعة الصوت، غير أن بالإمكان رصدها بالرادار، ما يجعلها أكثر سرعة، الأمر الذي لا يمنح للمدافعين القليل من الوقت للتصدي لها. ويعني هذا أيضاً أن بالإمكان تدميرها فقط باستخدام أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية. ويمتلك الحوثيون الكثير من الصواريخ البالستية المضادة للسفن التي زودتهم بها إيران.
ولعل من المحتمل أن نطاق وحجم الصواريخ البالستية المضادة للسفن التي استخدمها الحوثيون لاستهداف سفن التحالف، بالرغم من التحذيرات الأمريكية السابقة وقرارات الأمم المتحدة التي تطالب بوقف اعتداءات الحوثيين البحرية، هو ما دفع واشنطن ولندن لاتخاذ القرار بضربهم وعدم البقاء في وضع الدفاع. وقالت إدارة بايدن إنها لا تسعى إلى توسيع نطاق الصراع في الشرق الأوسط، وتعهَّدت باحتواء الآثار الإقليمية للحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة، غير أنها في الوقت نفسه أكدت بأنها لن تتردد في العمل لحماية حرية الملاحة.
وقررت الكثير من شركات الشحن التجاري تجنُّب الممر البحري الحيوي في البحر الأحمر واستخدام الرحلة الأطول بين آسيا وأوروبا عبر رأس الرجاء الصالح. ودعم كلٌّ من استراليا والبحرين وكندا وهولندا الضربات الأمريكية والبريطانية الأخيرة، والتي جاءت رداً على عشرات الهجمات “غير المسبوقة”، والتي أثَّرَت في مصالح أكثر من 50 دولة، بحسب تصريحات الرئيس بايدن عند شنَّ أولى الضربات. لكنَّ هذه التصريحات لم تتطرق إلى إيران التي تُعَدُّ الداعم والمزود الرئيس للحوثيين بالسلاح.
تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
اتخذت إدارة بايدن خطوة مهمة أخرى في مجال الإكراه الدبلوماسي والاقتصادي، في 17 يناير 2024، وذلك بإعادة تصنيف الحوثيين “مجموعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص Specially Designated Global Terrorist (SDGT) group”، إدراكاً من الإدارة الأمريكية بمحدودية الخيار العسكري. وكانت واشنطن قد أزالت الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية Foreign Terrorist Group (FTO) عام 2021 لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن هذا التصنيف “أداة مهمة لعرقلة التمويل الإرهابي للحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم”.
ويسمح تصنيف الحوثيين “مجموعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص” للحكومة الأمريكية بتجميد أصول أفراد وكيانات تقدم الدعم للجماعة وأي فروع أو واجهات أو شركاء تابعين لها، مع بعض الاستثناءات. وهناك فرق بين تصنيف الحوثيين السابق والحالي، حيث يُشبِّه بعض الخبراء في مجال العقوبات التصنيف السابق بأنه معالجة مشكلة باستخدام سكين أو مشرط في حين أن الحالي يشبه استخدام المطرقة الثقيلة.
ويتضمن كلا الخيارين عقوبات اقتصادية، غير أن التصنيف السابق يذهب إلى حد أبعد بحيث يفوض فرض العقوبات بشكل آلي على أي مجموعة تقوم عن علم بتوفير “الدعم المادي” أو الموارد إلى تنظيم مُصنَّف على أنه إرهابي، ويُعَرِّض هذه المجموعات للملاحقة الجنائية. كما أن قائمة التنظيمات الإرهابية موضوعة من جانب الكونجرس الأمريكي، وبالتالي تمنح الرئيس حرية عمل أقل حول زمان وكيفية فرض العقوبات بسبب انتهاك ذلك التصنيف. لكنَّ التصنيف الحالي يأتي من خلال أمر تنفيذي، وبالتالي يمنح الرئيس حرية أكبر حول زمان وكيفية تطبيق تلك العقوبات. بعبارة أخرى فإن التصنيف الأخير يعني إمكانية وجود مرونة تنفيذية من ناحية تقديم استثناءات في استهداف مجموعات تقدم الدعم لكيان مصنف على أنه إرهابي.
ويُعَدُّ هذا الفرق مُهماً بالنسبة لمنظمات الإغاثة التي تُقدِّم المساعدة الإنسانية للمدنيين اليمنيين الذين يواجهون مجاعة وظروف معيشة سيئة بعد عقد من الحرب. وهناك دوماً مخاطر من احتمال وصول الإمدادات الغذائية الأساسية التي تقدمها المنظمات الاغاثية للمدنيين اليمنيين إلى أيدي زعماء الحوثيين، الذين قد يُعيدون بيعها لتمويل مجهودهم الحربي. وفي هذه الحالة، قد تجد منظمات الإغاثة نفسها في مثل هذا الموقف، واحتمال اتهامها من جانب الادعاء العام الأمريكي بتقديم الدعم المادي للإرهاب.
وحتى شركة الشحن التي سلَّمت هذه الإمدادات وشركة التأمين التي اكتتبت في شركة الشحن يُمكِن استهدافها بموجب القانون الأمريكي والكونجرس الأمريكي بتهمة مُساعدة مُنظّمة إرهابية. وبموجب قائمة مجموعة المُنظّمات الإرهابية الأجنبية “أف تي أو” (FTO)، ثمة مخاطر أكبر لجميع الأطراف في سلسلة التوريد هذه. وهذا الخطر هو في بعض الأحيان كل ما يتطلّبه الأمر بالنسبة للشركات للضغط على وقف أي تدفّقات للإمدادات إلى اليمن.
وهذا هو السبب في أن إدراج الكيانات ضمن قائمة المُنظّمات الإرهابية الأجنبية يُعرّض الكثير من المُنظّمات الإنسانية بشكل كبير للمسؤولية الجنائية، ما يجعلها مُتوتّرة للغاية. ففي حين لا توجد طريقة سهلة لتجنّب العواقب وفق هذا التصنيف، فإن التصنيف الآخر وهو “قائمة الكيانات الإرهابية العالمية المصنّفة تصنيفاً خاصاً (أس دي جي تي SDGT)”يوفِّر المرونة للإدارة الأمريكية في تنفيذ العقوبات. ويُمكن أن يأتي الإعفاء من العقوبات بحسب التصنيف الأخير في شكل تراخيص واستثناءات للتخفيف من الضرر الناجم عن العقوبات. ويبقى أن نرى فيما إذا كانت مُنظّمات عالمية مثل “لجنة الإنقاذ الدولية”، وهي مُنظّمة إنسانية رائدة، ستستفيد من هذه المرونة الإدارية. وليس من المُستغرب أن ينتقد العديد من المُشرّعين الجمهوريين بشدّة إدارة بايدن لعدم اتخاذها إجراءات كافية في فرض العقوبات على الحوثيين. ومن وجهة نظرهم، فإن تصنيف الجماعة ضمن “قائمة الكيانات الإرهابية العالمية المصنّفة تصنيفاً خاصاً” هو نسخة “مُخفّفة” من خيار قائمة المُنظّمات الإرهابية الأجنبية، ويهدف لاسترضاء الجماعة المُتمرّدة المدعومة من إيران.
في الواقع، لا يُمكن أن يكون للتصنيفين تأثير كبير في تغيير سياسات الحوثيين. فعلى الرغم من كل شيء، لا تُدير الجماعات الإرهابية مواردها المالية عبر النظام المالي الغربي الدولي، ومن خلال حسابات شبكة سويفت الدولية؛ فاليمن معزول بالفعل إلى حدٍّ كبير عن النظام المالي الدولي بعد سنوات من الحرب، كما أن الحوثيين ورعاتهم في طهران على دراية جيّدة بكيفية تجنُّب العقوبات الغربية، ما يُثير تساؤلاً مُهماً حول مدى التأثير الكبير الذي يُمكن أن يُحدثه هذا التصنيف الجديد لجماعة الحوثيين. وثمة فرصة مُمكنة فقط لأن يؤدّي هذا التصنيف إلى إعاقة تدفُّق الأموال والإمدادات إلى الحوثيين من خلال شبكات التجارة غير المشروعة التي تُراقبها أجهزة الاستخبارات الأمريكية وخبراء العقوبات بالفعل. وهذا هو السبب الذي قد يجعل الجهود غير العسكرية في دبلوماسية الإكراه، في تصنيف الجماعات الإرهابية وفرض العقوبات عليها، رمزية أكثر من أي شيء آخر.
حدود الإجراءات الأمريكية
من المُرجّح أن تستمر الهجمات الحوثية على سفن الشحن في البحر الأحمر، وستواصل الولايات المتحدة وقوات التحالف محاولاتهم لوقف تدفّق الأسلحة إلى اليمن من إيران وتدمير الأسلحة في اليمن قبل إطلاقها. وعلى سبيل المثال، ذكرت البحرية الأمريكية، في 16 يناير، أنها صادرت أسلحة بالقرب من سواحل الصومال أرسلتها إيران لإعادة إمداد المُتمرّدين الحوثيين في اليمن. وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن قوات البحرية الأمريكية عثرت على الأسلحة خلال غارة ليلية على مركب شراعي، وقد تضمّنت تلك المعدّات أسلحة تقليدية مُتقدّمة “فتّاكة”، وربما مكوّنات لصواريخ باليستية إيرانية الصنع، وكذلك صواريخ من طراز “كروز”. مع ذلك، يظل من الصعب للغاية ردع الحوثيين بفعالية. وحتى أن الضربات الجوية من المُرجّح أن تُحقّق نجاحاً محدوداً. ومن المُتوقّع أن تؤدّي هذه العمليات العسكرية في أحسن الأحوال إلى منع الحوثيين، وردع هجماتهم جزئياً. وسيظل هدف الولايات المتحدة يتمثّل في إضعاف القوة العسكرية للحوثيين، ولكن ليس القضاء عليها تماماً. وبهذا المعنى، من غير المُرجّح أن تقضي الضربات الجوية الأمريكية البريطانية في ممرات الشحن في البحر الأحمر تماماً على تهديد الحوثيين.
ومن المُهم أيضاً ملاحظة أنّه من وجهة نظر الولايات المتحدة، تَزامَن هذا الصراع بشكل مأساوي مع ظهور بعض الضوء في نفق السلام في اليمن. وكما قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ مؤخراً: “من المُفارقات أن عملية السلام الداخلية في اليمن الآن هي في أفضل مراحلها خلال السنوات الثماني من هذا الصراع. يُمكننا في الواقع أن نبدأ في رؤية نهاية للحرب، وثمة خارطة طريق للقيام بذلك اتفق عليها الطرفان؛ لذا، علينا الابتعاد عن الهجمات على سفن الشحن والعودة إلى التركيز على جهود السلام في اليمن”. لا تزال هناك العديد من الخطوات التي لم تُتَّخَذ لترسيخ تسوية سلمية بين الحوثيين والسعوديين، بما في ذلك آلية دفع الأموال للمُقاتلين الحوثيين السابقين الذين يعملون الآن في أدوار إدارية محليّة، حيث يُصبح وضع مثل هذه التدابير أكثر صعوبة في خضم تزايد الأعمال العدائية بين القوات الأمريكية والحوثية.
وأخيراً، ثمة خطر أيضاً من أن الهجمات الغربية قد تُعزّز شعبية الحوثيين في الشرق الأوسط، وفي داخل اليمن. ويهدف الحوثيون إلى تركيز هجماتهم ضد ما يعتبرونه سُفناً مُرتبطة بإسرائيل لتعزيز نفوذهم المحلّي والإقليمي، وإظهار نفسهم لاعباً رئيساً، والاستفادة من المشاعر المؤيّدة للفلسطينيين في المنطقة. وقد أشعلت الضربات الغربية ضد الحوثيين مُظاهرات حاشدة في اليمن، حيث سار عشرات الآلاف من الأشخاص في المدن الرئيسة في البلاد احتجاجاً على ذلك. كما تُدرك واشنطن بوضوح أن الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك السعودية، حذرون بشكل خاص من التورّط العلني بهذا النزاع، والانجرار مرة أخرى إلى الصراع الذي طال أمده في اليمن.
الاستنتاجات
في نهاية المطاف، تبقى قدرة الحوثيين على إيذاء الولايات المتحدة محدودة للغاية، لأنه لا يوجد شيء تقريباً يُمكن للجماعة القيام به لإلحاق الضرر المُباشر بالقوات والمعدّات الأمريكية. ولكن ماذا لو صعّد الجيش الأمريكي القتال من خلال تنفيذ المزيد من الضربات الجوية لاختراق مواقع الحوثيين، حيث يُمكن أن تحاول الجماعة الرد عليها عندئذٍ من خلال مُهاجمة دول الإقليم. فثمة إدراك مُتزايد بأنه لا يوجد خيار أو سيناريو جيد لواشنطن في البحر الأحمر، حيث اعترف الرئيس بايدن نفسه بالفشل في وقف هجمات الحوثيين. ومع ذلك، هناك حملة عسكرية مُستمرّة ومفتوحة تستهدف الجماعة على الرغم من خطورة عرقلة السلام الهش في البلد الذي مزقته الحرب، وجرّ واشنطن إلى صراع آخر لا يمكن التنبؤ به في الشرق الأوسط.
ومن المُرجّح أن يظل الحوثيون الفصيل الأقوى في الحرب الأهلية المُستمرّة منذ فترة طويلة في اليمن، وسيواصلون تأطير حملتهم، التي شملت أكثر من 35 هجوماً بالصواريخ والطائرات من دون طيار على السفن التجارية وقطع البحرية منذ نوفمبر، كوسيلة للضغط على إسرائيل، وتعزيز موقفهم وسط مُعارضة إقليمية واسعة النطاق للدولة اليهودية. كما أن الاهتمام الإعلامي العالمي الذي يحصلون عليه من هجمات البحر الأحمر غير مسبوق، وهذا يُعدّ مكسباً استراتيجياً لكيانٍ مُتعطّش للاعتراف الدولي والإقليمي.
إن أفضل ما يُمكن للبنتاغون أن يُحقّقه في المعركة ضد الحوثيين هو إضعاف قدراتهم، من دون وجود أي فرصة واقعية لتدمير الجماعة. ويعتقد معظم المحللين العسكريين في واشنطن على دراية بقدرات الحوثيين أن الحركة تمتلك المرونة في مواجهة الضربات الأمريكية، نظراً لامتلاكها مواقع تحت الأرض للتجميع والتصنيع تعود إلى الفترة التي تمكنت فيها الحركة من مصادرة ترسانة الجيش اليمني آنذاك عندما سيطرت على صنعاء قبل عقد من الزمن. وتمكَّن الحوثيون منذ عام 2014 من حشد ترسانة تزداد فتكاً من صواريخ كروز والصواريخ البالستية والمسيرات التي حصلت عليها من إيران. كما تدرك وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن كبار قادة الحوثيين تعلموا على أيدي مدربين من “حزب الله” اللبناني كيفية تحسين قدرتهم على التكيف والمرونة ومهارات التجميع الفني والتصنيع. ويُعتَقدُ أن الحوثيين يعملون عند تعرضهم للهجوم على إخفاء راجمات الصواريخ المتنقلة في عدد من المواقع تحت الأرض. لذلك فإن راجمات الصواريخ تمتلك قدرة كبيرة على التحرك بسرعة. كما ينطبق الأمر على أنظمة الرادار المجهزة على قوارب الصيد، والتي تستخدم لجمع المعلومات الاستخباراتية لغايات العمليات الدفاعية أو الهجومية في البحر الأحمر.
ويمكن للضربات الجوية المستمرة العمل على تقليص بعض قدرات الحوثيين العسكرية بشكل بطيء، خاصة قدرتهم على إطلاق الصواريخ المضادة للسفن، غير أنه ليس بوسع هذه الهجمات فعل الكثير لمنع استخدام المسيرات والألغام البحرية ضد السفن. وتنتشر المسيرات والمنشآت المستخدمة في تصنيعها وتجميعها في أرجاء المناطق الشمالية الغربية من اليمن. وتقع معظم هذه المنشآت إمّا تحت الأرض أو في مناطق حضرية مكتظة بالسكان. ويستطيع الحوثيون استخدام المسيرات والألغام البحرية لأشهر إن لم يكن سنوات حتى في حال استمرار الحملة الجوية ضد الحركة.
لذلك، فإن الولايات المتحدة تفتقر إلى الخيارات الجيدة في ظل هذه الظروف. وتتمثل الأولويات الثلاث في الآتي: مصادرة الأسلحة القادمة من إيران عبر البحر؛ والعثور على مواقع إطلاق الصواريخ ومهاجمتها؛ وزيادة حدة الضربات الجوية لإضعاف الحوثيين وإبقائهم في حالة الدفاع.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/diblumasiat-al-ikrah-alhudud-alaistiratijia-lilamaliat-alaskaria-alamrikia-dhid-alhuthiiyn